السبت، 14 أبريل 2018

ضربة ترمب القاضية.. لماذا لن تستطيع الإطاحة بالأسد ببساطة؟

     ضربة ترمب القاضية. .    
 لماذا لن تستطيع الإطاحة بالأسد ببساطة؟

 الاء أبو رميلة
مقدمة الترجمة
في خضم الحرب في سوريا، تتعارك قوى متعددة في فوضى عارمة لا يتضح فيها الأهداف ولا الإستراتيجيات الحقيقة لهذه القوى. هل يمكن للتدخل الأميركي أن يرسي بالسفينة السورية إلى بر الأمان بدلاً من زعزعة الوضع وزيادة تدهوره. ما الذي يتطلبه الأمر من الإدارة الأميركية لتدير دفة السفينة في وجه جرائم الحرب الوحشية المرتكبة في حق الشعب السوري؟ وكيف لها أن تتفادى الرد على هذه الجرائم بخطأ أفدح.

نص التقرير
بشار الأسد، مُتّهمٌ باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه مجدداً. تفيد تقارير من مصادر متعددة تفاصيل الهجمة الأخيرة التي يظهر أنه لا يمكن التشكيك فيها رغم إنكار روسيا. استجابت إدارة ترمب بتراجعها عن موقفها المعلن بسحب قوّاتها من سوريا، لتتبنى موقفا جديدا توعدت به بانتقام واعد. في التاسع من أبريل/نيسان، صرّح ترمب للصحفيين في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة: "لا يمكن أن تسمح بمثل هذه الأعمال الوحشية". حالياً، يعد ترمب بـِ"قرارحاسم" قريباً.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، شنّ الجيش [الأميركي] غارات رداً على الهجوم الكيميائي السوري ولكن لم يكن لها أي أثر يذكر. هذه المرة، هناك أربعة أمور ستزيد من الوضع سوءاً.


أولاً، إن عدم فعالية هجمات العام الماضي [للجيش الأميركي] تتطلب استجابة أقوى الآن؛ ضمن إطار فخ تقليدي في الحروب، يدفع بالقوى المتحاربة إلى تصعيد مستمر.


ثانياً: لدى مايك بومبيو -وهو الشخص الذي اختاره ترمب ليحل محل وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون- تاريخ مفعم بالشراسة والنزعة العدائية في شنّ الحروب. كما يلعب مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون دوراً مهماً في هذا الموضوع، إذ لديه تفضيل موثق جيداً للخيارات العسكرية. مما يجعل من أمريكا مدججة بطابع عسكري أكثر من أي وقت مضى، مقابل استمرار الدعم للدبلوماسية في الانكماش.

ثالثاً: زيادة الوجود الروسي على الأراضي السورية تعني زيادة خطر وقوع ضحايا روسيين أثناء أي اشتباك.

رابعاً: خلال الوقت الماضي منذ الغارات الجوية الأخيرة في أبريل/نيسان، فشلت الولايات المتحدة في وضع إستراتيجية دبلوماسية وإنمائية لسوريا من شأنها أن توفر شمولية وردعاً للعمل العسكري في سياق الحرب.

وبقدر ما كان التقاعس عن العمل باهظًا في السنوات السبع التي تلت سيطرة "الربيع العربي" على سوريا، يشير التاريخ إلى أن إزالة الأسد على عجل أو رفع الرهانات العسكرية في غياب استراتيجية للدبلوماسية وإعادة الإعمار سيكون خطأ أكبر من التقاعس. بعد دراستي وعملي لمدة ستة عشر عاماً مع صراعات معقدة مثل سوريا، ما زلت أرى استثناء لهذه القاعدة.
[كاتب المقال ديفيد ألفر، أستاذ مساعد في تحليل النزاعات وتسويتها].

نعرف إلى أين سيؤول هذا الأمر
من المحتمل أن استهداف الأسد سيولّد كارثة مماثلة لما حصل في ليبيا إثر سقوط معمر القذافي. بانعدام وجود أي حكم مدني حقيقي للسيطرة على ليبيا ولم شتاتها، انهارت التحالفات القبلية واندلعت حرب بين أربعة قوى من أجل السلطة. ما زالت الحرب مستمرة في ليبيا حتى الآن وتتأجج بوجود تنظيم الدولة المتواصل بها. قد يكون الفراغ في السلطة الذي سيتبع إزالة الأسد المفاجئة أسوأ من الحرب الحالية في سوريا، كما قد يغذي الظروف المواتية بالفعل للجهات الفاعلة المتطرفة وشبه العسكرية.

يجب ألا يبقى الأسد في السلطة، لقد أثبت أنه لا يستحق البقاء في السلطة خلال السنوات السبع الماضية. ولكن تُبيّن لي خبرتي أن إقالته يجب أن تكون سياسية وقانونية. 
يجب أن يتم ذلك من السوريين أنفسهم، وليس من الخارج. يجب التفاوض على رحيله مع قيادة المجتمع المدني السوري لإضفاء الشرعية على المطالبة بحكم حكومة مدنية بديلة.
المجتمع السوري بعيد كل البعد عن أن يكون كافياً لإحلال العدالة من تلقاء نفسه، ولكن سيكون من الخطأ الاستجابة لأزمتهم من خلال تجريدهم من المزيد من السلطة. يرفض ترمب بناء الدولة، ولكن ينطوي على هذا الرفض تدخل أمريكي واسع النطاق لتصميم وبناء أنظمة للسوريين. إن تقديم المساعدة اللازمة للسوريين لدعمهم في تصميم وبناء أنظمة خاصة بهم هو مسعى مختلف تماماً وضروري للغاية. في غضون ذلك، ينبغي النظر في خيارات أخرى مثل قوات حفظ السلام والمحكمة الجنائية الدولية على الأقل كعنصر نائب؛ لن يحل ذلك جميع المشاكل ولكنه يمنع تردي الوضع في بعض الجوانب.

"تمقت الطبيعة الفراغ"

(أرسطو)*



إليك الأسباب في عدم توجيه ترمب الضربة القاضية للأسد حتى الآن ولماذا ليس عليه فعل ذلك:

على عكس لعبة الشطرنج، فإن إزالة الملك في الحرب لا تعني النهاية، بل مجرد بداية أخرى. فكرة أن سوريا لا تزال قائمة كما تظهر على الخريطة هي فكرة خيالية؛ لن تعود سوريا متماسكة معاً كما كانت إذا اختفى الأسد بين ليلة وضحاها؛ التوترات عالية بالفعل بين الجماعات المتمردة وبين القوى المؤيدة والمناهضة لتنظيم الدولة ستزداد فقط عند إزالة زعيم واحد من الميدان. عند إزالة الأسد من الميدان، لا يسعنا سوى محاولة التنبؤ بموقف القوات الموالية له. قد تزول الخلافة، لكن يبقى تنظيم الدولة الإسلامية كما يبقى المجندون لدى منظمات أخرى في سوريا.

لكي يكون أي إجراء عسكري مفيداً، يجب أن يأتي في سياق خطة دبلوماسية سليمة للحد من العواقب غير المقصودة مع الجهات الفاعلة الأخرى -مثل روسيا- وخطة سليمة مدفوعة بجهود محلية للانتقال من الاحتواء الفوري لأعمال العنف إلى عودة القيادة والأمن السوريين المدنيين. في الوضع الراهن، لا يوجد أي خطة من هاتين الخطتين.

ما الذي ستكون عليه المرحلة النهائية؟

تؤكد الأسس الكلاسيكية لمذهبنا الاستراتيجي الخاص على أن العمل العسكري يجب ألا يتم دون وضع هدف واضح للوضع النهائي المنشود. قد تبدو الهجمات العسكرية الانتقامية لمعاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضرورية. بالتأكيد، يجب منع استخدام هذه الأسلحة وحماية أرواح المدنيين، لكن العمل بدون خطة هو دعوة للفشل ناهيك عن محاولة الإطاحة بالأسد نفسه.

لم تؤدِ الغارات المحدودة في العام الماضي إلا إلى زيادة الشعور بالأزمة والفوضى دون أي مكسب ملموس. مما يبعث على القلق الآن كما في ذلك الوقت أن ترمب نفسه يبدو وكأن النزوة هي ما تحركه بدلاً من أن يحركه الإمساك بزمام الاستراتيجية وعواقبها. في مثل هذه البيئة الفوضوية، يمكن لذلك أن يؤدي فقط إلى زيادة مخاطر النتائج غير المتعمدة، بينما لا يتم تقديم أي فائدة تُذكر.

إلى أين تبحر "سفينة الأغبياء"**؟


أصبحت وزارة الخارجية الأميركية أكثر هشاشة الآن مما كانت عليه قبل عام؛ حيث تبقى المكاتب التي ينبغي أن تدير السياسات والعمليات المعقدة شاغرة وقد ازدادت عدد الوظائف الشاغرة. دور هذه المكاتب في الوضع الطبيعي يكمن في أن توفر تحليلات ضرورية للغاية عن الديناميات والتغييرات في مناطق النزاع؛ كما أنها تساعد في تخفيف الاحتمال المتزايد لوقوع اشتباكات غير مقصودة مع الجهات الفاعلة الدولية مثل روسيا وتركيا وإيران وحتى إسرائيل في حالة الارتباك والتوتر المتزايد الذي يلي الإجراءات العسكرية.


ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للالتزام بحملة ضخمة ومستدامة أو لإلقاء ثقلها السياسي إلى ما وراء نهاية سياسية للحرب؛ فأي عمل عسكري محدود هو عبارة عن مبادرة عديمة الفائدة. لكن حتى الحملة العسكرية الضخمة المستدامة قد تكون ايضاً مبادرة عديمة الفائدة ما لم تكن مبنية على أجندة دبلوماسية سليمة؛ الأجندة هي العمود الفقري لكنها غير موجودة، بالرغم من كل هذا، لا يزال هناك وقت للحيلولة دون وقوع الكارثة.

لا يوجد وقت أنسب من الآن لأميركا لتقوم بوضع الاستراتيجية التي افتقرت إليها حتى اللحظة. تتمتع الولايات المتحدة بالخبرة والموهبة والموارد اللازمة لوضع خطة وإستراتيجية، أما الجزء المفقود فهو الإرادة السياسية لصياغة هذه الإستراتيجية وتنفيذها. يمكن للكونغرس أن يحشد الإرادة السياسية للضغط على روسيا وإيران دبلوماسياً لتجنب المزيد من التصعيد. يمكن تمكين وزارة الخارجية للحد من التوترات من خلال الضغط غير العسكري؛ فعلى الرغم من وضعها غير المستقر، ما زال لديها ما يكفي من الموظفين المحترفين لتحقيق ذلك. يمكن للوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID توفير الأدوات والمواد اللازمة لتوحيد المجتمع السوري مرة أخرى. إن الحاجة إلى تدخل سريع واتخاذ إجراءات عاجلة هو أمر مفهوم، لكن لا يمكن تفادي العبر التي علمنا إياها التاريخ: التصرف بدون خطة أو إستراتيجية لا يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى.
    



الهوامش:

*
[إحدى مقولات أرسطو، التي أشار بها إلى أنه كلما حاولنا أن نزيل ما في الفضاء من مادة فإن المادة تندفع إلى ملئ هذا الفراغ مجدداً]
** [سفينة الأغبياء أو سفينة الدولة هي استعارة صكّها أفلاطون في كتابه الجمهورية، فيها تصوّر رحلة في البحر حيث جميع المسافرين في السفينة يشعرون بحقهم وأهليتهم للمطالبة بقيادة دفة السفينة. رغم أن كابتن السفينة ملاح جيد إلا أنه لم يكن جيداً في إقناع الآخرين بذلك، يصرخ الركاب بصوت عالي ويطالبون بإدارة الدفة مع أنهم لا يفقهون شيئاً عن الملاحة البحرية. الاضطراب والشغب سيسود السفينة والنتيجة ستكون العربدة والفوضى بدلاً من أن تكون سفرة منظمة].
مترجم عن (ذا كونفرزيشن)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق