الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

غازي القصيبي.. الإرهابي!



غازي القصيبي.. الإرهابي!
سعدية مفرح

أجدني في الذكرى السنوية السابعة لرحيل الشاعر غازي القصيبي الذي عرفته عن بعد وعن قرب، لم أكتب عنه كل ما أود كتابته عنه! لا في الشعر ولا في الرواية ولا في الفكر ولا في مواقفه الحياتية الأخرى! على أن ما شغلني في السنوات الأخيرة وأنا أستعيد بعض قراءاتي له وكتاباتي عنه موقفه من القضية الفلسطينية في ظل تنامي تيار عربي صار ينظر لتلك القضية بعيون الشك والريبة التي تتحول في بعض الأحيان إلى اتهامات مباشرة ومبطنة لكل مقاوم أو داع للمقاومة بما يسمونه "الإرهاب"! ولا أظن أنهم سيتورعون عن وصم القصيبي بهذا الوصف لو أنهم قرأوا له إحدى أشهر قصائده "الفلسطينية"!
لم تشتهر لغازي القصيبي في بابها كما اشتهرت قصيدة للشهداء، رغم أنها لم تكن الأولى في ذلك الباب الذي يندغم فيه المعنى السياسي بالمعنى الوطني، لكنها حظيت بمجموعة من العناصر التي ميزتها وساهمت في انتشارها بل وشهرتها المدوية؛ منها أن القصيدة جاءت بعد الحدث الذي أصبح مناسبتها بأسبوعين فقط، ومنها أنها نشرت في صحيفة يومية عربية توزع في معظم البلاد العربية، وهي الحياة التي تطبع في لندن حيث من الصعب تجاهلها من قبل الاوساط السياسية والصحفية في بريطانيا ذات العلاقة الخاصة بإسرائيل والتقاليد القانونية الصارمة بشأن ما يسمح وما لا يسمح بنشره صحفيا.

والأهم أنها لغازي القصيبي لا بصفته كشاعر هذه المرة وحسب بل بصفته سفير الملكة العربية السعودية البلد التي ينظر لها غربيا على أنها أهم دولة اسلامية، وفي ذلك الالتباس في شخصية غازي الشعرية والدبلوماسية ما رشح القصيدة من وجهة نظر الكثير من المتابعين لأن تكون معبرة، ولو من طرف خفي على الأقل، عن وجهة نظر المملكة العربية السعودية السياسية تجاه الحدث الذي أنتج القصيدة.
الشاعر الذي عرف بمغامراته الشعرية والإنسانية أيضا لم يكن ليضع حسابات الربح والخسارة على الصعيد السياسي في شقه القومي تحديدا، في جعبته.

(غازي القصيبي)
الجزيرة

أما السبب الأكبر الذي روج لقصيدة للشهداء بهذا الشكل غير المسبوق في تاريخ غازي عربيا وإسلاميا وعالميا، فيعود إلى أنها جاءت وسط شعور واسع بالإحباط لدى كثير من العرب والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تجاه الغرب كنتيجة طبيعة للحكم الشمولي الذي أصدره الغرب سياسيا وإعلاميا على العرب والمسلمين كإرهابيين أو مؤيدين للإرهاب لمجرد أن من قام بعملية الحادية عشر من سبتمبر هم مجموعة من العرب والمسلمين.

في لقاء صحفي أجريته مع القصيبي سألته هذا السؤال: في منتصف الثمانينات صدر لك ديوان "ورود على ضفائر سناء" تحية للفدائية اللبنانية سناء محيدلي، وفي منتصف التسعينات صدر كتاب آخر عن الانتفاضة الأولى بعنوان "عقد من الحجارة"، وعن الانتفاضة الحالية صدر لك كتاب "يا قدس ناظريك"، ما الجديد في حكاية قصيدة آيات الأخرس لتقوم كل هذه الضجة؟ فأجاب: الجديد أنه بعد أحداث سبتمبر، وبعد الحركة الإسرائيلية السريعة والجمود العربي المذهل، تطابقت أجندة إسرائيل مع الأجندة الأميركية في كثير من المسائل ومن أهمها النظرة إلى العمل الفدائيِ".

وفي رد الشاعر ما يضيء على جوانب كثيرة من التداعيات التي أعقبت نشر القصيدة دون الولوج في فنياتها أولا. فلقد حدثت مراجعات كثيرة بعد حدث الحادي عشر من سبتمبر، تجاه كثير من المفاهيم الإسلامية المقدسة وأهمها مفهوم الجهاد ومفهوم الاستشهاد. وتخلل يمان البعض بهذين المفهومين الكثير من الشك والغموض في استخلاص المواقف وبلورة المبادئ، ليأتي شاعر عربي شهير مثل القصيبي ليؤكد على المفهومين بعفوية وبساطة تليق بالشعر والشعراء.
خص الشاعر القصيبي في قصيدته" الشهداء" بالذكر والتخصيص الشهيدة "آيات الأخرس"، التي أطلق عليها لقب "عروس العوالي"، ذلك أن تلك الشهيدة كانت قبل استشهادها تستعد لحفل زفافها إلى عريسها.
الجزيرة

لقد نشر القصيبي قصيدته المشار إليها في أبريل 2002 على الصفحة الأولى من جريدة الحياة، ولاحقا في مجموعة شعرية حملت عنوان "للشهداء" إذن، وسط إرهاصات عربية قومية وعالمية أيضا وخصوصا بعد ذلك الحدث المدوي عالميا، والذي لم يكن العالم قد استيقظ بعد من صدمته. لكن الشاعر الذي عرف بمغامراته الشعرية والإنسانية أيضا لم يكن ليضع حسابات الربح والخسارة على الصعيد السياسي في شقه القومي تحديدا، في جعبته. يقول في اللقاء الصحفي المشار إليه قبل قليل: "لو كنت أقضي وقتي في التفكير في ردود الفعل المحتملة هل كنت أستطيع أن أنشر أكثر من ستين مؤلفا؟".

لكن القصيبي الذي لا يقضي وقته في التفكير في ردود الفعل المحتملة على ما يكتب، لا بد أنه يعرف بطبيعة خبرته العملية على الأقل نوعية هذه الردود وتوقعها، وخصوصا عندما يكون ما يكتبه قصيدة كقصيدة "للشهداء" التي كانت رسالة واضحة العنوان.

عنون الشاعر قصيدته المثيرة بعنوان تقليدي بحت، وهو "للشهداء"، فالقصيدة المكون من 16 بيتا كانت تتناول في مجملها عن الشهداء عموما، لكنه خص شهيدة من هؤلاء الشهداء بالذكر والتخصيص، وهي هي الشهيدة آيات الأخرس، التي أطلق عليها لقب "عروس العوالي"، ذلك أن تلك الشهيدة كانت قبل استشهادها تستعد لحفل زفافها إلى عريسها والذي كان مقررا له أن يقام بعد شهور قليلة، ولهذا اشتهرت القصيدة في ما بعد بعنوانها الجماهيري والشعبي "عروس العوالي"، أكثر من اشتهارها بعنوانها الذي وضعه الشاعر.

وسنفصل ذلك في المقال المقبل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق