لماذا نَـكْـرَهُ الدواعش؟!
محمد المشيطي
السيد Brmjyat ليبيا
هكذا وفجأةً أصبحنا نصبُّ جام غضبنا كمسلمين على "الدواعش"، فلماذا نكرههم؟ لا ندري ولكنّهم قالوا لنا أنهم أشرار!! هذه هي مأساةُ الشُّعوب التي لم تُنجب المثقّفين الصَّادقين، وهي مشكلة الشعوب التي لا تُوجد فيها محبَّة للحقيقة. لست هنا بصدد الدفاع عن تنظيم الدولة ولا عن فكرهِم، ولكن لمعرفة سبب كُرْهِنَا لهم كل هذا الكُرْه، في رأيِي أنَّه بسبب عدم وجود مثّقفِين صادقين تم السَّماح بجو سياسي مُنافق تآمري، يُعرّي الشّرّ الذي لا يتماشى معَه ويعمل جاهداً على ستر وتلميع الشّرّ الذي يبقيه مُستفيداً ورابحاً.
هل نكره الدواعش لأنهم قتلة ومجرمون؟
نعم هذا سببٌ مُقنع جدّاً يجعلنا نستشيطُ منهم غضباً، ونحمل عليهم حقداً وغلاًّ، لكنّ الإنصاف عزيز، ومن الإنصاف أن نُبغضَ كل القَتَلة والمجرمين، ها هي صُور بشّار الأسد ترفع على الأعناق والهُتاف باسمه يعلوا من رقاب مثقّفين غير صادقين، ومن قبل شعوب لا تدري ولا تدري أنها لا تدري، رغم أنه يُسوّي مُدناً كاملةً بالأرض، ويقتل المئاتَ في لحظاتٍ، ويهدِم المَشَافي فوق رؤوس المرضى، ويزوّر إرادة الشعب، ويقمَع كُل صوتٍ مُعارض، فهل تَسَاءلنا في جلسة صراحةٍ من أكثر عُدْواناً وبطشاً ومن أولى بالكُرْهِ (البشّاريُّون أم الدّواعش)؟
هل نكره الدواعش لأنهم يقمعون إرادة الشعوب وينفردون بالسلطة؟
هذا سبب رائع جداً لكي نكرهَهُم، لكن في ليبيا أمضينا 42 سنة بلا إرادة وبلا انتخابات حتّى مزوّرة!! بل وصل بالعقيد الهالك إلى أن يُجرّم من يحلم بمثل هذه الأشياء، حتى مجرّد الحُلُم كان جُرماً، ثم جاءت ثورة فبراير فأجرينا 6 استحقاقات انتخابية في ثلاثة أعوام، إلى أن أعلن الأسير السابق في تشاد "خليفة حفتر"، عن انطلاق عمليته التي أسماها "الكرامة"، ليعُود للأفق من جديد عزلُ المُنتخبين وتعيين العسكرييّن! أليسَ القذافي وحفتر شركاء لداعش في هذه الجريمة؟؟
فِي ميدانِ رابِعَة داست أقدامُ العسْكر الخشنة تلكم الوُرُود البشريّة التي لا تزال تَفُوح منها رائِحة البَراءة، ثم سُحِقَ طُموح آلاف الشباب بـ "البيادة" العسكرية فكان أولى من داعش بالكُرْهِ.
رويترز
ألم يَقُم "عيال زايد" بمساعدة كل انقلاب على إرادة الشعوب، وسفهوا رفقة الانقلابيين أحلام البشر الذين خرجُوا طلباً لاسترداد حقوقهم المهْدُورة وأموالهم المنهوبة، من حكام أذاقوهم المهَانة واستحوذُوا على مُقَدّراتهم لعشرات السنين دون أن يَخْلُقوا فرصاً للعمل أو مجالات للتّنمية، أليسوا أسوء من داعش؟
في تونس أربعونَ عاماً أدار البلاد فيها اثنان من الرجال فقط! هل عَقِمَتْ نساءُ تونس أن تَلِدَ من يَحكُمُ غير بورقيبة وبن علي؟؟ أليس العسكر العربي في مصر الذي قمع إرادة الشعب وانقلب على الرئيس المنتخب وزج به في غَيَابَاتِ السِّجن بعد أقل من عام على ثورة الشعب، داعشيّاً هُو الآخر؟
العسكر المصري بقيادة السيسي قتل المتظاهرين العزّل، ففِي ميدانِ رابِعَة داست أقدامُ العسْكر الخشنة تلكم الوُرُود البشريّة التي لا تزال تَفُوح منها رائِحة البَراءة، ثم سُحِقَ طُموح آلاف الشباب بـ "البيادة" العسكرية فكان أولى من داعش بالكُرْهِ، فقد اشتركَ في كُلّ الآثام التي بها يُكْرَهُ الدواعش فكانوا قتلةً ومجرمينَ وسارقينَ لإرادة شعبهم.
هل نكرهُ الدواعش لأنّهم قاموا بتصفيات جماعيّة؟
إذن فالواجِبُ أن ينالَ "الحشد الشعبي" ومليشيات الشيعة والحُوثيُّون ذات الكُرْه!! فالحشد الشعبي الذي أعدّ قوائم بأسماء من أسماهم باعة الوطن والخونة، وتوعدهم بأن يفعل بهم الأفاعيل، وقد فعل!! وكلُّ هذا القتل في أبناء وأطفال الفلُّوجة والمُوصل فقط لأنهم "سُنّة"، أليس الحشد الشيعي في هذِه أبشع من الدواعش؟
فيديوهات التصفية الجماعيّة التي يصورها ويعرضها أتباع حفتر في بنغازي أفظع وأبشع من كل تصوّر، ينقصُها عن فيديوهات الدواعش الجودة في التّصوير فقط، فما تعودنا من أتباع حفتر جودة في أي شيء.
أمّا المداخلة -أتباع السعودي ربيع المدخلي- فهم دواعش من نوع آخر، داعِشِيَّتُهُم تبقى رهينة لهواهُم وهوى حاكمهم، رأيناهم في بنغازي كيف يُفتون أصحابَ السّوابِق بأنّ الجَنّة تكمُن فِي قتْل حَفَظَةِ القرآن الكريم ومعلِّمِيه، وأن الفِرْدَوْس و "الطُّوبى" لهم بمجرّد قتلهم لشيخٍ بلغَ من العمر ثمانين عاماً قضاها في تعليم كتاب الله!
سيقول قائل الدواعش يهجّرون ويفجِّرون! وأقول أنا: لك كامل الحقّ أن تكرهَهُم لفعلهم هذا، لكن من العيب أن يكون في عين رأسك حَوَلٌ فلا ترى جيش "الكُفتة" وهو يُهجّر أهالي سيناء ويفجّر بِيُوتهم وقُرَاهُم! وألا ترى أهل حمص يركبُون الحافلات التي ستنقلهم بعيداً عن مدينتهم، وبُيُوتهم خلفَهُم مُدمّرة
رويترز
أوليسوا أولى بالكره من الدواعش؟ صدقوني لن يحصد المداخلة وأتباع حفتر وكل منافق وشبه متعالم، إلا شـرّاً يطوّقهم في الدنيا والآخرة.
حتّى مفهُومُ طاعة وليّ الأمر الذي صدّعوا رؤوسنا بهِ وجعلُوه ركن الدّين الأسَاس، هم أصحابُ هوىً فيه!! فحينما يكون ولي الأمر كالدكتور "محمد مُرسي" مثلاً فإنه لا طاعة له، أمّا أيُّ سَقَطِ مَتَاعٍ آخرَ فقداسةُ حكمه لا شكّ فيها! أليس هذا الفعل داعشيّةٌ قبيحة؟
سيقول قائل الدواعش يهجّرون ويفجِّرون!
وأقول أنا: لك كامل الحقّ أن تكرهَهُم لفعلهم هذا، لكن من العيب أن يكون في عين رأسك حَوَلٌ فلا ترى جيش "الكُفتة" وهو يُهجّر أهالي سيناء ويفجّر بِيُوتهم وقُرَاهُم! وألا ترى أهل حمص يركبُون الحافلات التي ستنقلهم بعيداً عن مدينتهم، وبُيُوتهم خلفَهُم مُدمّرة، وأن تضرب عرض الحائط بمشاهد أطفال بنغازي وهم مهجّرون من مناطقهم بسبب طيران عيال زايد وفتاوى مشايخ آل سعود والأزهر التي تصف عائلاتهم بالخوارج جملةً.
من العيب بل من العار أن ترى فقط حرق الكساسبة -وهو جريمةٌ لا ينكرها عاقل- ولا ترى حرق الموتى في مركز بنغازي الطبي على يد قوات حفتر.
من العيب بل من العار أن ترى فقط الدّواعش وهم يحاصرون مدن الشيعة وألا ترى حصار الحشد الشعبي ومليشيات حزب الله ومليشيات الشّيعة الأخرى للموصل والرّقّة، وحصار أتباع حفتر لدرّة الجبل الأخضر الليبي مدينة درنة الأبيّة، من العيب ألا تُعْجبك فتاوى التكفير من الدواعش، وأن تَسْتَسِيغها وتستلذّها من علي جمعة (أضرب في المليان)، ومن المهانة أن تصمت عن تسيسِ الحجّ والعُمرة، وألا تنزعج من فتاوى الكهنة المسيحيين واليهود المحرضة على المسلمين.
لقد أصبح لدى البعض تطرفٌ في نبذِ تطرف داعش وحدَها دونَ غيرها! حُرقت المُدن وماتَ النّاس بالفقر وغلاء المعيشة والدواء، وعمَّ الفسادُ، ولم يفتح الله علينا بكلمات صادقة إلا على رؤوس الدواعش فقط! |
أن كانت لا تُعجِبك فتاوى التكفير من الدواعش، فماذا ستقول لهيأة إفتاء حفتر وهي تحكُم بكفر الطّائفة الإباضيّة في ليبيا!! إن كان ضيقُ العيش الذي يعيشه الناس في ظل حُكم الدواعش هو ما يؤرّقُك، فإليك القاهرة وما تعانيه، إليك العاصمة تونس وما تعيشه من الفاقة، إليك بغداد وصنعاء ومراكش!! وإن كانت تزعجك مناظر القتلى بالعشرات خلف الدواعش، فماذا عن مجازر التحالف العربي في اليمن؟ ماذا عن وعن؟!
"من نَزَلَ بأرضٍ تَفَشّى فيها الزّنى فحدَّث النَّاس عن حُرمة الرّبا فقد خان"!وبعض مشايخ سوريا، بعد مليون قتيل يخطبون الجمعة عن التيمم!! وبعض مشايخ ليبيا ومصر وتونس والعراق، بعد آلاف القتلى يتحدثون عن إطلاق اللحية وإسبال الثوب، أليست هذه داعشية فكرية ؟؟
لقد أصبح لدى البعض تطرفٌ في نبذِ تطرف داعش وحدَها دونَ غيرها! حُرقت المُدن وماتَ النّاس بالفقر وغلاء المعيشة والدواء، وقُتل تلاميذُ المدارس وانتشرت الإبادات القبلية والدينية، وعمَّ الفسادُ، وتعطّلَتِ الآبارُ وشُيّدَتِ القُصُور، وجاعَ النّاسُ، ونَمَت ثرواتُ كبار السارقين وأُنْهك الاقتصاد، ولم يفتح الله علينا بكلمات صادقة إلا على رؤوس الدواعش فقط!! وأخاف أن لا يكون لنا من عذر نكره به الدواعش غير قول النابغة الذبياني :
ولا عَيبَ فيهِمْ غيرَ أنّ سُيُوفَهُمْ ..
بهنّ فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ
وكل داعش وأنتم بخير..
(التدوينة لا تعني إطلاقاً الدفاع عن تنظيم الدولة المشبوه ولا عن فكرهم المنحرف)
(التدوينة لا تعني إطلاقاً الدفاع عن تنظيم الدولة المشبوه ولا عن فكرهم المنحرف)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق