الاثنين، 9 أبريل 2018

لقاء لم يتم

لقاء لم يتم


نظرا لمذبحة الإنترنت التي تمحو الكتابات الإسلامية فقد محيت معظم مقالاتي ومنها المقال الهام الذي حذرت فيه الأمير/الملك عبد الله في عام ٢٠٠٢ مما يحدث اليوم"حكاية لقاء لم يتم مع الأمير عبد الله"

لقاء لم يتم
حكامنا ليس عندهم الا الوحشية والعبودية والمذلة.. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب..
" يوسف معكرون"

احذروا يا أهل فلسطين: مبارك أقوى من شارون وبوش وبوتن!!

المملكة السعودية لم تعد عربية والجزيرة العربية لم تعد سعودية!!.. 


أقسمت أن أروي 


مهزلة الاغتيال تكرار لتمثيلية المنشية

حكاية لقاء لم يتم مع ولي العهد السعودي.. 

رسالة أخيرة للرئيس مبارك..

***


بقلم د محمد عباس 

www.mohamadabbas.net



ما أشد الألم الذي يفري القلب..

وما أصعب الكتابة..

تنوء الكلمات فتكبو كلما حاولتْ النهوض.. وتنزف الحروف وتسقط الجمل صرعى.. لا بسبب ضعف في خير لغة أنزلت للناس.. بل لأننا نستعمل الكلمات فيما لا يجوز لنا أن نستعملها فيه.. و لأننا نفعل ذلك فإننا نشعر بالعجز المطلق.. تماما كمن يستعمل الورق لقطع الحديد أو القلم للكتابة على الهواء أو من يحاول السير بقدميه على الماء أو أن يحلق بذراعيه في الفضاء...

كيف أستعمل الكلمات للكتابة عن حكام لن تزحزحهم عن خياناتهم آلاف المقالات.. وهم لا يحتاجون إلى أي مقال.. بل إلى تضافر مجهود مباحث الأموال العامة ومباحث أمن الدولة والمخابرات وكوكبة أمينة من رجال الشرطة التي لم تتحول بعد إلى عصابات وقطاع طرق.. عصابات لم تتفرغ إلا للتعذيب وانتهاك الأعراض وقتل من يقول ربي الله... كوكبة شرطة فعلا تلقي القبض على هؤلاء الحكام دون أي انقلاب ولا قوانين استثنائية لتقديمهم إلى محاكم عادية لا أشك أن الحكم عليهم فيها سيكون بالإعدام.

نعم..

الإعدام قصاصا لمن قتلوهم دون وجه حق..

والإعدام قصاصا لمن أعدمهم رجاله بعد إحالتهم إلى قضاة أمليت عليهم الأحكام..

والإعدام تعزيرا على جرائم ارتكبوها لا يحيط بها الحصر..

والإعدام حرابة على ترويعهم للأمة..

والإعدام خيانة.. خيانة لم يحدث مثلها في التاريخ..

خيانة الله ورسوله والمؤمنين..

خيانة الأمة.. والدولة.. والوطن..

العمالة المباشرة للأعداء الله والاتفاق معهم على هدم أركان الإسلام وابتداع إسلام مزر مهجور..

والإعدام ردة.. نعم ردة عن لا إله إلا الله محمد رسول الله.. والولاء لأعداء الله والبراء من المسلمين.

وقد قصدت أن يكون هذا الأخير في الكتابة رغم أنه الأول في المعنى.. 

فهل تغني ملايين الصفحات عن ذلك.

وهل تغني هذه المقالات عن مواجهة كلاب الشيطان حطب جهنم بوش ورامسيفيلد وتشيني وشارون وبلير أم أن موقفا جماعيا أو نصف جماعي أو ربع جماعي.. موقفا يقول فيه أي حاكم عربي: كلنا استشهاديون وأنتم مجرمون عنصريون لصوص سفلة ولن نستسلم أبدا وسنرضى بطرفين للمعادلة : ألف شهيد طاهر منا مقابل كل نافق نجس منكم.. وسنرى لمن تكون الغلبة..

هل تغني المقالات؟..

هل تشبع الكلمات جائعا..

أو تروي المعاني عطشانا..

أو ترد المقالات شرفا انتهك وعرضا اغتصب وكرامة تمزقت..

هل تغني الكتابة..

بل هل تنجح حتى في فضح ما يحدث..

والإجابة كلا.. فلا هي تستطيع وسط الحصار فضحه.. ولا هي تستطيع بعد الفضح منعه..

إنني لا أغمط الكتابة حقها.. وهي ضرورية إذا كان لها تأثير أو استجابة.. لكنها إن كانت بديلا عن الفعل لتبديد الطاقة .. أو للإيهام بأن الكاتب فعل ما عليه حين كتب وأن القارئ كذلك فإن الأمر كله لا يعدو التنفيس. . لينفجر التساؤل:

- ما جدوى الكتابة؟..

انظروا إلى العراق وكيف يُمزّق.. وكيف تضرب أقوى قوة في العالم بجحافل جيشها قبيلة هنا وعشيرة هناك كي تغير من موازين القوى فيتسنى لها أن تختار أشد الخونة خيانة.. وأكثر اللصوص سرقة.. و أكفر الكفار كفرا و أخسهم خسة.. و أكذبهم قولا.. و أفجرهم خصومة.. و أنذلهم تصرفا .. و أسوأهم خلقا.. و أبعدهم عن الإيمان بأي شئ إلا ذواتهم .. ليحكموا العراق..

وليس مجرد أمريكا وبريطانيا وإسرائيل..

بل إن لص البنوك أحمد شلبي هو الآخر كون جماعاته المسلحة لتغتال قيادات في المجتمع العراقي بغض النظر عن اتجاهاتها لتغيير موازين القوى..

أحمد شلبي الذي يوجد مستنسخ منه الآن في كل عاصمة عربية ينتظر الوقت الذي يغتال فيه كبار المسئولين وضباط الأمن، تماما كما حدث لرجال السافاك والشاة في إيران.. حين قُتلوا و ألقيت جثثهم للكلاب.. ولست أدري كيف يفكر رجال الأمن في العالم العربي في هذا.. وإن كانوا باليقين كله قد فقدوا الخشية من الله.. أفلا يخشون مما يمكن أن يحدث لهم ولعائلاتهم في الدنيا.. على يد الشلبي المصري والسعودي والأردني.. الخ..

نعم.. منتهى التعسف لتسليط الضوء في اتجاه وفرض التعتيم على اتجاه آخر.. وصناعة نجم من اللاشيء وقتل نجوم موجودة وقلب وقائع ونشر افتراءات ودحض حقائق وتلميع أقلام مأجورة وقصف أقلام مقهورة.. واستئجار صحف وإغلاق أخرى.. وكل ذلك من أجل صناعة وصياغة النخبة الحاكمة العميلة الجديدة..

وذلك هو ما يحدث في العراق – وفي فلسطين أيضا - الآن تحت أبصارنا..

وذلك بعينه ما حدث في أفغانستان بالأمس القريب..

وهو بعينه ما حدث في الأمس البعيد على يد فرنسا في الجزائر ولبنان وعلى يد بريطانيا في مصر والهند والعراق و..و..و..

وكان كل ذلك لتشكيل النخب الحاكمة بالنار والدم..

بالكذب وبالخيانة..

ذاك ما نراه الآن رأي العين.. يتحرك أمامنا ويتخلق ويتجسد..

ألم نصرخ طيلة قرن على الأقل لكي نلمح أو نشير أو نثبت أن السلطة في العالم الإسلامي كله قد تكونت بنفس الطريقة..

أقوى جيوش الصليبيين في العالم بمعونة اليهود هي التي رسمت الحدود وخلقت الدول واختارت الزعامات وشكلت الحكومات..

في كل عالمنا الإسلامي..

بلا استثناء..

من علم ومن جهل..

من أدرك ومن لم يدرك..

من استمتع بالخيانة ومن قبلها غصبا.. ومن غرته الأماني فحاول أن يناور فنالوا منه وطرهم ثم سحقوه..

الجميع بلا استثناء..

هانحن أولاء نرى التجربة الحية تجيب وتؤكد تكشف وتفضح: كيف وصل هؤلاء الذين يحكموننا الآن إلى الحكم؟!..

لقد وصلوا جميعا بنفس الطرق.. بلا استثناء..

وتلك حقيقة يجب علينا أن نحسم أمرنا فيها كي نتوقف عن التفاخر بهذا أو التنابز بذاك ولندرك أن الحكام جميعا طينة واحدة..

كل الحكام كذلك..

مهما اختلفت المظاهر فكل الحكام كذلك..

كلهم نبتوا في محاضن الصليبية والصهيونية..

وعلى سبيل المثال .. فما من نظام عربي واحد وما من حكومة واحدة كان مشروعها الرئيسي مقاومة العدوان الصهيوني الصليبي على فلسطين..

إنني لا أقول هذا انتقاما من نظام هنا أو تشفيا في حكومة هناك..

ولكن الواقع الذي يجب أن نتجرعه مهما كانت مرارته هو أن الشرط الواضح الذي وضع أمام كل حكومة عربية بل و إسلامية بلا استثناء كثمن لاستمرارها في الحكم كان:

1- لا للإسلام.

2- لا للشيوعية.

3- البترول خط أحمر.

4- أمن إسرائيل خط أحمر.

ولقد قبلت كل الحكومات هذه الشروط منذ البداية..

نعم منذ البداية..

وما خيبة الأمل الهائلة التي تسحق الأمة الآن إلا بسبب تأخرها في اكتشاف الخيانة نصف قرن أو يزيد.

إن ما أرجوه من القارئ ألا يخدع نفسه..

كانت هذه الشروط هي شروط بريطانيا والدول الأوروبية على كمال أتاتورك كي يسمحوا له بالحكم..

وكانت ذات الشروط على الملك عبد العزيز..

وعلى جمال عبد الناصر..

و..

و..

و..

*** 

جملة اعتراضية قصيرة: - بالنسبة للشيوعية بالذات لعب بها الغرب بمهارة، فقد كان ضروريا لكي يعرف العالم العربي بشاعة الشيوعية أن تكون بعض دوله شيوعية، وأن تشتبك مع غيرها لاستنزاف الطرفين، بل وكانت المخابرات الأمريكية هي التي تنفق على مؤتمرات الشيوعيين ورائدات تعهير المرأة-.

وأكرر.. كل الحكومات العربية بلا استثناء قد قبلت هذه الشروط منذ أكثر من نصف قرن..

و أكرر:

على رأس هذه الحكومات حكومة المملكة السعودية والحكومة المصرية قبل الثورة وبعدها.. بل لقد أصبح واضحا الآن ومكشوفا أن المخابرات الأمريكية – كيرميت روزفيلت ومايلز كوبلاند – قد شجعت انقلاب 23 يوليو لأن حكومة الملك والأحزاب كانت أضعف من أن تلتزم بالشروط الأربعة.

*** 

الصدمة التي تعانيها الأمة الآن أنها خدعت طيلة الحقب الماضية.. وظنت أن ما ألمّ بحكامها هو العجز لا التواطؤ، والقصور لا الخيانة، و أنها حين تكتشف حقيقة ما جرى إنما تكتشفه بعد أن تيقن الآخرون أنه لم يعد لاكتشافها قيمة.

*** 

نعم.. 

ماذا يفيدك الآن أن تكتشف اسم من قتل جدك.. ومن سلب شرف عمتك.. ومن سرق أرض أبيك..

ضاعت العلامات وضاعت الطرق..

وضاع الحق..

ضاع لأن من كان عليهم المطالبة به تواطئوا مع الأعداء ضد الأمة..

أما رجال الأمة فقد خُدعوا فانخدعوا.. وكُذِبوا فصدّقوا..

وعندما اكتشفوا الحقيقة كان الوقت قد فات لعمل أي شئ..

وكانت الشتلات تترعرع في تربية الخيانة لا يرويها إلا الحرام والدنس.

*** 

نعم كل الحكومات العربية قد تربت وزرعت شتلاتها في محاضن الصليبية الصهيونية..

وليس الحكومات فقط ..

بل كل النخبة الحاكمة..

وفقدان هذه النظرة الشاملة هو الذي يسبب صدماتنا وانكسار آمالنا أملا بعد أمل.

فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو..

فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في المملكة العربية السعودية.. بل إن مراجعة التاريخ لكشف موقف المملكة ضد عودة الخلافة كان كفيلا بألا نصدم لكننا نسينا..

نعم ..

فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في باقي النظم العربية كلها..

وفقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في الفرق بين المقال والأفعال في قضية فلسطين..

و فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب صدمة حدثت لي شخصيا منذ عامين ونصف العام يختلط فيها الهزل بالجد والمحزن بالمضحك.. هذه الصدمة تتعلق بمشروع لقاء لم يتم مع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله.

وبرغم أن اللقاء لم يتم، إلا أنني أوصلت إليه ما أريد قوله عن طريق أحد معاونيه المقربين.. الذي جاءني يعتذر باسم ولي العهد عن طلب اللقاء لانشغاله الشديد في لقاء ضيوف أجانب.. وفيما بعد.. كي يكتمل التناقض .. ويتسع الخرق.. اكتشفت أنه يوم اعتذر عن لقائي.. و التي كنت أزمع فيها مطالبته بإعلان الجهاد ولو بدون معارك بالطريقة الذكية للخليفة المظلوم السلطان عبد الحميد.. كنت أزمع ذلك.. وكان جلالته.. يلقي بآخر ثمالة للقضية .. إذ كان في نفس اليوم يجتمع ب: "فريدمان".. تمهيدا لإطلاق مبادرته المشئومة التي قدمها إلى مؤتمر قمة بيروت..

خلاصة ما قلته للمعاون أن المملكة في خطر شديد و أنها مستهدفة للتفتيت.. ليس بسبب أحداث 11 سبتمبر .. ب.. و أنها إن استسلمت ستتفتت.. و إن قاومت ستتفتت.. وليس أمامها سوي سبيل واحد.. هو إعلان الجهاد.. أن يحتمي الأمير بالسعوديين.. و أن يحتمي السعوديون بأهل الجزيرة.. و أن يحتمي أهل الجزيرة بالعرب.. و أن يحتمي العرب بالمسلمين.. وأن يقدم المسلمون للعالم ما افتقده.. الضمير والأخلاق والمعاملة.

سوف نعود إلى التفاصيل في أجزاء تالية من هذا المقال.. 

*** 

وعندما علم المحيطون بما فعلت كانوا بين مشفق ومرتعب حتى أن عددا منهم قاطعني خوفا من أنني سأكون تحت مراقبة شديدة.

البعض الآخر لامني بشدة متسائلا عما دفعني لهذا.. وقلت لهم أظنه أفضل الأمراء السعوديين بعد الملك فيصل.. وكان رأي معظمهم على النقيض تماما من ذلك..بل عبر بعضهم عن دهشته الشديدة لأنني لا أعرف ذلك.

كنت أظنه أفضل الأمراء.. رغم مجموعة من القواعد الذهبية وضعتها لنفسي لا تكاد تخيب.. من هذه القواعد أن حكامنا : ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أسوأهما.. و أن كل حاكم أسوأ من سابقة.. و أنه لم يعد يتغلب واحد من النخبة الحاكمة على رفاقه إلا لأنه أشد خسة وحقارة ودناءة وخداعا ونفاقا ونكثا بالعهد.

*** 

إنني أنبه القارئ أنني في هذا المقال أترك لتداعي الأفكار الحر أن يأخذ مداه.. لا ليفقد المقال تماسكه.. بل على العكس.. ليترابط أكثر و أكثر.. لأنه لا يمكن – على سبيل المثال فهم موقف المملكة السعودية من أفغانستان إلا في ضوء تنصل الملك عبد العزيز من الخلافة.. ولا يمكن فهم موقف مبارك من المسلمين إلا في ضوء الاتفاق المبرم بين عبد الناصر والمخابرات الأمريكية:

لا للإسلام

لا للشيوعية

لا لتهديد إسرائيل..

النفط خط أحمر..

ثم افعل بعد ذلك ما شئت.. 

وصدّقهم الطاغوت وصدَقهم.. فنالوا منه وطرهم.. ثم انقلبوا عليه.. وسحقوه بعد أن تمكن – لا غفر الله له - من إحداث تحول حاسم في موقف الجماهير .. تحول وضع فيه الغشاوة على أعين الأمة فحجب عنها الإسلام الحقيقي وقدم لها مسوخا باسم الإسلام.. ولست أدعي براءة الأمة.. فهذه الأمة ذاتها هي التي سمحت للمقامر السكير المجاهر بترك الصلاة والصوم: سعد زغلول بقيادتها.. وهذه الأمة هي التي سمحت للملك عبد العزيز أن يقدم شكل دولة الإسلام بلا جوهر الإسلام وبلا سنامه ويتنصل من الخلافة ومسئولياتها.. وهذه الأمة هي التي سمحت أيضا لمرتدين وشواذ ومجانين وخونة أن يحكموها..

سمحت.. وما تزال..

وإنني هنا أعود إلى حادث المنشية المبتدع لتقديم عبد الناصر كنجم بعد أن تهاوت سمعته ( والقارئ يذكر أنه في يوم الحادث نفسه كانت الجماهير في صوان الاحتفال تهتف ضده إلى أن أخرجهم الأمن ووضع مكانهم جماهير تتبعه (- عمال مديرية التحرير)..

أعود إليه..

و أذكر القارئ أنني حذرت من تكرار ذات الأمر في المملكة العربية السعودية..

ولست أدافع عن القذافي عليه من الله ما يستحق.. بل لعل بغضي له يزيد عن حكام العرب جميعا.. فموقع الرجل الإليكتروني يجهر بالكفر.. كما أن فتوى الشيخ بن باز تدمغه به.. ودعنا الآن من درجة الجنون أو الحماقة أو الخيانة أو تدمير الأمة أو الخسة والحقارة والدناءة والخداع والنفاق ونكث العهد..

دعنا من كل ذلك الآن – ولا تثريب .. فالولايات المتحدة راضية وسعيدة بكل ذلك-..

دعنا منه..

لأننا هنا نتصدى لأمر آخر: وهو اتهامه بتدبير مؤامرة اغتيال ولي العهد السعودي.. نتصدى لهذا الأمر ليس بمجرد النفي بل بالسخرية والازدراء والمرارة.. 

لا لأن الرجل أحكم أو أعقل من أن يفعل ذلك أو لأن دينه يردعه وخلقه يمنعه..

لا.. ليس الأمر أيا من ذلك..

فالرجل قرر منذ زمن أن يترك عبادة الله إلى عبادة الأمريكان.. و أشك أنه عبد الله في أي يوم..

وهو يدرك قدر الأمير عبد الله عندهم..

فلا يمكن أن يمسه بسوء ( إلا إذا أمره الأمريكيون بذلك).

فرية الاغتيال إذن تخضع لنفس ظروف حادث المنشية..

أمير أو ولي عهد أو ملك تدنت شعبيته وافتضح عجزه ويلزمه تدبير حادث يشعل تعاطف الجماهير معه ويعيد إليه شعبيته.

*** 

نعود إلى موضوع الدعوة..

كان ذلك منذ عامين ونصف العام، حين فوجئت بالملحق الثقافي في السفارة السعودية في القاهرة يعرفني بنفسه و يدعوني لحضور احتفالات الجنادرية.

في الأحوال العادية أعتذر عن مثل هذه الدعوات، عزوفا، وتعففا، وحياء، وزهدا، وترفعا، و أحيانا اشمئزازا.

لكن كلمة "الدعوة" كان لها وقع رهيب في أذني.. وقع لا يتعلق بهذه الدعوة بالذات، ولا بالجنادرية، وإنما يعود إلى ربع قرن مضى، حيث آخر عهدي بالجزيرة العربية، بعد زيارة السادات للقدس، في عام 1977. وكنت قد عملت هناك خمسة أعوام – كطبيب- حيث عاصرت الفترة الأخيرة من حكم الملك فيصل، الحاكم العربي الوحيد الذي يستحق في نهاياته الاحترام ( ولست غافلا عن موبقات البدايات).

وفي عودتي تلك، منذ أكثر من ربع قرن، كنت ثائرا وحزينا، وكنت أدرك أن القشرة الظاهرية للحكم الإسلامي في شبه الجزيرة إنما هي تخدير للعالم الإسلامي، تخدير يصرفه عن السعي إلى وحدة حقيقية للأمة الإسلامية، بل وشرعت في ذلك الوقت في كتابة كتاب لم أتمه، وكان عنوانه: دور المملكة السعودية في هدم الأمن الإسلامي.

كنت مستفزا بالفارق بين الواقع والمثال.. وكنت غاضبا لأن الدولة التي تحوي قبلة المسلمين تجعل من المسلمين فيها مواطنين من الدرجة الثانية.. وكان معروفا أن المواطن الأول في المملكة السعودية ( أحذف كلمة "العربية" عامدا متعمدا.. فالمملكة السعودية لم تعد عربية كما أن الجزيرة العربية لم تعد سعودية) ..أقول أن المواطن الأول هناك هو من يحمل الجنسية الأمريكية، والمواطن الثاني هم أفراد العائلة المالكة، والمواطن الثالث هم الأوروبيون، والمواطن الرابع هم العراقيون ( كان للعراق مهابة شديدة آنذاك للدرجة التي كانت الأخبار تتناقل أن السفير العراقي لا يدخل على الأمير إلا بعد أن يدفع الباب بحذائه.. وهو إن حدث سوء أدب على أي حال) ثم يتلو ذلك باقي الجنسيات حتى القاع حيث المصريين فاليمنيين.

كان هذا الوضع مستفزا، فالدولة التي عليها أن تكون النواة كي تجمع كانت تفرق..

وكان لي لقاء أيامها مع فضيلة الشيخ الإمام محمد الغزالي في منزله بمكة المكرمة- حيث كان يعمل أيامها- فكشف لي الكثير من عيوب الحكام والأمراء وعلماء السلاطين.. مما زاد من غضبي.

الحاصل أنني في ذلك الوقت وقعت في معصية عجيبة لا أملك لها تفسيرا، فقد أقسمت ألا أعود إلى هناك أبدا إلا مدعوا.. ( يخجلني أن أقول ذلك، لكنه ما حدث) وقد كان علىّ أن أحنث بقسمي و أكفر عن حنثي ، لكنني لم أفعل، ولست أدري كيف احتمل القلب الصدئ أن يمكث ربع قرن دون اكتحال بمرأى الكعبة وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم..

وبررت بقسمي.. وطيلة ربع قرن لم توجه إلىّ دعوة – لم أكن في الواقع أتصورها أبدا-.. لكنها في نفس الوقت لم تغب عن ذاكرتي يوما واحدا.. كانت كما وصف الحسن البصري رضي الله عنه الموت: يقين لا شك فيه شبيه بشك لا يقين فيه.

كان الأمر أشبه بحلم يقظة لا ينفك أبدا.. ولا يحدث أبدا.. ولا يُنسى أبدا..

حلم يقظة من نوع تلك الأحلام التي تتسلط علىّ أعواما وراء أعوام.. تحركها وتحددها صروف الزمن.. فمن حلم يقظة أملك فيه قنبلة نووية أهدد بها الغرب الفاجر فأراه يبتلع وحشيته وخسته ويعود إلى ادعاء الرقة والإنسانية.. إلى حلم آخر أكون فيه حيث الحجر يقول يا مسلم خلفي يهودي فاقتله فأذهب و أقتله.. إلى حلم ثالث أعاصر فيه عودة دولة الخلافة الراشدة .. ثم يأتي زمن تنكمش فيه حتى الأحلام ليقتصر الأمر على رغبة مشبوبة في رصاصة في جبهة الدجال بوش.. أو قنبلة تمزق الخنزير رامسيفيلد.. أو لهيبا يحرق كلب الشيطان شارون.. أو بئرا للدنس يغرق فيها نصف الرجل بلير.

اجتمع النقيضان..

ربع قرن لم أتصور فيها أن توجه إلىّ دعوة..

وأيضا.. ربع قرن لم أتصور ألا توجه إلىّ دعوه..!!

وربع قرن لم أنس فيها قط موضوع الدعوة..

وطيلة ربع القرن لم أذهب..

لذلك..

عندما تلفظ الملحق الثقافي بكلمة "دعوة" أحسست بمس الصاعقة..

ما أكرمك وما أحلمك..

ما أكرمك و ما أحلمك ..

ما أكرمك وما أحلمك..

ومن أكون أنا حتى تبر بقسمي..

سبحانك.. جل وعلا شانك..

*** 

ربما، لولا تلك الخلفية لاعتذرت على الفور..

لكنني أدركت أنها الدعوة التي طلبتها..

تمالكت نفسي و أنا من الروع في غاية، وقلت للملحق:

- أظن أن هناك خطأ في الاسم و أنكم لا تقصدونني.. إنني غير منضم لأي عصابة من عصابات أشباه المثقفين .. لست دجالا ولا مشعوذا ولا حامل مبخرة، ولا أنا منافق ، وليس لدي شك أن كل الذين يسمح لهم بأي درجة من درجات الظهور لابد أن يكون منتميا بشكل أو بآخر إلى هذه العصابات. ثم أنني أنبهك من البداية لشيء هام.. وهو أني قلمي غير معروض للبيع بأي ثمن.

ورد الرجل بأنه متأكد من الاسم ومن الدعوة.. فعدت أقول له:

- إنني لست معارضا لنظام الحكم في مصر فقط.. بل إن معارضتي لنظامكم لا تقل عنفا.. و آرائي في حكامنا وحكامكم منشورة.. أنا لا أرفض الدعوة.. بل إنني أسعد بها كثيرا لغير السبب الذي قد يخطر ببالك.. لكنني في نفس الوقت لا أريد أن أذهب لأكتشف أنني دعيت على سبيل الخطأ و أن المقصود كان سواي.

وبدا أن الرجل بدأ يفقد ثقته، فراح يراجع معي بياناتي، وكانت صحيحة، إلا أنني عاجلته بالقول:

- أحد كتبي الهامة: " إني أرى الملك عاريا" .. ولم أكن أقصد مليكنا فقط!!..

وهنا فقد الرجل يقينه وتزلزل فقال متلعثما:

- أمهلني ثلاثة أيام أعود فيها إلى الرياض لأستوثق.

و أمهلته .. وتذكرت ما حدث من اعتذارات متعددة كان أحدها اعتذارا عن لقاء الرئيس مبارك.

فمنذ عشرة أعوام، كنت أكتب سلسلة من المقالات في صحيفة الشعب المصرية، والتي لم تكن قد صودرت بسيف الطاغوت بعد، الطاغوت الذي ما يزال يفخر بأنه لم يقصف قلما ولم يصادر صحيفة!! .. وكان عنوان المقالات: "من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك".. ( وقد نشرت بعد ذلك في كتاب).. وجاء – من جهاز سيادي من يعدني بلقاء مع الرئيس في اليوم التالي بشرط التوقف عن سلسلة المقالات فاعتذرت.

*** 

بعد ثلاثة أيام عاد الملحق الثقافي ليخبرني أنه استوثق من أنني المقصود بالدعوة. وسألني إن كان لي مطالب خاصة فأجبته أن لي مطلبان : أولهما إتاحة أداء العمرة وزيارة المدينة المنورة فأجاب أن ذلك بند ثابت في برنامج الدعوة لجميع المسلمين من ضيوف المؤتمر . وسألني عن مطلبي الثاني فقلت له:

- أطلب تدبير لقاء مع الأمير عبد الله.

واعتذر الرجل أن الوقت الضيق لن يتيح له أمرا كهذا و أنني يمكن أن أدبره مع سكرتارية المؤتمر في الرياض، ثم استحثني لإرسال الأوراق إليه لبدء الدعوة.

*** 

الدعوة..

*** 

من تابع مقالاتي القديمة أو كتبي الأولى سيتذكر أنني ذهبت إلى المملكة العربية السعودية في أوائل عام 73 في ظرف غريب ، حين رأيت رؤيا كان فيها من يخبرني بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مستاء لأنني لم أذهب، و أجبت في الرؤيا و أنا من الفزع والدهشة في غاية: لكنه لم يطلبني، فأجابني بإجابة لما أكد أفهم معناها.. كانت الإجابة : "فرق بين الطالب والمطلوب"..

*** 

هل كان المعنى أنني أقل من أن أكون مطلوبا فعلى أن أحرص على أن أكون طالبا..

هل يعني أن علىّ أداء واجب محدد في الدفاع عن قضية : "لا إله إلا الله محمد رسول الله".. و أنني مطلوب من أجله..

لكن شأني أقل من ذلك و أهون..

لم أفهم حينها.. ومر ثلاثون عاما.. لتجئ الدعوة الجديدة بعد قسم كان علىّ أن أحنث فيه..

لماذا نسيت أنى طالب لا مطلوب؟.. 

لماذا ابتعدت..

لماذا ابتعدت ربع قرن.. 

نعم 

كنت بعيدا.. وأظنني قريبا..

فلما اقتربت اكتشفت كم أنا بعيد..

وكلما اقتربت ابتعدت.. 

أقترب فأبتعد.. أقترب فأبتعد.. أقترب فأبتعد.. حتى لتمر علىّ أوقات أوقن فيها بالهلاك.. ولم أكن كغريق يرده الموج إلى الأعماق كلما اجتهد وجاهد كي يقترب من الشاطئ.. بل كنت رغم ما أظنه اجتهادا وجهادا أكتشف أن الشاطئ لم يكن قريبا أبدا..كان الخطأ خطئي.. وقد ضللت الطريق.. وكان الأمان بعيدا.. ورحت أنا الأحمق أخيل لنفسي – ربما كي أنشد الاطمئنان – أنه قريب.. كان الخيال خيالي.. و لكنني كنت دائما بعيدا.. وكان البعد – فوق خطورته - ذنبي لا ذنب سواي.. وكانت المسافة فوق قدرتي على الاجتياز.. وكنت نملة صغيرة حقيرة تافهة قد تسحقها في أي لحظة قدم أوتطيرها نسمة ريح.. وكان على النملة اجتياز قفار وراءها قفار ولم يكن أمامها أي أمل إلا أن يتغمدها الله برحمته وعونه.

نعم..

كنت كلما ظننت الاقتراب أكتشف أن البعد أكثر مما تصورت..

كنت كالأعمى الذي لا يرى الحفرة إلا بعد أن يقع فيها..

أو كالأعشى الذي يخدعه بصره الضعيف فيحسب أن الهاوية أمامه ضحلة الأغوار.. فكلما قوي بصره واشتد اكتشف أنها بلا قرار.. 

وكنت كالجاهل الذي ظن أنه يستطيع أن يرقى إلى السماء بسلم..

أو كالأبله الذي راح يمد أصابعه كي يمسك بها القمر..

وكلما حددت البصر غامت الرؤية..

وكلما تلمست الأمن زاد الخوف.. أو نشدت الاطمئنان زاد الرعب..

وكلما علمت أكثر جهلت أكثر.. فرحت آسى على إيمان المساكين..

وطفقت أدرك كل يوم أكثر من كل يوم أن الأمر جد لا هزل..

جد لا هزل..

جد لا هزل..

*** 

بعد الحرب الفاجرة الكافرة على العراق عام 91 كنت قد أدركت عمق الهاوية، كشفتها لي رحمة الله الذي هداني لقراءة محمود شاكر ومصطفى صادق الرافعي ومحمد قطب وسيد الشهداء في زماننا – بإذن الله – سيد قطب.. و أيضا على عزت بيجوفيتش ومحمد أسد والمودودي.. وعشرات وعشرات .. ولقد غسل هؤلاء نتاج ربع قرن من الثقافة الصحيحة التي اختلطت بالثقافة المزيفة تحت وهم الموضوعية والانفتاح على الثقافات والحضارات.

وكنت حينذاك.. في بداية التسعينات أتمثل قول الشهيد العظيم سيد قطب في كتابه " معالم في الطريق" أثاب الله قائله ولعن قاتله:

" إن حكاية فصل " العلم " عن " صاحب العلم " لا يعرفها الإسلام فيما يختص بكل العلوم المتعلقة بمفهومات العقيدة المؤثرة في نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة والنشاط الإنساني ، والأوضاع ، والقيم ، والأخلاق ، والعادات ، وسائر ما يتعلق بنفس الإنسان ونشاطه من هذه النواحي . 

إن الإسلام يتسامح في أن يتلقى المسلم عن غير المسلم ، أو عن غير التقي من المسلمين ، في علم الكيمياء البحتة ، أو الطبيعة ، أو الفلك ، أو الطب ، أو الصناعة ، أو الزراعة ، أو الأعمال الإدارية والكتابية .. وأمثالها . وذلك في الحالات التي لا يجد فيها مسلماً تقياً يأخذ عنه في هذا كله ، كما هو واقع من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم ، الناشئ من بُعْدِهم عن دينهم ومنهجهم وعن التصور الإسلامي لمقتضيات الخلافة في الأرض - بإذن الله - وما يلزم لهذه الخلافة من هذه العلوم والخبرات والمهارات المختلفة .. ولكنه لا يتسامح في أن يتلقى أصول عقيدته ، ولا مقومات تصوره ، ولا تفسير قرآنه وحديثه وسيرة نبيه ، ولا منهج تاريخه وتفسير نشاطه ، ولا مذهب مجتمعه ، ولا نظام حكمه ، ولا منهج سياسته ، ولا موجبات فنه وأدبه وتعبيره … إلخ ، من مصادر غير إسلامية ، ولا أن يتلقى عن غير مسلم يثق في دينه وتقواه في شيءٍ من هذا كله. 

إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة . كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع فـي معظم حقول المعرفة الإنسانية .. ما هو من تخصصه وما هو مـن هواياته .. ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره . فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلا ًضئيلاً إلى جانب ذلك الرصيد الضخم - وما كان يمكن أن يكون إلا كذلك - وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره . فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها ، وعلى انحرافها ، وعلى ضآلتها ، وعلى قزامتها … وعلى جعجعتها وانتفاشها ، وعلى غرورها وادعائها كذلك !!! وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي !!! 

ومع ذلك فليس الذي سبق في هذه الفقرة رأياً لي أبديه .. إن الأمر أكبر من أن يفتى فيه بالرأي.. إنه أثقل في ميزان الله من أن يعتمد المسلم فيه على رأيه ، إنما هو قول الله – سبحانه - وقول نبيه صلى الله عليه وسلم .. نحكِّمه في هذا الشأن ، ونرجع فيه إلى الله والرسول ، كما يرجع الذين آمنوا إلى الله والرسول فيما يختلفون فيه . 

يقول الله - سبحانه - عن الهدف النهائي لليهود والنصارى فـي شأن المسلمين بصفة عامة : 

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } … [ البقرة : 109 ] .

{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } ... [ البقرة : 120 ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } ... [ آل عمران : 100 ]

ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الحافظ أبو يعلى عن حماد عن الشعبي عن جابر - رضي الله عنهم : 

" لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، وإما أن تكذبوا بحق ، وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حلَّ له أن يتبعني " .

وحين يتحدد الهدف النهائي لليهود والنصارى في شأن المسلمين على ذلك النحو القاطع الذي يقرره الله سبحانه ، يكون من البلاهة الظن لحظة بأنهم يصدرون عن نية طيبة في أي مبحث من المباحث المتعلقة بالعقيدة الإسلامية ، أو التاريخ الاسلامي ، أو التوجيه في نظام المجتمـع المسلم ، أو فـي سياسته أو اقتصاده ، أو يقصدون إلى خير ، أو إلى هدى ، أو إلى نور … والذين يظنون ذلك فيما عند هؤلاء الناس - بعد تقرير الله سبحانه - إنما هم الغافلون !".

*** 

مع الشهيد سيد قطب .. أتمني أن أتوقف عن كتابة مقالي لأواصل نقل كتابه لكم يا قراء..

ولاحظوا أنني بدأت الكتابة المركزة عن الشهيد العظيم منذ ستة شهور وسط ظلام تعتيم لا يبدو له صبح..

ومن ذلك الحين انطلقت كلاب الصيد المدربة لمواجهة أي تأثير لأي كلمة حق تقال في الشهيد العظيم.. 

سنتجاوز سريعا عن محاولات قناة الجزيرة.. 

ولكننا نركز على صلاح عيسي في صحيفة القاهرة..

صلاح عيسي .. صياد المياه العكرة.. وصاحب باقة الشيطان المهاجمة للشيطان كلما هلك منهم واحد أتي بمن يحل محله..

صلاح عيسي الذي يتحدث الكاتب المتميز محمد إبراهيم مبروك عنه فيقول: " ولكن منذ عامين فقط أدرك الماركسي القديم الأستاذ صلاح عيسى بذكاء لا يحسد عليه مدى ما يمكن حصده من ثمار خلال توظيف جمال البنا لتوجهات التيار العلماني الذي ينتمي إليه. ليس فقط استغلالا لاسم الرجل الذي يرتبط بأخوته للإمام حسن البنا أو حتى لصفة المفكر الإسلامي الملتصقة به. ولكن وقبل كل ذلك لأنه فهم مشكلة الرجل ومن هنا أتاح له الفرصة عبر صحيفته "القاهرة" أن يقول كل ما يريده، بل وكل ما يريده صلاح عيسى أيضا. وحتى إلى هذا الحد فليست هناك مشكلة ذات بال. فالجريدة تكاد تكون حكرا على العلمانيين وأما توزيعها فحدث عنه ولا حرج[1]. وبعض الإسلاميين الذين كانت تفزعهم آراء وفتاوى البنا في أول الأمر سريعا ما صاروا يقرؤونها من باب الطرائف والعجائب ولكن يبدو أن هذا الأمر ذاته أثار غضب الأستاذ البنا وعناده فقرر أن يعلن في الآونة الأخيرة عن أفكار أشد حدة وإثارة مثل كون الإسلام دينا علمانيا وانه ليس دينا ودولة وبطلان الجهاد في الإسلام وأن الحضارة الأمريكية حضارة رائعة رغم لوثاتها وأن على المسلمين أن يطوروا عقائدهم ومناهجهم الدينية استجابة لطلب بوش والإدارة الأمريكية. وبذلك حقق للتيار العلماني وللقوى التي يخدمها أكثر مما يريدون." 

ثم يواصل الأستاذ مبروك فضحه للاثنين:

" ومن ثم فمن غير المعقول مطالبة الناس بالتخلي عن إيمانهم ذاته إرضاء للغرب وإن كان هذا يرضي أشد الرضا دعاة العلمانية عندنا ومن هنا كان التقاء الهدف بينهم وبين الأمريكيين. ولهذا ينشط أمثال جمال البنا في الدعوة للاستجابة لمطالب الأمريكيين في تغيير المناهج الدينية ويعلن الرجل للإسلاميين أنه ليس أمامهم الآن سوى قبول دعوته لما يقدمه لهم من إسلام بلا إسلام. أي إسلام بلا قواعد ولا شرائع ولا أحكام بل مجرد بعض الشعائر بحسب المزاج والطلب.. ومن ثم فإنه يرى أن المعترضين على هذا الطلب الأمريكي "لن يعسر عليهم أن يأتونا بنصوص من أقوال الفقهاء توقع عقوبة الموت على المرتد وتقرر مصادرة كل فكر مختلف.. ولن يعسر عليهم أن يقدموا نصوصا عن دونية المرأة وفرضية الحجاب عليها وتحريم المناصب العليا.. أما الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني فإنها بالطبع ستكون في صدارة ما يقدمون" (القاهرة: 10 سبتمبر 2002). والدليل على أنه يعلن للإسلاميين بل للمسلمين عامة أنهم ليس لهم سوى قبول ما يتفضل علينا به من إسلامه العجيب هو أننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا تجاه الأمريكيين لأن ما يعترضون عليه "هو بالفعل أقوال أئمة المذاهب وفقهاء السلف الصالح فإذا أعادته المؤسسات الدينية فإن ذلك سيكون مصداقا لاتهامات الأمريكيين وهذا هو المأزق الذي سيجد فقهاؤنا أنفسهم فيه وكانوا في غنى عنه ومخلص منه لو" وأقف هنا وأقول : لو ماذا؟ لو ألغينا عقولنا واعتقدنا أن الإسلام الذي يقدمه جمال البنا ومن يقف وراءه من غلاة العلمانيين الحاقدين له أدنى علاقة بالإسلام. ذلك الإسلام الذي بلا تفسير ولا سنة ولا قواعد للحكم ولا جهاد في سبيل الله ولا حد ردة ولا حد زنى ولا حد سرقة ولا قصاص ولا حجاب ولا صلوات خمس وإنما صلاتان فقط ولا شعائر ذبح ولا شعائر ذكر ولا أي شيء على الإطلاق من قواعد الدين وأحكامه وهذا الذي يكمل به كلمة لو فيقول" لو أخذوا بما عرضناه مرارا وتكرارا وما سجلناه في "نحو فقه جديد" و"الإسلام وحرية الفكر وعشرات الكتب الأخرى" . وربما لو كان البنا قد أعلن عن علمانيته بوضوح لما أثار اهتمام أحد ولفات على العلمانيين ما يحققونه الآن من ثمار انتشار هذه الأفكار الشاذة. ولهذا انصب اهتمامنا هنا على تجريد أفكاره من تلك الصفة الإسلامية بوجه خاص وتقديم الأدلة والبراهين على ذلك ليكون التركيز على نفي هذه الصفة هي المهمة الأساسية لمن يواجهون بمثل تلك الأفكار من قبل بعض المدعين من العلمانيين استنادا على جمال البنا."[2]

*** 

لا أملك إلا أن أضيف بعد كلمات مبروك القيمة أن الأزهر أصر تقريره عن كتابات جمال البنا الأخيرة بأنها إنكار للمعلوم من الدين بالضرورة و أنها كفر يوجب الاستتابة.

*** 

كان جمال البنا أحد إبداعات صلاح عيسى الذي أطلق نكرة آخر يسود الصفحات تلو الصفحات في صحيفته يقول أن الإسراء كان للمدينة المنورة وأن لا علاقة له بالقدس الشريف و أن علينا أن نتركها لليهود بما فيها لتنتهي المشكلة!!..

صلاح عيسى.. الشيوعي بالأمس.. والأمريكي اليوم.. والصهيوني غدا.. وعضو مجلس الحكم بعد غد..

صلاح عيسى الذي أوجع قلوبنا ذات يوم بحديثه عن أنماط التعذيب الوحشية المجرمة التي عانى منها في سجون عبد الناصر.. أنماط التعذيب التي لم تكن تسمح لمعتقل إلا بالصراخ.. حين اجتاح طوفان الدنس الهادر الجيش والشرطة والنيابة والقضاء جميعا.. ولتتصوروا أن المجرم جمال سالم الذي كان يحاكم البطل الشهيد سيد قطب كان يقول:

- لا يهمني أن تتزوج ابنتي يهوديا أو أمريكيا[3].

صلاح عيسى انطلق أو أُطلق ليحاصر ما يمكن أن يكون قد تسرب من حصار الشيطان حول الشهيد العظيم فانطلق ليمارس نوعا مما أسميه: 

"الكتابة الفاسقة للتاريخ"..

ذلك أنه ينشر الكذب بقلب بارد وبلا ضمير.. وتخيلوا معي أنه يجعل المرجع الذي يرجع إليه ويقيس عليه هو محاضر تحقيقات النيابة..

سوف نتحدث يوما عن المستشار على جريشة الذي كتب يقول أن التعذيب الحيواني المجنون المجرم الذي تعرض له كان شديد الإيلام.. لكن ألمه كان أكثر حين استدعي للمرة الأولى أمام وكيل نيابة صغير السن ( وكان هو مستشارا) فوجده يدوس القانون بقدميه.. وللمرة الأولى رغم كل أنواع العذاب ينفجر المستشار في البكاء.. و أمام وكيل نيابة في عمر أبنائه..

مثل هذا الوكيل هو ما يجعله صلاح عيسى مرجعا..

ولقد حدثتكم عن المذيع حمدي قنديل حين كان يذهب إلى السجن الحربي ليحصل على تأييد من الإخوان للثورة.. وكان المعتقل يأتي من أمام وكيل النيابة أو الضابط نازف الجسد ممزق الروح من فرط العذاب بعد أن وعدهم بأن يقول ما يريدون كي يتخلص من التعذيب ولو لبرهة.. لكنه حين يذهب إلى حمدي قنديل يرفض أن ينطق بما يريدون فيصرخ حمدي قنديل:

- تعالوا شيلوا القرف ده..

وهو يقصد أن يأخذوه لمزيد من التعذيب كي يقول ما يريدون..

تحت مثل هذا التعذيب يرص صلاح عيسى مراجعه..

وغفر الله لحمدي قنديل جرائمه فقد اعترف بها و أبدى ندمه في أحد البرامج كما قال لي بعض من استمع إليه.

وكان يمكن أن نعذر صلاح عيسى بالجهل.. وهو جاهل و لو علم.. و أن نفترض أنه من السذاجة بحيث يفترض النيابة في وضعها المتخيل المثالي لا في واقعها الوحشي الإجرامي الذي تحدثت عنه حيثيات أحكام نهائية.. أقول كان يمكن أن نعذره بالجهل.. وهو جاهل و لو علم.. لكنه هو بنفسه قد تعرض للتعذيب في الاعتقال كشيوعي.. وتعرض لبعض هذا التعذيب .. ويعلم كيف كان يدلي باعترافاته و أي نوع من وكلاء النيابة كان يتعامل معه.. ويعلم أكثر مما يعلم أي واحد آخر أن ما يكتبه وكيل النيابة منبت الصلة بالواقع. بل هو ما يمليه وكيل النيابة كي يحبك الأدلة المزورة ويحاصر بها الضحية، فهناك، كانت وما زالت الأحكام تصدر أولا، ثم تلفق لها التحريات المناسبة وتحقيقات النيابة التي تلف الحبل حول عنق المتهم.

*** 

نعم..

عذب صلاح عيسى مع الشيوعيين ورأي بعينيه و أحس.. ويعرف الحقيقة جيدا.. ومن شاء فليرجع إلى مقاله في كتابه مثقفون وعسكر: أضغاث أحلام..

وهنا يجب أن نفرق بين تعذيب الإخوان المسلمين والوفديين والشيوعيين.

كان تعذيب الوفديين هو الأخف.. إذ لم يكن الوفد يشكل منافسا حقيقيا للسلطة وكان المطلوب مجرد الترويع للابتعاد.. وبمجرد ممارسة القليل من العنف ضد موكب للنحاس باشا انسحب فورا من الحياة العامة.

تعذيب الإخوان كان نوعا آخر.. كان هو الأعنف.. وكان يهدف ليس إلى الترويع كما حدث مع الوفديين.. بل إلى الاستئصال.. الاستئصال الكامل بالإبادة والإعدام والتحطيم النفسي.. ولم يكن من بداخل السجن هم المقصودون وحدهم .. بل كان المجتمع الواسع هو المستهدف أساسا .. كان المقصود أن يعرف المجتمع أن أي محاولة لاتباع الإسلام كما أراد الله له أن يكون سوف تقابل بهذا النوع من البطش الشديد.

من السحق..

والتعذيب حتى الموت..

والتشهير..

والإعدام الجسدي والمعنوي..

ولقد ذكرت من قبل، مدى التأثير الهائل لهذا التعذيب، ولا نجحد فضل الذين صبروا، ولولا صبرهم لانتهت الدعوة لقرون، لكننا نتناول نوعا آخر لنرصد التأثير عليه، النوع الذي هُزم واستسلم، فالبعض قدم طلبا رسميا للتحول إلى النصرانية، والبعض الآخر، ومنهم واحد من قيادات خانت الدعوة مقابل أن تكون شاهد ملك ( في قضية 65)، هذه القيادة ترك الصلاة و أفطر في رمضان، بل وتحول – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – إلى شاذ جنسيا و أخذ يعلن ذلك كي يقنع أجهزة الأمن بصدق توبته.

تعذيب الشيوعيين كان نوعا آخر..

كان ترويضا..

كانوا يعاملونهم كما تُعامل القرود..

يضربونها بالسياط ثم يأمرونها بالرقص فترقص [4].

نعم..

كانوا يدربونهم كما تدرب حيوانات السيرك ليكونوا قادرين على أي فعل مهما بدا شذوذه أو نبت غرابته..

كانت المشكلة مع الإخوان المسلمين هي مشكلة العقيدة.. كان ممتزجة في قلوب العديد منهم امتزاج الدم.. وكانت مغروسة في الجسد انغراس القلب والأحشاء.. بحيث لا يمكن انتزاع العقيدة قبل انتزاع الروح..

هذه المشكلة لم تكن موجودة مع الشيوعيين ( وعندما أقول الشيوعيين فإنني أقصد المعنى الأوسع للعلمانيين جميعا ) .. كانوا بلا عقيدة.. وكان المطلوب هو تحويلهم إلى تلك القرود التي تضرب بالسياط لترقص.. كان المطلوب أن يقتنعوا بأن الحاكم هو ربهم الأعلى ولا رب لهم سواه.. وكان المطلوب هو القضاء على أي نوع من الكرامة الإنسانية داخل ذواتهم.. واستئصال أي إمكانية للاعتراض.. كان المطلوب أن يكونوا كلاب صيد شرسة يفعلون ما يفعلونه الآن تماما ..

نعم.. 

يفعلون ما يعلونه الآن من مطاردة وحصار أي توجه يعارض الحاكم.. ولا بأس أحيانا بتمثيل أدوار المعارضة..

باختصار دخل العلمانيون إلى السجون وهم كافرون بالله..

وخرجوا منه وقد كفروا بالإنسان أيضا..

و أصبحوا لا يؤمنون إلا بالحاكم..

هو الآمر الناهي..

هو منبع الخطر والقوة..

هو – أستغفر الله العظيم – يحيي ويميت..

هو يعين ويفصل..

هو يعذب ويعفو..

فإذا كانوا لا يعرفون الله أصلا فلماذا لا يعبدون الحاكم إذن..

لقد كان هذا جليا بحيث لا يكاد يحتاج إلى إثبات.. فبعد فترة الترويض.. خرجوا من السجن إلى المناصب القيادية ليس في مصر فقط بل في العالم العربي كله .. و إلى الآن..

أما الأغرب فهي أن انتقالهم إلى المناصب القيادية لم يقتصر على عهد عبد الناصر فقط.. بل استمر في عهد نقيضه السادات.. كما استمر في عهد نقيضيهما مبارك.. والأغرب والأغرب أن ذلك لم يقتصر على مصر بل انتشر في العالم العربي كله.. وبصورة مذهلة.. ويكفي أن بلدا كالسعودية .. وهو آخر بلد كان المتصور فيه أن يوجد الصحافيون العلمانيون .. لم يكتف بمجرد الوجود بل انتقلوا إلى مرحلة السيطرة ثم حصار المسلمين.

*** 

هل يتصور القراء على سبيل المثال أن تنشر الصحف السعودية غزلا وتشببا في ملحد سعودي مثل عبد الله القصيمي؟ ( وبالمناسبة فهو من أساتذة سيد القمني وخليل عبد الكريم وجمال البنا .. وكان من أساتذة خالد محمد خالد قبل أن يدركه الله برحمته فيتوب..)..

كان ذلك منذ أكثر من نصف قرن.. وجاهر الرجل بإلحاده ليفضح أنصاره.. 

ولقد ذهلت على سبيل المثال عندما وجدت كاتبا كنت أحترمه هو الدكتور محمد صالح المسفر – عليه من الله ما يستحق- يقول عنه:

استأذن الأستاذ الجليل الشيخ عبد الله القصيمي[5] رحمه الله في استعارة عنوان أحد كتبه " العالم العربي ليس عقلا " ليكون عنوانا لهذه المحطة مع التعديل غير المخل والحق أن شيخنا رحمه الله قد اكتشف قصور العقل عند بعض ولاة الأمر فينا منذ زمن ليس بالقصير، وألف عدة كتب في شأن ذلك العقل وقصور الأداء والإدراك ولكن لم يلتفت إلي كتب شيخنا إلا قلة قليلة من أهل القلم .

محمد صالح المسفر حزين لأن قلة قليلة هي التي التفتت إلى كتب القصيمي القيمة..

سوف نقرأ عما قليل بعضا مما أعجب هذا المسفر في القصيمي..

لكننا قبلها نقرأ جزءا مما كتبه الشهيد العظيم سيد قطب عنه :

( لله درك أيها الشهيد العظيم.. أنت مذهل في كل شئ.. ولقد كشفت خبيئة الملحد حتى بعد أن انخدعت فيه قامات عملاقة كالشيخ رشيد رضا وعباس محمود العقاد.. وهو إذ يكشفه يضع المنهاج الذي يكشف عبيد الشيطان جميعا بدءا بصحيفة المقطم وانتهاء بالقاهرة و أخبار الأدب!!)..

نعود إلى ما قاله الشهيد العظيم عن القصيمي الذي يتباكى المسفر حزنا على من لم يقرأه:

" هذا رجل (يقصد القصيمي) ينافق، يريد أن يطعن الطعنة في صميم الدين خاصة، ثم يتوارى ويتحصن في الدين، وينكر ما قد يفهمه القارئ من بعض النصوص ومن روح الكتاب كله, وراء النصوص. (...) ثم هذا رجل يسرق أفكار غيره بالنص , وينكر أن يكون قد قرأ شيئا عن هذه الأفكار. (...) هذا رجل تنقصه الجرأة علي أن يقول ما يريد أن يقول ، وإذن فلا حرية فكر و لا خطر على حرية الفكر ؟إنما هي دعوة خبيثة ملتوية ضد الدين , وبخاصة الإسلام وضد الروح والخلقية في النفس والضمير؟ (...) هنا رائحة ما ؟ (...) رائحة شئ ما شئ غير نظيف ..

*** 

سوف يفتضح شأن القصيمي بعد فضح الشهيد له بسنوات.. لن يفضحه أحد.. سيفضح هو نفسه عندما ينطق بالكفر البواح الذي سنورده بعد سطور..

دعنا الآن من أقصى درجات الرقة من الحكومات السعودية في التعامل معه عبر نصف قرن..

دعنا من دعمه ماليا..

وحراسته من الاغتيال..

وعلاجه في الخارج على حساب الأمير طلال بن عبد العزيز..

ورعاية أبنائه..

واستمرار الحوار معه حتى مات..

ولم يقسم الأمير عبد الله ولي العهد أبدا أنه سيطارده ولو ثلاثين عاما حتى يقضي عليه و أنه لن يتحاور معه أبدا..

بالعكس ..

استمر التحاور والرعاية حتى الموت عام 96..

فعل تعرفون يا قراء بعض ما يقوله القصيمي هذا..

إنه يقول: في غلاف كتابه الوجه الآخر[6] :

( إن الإنسان المثل الذي يجب أن يكون هو زنديق العقل قديس النفس والأخلاق ، هو العاصي المتمرد المحارب بتفكيره )

ويقول تحت هذا العنوان ( في غار حراء لم أجد الإله ولا الملاك ) :

( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر . دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..! أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ ! ذهبت إليه إلى الغار غار القرآن المغلق والهادم لكل غار قبله ولكل غار بعده لأنه يجب أن يكون هو كل غار وآخر غار والغائر والغيور من كل غار ..! ذهبت إلى الغار الذي ولد وورث وعلم ولقن وألف وحرض وخلد أقسى أقوى أغبى واجهل وأدوم إلهيات ونبوات وديانات ووقاحات ووحشيات !

(...)..

لقد مات هذا الغار ... لقد مات بأسلوب الانتحار لأنه أوحى إلى الإنسان العربي .. إلى النبي العربي ما أوحى .. ماذا أوحى إليه ؟ هل تستطيع كل الحسابات والإحصاءات أن تحصي أو تحسب الخسران الذي أصاب الحياة والإنسان من هذا الوحي والإيحاء ؟

ويقول الكافر المجرم القصيمي تحت عنوان ( لماذا يسارع المتخلفون إلى الدخول في الإسلام ؟)

يقول :

( أعلن النبي محمد أنه آخر الأنبياء وانه بمجيئه قد اغلق أبواب السماء لئلا تتصل بالأرض أو تتحدث إليها بالأسلوب الذي تحدثت به إلى الأنبياء بعد أن قرأ ورأى وعرف ضخامة وفظاعة عدوان السماء على الأرض وتشويهها لها بإرسال من تسميهم بالأنبياء إليها .. بعد أن عرف قبح عدوان الأنبياء على الأرض لمعرفته بقبح عدوانه هو عليها . فالنبي محمد يعني إعلان خطيئة مجيء الأنبياء والنبوات وإعلان التوبة الصادقة الحاسمة من ذلك مع كل الاعتذار إلى الحياة التي ما أقسى أطول ما تعذبت وتشوهت وقبحت وتقبحت وجهلت ورذلت ونذلت وهانت وحقدت أبغضت بمجيئهم ومجيئها أي بمجيء الأنبياء والنبوات !

(...)...

هل يمكن تصديق بأن وثنية التوحيد هي اضخم الوثنيات وبان جميع الوثنيات لا تستطيع أن تنافس الوثنية التي جاء بها نبي التوحيد محمد معلما ومنفذا لها ؟(...).. احتلال الإله لعقولنا افدح أنواع الاحتلال .

هذه بعض النصوص التي ضمنها القصيمي كتابه ( هذا الكون ما ضميره ؟) 

*** 

إنني أنبه القارئ أنني حذفت الكثير الكثير مما لم يطاوعني قلمي على نقله من سباب قذر مجرم في الإسلام وفي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم..

ثم إنني أعتذر عما نقلت من هذا السفيه الفاجر عليه لعنة الله..

وما كنت لأذكر هذا الشيطان الرجيم لولا أن الحداثيين والعلمانيين المجرمين في بلادنا لا يجرءون في معظم الأحيان أن يهاجموا الدين مباشرة كما فعل ذلك الكافر.. فيكتفون بمديح القصيمي بما يعني اشتراكهم معه في الفكرة دون تحمل المسئولية .. وهؤلاء يستحقون الفضح باستمرار..

انظروا مثلا إلى الشاعر الخسيس أنسي الحاج ( وهو من نفس فصيلة أدونيس والماغوط) وهو يقول عن القصيمي أنه:

" ليس مفكّراً يشرح نظريات، إنه القاموس العربي وقد استحال صراخاً ضد التزوير، بمعناه التاريخي، ضد القمع والتخلف والسدود كلها. هذا الرجل القادم من الصحراء، السعودي المقاتل كلّ شيء، الرافض كل شيء، الحر في وجه كل شيء، يتكلم كالشهيد الحيّ. ماذا يريد؟ يريد أن يفرّغ الدنيا العربية من نفسها ويؤلفها على الحرية، والعقل والكرامة. كُتُبُه فضيحة تاريخية. فضيحة أن يكون العالم العربي قد ظلّ حتى الآن خالياً من عبد الله القصيمي. فضيحة، عبد الله القصيمي، تفضح ألوف ماسخي الكلمة العربية كل يوم من المحيط إلى الخليج. اقرءوا القصيمي. لا تقرءوا الآن إلاّ القصيمي. يا ما حلمنا أن نكتب بهذه الشجاعة! يا ما هربنا من قول ما يقول! يا ما روضنا أنفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في أنفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله في كتبه. ويهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا بكلمة. وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق المتصاعد. ضد كل شيء.

*** 

السعودية سوف تطرد القصيمي لكنها تعامله بكل رحمة.. وسمو ولي العهد لم يقرر مطاردته ثلاثين عاما ولا حتى ثلاثة أعوام.. رغم أن الرجل قد عاش طويلا في عهده (مات في أوائل 96) حيث أصدرت عنه مجلة " إبداع" التي كان يرأس تحريرها التنويري الشيطاني أحمد عبد المعطي حجازي، ملفاً خاصا . وشارك في الملف الكاتب سيد القمني في مقالة بعنوان"عبد الله القصيمي.. صوت صارخ في البرية" والكاتب حسن طلب في مقالة بعنوان"عبد الله القصيمي.. قطرة الشك في صحراء اليقين" والكاتبة البحرينية فوزية رشيد مقالة بعنوان"بعد رحيله، كبرياء التاريخ في مأزق".. والكفر ملة واحدة..

سوف يكون القصيمي أيضا ضيفا عزيزا على النظام الناصري ومن سنة 59 سوف يبث سمومه من صالونه في المنيل في لقاء أسبوعي.

*** 

لقد أطلت في الحديث عن القصيمي لأن الكثيرين من الشباب اليوم لا يعرفونه..

ولقد كانت معرفتي به – على سبيل المثال – ترياقا حماني من كاتب كالمسفر عندما قرأت إعجابه به..

و إن أنس لا أنسي رسالة قارئ مسلم في أمريكا.. كتب إلي يقول أنه كان يكرهني بشدة حتى دون أن يقرأ لي.. بل كان يتجنب القراءة لي.. وذات يوم كان يبحث ببرنامج جوجل عن موضوع متعلق بنوال السعداوي حيث كان شديد الإعجاب بها.. وفوجئ بكتابتي عنها.. فراح يقرأ دهشا .. وتطورت قراءاته حتى أصبحت نوال السعداوي وما تمثله أبغض الأشياء إلى قلبه..

نعم ..

أنا حريص على كتابة التفاصيل كي أكشف مواقع الحيات السامة وكيف الوقاية من سمومها..

وقد كان هذا بعينه ما فعلته مع كاتب أردني هو خيري منصور حين كتب يمتدح الكافر المجرم خليل عبد الكريم (بحكم فقهي من الأزهر) ..

وهو أيضا أحد مسوخ صلاح عيسى..

صلاح عيسى الذي جند صحيفته بل وكره لتشويه الإسلام وتشويه أبطاله و لإدانة الشهيد العظيم سيد قطب معتمدا محاضر نيابة حمدي قنديل وحمزة البسيوني كمرجعية..!!

لقد كتبت لكم قبل ذلك كيف تناول صلاح عيسى ( مولى عميد المباحث صلاح محيسن) العلامة محمود شاكر بالسخرية والكذب.. وفي نفس المقال تحدث عن حمزة البسيوني بوله يشبه العبادة.

ولم يذكر صلاح عيسي كيف كان المجرم الجاهل جمال سالم يحاكم الشهيد.. ولا هو ذكر شيئا عن جرأة الشهيد النادرة أمام ما يسمون بالقضاة ، فلقد خلع قميصه أمام المحكمة وقال بسخرية: انظروا يا قضاة العدالة!!.. نحن نريد أن نسأل ، آينا أحق بالمحاكمة والسجن نحن أم انتم? إن لدينا وثائق أنكم عملاء للمخابرات الأمريكية ، وبدأ يسرد الوقائع والوثائق التي تصمهم بالخزي وتسمهم بالصلات المشبوهة بكافري -السفير الأمريكي آنذاك- مما اضطر جمال سالم أن يرفع الجلسة ويغلق المحاكمة. 

وأودع سيد قطب ليمان طره (السجن الذي يضم المئات من شباب الإخوان) ، ولقد شهد بأم عينيه مذبحة الإخوان في ليمان طره عندما فتحت الحكومة الرشاشات على الإخوان حيث قتل من عنبر واحد ، واحد وعشرون من شباب الإخوان والتصقت لحومهم بالحائط ، ومن شاء الاستزادة فليقرأ كتاب (أقسمت أن أروي لروكس معكرون.[7])

لم يذكر صلاح عيسى شيئا عن ذلك..

لم ينقل من كتاب يوسف معكرون هذا قوله:

" لماذا يتحدث حكام القاهرة عن العزة والكرامة والحرية وليس عندهم إلا الوحشية والعبودية والمذلة .. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب .."

ولا هو نقل منه:

"لقد قدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة .. وخرج من السجن .. ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعا ليتصل بالعالم الحر ."

تجاهل صلاح عيسى ذلك لكننا لن نتجاهله ..

سنتحدث عنه..

كما أنني أقدم للقراء في نهاية هذا المقال هدية ثمينة مكثت شهورا حتى عثرت عليها.. ألا وهو النص الكامل لكتاب " أقسمت أن أروي" لسجين جنائي مسيحي لبناني حضر مذبحة طرة فأقسم أن يكتب عن الإجرام الذي شاهده بعينيه و أن يروي المأساة.

لقد عثرت على الكتاب بعد جهد جهيد.. وجمعته وها أنذا أهديه لكم يا قراء مناشدا أن تنشروه على أوسع نطاق فقد نفدت كل طبعاته من الأسواق والكل يستشهد به لكن لا أحد يجده.. لذا أناشد القراء أن ينشروه في كافة المواقع.. خاصة وأن الكتاب صغير جدا، فهو في طبعته الأصلية 37 صفحة من القطع الصغير.

والكتاب في حد ذاته هام.. يزيده أهمية أن كاتبه – الذي لا أعرف أي شئ عنه- ليس كاتبا و أغلب الظن أنه كان سجينا جنائيا . والرجل ليس مفكرا بالتأكيد.. ثم أنه مسيحي.. وذلك كله يستبعد أي شبهة لأي تعاطف مع المسلمين.

لقد أدرك يوسف معكرون أنه ربما يكون الشاهد الوحيد على جرائم السلطة في مصر والتي تتم بمنتهى الخسة والكذب، حيث تقوم السلطة، وخاصة رجال الأمن بأكثر الجرائم بشاعة و أشدها خسة ثم يتهمون الضحايا بأنهم هم الجناة ويلفقون الأدلة على ذلك[8]. وكان الدافع النبيل الذي دفع يوسف معكرون لكتابة هذا الكتاب أنه ظن أن السلطة الباطشة الغاشمة المجرمة التي قتلت من الإخوان المسلمين21 في دقائق غير من ماتوا بالإهمال أو بعدم تقديم العلاج في الأيام التالية. ظن يوسف معكرون أن الباقين جميعا سيقتلون، و أنه لن يبقي منهم من يخرج حيا حتى يروي حقيقة ما حدث، فكان حرصه على كتابة شهادته للتاريخ و قسمه على أن يرويها..

في ذلك الوقت كان الطوفان الدنس يجتاح كل شئ.. ووجد من المفكرين والكتاب والصحافيين بل والشيوخ من راحوا يباركون بكل خسة وحماسة خطوات الثورة المباركة وفي نفس الوقت يرمون أعداءها بكل نقيصة.

وجد من المجرمين من يفتي بأن مذبحة طرة واجب..

ووجد من يفتي بأن الإخوان المسلمين خوارج.. و أن حربهم أهم من حرب إسرائيل..

ووجد..

ووجد..

ووجد..

وكان طوفان الإعلام الدنس الهادر لا يترك ثغرة لأي كلمة حق يمكن أن تنفد من جدران الباطل..

أما لماذا أذكر ذلك كله الآن فلأنه أصلا يجب ألا ينسى أبدا.. ثم أنني أشم في الإعلام الحكومي السعودي نفس الرائحة النتنة التي شمها الشهيد سيد قطب في عبد الله القصيمي..

أشم رائحة الإعلام الصهيوني والصليبي والناصري..

أشم رائحة الباطل..

أشم رائحة من ليس معنا فهو علينا..

أشم رائحة الشيطان حمزة البسيوني والمجرم جمال سالم والسفيه الدجوي..

أشم رائحة مطاردة تستمر ثلاثين عاما ودون أي إمكانية لحوار..

الحوار لفريدمان وشارون وبوش ورامسيفيلد..

الحوار لفتح القواعد السعودية لضرب العراق..

الحوار لإغلاق المؤسسات الخيرية لخنق الفلسطينيين..

الحوار لكل ذلك.. لكن لا حوار مع إخوتنا و أبنائنا أبدا..

وقد كان هذا بالضبط هو موقف حكامنا في مصر..

ليس – فيما أعتقد – بسبب خلل عقلي ولا مرض وراثي..

و إنما لتنفيذ أوامر محددة سبق التعهد بها .. أما المقابل فهو الاستمرار في الحكم وعدم التفتيت ..

*** 

لو أنني كنت أعلم منذ عامين ونصف العام ما أعلمه اليوم ما طلبت لقاء ولي العهد الأمير عبد الله أبدا..

*** 

نعود إلى الدعوة التي خاطبني ملحق السفارة السعودية بشأنها.

منذ عام 1978 كنت أشتاق إلى الحج والعمرة.. لكنني كنت قد ربطت نفسي بحماقة بقسم ما كان لي إلا أن أنكثه.. و كنت أواسي نفسي بأنني أديت الفريضة مرتين، أما العمرة فقد قمت بها عشرات المرات.

وكان ثمة إحساس يخجلني ويخيفني.. وهو أن عدم مجيء " الدعوة " يعني أنني ملفوظ.. تلفظني مكة أو المدينة كما يلفظ الحديد الخبث..

وكان هناك أيضا سبب آخر.. ففي تلك الفترة كنت أهاجم السياسة السعودية بضراوة.. وكنت أتوقع رفض طلبي لتأشيرة الحج أو العمرة.. وكنت أخشى من خلط لن أستطيع التمييز فيه.. فلو أنني تقدمت بطلب تأشيرة للحج أو العمرة فهل سأفسر رفض طلبي بسبب غضب الله عليّ أم بسبب غضب السلطات السعودية!!.

*** 

قبل أن أتطرق للأحداث العاصفة التي صاحبت طلبي لتحديد موعد مع ولي العهد، ومندوبه الذي أرسله للالتقاء بي، وما صاحب ذلك من أحداث عاصفة، أدلف إلى الجزء الأهم، الجزء الذي فرحت بالدعوة لأجله.. أداء العمرة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم..

*** 

واجفا مرعوبا ذهبت..

كنت خائفا ألا أخاف..

كنت خائفا أن يكون قلبي قد من الصخر..

وكان العام السابق شديد القسوة.. كان غزو أفغانستان وسقوط الحكومة الوحيدة التي يمكن أن تسمى حكومة إسلامية حقيقية منذ قرون.. كانت وليدا يحتاج الرعاية كي ينمو فذبحوه.. وكانوا ينظرون إلينا نحن العرب كسند وكمنبع .. ولم يدركوا أننا قد فقدنا عروبتنا و أخشى أن أقول جل ديننا منذ زمان طويل.. كانوا يمدون أيديهم طلبا للعون.. وسارع العرب وعلى رأسهم السعودية ومصر بمد أيديهم .. لا للعون .. بل لتقييدهم تمهيدا للذبح.

وكنت مذبوحا من الألم.. وكنت قد كتبت ذلك في كتابي" بل هي حرب على الإسلام" وتلك كانت أحد أسباب دهشتي من الدعوة.

كنت مذبوحا من الألم بعد سقوط كابل وانسحاب طالبان واكتشافي أن مصر والسعودية كانتا من حملة ألوية المشركين....

وكنت أدرك كم أنا محتاج لمن أقترب منه شبرا فيقترب مني باعدا ليهدهد ألمي ويكون بلسما لجروح قلبي وقروح روحي..

وكانت الدعوة..

ووجدت نفسي في المدينة ثم في مكة..

كنت أقول لنفسي: لو بكيت بصدق نجوت.. لو بكيت نجوت.. لو بكيت نجوت..

وكنت أخشى أن تكون دموعي قد جفت..

وفي الحرمين كان الموقف واحدا..

كان الرعب..

والإحساس بالذنب ..

والتقصير..

والخوف من أن أُلفظ أو أن أطرد كما يطرد الحديد الخبث..

كنت أتساءل:

- ماذا لو لم أحس حرارة اللقاء.. ويا ويلي لو لم أحسه..

في الحرمين..تكرر نفس الموقف..

عندما تفتت القلب وبكى فغرقت في بحر من الدموع..

*** 

فجأة .. قفز من عالم النسيان إلى ساحات الذاكرة موقف..

كان ذلك منذ أكثر من ربع قرن.. كان الله قد رزقننا بابنتي الأولى.. مكثت معنا في المملكة عامين ثم اضطررنا لإرسالها لمصر.. وعندما عدنا بعد عام لم تعرفنا.. أنكرتنا.. كانت تنظر إلينا في انزعاج واستنكار للغريبين اللذين يقتحمان حياتها بإصرار وتلوذ بجدتها هربا من أمها و مني.. بعد أيام ذهبت بعيدا.. وراحت تنظر إلينا في دهشة وغضب.. وبدا كما لو أنها تذكرت.. و أنها غاضبة منا.. لماذا هجرناها.. لماذا ابتعدنا عنها.. وفجأة انفجرت في البكاء.. وقلت لنفسي وقد ملأني البشر:

- لقد انفكت الأزمة..

وصدق ظني..

هل كنت أكرر موقف ابنتي .. 

أمام الحرمين..

هل كانت الدموع كافية لغسل الوحشة و إذابة الهجر..

عندها..

وعندي..

لكن الفارق أنها – على وجه ما - كانت مجنيا عليها..

وكنت الجاني في الحالتين..

*** 

بعد أن استقر بنا المقام، راح المضيفون يقولون أن مهرجان الجنادرية ذلك العام يرتدي ثوبا جديدا، ففي كل عام يُدعى إلى ذلك المهرجان مائة وخمسون مدعوا من شتى أنحاء العالم. وكانت العادة أن يكون أكثر من نصفهم من المصريين، وقال أحد المضيفين في شبه اعتذار:

- كان معظم المدعوين من العلمانيين.. وكان بعضهم من المجاهرين والمفاخرين بكفرهم..

وراح أحدهم يحكي عن يوسف إدريس حين صاح في ليلته الأولى:

- ما هذا.. ألا يوجد نساء.. ولا خمر..

وقال المضيف:

- تدارك المسئولون أيامها فنقلوه إلى مكان آخر..

ثم أضاف ساخرا:

- ولست أدري إذا ما كانوا قد قدموا له حلا للمشكلتين أم لا.

وواصل مضيف آخر:

- هذا العام نسير على فلسفة أخرى أكثر انحيازا للإسلام.. فلم ندع من يجاهر بالكفر.. ثم أننا اقتصرنا على دعوة سبعة فقط من مصر التي جاوز تكاثر العلمانيين فيها مرحلة الخطر.. نعم سبعة فقط بدلا من سبعين أو ثمانين ( مع استثناء شخصيتين لم يدعوا بصفتهما مصريين هما الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عمرو موسى..)..

طفحت في قلبي مرارة تتساءل:

- لن يفرحني أنكم لن تدعوا المجاهرين بالكفر بعد الآن بل يحزنني أنكم دعوتموهم من قبل..فلماذا؟.. لمصلحة من؟.. 

*** 

انقضى اليوم الأول في التعارف وسوف أعتذر عن إيراد أية أسماء لأسباب لابد أن القارئ سيفهمها..

*** 

كان مما فرى كبدي أن جاءني شاعر شهير جاوز السبعين من عمره يطلب وساطتي عند أجهزة الأمن في مصر لاستعادة ديوانين للشعر له عندما اعتقلوه عام 1954 .. واستولوا على مخطوط الديوانين .. و أنه لم يكف طيلة هذا الوقت عن طلب الوساطة .. بعد أن غادر مصر بعد الإفراج عنه عام 57.. بعد أن عاصر مذبحة ليمان طرة..

ولست أدري لماذا لم يغضب أولئك القوادون الذين غضبوا لما يقولون أنه مصادرة لكتاب لنوال السعداوي ( والكتاب لم يصادر ولكنها طريقة القوادين للترويج، فالأزهر أصلا لا يملك حق مصادرة الكتب) .. 

لست أدري لماذا لا يتوسط هؤلاء القوادون للشاعر الكبير عند أجهزة الأمن.. وعلاقتهم بها وثيقة .. فهم أبناؤها وغلمانها.

لم يُصادر أي كتاب لنوال السعداوي.. العجوز الشمطاء القبيحة وجها وفكرا.. والتي ارتكبت كل أنواع الموبقات والجرائم كي تحتفظ بالأضواء حول نفسها.. العجوز الشمطاء التي تجاهر بأنها ضد الدين وضد الله – تعالى الله- وأنه – غفرانك ربي- لا يجب اتباع الرسول في الخطأ.. وأن عمرو خالد و خالد الجندي مثل النساء القبيحات.. ( أرجو من القارئ أن ينظر إلى صورة وجهها ليضحك).. و تواصل نوال السعداوي أن: (الحجاب) مفروض للجواري.. و تتساءل لما لا أتزوج أربعة؟ وتقول بئس ما تقول: " (ربنا) لا دخل له بالسياسة لأنني لا أستطيع أن أعارضه... و: " (الحج) و (الصلاة) بالطريقة الحالية (غلط) .. و تقبيل الحجر الأسود (وثنية).. وأنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري " الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر "، و أطالب بمنع الختان للرجال .. وأطالب "بالمساواة في الميراث بين الرجال والنساء".

و قد اعتبر مفتي مصر (السابق) الشيخ نصر فريد واصل في تعليق منشور[9] أن إنكار نوال للمعلوم من الدين "يخرجها بالضرورة عن دائرة الإسلام".. لأنها باختصار تتهم الله بالجهل والظلم!!.. وقال في تصريحات نشرتها مجلة آخر ساعة: هذه الافتراءات علي دين الله ورسوله ليست وليدة اليوم وإنما بدأت من صدر الإسلام الأول وقال بها المنافقون الذين دخلوا في الإسلام رياء ثم نكصوا علي أعقابهم وكادوا للدعوة ورسولها.. وبالأمس القريب تكررت نفس الدعاوى وقال أحدهم: بالنقد التاريخي للقرآن.. وأنكر أحدهم السنة جملة وتفصيلا. وها هي تنكر كل المعلوم من الدين بالضرورة .. وتحدث فضيلته عن أن: الاستعداد للانحراف الخلقي والعقدي رابط مشترك بينهم جميعا.. المنافقون دائما مشكلة تتحدي العالم الإسلامي ولقد كانوا ولا يزالون أشد خطرا علي الإسلام والأمة ولعل سورة المنافقون التي جاءت في القرآن الكريم تفضح أساليب المنافقين الرخيصة: ' قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنه فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون' .... إن هذا الطابور الطويل في تاريخ الدعوة الإسلامية أما أن يكون جاهلا بما يقول.. أو منافقا عليم اللسان وسواء كان هذا أو ذاك فهم أشد خطرا علي المجتمع لأنهم يثيرون الفتن في المجتمع ويعتدون علي الأمن الاجتماعي وأمن الدولة وأنا أقول أن أمن الدولة يبدأ من أمن الدين والعقيدة فإذا ما تعرض أمن الدين لخطر فإن أمن الدولة في مهب الريح.

وفي إجابة عن سؤال: هل تعتقد أن أيادي خفية وراء هذه الأفكار المتطرفة والمخرفة؟! أجاب فضيلته:

- أنا في رأيي أن هذه الكارثة وراءها عاملان مهمان:

الأول : الاستعداد النفسي وسوء التربية.. فلو تأملت هؤلاء وفحصتهم ستعرف أن خلفياتهم النفسية لا تبشر بالخير.. وأن مناخ التربية الذي عاشوا فيه مناخ سيئ جدا.

والثاني : قطعا هناك استقطاب دائما لمثل هذه العناصر الجاهزة نفسيا لتشويه أفكارها السيئة أصلا ودعم الأفكار المستهدفة ثم الدفع بهذه العناصر لتلقي حجرا علي المجتمع.. وهم أما طلاب شهرة زائفة.. وإما وراءهم دعم مشبوه وهم مجرد أدوات تحركها مؤسسات خارجية حاقدة أو ناقمة علي الإسلام والمسلمين.

و أضاف فضيلته قائلا : أنظر إلى الدكتورة وهي تحرض نساء البشرية علي الخلاعة والمجون والعري وهي تقول لهن ما هذا الحجاب الذي يفرضه الإسلام عليكن إنه الرجعية والعبودية والاستذلال..! محض افتراء وسوء قصد وفهم لا تقول به إلا من لا تعرف حلاوة العفة وطهارة السيرة والسريرة.. فالحجاب في شرعنا فريضة ثابتة بالقرآن والسنة.(...) إنني لا أنزعج من مثل هذه الأفكار الشاذة وهذه الآراء المناهضة لتعاليم الإسلام الحنيف بل إنني أعدها ظاهرة صحية تدل علي متانة الإسلام وعمق جذوره.. فالأفاكون من قرون خلت وهم يحاولون اقتلاع الإسلام من جذوره ولكن هيهات .. هيهات .. لأفكار بالية تهب رياحها علينا من حين لآخر أن تبلغ مرادها.. وعلي الذين ينطحون الصخر أن يريحوا أنفسهم ويستمعوا بقلوبهم إلي وعد الله بحفظ دينه 'إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون'

*** 

مازلنا مع نوال السعداوي التي تفتخر في كتاب لها أظن عنوانه : مذكرات طبيبة بالتفاصيل الدقيقة : كيف كانت تتلمس الأسباب كي تصرف خادمتها استعدادا للقاء عشيقها..

تغضب السعداوي – عليها من الله ما تستحق- عندما يناديها أحد: يا " حجة" ؟ ، وتقول في ذلك:

- نعم .. لا أحب أن يناديني أحد بهذا اللقب ، لأنني لم أحج و لن أحج ، بإمكاني أن أحج و أنا في شرفة بيتي ، و عملي و كتبي هي صلاتي ، تقربي لله هو تقربي للعدل و الحرية ، و ليس بالنصوص و التفسيرات ، هذه سياسة[10] .

وفي موضع آخر تنكر السعداوي التعذيب الذي تعرض له الإخوان في عهد عبد الناصر .. وتلقي بحجتها الدامغة:

- زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر و خرج دون خدش.

ولقد كذبت وهي تعلم أنها كاذبة لأن للدكتور شريف حتاتة كتاب اسمه: العين ذات الجفن المعدني .. ويقصد بها كوة الزنزانة حيث عاش أهوال التعذيب ويرويها في ذلك الكتاب.. كما يروي مقتل شهدي عطية و آخر لا أذكر الآن اسمه..

لكننا كي نكمل السمات الرائعة لهذه العائلة الكريمة لابد أن نعرج على اعترافات الزوج ( د شريف حتاته) في كتاب آخر هو : " النوافذ المفتوحة" حيث يعترف بأنه كان في طفولته يتواطأ مع خادمهم الشاب الأسود القوي حين كان يتحرش به جنسيا. ثم يقدم تبريرا لشدة عدائه لليهود ولإسرائيل حيث كان عالي الصوت في انتقاده لهم دائما. يعترف شريف حتاتة بأنه كان يفعل ذلك كي يغطي على سر دفين في حياته. سر كان يشعر أنه يجلب له العار.. ذلك أن جدته كانت يهودية. وكان يشعر أنه كلما كان أشد حدة في العداء لإسرائيل، كان السر الدفين عصيا على الكشف أكثر.

*** 

بسبب الخروج على الإسلام طبقا لشهادة المفتي ، فإن نوال السعداوي، الطبيبة التي تحمل دبلوما فقط( درجة أقل من الماجستير) تعمل أستاذا في جامعة ماين بشمال غربي الولايات المتحدة الأمريكية .. وتحصل على جائزة كاتالونيا الدولية في دورتها الخامس عشرة، وقيمتها تقارب المليون جنيه.. حيث قالت – بمنتهى الصراحة والوقاحة- لوكالة الأنباء الأسبانية " في" أن نيلها جائزة كاتالونيا الدولية في دورتها الخامسة عشر "يعطيني الحماس لمواصلة انشقاقي وإبداء انتقاداتي". 

وتذكروا يا قراء أن السفيه علاء حامد حصل على جائزة مماثلة و أيضا لمجرد جرأته على الدين. وكذلك السفيه بائع البوية صلاح محسن ( و الأخير هذه المرة ليس من صبيان صلاح عيسى بل من غلمان جمال الغيطاني الذي أفرد له مساحات واسعة في أخبار الأدب)..

*** 

نريد أن نترك العائلة " الشريفة" لكن ليس قبل تناول الطريقة المهيبة التي عرضت بها صحيفة الحياة للفرية المزعومة عن مصادرة كتابها: 

القاهرة - محمد صلاح الحياة 2004/05/29

"طالما أن الحكومة تتحدث عن الإصلاح ولا تنفذه, وما دام هناك من ينافق الإسلاميين, ويسعى إلى تملقهم حتى داخل المؤسسات الرسمية وبينها الأزهر, فإن مطاردة المبدعين ستستمر"...

ثم في عنوان آخر:

اتحاد الكتاب يدين قرار الأزهر مصادرة رواية نوال السعداوي..

ثم تعود الحياة لتنشر:

القاهرة - محمد صلاح: اتسعت المواجهة بين الكتاب المصريين من جهة وبين الأزهر من جهة أخرى على خلفية قرار أصدره "مجمع البحوث الإسلامية" الأسبوع الماضي بمصادرة رواية الكاتبة نوال السعداوي "سقوط الإمام", واستخدم اتحاد الكتاب المصريين, في بيان أصدره أمس, عبارات حادة في وصف خطوة الأزهر وقرارات "المجمع" في شأن التعاطي مع الإبداع. 

*** 

هذا الدوي الإعلامي أيضا ذو رائحة نتنة..

رائحة الصليبيين والصهاينة..

ولم تنشر صحيفة الحياة بعد ذلك تصريحات وزير العدل من أن الضبطية القضائية الممنوحة إنما هي تجديد لهذه الضبطية منذ أكثر من نصف قرن لإشراف على المصاحف أساسا خوفا من أخطاء غير مقصودة أو تحريف مقصود ثم على الكتب التي تورد الأحاديث الموضوعة ( الموضوعة وليس الضعيفة) .. وأن هذه الصلاحية لا تمتد لأي كتب أخري..

صحيفة الحياة السعودية لم تنشر ذلك..

بل واصلت التحريض على الإسلام..

صحيفة الحياة .. السعودية..

ولقد كشف المرحوم جلال كشك هذه النوعية الخسيسة من التصرفات التي يقوم بها العلمانيون.. حيث يقومون بأنفسهم – عن طريق وسيط - كما فعل العشماوي وفرج فودة – بإبلاغ الأزهر عن كتاب من كتبهم مع سؤال إذا ما كان هذا الكتاب يتفق مع الإسلام.. تماما كما تذهب أي زانية مثلا لتسأل إذا كان الزنا يتفق مع الإسلام.. وفي الحالتين لابد أن تأتي الفتوى بالنفي.. فيطير هؤلاء بمثل هذه الفتوى إلى صحف كالحياة – السعودية – كي تدير لهم حملتها الإعلانية ضد الإسلام كله..

والأمر يحتوي على استغفال هائل للقراء خدمة للصليبيين والصهاينة..

فبعيدا عن الإسلام.. إن المصادرة عملية يقوم بها رجال الشرطة بناء على حكم قضائي..

فهل سمعتم قط يا قراء على تعدد مثل هذه الحملات الغوغائية بصدور حكم قضائي واحد بمصادرة أي كتاب من هذه الكتب؟..

أو هل سمعتم قط عن حكم آخر بإلغاء الحكم الأول وعودة الكتاب المصادر إلى الصدور..

لم يحدث ذلك أبدا .. لأن العملية كلها كذب محض وعملية حقيرة وراءها تحالف صحف أمن الدولة وكتاب أمن الدولة ومخابرات أمن الدولة.. الدولة الأمريكية.. ومحاولة لترويج كتب العلمانيين خاصة عندما يشعرون أنهم كأي زانية عجوز.. بارت أسواقهم .. فيحاولون استعادة الأضواء بأي طريقة و بأي ثمن.. 

و أكرر.. و أؤكد.. في كل الحالات لم يصادر كتاب واحد.. على الإطلاق.. لكنها الخسة والعمالة.

من الطبيعي أن يخطئ أى واحد فيعتذر ( مثلما فعل حسنين كروم في القدس العربي) أو حتى يتجاهل الأمر خجلا.. لكن هناك من يكذب مع سبق الإصرار والترصد.. يكذب وهو يعلم أنه يكذب لغرض في نفسه..

في أخبار الأدب كان الموضوع الرئيسي هو هذه الفرية..

فلماذا؟ لماذا؟ لماذا؟.

حتى قناة الجزيرة سارت في نفس الدرب النجس..

*** 

وقبل أن نترك نوال السعداوي أنبهكم إلى مستنسخ منها اسمها "هويدا طه" تحتفل بها الصحف العلمانية كبيرا .. إذ أنها تكرر نفس الاسطوانة المشروخة الدنسة لفحيح أفاعي الغرب عن أن المسلمين المساكين مشغولون بعذاب القبر والثعبان الأقرع.. ( طريقة مبتكرة لصرف الأنظار عن التعذيب في أبو غريب العراقي والمصري) تجاهلت – عليها من الله ما تستحق – أنه في الوقت الذي سجل فيه القوميون الذين تنتمي إليهم أعلى نسبة في تسجيل الهزائم ونتائج لم يصل إليها سواهم في الفرار من ميادين المعارك وترك أسلحة بالمليارات غنائم للأعداء ثم تفتيت الأوطان بعد القيام بالمهمة الرئيسية التي أوكلها الصليبيون والصهاينة إليهم .. ألا وهي تحطيم أي تجمع إسلامي واعد بالنصر وتشويه الإسلام ذاته.. وحتى في حدود الموضوع الذي تتناوله فقد جهلت الجاهلة أن جل خطباء المساجد الآن تابعون للدولة وموظفون فيها و أن مواضيع خطبهم تحددها مباحث أمن الدولة..

نعم..

هكذا بلا لبس ..

أقولها لأن ما حدث في مصر بالأمس يحدث في العالم العربي اليوم.. و أن ما يحدث فيها اليوم سيحدث في العالم العربي غدا..

مباحث أن الدولة هي التي تحدد الخطباء وموضوع الخطب..

يساعدها.. أو على الأقل يعمل تحت إمرتها وزير أوقاف لا بارك الله له ولا عليه ولا فيه.. وزير أوقاف يترك خطباء جهلة فعلا يخطبون ويطارد الدعاة.. لن أذكر عمرو خالد.. بل أذكر الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ الكبير العلامة الشهير بالأزهر الذي منع من الخطابة في مسجد عزام .. منع لأنه ليس حاصلا على ترخيص بالخطابة من الأوقاف.. والترخيص في الأساس من المباحث وما الأوقاف إلا محلل ديوث.

والأمر لا يتعلق بفرد بل بعشرات الآلاف.. حتى أن ارتقاء المنبر أصبح جريمة أمن دولة.. 

هل تلاحظون يا قراء تبادل الأدوار:

الأزهر - بعد تطويره !!- يخرج خطباء معظمهم جهلة و الدعوة بالنسبة لهم وظيفة لا قضية دعوة وجهاد.. وظيفة ينفذون في سبيلها وبمقتضاها ما تأتي به الأوامر أيا كانت غير مدركين أن الرئيس الذي ينفذون أوامره ليس سوى واحد من العرائس المتحركة اللاتي تتحرك بالريموت كنترول.. يحركها الصليبيون واليهود و إن لبسوا أقنعة الأوقاف أو المباحث..

وهؤلاء يشكلون وجها بائسا للدعوة لكنهم أفضل من غيرهم على أي حال.. وهم من الناحية الأخرى يشكلون أقلية .. فبعد أن استولى عملاء الصليبيين والصهاينة على الأوقاف تقلصت ميزانية المساجد التي أصبحت تصرف من الميزانية العامة فلا تجد إلا الفتات..

أغلبية الخطباء إذن ليسوا من خريجي الأزهر.. ولا يصدر الترخيص إلا لمن يرضى النظام والأمن والأوقاف عنه..

انتبهوا يا قراء..

لم يكن ذلك كله أخطاء متراكمة..

بل كان هدفا محددا ومقصودا دبر وخطط في أوكار المخابرات الأمريكية ونفذته أجهزة الأمن المصرية وتنفذه الآن أجهزة الأمن السعودية .. والعالم الإسلامي كله..

كان المخطط والمستهدف أن تكون الخطب في المساجد منفرة جاهلة غوغائية مليئة بالأحاديث الموضوعة يلقيها خطاب جهلة سمح بهم ولم يسمح بسواهم جهاز الأمن الباطش الجبار..

خطاب مساجد يتحدثون – بأحاديث موضوعة ربما شارك في وضعها لنفس الأسباب لواء بمباحث أمن الدولة منذ ألف عام- عن الثعبان الأقرع الذي لا تعرف هويدا طه – كما تقول ساخرة – إن كان يوجد نوع آخر بشعر..

يتحدث الخطباء الذي تكتب لهم أجهزة الأمن خطبهم عن مثل هذا التعذيب لكنهم لا يتحدثون أبدا عن التعذيب الذي تقوم به أجهزة أمن الدولة.

وعند هذا الحد ينتهي جهد ضابط الأمن.. ليبدأ دور مثقفي أمن الدولة كنوال السعداوي وهويدا طه و مئات و ألوف..

نعم..

مثقفي أمن الدولة..

إذ يقومون بمهاجمة هذا النموذج المشوه البشع الذي اصطنعته أجهزة الأمن كي يكون نموذجا للإسلام..[11]

وأجهزة الأمن أذل و أقل من أن تشوه الإسلام كل هذا التشويه..

لكنها لم تكن سوى دمى في أيدي الصليبيين والصهاينة.

وبنفس الطريقة كان مثقفو أمن الدولة أقل و أذل من أن يشوهوا الإسلام لولا أنهم – أيضا - دمى في أيدي الصليبيين والصهاينة.

نفس المنهج الصليبي الصهيوني..

يمنع كل خطيب يمكن أن يمارس الخطابة فعلا كي يتسنى اتهام الخطباء جميعا..

ويمنع كل مفكر أو كاتب يمكن أن يدافع عن الإسلام فعلا كي يتسنى اتهام الإسلام نفسه..

يجرد المفكرون المسلمون من أقلامهم وتصادر صحفهم بل ويسحقون سحقا كما لو كانت أقلامهم صواريخ و مقالاتهم أسلحة دمار شامل.. في عملية موازية لما تفعله أمريكا و إسرائيل بنا وبدولنا..

وكان آخر ما نشرته هويدا طه في القدس العربي سخرية مباشرة من القرآن:

"نحن نستمع في كل زقاق لأشرطة كاسيت، تقسم العالم إلى فسطاطي إيمان وكفر، وتحرض الناس علي كراهية (الأغيار) وتردد أننا (خير أمة أخرجت للناس)! الخوف أن يستمر هذا الوهم في رؤوسنا، حتى نجد أنفسنا ـ أقل من ـ أن نوصف بخير أمة... أخرجت للجرذان!"..

*** 

وما أريد أن أضيفه، أنك لو رفعت اسم أي واحد من أدعياء الوطنية والقومية، من القوميين والعلمانيين و أدعياء الحداثة، لو رفعت اسم أي واحد منهم أو منهن ووضعت اسم رامسيفيلد أو كونداليزا رايس لما اختلف الأمر.

أي واحد منهم..

ابتداء من الخائن ربيب نابليون: المعلم يعقوب إلى محمد على إلى الطهطاوي.. إلى تلاميذ اللورد كرومر إلى طه حسين إلى القصيمي إلى لويس عوض ومحمد سعيد العشماوي وفرج فودة والقمني وصلاح فضل وتركي الحمد والراشد – وما هو براشد- وجابر عصفور والغيطاني وعيسى والقعيد و.. و.. و..[12]..

ولعله من المناسب هنا أن نستعيد بعضا من مقالة مدوية للكاتب فهمي هويدي كشف فيها عن أن أحد المسؤولين في أحد الأجهزة الرقابية أبلغه أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري ( الدولار الأمريكي يعادل 3.9 جنيهات مصري).وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال.[13]

هؤلاء الخونة المستأجرون اللصوص هم الذين يطلق لهم الحبل على غاربه..

أما الشهيدان الشيخ أحمد يسن وعبد العزيز الرنتيسي فإن هناك وزبرا فاسقا فاجرا في حكومة إحدى الدول العربية أصدر منشورا رسميا إلى خطباء المساجد بتجنب الحديث عن الشهيدين..

الحديث عن بطولة الشهداء ممنوع لكن اتهامهم بالإرهاب مسموح به.

و أن الصورة التي يحاول هؤلاء المجرمون إضفاءها على الإسلام هي نفس التصور الصليبي الصهيوني له..

الأمر ليس اختلاف وجهات نظر.. وإنما خيانة..

وليس اجتهادا في الدين بل انقلابا على الدين..

وليس نوعا من الإيمان بل الكفر بعينه..

نعم ..دعنا من الكلمات المنمقة والتظاهر..

وتأملوا ما كتبه واحد من كبارهم وهو الدكتور حسن حنفي[14] : " نحن مجموعة من الأفراد لو اصطادونا لتم تصفيتنا واحدا واحدا، ولذلك أرى أن أفضل وسيلة للمواجهة هي استخدام أسلوب حرب العصابات. اضرب واجري. ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة تنفجر وقتما تنفجر ليس المهم هو الوقت. المهم أن تغير الواقع والفكر. ولذلك يسمونني (المفكر الزئبقي ). لا أحد يستطيع أن يمسك علي شيئا. الجماعات الإسلامية تراني ماركسي. الشيوعيون يرون أني أصولي. الحكومة تتعامل على أنني شيوعي إخواني.."

هل تريدون صراحة أكثر من هذا..

لن أخذلكم..

ولنقرأ هذه الفقرة لكافر منهم ينعى عليهم التقية و أنهم لم يهاجموا الإسلام مباشرة ليثبتوا أنه دين زائف و أن نبيه ادعى القرآن على الله.. يقول الكافر:

" إن الإسلاميين نجحوا منذ تأسيس دولتهم في فرض الإسلام على الناس والمجتمع بقوة السيف وصوروه عبر التاريخ وبذلك السيف انه لا يمكن الشك بالإسلام ونبيه وكتابه المقدس، وهنا كان مكمن نجاحهم وقوتهم . واصبح الخوف الذي صنع بالإرهاب جزء من البنية الفكرية والاجتماعية للإنسان والمجتمع حتى اصبح جزء من بنية الحركات التي تدافع عن حرية التفكير والنقد . ويمكن أن نصنفه إحدى الأسباب التي منعت جميع الحركات الردايكالية في تاريخ المجتمعات العربية و منذ حروب الردة وانتهاء بالحكومات العربية التي تحكم بأبواق رجال الدين وبركاتهم وبالسيف الذي ورثوه عن الدولة الإسلامية من أن تفصل نفسها عن الإسلام تجنبا من بطش ممثلي الإسلام ."(...) وان الذي حكم على صلاح محسن بالسجن لمدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ لأنه لا يؤمن بالإسلام ليس تيار الإسلام السياسي فقط بل إسلام الدولة المصرية معا. وان الذي طلق حامد نصر أبو زيد من زوجته ليس تيار الإسلام السياسي فقط بل إسلام الدولة معا. وان الذي دفع أن يصدر بيان تحريض على قتل خليل عبد الكريم وصاحب الدار الذي نشر الكتاب بكل استهتار وصفاقة ليس منظمة الجهاد الإسلامي ولا إخوان المسلمين بل جبهة علماء الأزهر حامي وحارس النظام السياسي في مصر ".. الخ من الأمثلة .

*** 

نعود إلى الدعوة لمؤتمر الجنادرية..

بعد الاستقبال الحافل.. وفي اليوم الثاني أو الثالث كنت قد تعرفت برئيس الهيئة المسئولة عن استضافتنا وطلبت منه تحديد موعد للقاء ولي العهد.. فرحب بطريقة أشعرتني أن الأمر ليس صعبا.

وكنا نحضر الحفلات يوما بعد يوم.. وكنت في انتظار تحديد الموعد.

*** 

ذات يوم اصطحبونا إلى معرض لتطور الطيران في المملكة.. وكان مرشدنا في الجولة طيارا سعوديا كبيرا.. وكان معنا – من الضيوف العرب – أحد خبراء الاستراتيجية المرموقين في العالم العربي ( سوف أخرج عن تحفظي هذه المرة لخطورة الموضوع لأقول اسم هذا الخبير: إنه الدكتور أو الجنرال يسن سويد.. القائد العسكري اللبناني السابق والخبير الاستراتيجي المعروف) ..

أخذ الدكتور يسن سويد يسأل الطيار السعودي عن تفاصيل مواصفات الطائرات المعروضة بالأصل أو بالنموذج أو بالصور..

بدا الطيار السعدي سعيدا بوجود من يتجاوب معه في هذا الجمع المثقف الذي لم يتصور أن يجد فيه هذه الثقافة العسكرية الرفيعة.. ومع استمرار الجولة بدا أنهما تحولا إلى صديقين حميمين حتى كأنما غفلا عن باقي المجموعة فما من صوت غير الدكتور الجنرال يسأل والطيار السعودي يجيب في نشوة وفخر..

ووصلنا إلى قمة التطور في تاريخ الطيران السعودي..

إلى طائرات الأواكس..

وراح الدكتور الجنرال يسأل بنفس طريقته السابقة أسئلة تبدو ناعمة لا يحركها إلا الفضول أو الرغبة في المعرفة..

عرفنا على سبيل المثال إمكانيات هذه الطائرة..

عرفنا أن ثمنها يفوق المليار دولار..

و أن ملاحيها – فيما أذكر- أربعة معهم أربعة مساعدين..

و أنه في الثمانينيات كان كل ما تملكه الولايات المتحدة من هذه الطائرات 18 طائرة.. كان أربعة منها في تركيا و أربعة في السعودية .. بالإضافة إلى طائرتي صهريج "ك. سي ـ 135" التي تساعد على إبقاء طائرات "أواكس" في الجو لفترات طويلة ( 22 ساعة بدلا من 11 ساعة).

راح الرجلان يتحاوران بمتعة أن طائرات تركيا كانت تغطي الاتحاد السوفياتي كله و أن طائرات السعودية تغطي العالم العربي كله وبعضا من الدول الإسلامية..

كنا نتابع الحوار في فتور فلم تكن معلوماتنا تتيح لنا تتبع تفاصيله.. و إلا فكيف نتابع تعليقات الجنرال و أسئلته عن تردد رادار الأواكس بالميجاهيرتز.. وعن ارتفاعها.. والمدى الذي تغطيه بمئات الكيلومترات.. وقطر الهدف الذي تستطيع اكتشافه وكيف تطورت البرمجيات لتقلل ذلك القطر من عشرين مترا إلى بضعة سنتيمترات وعلى بعد 55 ميلا بحريا.. وعن قدرة الطائرة على التعامل مع ستة أنظمة منها: كشف الأهداف المنخفضة جداً، والأهداف العالية جداً، ونظام الصمت الراداري لمراقبة أي إرسال راداري وتحديد موقعه. و يستطيع الرادار تحديد مواقع أجهزة التشويش الرادارية المعادية. يقوم بجمع كل المعلومات من أجهزة الرادار السلبي ليكون بالإمكان كشف وتحديد حوالي 400 هدف معادٍ وتوجيه حوالي 85 طائرة مقاتلة صديقة في وقت واحد.

*** 

كان الطيار السعودي يتحدث بفخر شديد لأن بلاده بسبب مكانتها هي أحد البلاد القليلة في العالم الذي يمتلك هذا النوع من الطائرات التي تستطيع كشف إطلاق أي صاروخ في منطقة الشرق الأوسط حيث ترصد وتسجل مكان وتوقيت إطلاق الصاروخ المعادي، وتبلغ بذلك، وفي وقت واحد، إلى مراكز القيادة والسيطرة الأرضية وطائرات الإنذار المبكر (أواكس) أو (E

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق