من بيع السيسي إلى مبايعته
كل الأجواء في مصر الآن تنبئ بأننا بصدد زفة مبايعة جديدة لعبد الفتاح السيسي، لا تختلف عن مبايعات حسني مبارك طوال ثلاثين عاماً في الحكم.
لا يختلف أداء السلطة والمعارضة عمّا كان، بل أن بقايا سلطة مبارك ومعارضته تلعب الأدوار ذاتها مع عبد الفتاح السيسي، الآن، ومن دون أي تجديد، على نحو يشي بأنه في أفضل الظروف لن تختلف حصيلة مهرجان انتخابات 2018 عن مهرجان انتخابات 2005 التي منحت مبارك إطلالة زائفة على العالم، بوصفه رئيساً بانتخابات تنافسية.
الفارق الوحيد، والكبير، بين مبارك والسيسي، أن الأول وصل إلى الحكم بمسار سياسي فرضته ظروف اغتيال أنور السادات، والثاني جاء وفق مسار إجرامي بعد اغتيال ثورة يناير، وقتل ديمقراطيتها الوليدة، وعملية إزاحة وإبادة لم تجف دماؤها حتى الآن.
المرّة الوحيدة التي اضطر فيها حسني مبارك لممارسة لعبة الصناديق كانت انتخابات 2005، إذ كان العالم يبدي انزعاجاً من فكرة الخلود في السلطة، فكان التفكير في شكلٍ يعفي داعمي استبداده وتبعيته من حرج الوقوع في تناقض بين ما يبشّرون به من ثقافة التغيير الديمقراطي، وممارساتهم الداعمة للتكلس والجمود والبلادة.
في ذلك الوقت، قرّر مبارك أن يصنع حلبة مبارزة، تتسع لعشرة أشخاص، يترشّحون ضده ليكسبهم جميعاً، ويقول ها أنا ذا الرئيس المنتخب، جئت عبر صناديق الاقتراع، فامنحوني شهادة الاستمرار.
تلك كانت النتيجة التي توحش بعدها نظام مبارك، ومضى في طريق الاستبداد والفساد والتبعية، مطمئناً وواثقاً من أن أحداً لن يوقفه، وإن أوقفه أحد سيخرج من معطفه شهادة ممهورة بختم الدينقراطية الزائفة، تقول إنه حاصل على ما يقرب من 90% فقط من الأصوات، مودعاً عصر المبايعة والاستفتاء الذي كان يمنحه 99% كل مرة.
ولا أظن أن معادلات المشهد الراهن تختلف عن الانتخابات الوحيدة في زمن مبارك، ذلك أن أياً من المبشّرين بلعب دور المنافس على مسرح السيسي يمتلك تناقضاً جوهرياً مع وجوده في الحكم، فهؤلاء لا يرون أنه جاء بانقلاب صريح، بل منهم من جرى استخدامه وسيلةً في قتل الديمقراطية، والثورة، وعلى الرغم من ذلك يصر على أنه مرشح الديمقراطية والثورة.
يقول لك ضابط الصاعقة، الدبلوماسي السابق، السفير معصوم مرزوق، إنه لا عسكرة ولا حكم عسكر في مصر السيسية، ولا يوجد انقلاب عسكري أصلاً، بينما كل الوقائع على الأرض تنطق بأن الحزب المحتكر للسلطة هو حزب الجيش الذي يتوسع ويتمدّد في المجال العام، حتى باتت مصر لا تعرف من المدنية سوى أنها تحتوي على هيئة تسمى "مصلحة المدنية" تابعة لوزارة الداخلية.
كان مرزوق ينفي العسكرة عن النظام، بينما يعلن المتحدث العسكري عن افتتاح كلية الطب التابعة للجيش، ويدعو الحاصلين على 95% في الثانوية العامة للتقديم فيها.
وأظنك لست في حاجة لتذكيرك بملف متخمٍ من عسكرة الدولة، بداية من جنرال العلاج بالكفتة، وليس انتهاءً بعسكرة نشاط كرة القدم الذي حول مدرجات الملاعب إلى منشآت عسكرية يحال جمهورها إلى القضاء العسكري، بتهمة المس بالأمن القومي.
يطالبك الضابط السفير، الخارج من عباءة حمدين صباحي، بأن تسكت عما جرى في الماضي وتصمت عن الدماء والظلم والفاشية، قبل أيام من ذكرى مذبحة القرن التي حصدت أرواح آلاف المصريين، كي يخلو طريق الجنرالات إلى الحكم، ثم لا يسمح لك بأن تقول إن هذا حكم عسكري.
كان مبارك في انتخابات 2005 يبحث عن"نيو لوك" جديد، فصنع منافسيه. وإمعاناً في ادّعاء الشفافية والحياد، قرّر أن يعرض برنامجه الرئاسي على فضائيةٍ خاصة، وليس تلفزيون الدولة، وسيفعل السيسي الشيء نفسه، سيطرح نفسه عبر فضائياتٍ خاصة، معلوم للكافة أنها جميعها تدار بمعرفة أجهزته، وسيسمح لمن يقع عليه الاختيار للمنافسة بالظهور على كل القنوات، وبأي عدد من الساعات، وسيوحي للجميع بأنه يخوض صراعاً شرساً، وسيبدع الممثلون في أداء أدوارهم المرسومة سلفاً، ليخرج السيسي بعدها أكثر شراسة، باعتباره رئيس الصندوق المشتعل بالتنافس الجبار.
يدعوك الضابط السفير، ومن يروّجونه إلى مهرجان صاخب، ظاهره المنافسة، وباطنه المبايعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق