أنور الجندي.. الفارس المجاهد في مواجهة (العلمنة) والتغريب
• حَمَلَ على كاهله مقاومةَ التغريب والتنصيروالاستشراق والغزو الفكري الذي يسلخ الأمة من جلدها، ويحاول تغيير وجهتها، وتبديل هويتها.
• درس في الجامعة الأمريكية؛ ليتقن اللغة الإنجليزية، ويستطيع متابعة ما يثار من شبهات حول الإسلام من الشرق والغرب ويقوم بالرد عليها.
• تميز بغزارة فكره وكتاباته وموسوعاته التي تقارب ثلاثمائة كتاب حول الصحوة واليقظة الإسلامية ومواجهة التغريب والفلسفات القديمة والتيارات الوافدة والدعوات الهدامة.
• حياة الجندي الاجتماعية كانت متوسطة يقتدي فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم في زهده وانصرافه عن متع الدنيا وزخارفه.
♦ ♦ ♦
يعد الكاتب والمفكر والمؤرخ الإسلامي أنور الجنديالذي قضى في يناير 2002م، عالما من طراز فريد، ومناضلا عنيدا في حقل مليء بالألغام، زرعه أعداء الإسلام في الشرق والغرب، فقد حمل على كاهله مقاومة التغريب والتنصير والاستشراق والغزو الفكري الذي يسلخ الأمة من جلدها ويحاول تغيير وجهتها، وتبديل هويتها، وإلغاء صبغتها الربانية ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ [البقرة: 138]، ووقف بالمرصاد لكل دعاة التغريب؛ يكشف زيفهم، ويهتك سترهم، وإن بلغوا من المكانة ما بلغوا، حتى رد على طه حسين وغيره من أصحاب السلطان الأدبي والسياسي.
واهتم الجندي بكشف الزيف والأباطيل التي راجت وانطلت على الكثير من المثقفين، فأخذ يحذر من كتب طفحت بالسموم والزيف، فكتب كتابه (سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية) محذرا من كتب لا يُعتمد عليها في التاريخ ولا في الدين، منها كتاب (الأغاني) وكتاب (كليلة ودمنة) وغيرهما من الكتب.
وقد خلف من ورائه ميراثا فكريا، شمل مؤلفاته وموسوعاته الإسلامية التي تربو على مئة كتاب، ذلك الميراث الذي يرسُم الطريق الصحيح أمام أجيال من الشباب المسلم في مواجهة تيارات التغريب والغزو الفكري والثقافي الذي يسعى إلى استئصال هذه الأجيال المسلمة من جذورها وتاريخها وهويتها الإسلامية الأصيلة.
وكانت حياة أنور الجندي الاجتماعية متوسطة أو أقل؛ يقتدي فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم في زهده وانصرافه عن متع الدنيا وزخارفها؛ فكان قانعا بالقليل من الرزق، راضيا بما قسم الله له، لا يطمع أن يكون له قصر ولا سيارة، حسبه أن يعيش مكتفيا مستورا، وكان بهذا من أغنى الناس.
وكان عالما ربانيا، ومن دلائل ربانيته ما ذكرته ابنته الوحيدة عنه أنه كان يحب أن يكون متوضئا دائما، فيأكل وهو متوضئ، ويكتب وهو متوضئ، فما خَطَّ الجندي كلمة عبر سبعين عاما منذ بدأ الكتابة، أو أكل لقمة إلا وهو على وضوء، وكان ينام بعد العشاء ثم يستيقظ قبل الفجر ليصلي التهجد، ويصلي الفجر، ثم ينام ساعتين بعد الفجر، ويقوم ليقضي بعض حاجات البيت بنفسه، وكان يخدم الجيران، ويملأ لهم (جرادل) الماء إذا انقطع الماء، ويضعها أمام شققهم.
ولم يكن ممن يسعون للظهور وتسليط الأضواء عليه، كما يفعل الكثيرون من عشاق الأضواء، بل عاش عمره راهبا في صومعة العلم والثقافة، يقرأ ويكتب، ولا يبتغي من أحد إلا الله سبحانه جزاء ولا شكورا.
وحمل خلال هذه السنوات الطوال ريادة مدرسة الأصالة الفكرية، وقيادة كتائب المقاومة في ميادين التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الفكري، وخلف من ورائه رصيدا فكريا وعلميا تفخر به الأمة، وتسير على نهجه الأجيال المسلمة لعدة قرون قادمة.
• بداية قرآنية:
ولد أنور الجندي عام 1917م بمدينة ديروط التابعة لمركز أسيوط بصعيد مصر، وكان جده لوالدته قاضيا شرعيا يشتغل بتحقيق التراث، ووالده يشتغل بتجارة الأقطان، إلى جانب حفاوته بالثقافة الإسلامية ومتابعة الأحداث الوطنية والعالمية، وكان بيت الجندي مغمورا بالصحف والمجلات وصور الأبطال من أمثال عبد الكريم الخطابي زعيم الريف المغربي، وأنور باشا القائد التركي الذي اشترك في حرب فلسطين - والذي كان ذائع الشهرة حينئذ - وباسمه تسمى أنور الجندي من قبل والديه تيمنا وإعجابا.
وقد حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية، ويسرت له ظروف والده التجارية أن يعمل وهو صغير ببنك مصر بعد أن درس التجارة، ثم واصل دراسته الجامعية في المساء حيث درس الاقتصاد والمصارف وإدارة الأعمال، وتخرج في الجامعة الأمريكية مجيدا للغة الإنجليزية التي درسها خصيصا ليستطيع متابعة ما يثار من شبهات حول الإسلام في الشرق والغرب ويقوم بالرد السديد عليها.
وبدأ الجندي رحلة الفكر والكتابة مبكرا؛ إذ نشر في مجلة "أبولو" الأدبية الرفيعة التي كان يحررها الدكتور أحمد زكي أبو شادي عام (1933)، وكانت قد أعلنت عن مسابقة لإعداد عدد خاص عن شاعر النيل حافظ إبراهيم، فجرد أنور الجندي قلمه، وأجاد في حافظ إبراهيم إلى حد أنه يقول: "ما زلت أفخر بأني كتبت في (أبولو) وأنا في هذه السن (17 عاما)، وقد فتح لي ذلك باب النشر في أشهر الجرائد والمجلات آنئذ مثل (البلاغ) و(كوكب الشرق) و(الرسالة) وغيرها من المجلات والصحف".
• مقاومة التغريب والغزو الفكري:
وبعد انطلاقه في الكتابة الصحفية والتأليف حمل الجندي على كاهله مقاومة التغريب والغزو الفكري، الذي يسلخ الأمة من جلدها ويحاول تغيير وجهتها، وتبديل هويتها، وإلغاء صبغتها الربانية (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)، ووقف بالمرصاد لكل دعاة التغريب، يكشف زيفهم، ويهتك سترهم، وإن بلغوا من المكانة ما بلغوا، حتى رد على طه حسين وغيره من أصحاب السلطان الأدبي والسياسي.
واهتم الجندي بكشف الزيف والأباطيل التي راجت وانطلت على الكثير من المثقفين، فأخذ يحذر من كتب طفحت بالسموم والزيف، فكتب كتابه (سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية) محذرا من كتب لا يعتمد عليها في التاريخ ولا في الدين، منها كتاب (الأغاني) وكتاب (كليلة ودمنة) وغيرهما من الكتب.
كما حذر من كتَّاب اشتهروا بيننا بالكتابات الإسلامية، فحذر من كتابات محمد حسين هيكل وما يعتريها من تفكير مادي، وكتب طه حسين وما يعتريها من تزييف لحوادث التاريخ، وكتب جورجي زيدان وما تطفح به من سموم ضد الإسلام، وأحقاد ضد حضارته وتراثه، ثم بيّن الدعاة الأصلاء من الدخلاء، وذلك في كتابه (اليقظة الإسلامية في مواجهة التغريب).
كما حذر من رموز سياسية أحاطتهم الدولة بهالة من التوقير، فكشف موقفهم من الإسلام وقيمه.
• مئة كتاب:
ويتميز الجندي بغزارة فكره وكتاباته، ومن كتبه الأولى كتاب (اخرجوا من بلادنا) الذي يخاطب فيه الإنجليز المحتلين، وقد كان هذا الكتاب سببا في سجنه واعتقاله لعدة أيام في عهد الملك فاروق، ثم أفرج عنه.
وللجندي كتب كثيرة تقارب ثلاثمائة كتاب، بعضها موسوعات، مثل كتابه (مقدمات المناهج والعلوم)، الذي نشرته دار الأنصار بالقاهرة وبلغت مجلداته عشرة من القطع الكبير. وموسوعته (في دائرة الضوء) التي بلغت الخمسين جزءا.
ومن أهم كتبه: أسلمة المعرفة.. نقد مناهج الغرب.. أخطاء المنهج الغربي الوافد.. الضربات التي وجهت للأمة الإسلامية.. اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار.. تاريخ الصحافة الإسلامية.. أقباس من السيرة العطرة.. السلطان عبد الحميد والخلافة الإسلامية.. اليقظة الإسلامية في مواجهة التغريب.. القيم الأساسية للفكر الإسلامي والثقافة العربية.. قضايا الشباب المسلم.. قضايا العصر ومشكلات الفكر تحت ضوء الإسلام.. قضايا مثارة تحت ضوء الإسلام.. وحدة الفكر الإسلامي: مقدمة للوحدة الإسلامية الكبرى.. هزيمة الشيوعية في عالم الإسلام.. نوابغ الإسلام.. نظريات وافدة كشف الفكر الإسلامي زيفها.. نحن وحضارة الغرب.. نحو بناء منهج البدائل الإسلامية للنظريات والأيديولوجيات والمفاهيم الغربية الوافدة.. موقف الإسلام من العلم والفلسفة الغربية.. مناهج الحكم والقيادة في الإسلام.. كيف يحتفظ المسلمون بالذاتية الإسلامية في مواجهة أخطار الأمم؟.. مقدمات العلوم والمناهج: محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل.. ابتعاث.. الأسطورة.. مواجهة جديدة تواجه الفكر الإسلامي.. آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب.. الاستشراق.. الإسلام تاريخ وحضارة.. الإسلام في أربعة عشر قرنا.. الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة.. الإسلام في وجه التغريب: مخططات التبشير والاستشراق.. الإسلام في وجه التيارات الوافدة والمؤثرات الأجنبية.. الإسلام والدعوات الهدامة.. الإسلامية نظام مجتمع ومنهج حياة.. أسلمة المناهج والعلوم والقضايا والمصطلحات المعاصرة.. أضواء على الأدب العربي المعاصر.. إطار إسلامي للفكر المعاصر.. أهداف التغريب في العالم العربي.. بناء منهج جديد للتعليم والثقافة على قاعدة الأصالة.. تاريخ الإسلام في مواجهة التحديات.. تاريخ الدعوة الإسلامية في مرحلة الحصار من حركة الجيش إلى كامب ديفيد.. تأصيل اليقظة وترشيد الصحوة.. التبشير الغربي.. تحديات في وجه المجتمع الإسلامي.. التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام.. ترشيد الفكر الإسلامي.. تصحيح المفاهيم في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية.. الثقافة العربية الإسلامية أصولها وانتماؤها.. جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام.. حتى لا تضيع الهوية الإسلامية والانتماء القرآني.. حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام.. حركة اليقظة الإسلامية في مواجهة النفوذ الغربي والصهيونية والشيوعية.. حقائق عن الغزو الفكري للإسلام.. سقوط العلمانية.. سقوط نظرية دارون.. سموم الاستشراق والمستشرقين.. الشباب المسلم: مشاكله وقضاياه في مواجهة تحديات العصر.. شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي.. الشعوبية في الأدب العربي الحديث.. الصحافة والأقلام المسمومة.. الطريق إلى الأصالة والخروج من التبعية.. عالمية الإسلام.. العودة إلى المنابع: دائرة معارف إسلامية.. الفكر الإسلامي والتحديات التي تواجهه في مطلع القرن الخامس عشر الهجري.. القاديانية: خروج على النبوة المحمدية.. المد الإسلامي في مطالع القرن الخامس عشر.. المرأة المسلمة في وجه التحديات.. الإسلامية نظام مجتمع ومنهج حياة.. المعاصرة في إطار الأصالة.. المؤامرة على الفصحى: لغة القرآن.. مستقبل الإسلام بعد سقوط الشيوعية.. أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب والعلمانية والتنوير الغربي: قضايا الأدب.
• الجندي ودعاة الحداثة:
وإذا وقفنا عند قضية واحدة من عشرات القضايا التي شغلت الجندي على مدي سنوات عمره المديدة، وهي قضية الحداثة ودعاتها، نجد أن الرجل كان على وعي كامل بهذه القضية، ونبه على خطورتها على الإسلام منذ بداية ظهورها، فكان يرى أن الحداثة ليست دعوة مرحلية من دعوات التغريب في مجال الأدب، وإنما هي شيء أكبر من ذلك؛ إنها ثورة على الثوابت الإسلامية الأساسية عن طريقٍ خافت الضوء، هو "الشعر" حتى لا تحدث ضجيجاً أو صياحاً يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصل إلى غايتها الخطيرة.
وهي تهدف أساساً إلى محاربة القيم الإسلامية وإزاحة فكرة الأصول الثابتة، بهدف تغليب طوابع التطور المطلق، والتغيير المتوالي الذي لا يعترف أساساً بالضوابط والحدود. وترمي إلى فتح الطريق أمام الحرية الإباحية، وتمجيد العلاقة الجنسية، والجرأة على أعلى القيم التي جاءت بها الأديان، وذلك بتحطيم هذه الضوابط والحدود.
ثم يقول الجندي: "وإذا ذهبنا نستعرض الدعاة إلى الحداثة نجدهم جميعاً من متعصبي الأديان الذين دأبوا على محاربة الإسلام واللغة العربية، واتخذوا شعار الحداثة ستاراً ينفثون من تحته سمومهم، ويظهر ذلك واضحاً في كتاب غالي شكري (شعرنا الحديث إلى أين؟)". ومنهم أدونيس.
والحداثة العربية هي ثورة متمردة على كل نظام وقاعدة وقانون، لأنها ترمي إلى هدم الضوابط والحدود والقيم والقواعد التي قدمها المنهج الرباني؛ إفساحاً للمنهج البشري القائم على التحول الدائم، ولذلك فإن دعاة الحداثة يهاجمون الثوابت التي قدمها الدين الحق في عنف شديد، ويصفونها بالجمود والمحافظة والتحكمات.
ويؤكد الجندي في كتاباته أن هذه المؤامرة قد وضعت قواعدها على أساس حركة الزندقة القديمة، وجماعة المجّان الذين كان على قيادتهم الشاعر "أبو نواس" الذي كان حاقداً على الإسلام، والذي جندته قوى الباطنية والمجوسية والقرامطة ليهدم عن طريق الشعر جميعَ مقومات الثبات الإسلامي في البيئة العباسية، وقد أعانه على ذلك مجموعة من الزنادقة والشعوبيين الذين تركوا تراثاً مسموماً استطاع المستشرقون إحياءه عن طريق شعوبي جديد يحمل في أعماقه جميعَ أحقاد المجوسية والباطنية.
ويرى أنور الجندي أن أدونيس قد وضع نظرية الحداثة على جملة أصول:
1 - نظرية التطوير المطلق التي نقلها من فكر هيجل في دعوته إلى إلغاء الثوابت، وهي نقيض نظرية أرسطو. وقد اصطنعتها القوى الصهيونية والماسونية لإحياء الفكر التلمودي وخلق نظرية تقول بأنه ليس هناك شيء ثابت أصلاً، وأن كل شيء متطور، وذلك لهدم ثبات الأديان والأخلاق والقيم. ويرون أن الإنسان هو محور العالم.
2 - إحياء الوثنيات القديمة، فقد كشفت رسالة أدونيس عن تقديره الوافر لفكر أبي نواس واهتمامه بفكر الملاحدة وأصحاب نظرية وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وإعادة إحيائها من جديد، وهي الخطة التي وضع قواعدَها المستشرق لويس ماسنيون.
3 - تحطيم عمود اللغة العربية. وهدف تحطيم الفصحى لغة القرآن هدف قديم وقد شارك فيه منذ بدأت حركة التعريب والغزو الثقافي: (ويلكوكس - لطفي السيد - سلامة موسى - سعيد عقل… إلخ)؛ أملاً من هؤلاء الدعاة بأن تحطيم اللغة العربية سيحولها إلى المتحف ويفسح الطريق أمام تفرق الوحدة القرآنية الإسلامية الجامعة.
4 - تحطيم عمود الشعر؛ وذلك إيماناً منهم بأن عمود الشعر هو القاعدة الأساسية للأدب والبيان العربي بعد القرآن والسنة، ومن هنا جاءت الحملة على الخليل بن أحمد وعلى كل الشعراء الملتزمين للنظم العربي الأصيل.
5 - مهاجمة منهج الثبات والقيم، وإطلاق اسم السلفية عليه، والسلفية هنا تعني المعتقد الديني، فالحداثة ترى أن الأفكار الباطنية والصوفية تحوُّل من الثبات الديني، بل تعد هذا التحول منطلقاً تاريخياً للحداثة العربية.
6 - تغليب مفاهيم السريالية (النظرة التي لا يحكمها العقل) أو ما يسمى "فوق الواقع"، وقوامها احتقار التراكيب العقلية والروابط المنطقية المعروفة والقواعد الأخلاقية والجمالية المألوفة والاعتماد على (اللاشعور) و(اللامعقول)، والرؤى والأحلام والحالات النفسية المرضية، ولا سيما حالات التحلل النفسي، ويعنون بالرغبات الجامحة.
7 - تغليب طوابع الجنس والإباحة استمداداً من مفهوم الإغريق وعبادة الجسد وإباحيات الوجودية التي دعا إليها سارتر، ونظرية التحليل النفسي الذي يعتمد الجنس وهي التي دعا إليها فرويد، ونظرية العلوم الاجتماعية التي دعا إليها دوركايم، وفتح أبواب المجون والجنس والإباحة والتحلل الاجتماعي.
ثم يقول الجندي: وقد عمد أدونيس - في سبيل صياغة هذه النظرية التي قدمها له شيخ المنظرين القس يوسف الخال - إلى استقطاب خيوط من التاريخ لتكون أدلة واضحة وأضواء كاشفة على الطريق، وذلك بالاعتماد أساساً على الفكر الباطني الفلسفي والاهتمام برموزه ومحاولة ربط الخطوات بتطور الشعر الحديث وبالمرحلة الأخيرة منه (قصيدة النثر وشعر التفعيلة) واختيار الحاقدين الجدد على نسق الحاقدين القدامى: أبي نواس ومهيار الديلمي، واعتماد الحركات التمردية الهدامة للمختار الثقفي والقرامطة.
ويؤكد الجندي أن الحداثة تهدف إلى تجاوز القواعد الأساسية للإسلام: قواعد الثوابت، وهي بمثابة الضوابط والحدود التي تحفظ شخصية الفرد والوجود الاجتماعي، وهي تحاول أن تخدع الناس بأن هؤلاء الرواد والرموز السابقين قد حطموا هذا القيد وتجاوزوه، وأن هذه المحاولة هي التي مكنتهم من الإبداع. وهم يدّعون أن الحداثة هي الثورة الدافعة لتجاوز التأخر والجمود والارتقاء إلى منطلق العصر.
وهذه المحاولة كاذبة ومضللة ومحكوم عليها بالسقوط؛ لأنها لا تقوم على أساس من الفطرة أو العلم أو الحق أو المنطق، وإنما هي نوع من التمويه الكاذب والخداع المضلل؛ لأن كل هؤلاء الذين اعتمد عليهم مفهوم الحداثة من رموز قديمة قد سقطوا فعلاً وداستهم الأقدام، ولم يدخلوا التاريخ إلا في باب الشعوبيين والباطنيين وأعداء الإنسانية، ولقد هُزموا فكرياً في عصرهم وذهب كل ما قالوه من أكاذيب وادعاءات، حتى جاء الاستشراق والغزو الفكري ليعيدهم إلى الحياة مرة أخرى.
• توهين سلطة الدين:
إن "دعاة الحداثة" هؤلاء إنما يدعون إلى توهين السلطة المطلقة - وهي الدين - والنيل من السيد الأعظم (الله تبارك وتعالى، جل وعلا عن كلماتهم المسمومة) ولن يتحقق يوماً أن تغلب الفئة الباطلة على النظام الرباني القائم في حكمه وقواعده، أو أي أصل من أصوله، مهما تجمع لهذا دعاة الشعوبية والباطنية.
ويرمي أدونيس إلى إلغاء كل قديم باعتبار أنه لا شيء في الوجود اسمه قديم، ويهدف من ذلك إلى إلغاء فهمنا للقرآن الكريم وأنه كلام الله القديم.
والحرية عند الحداثيين - كما يؤكد الجندي - هي التحلل من كل قيد ديني أو اجتماعي أو نظامي أو قانوني. وهم عندما يسمون الحداثة "الثورة المتجهة لتجاوز السلفية" يقصدون تجاوز قيم الدين والأخلاق، وحين يدعون إلى حرية اللغة يقصدون الخروج باللغة عن سياقها ومضمونها وتحررها من إطارها التاريخي والبلاغي المرتبط بالبيان العربي والقرآن الكريم.. وبالجملة فإن الحداثة "أيدلوجية مناهضة" للإسلام الدين الحق، والأخلاق.
• المراجـع:
1 - أنور الجندي.. راهب الثقافة والفكر - د. يوسف القرضاوي.
2 - أنور الجندي.. العالم الزاهد - مجلة الحج - أحمد أبو زيد - رجب 1423هـ/سبتمبر 2002م.
3 - الحداثة - أنور الجندي.
4 - أنور الجندي الزاهد الرباني الدؤوب - محمود خليل.
5 - أنور الجندي.. رجل بكته الأرض والسماء - عصام تليمة.
6 - بعض مؤلفات أنور الجندي - شبكة الإسلام على الإنترنت - 6 من فبراير 2002م.
للمزيد أنور الجندي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق