السبت، 7 أبريل 2018

"معركة التحرير ومواجهة صفقة القرن"

معركة تحرير القدس وصفقة القرن



بقلم أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
14 رجب 1439هـ
31 مارس 2018م


الحمد لله القائل: ‏﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾ فباركه مصلى ومسجدا، وباركه موطنا وسكنا، وباركه أهلا وساكنا؛ كما في الحديث الصحيح: (الشام خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده)..

وصلى الله وسلم على النبي المصطفى، الذي عرج به ربه من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى؛ ليرى من آيات ربه الكبرى، حيث سدرة المنتهى، إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى!

قائل: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلا ما أصابهم من لأواء وهم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)

فنعمت فلسطين ثغرا ورباطا إلى قيام الساعة ففي أكنافها الطائفة المنصورة والأمة المرحومة!


ذكرى ثلاثة أحداث كبرى:

أيها المجاهدون ها نحن نعيش ذكرى ثلاث أحداث كبرى ونخوض ثلاث معارك عظمى..

أما الذكرى الأولى فهي:

ذكرى احتلال القدس ودمشق وبغداد وحصار إسطنبول في جناق قلعة وتسليم المدينة النبوية للكابتن البريطاني غارلن وخروج قائد الجيش العثماني فخري باشا قبل مئة عام في مثل هذه الأيام!

وذكرى سقوط الخلافة التي سقطت فعليا بسقوط القدس ودخول الجنرال اللنبي لها ولدمشق ودخول غارلن المدينة.

وذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين الذي عبر عن حال الأمة أعجب تمثيل فهي كحاله ضعيفة الجسد مقعدة حد العجز وقوية العزم وثابة الروح حد الإعجاز!

لا لم تمت بل ماتت الجبناء

وسموت حين تهاوت الزعماء


وغدوت نجما للبطولة ساطعا


يسري على أنوارك الشهداء


إن كان أحمد قد قضى نحبا ففي


كل المدائن أحمد ولواء



وأعتذر للأمة عن قصيدتي التي قلتها قبل عشرين سنة أرثي حالها وأبكي أطلالها معارضا قصيدة عمر أبو ريشة حين قلت:

أمتي جاوزت كل الأمم


في الرزايا بعد موت الهمم


يشتكي الأحرار ظلما مثلما


يشتكي الأبرار وأد القيم


كم عـميـلٍ صار فيها صنمـًا


وشعــوبٍ سجـدت للصنـم ِ!


وطغــاةٍ سحقوا أوطانهــم


واستبـاحوهـا فلم تنتـقـم ِ!


تحـتسي الـذلَّ وتلهو بعدمـا


فقدت إحساسهـا بالسقـــم ِ


سامـها بالـذلِّ من لو تنـتبهْ


لحــظةً من نومهـا لم يـنــم ِ


ودعـــاها لسـلامٍ دائـم ٍ


فـتـفاجـئنا بهـذا الـسَّلَـم؟


واعـتذرنا عن جهـادٍ سابـق ٍ


واعـترفنـا عندهم باللَّـمَــم ِ


فـعفوا عنا وكانت وصمــةً


دونها الـعـارُ ولم نحـتـشـم ِ


وقـضى (بـاراكُ) أن يُقضى على


كـلِّ حـرِّ بيننـا لم يَـخِــم ِ


فاستـحرَّ القتـلُ والسجـنُ بهم


وتجـارينـا بقطــع الرحِــم ِ


كم كـريمٍ فتـك الغــدرُ به


فـغدا الفــتكُ حليـفَ الكـرم ِ


وغـدا الإسلام فينا تهــمـةً


دونها تقـصــرُ كلُّ الـتـهـم ِ


وجـرى ما يضحك الثَكلى وما


لم يــراودنا ولا في الحُــلُـــم ِ


رقـص النــتنُ لها من طرب ٍ


وتجرعنا دمــوعَ الألــــم ِ


وجنينا صفقةً خاســــرةً


وعضـضنا إصبـعاً من نــدم ِ


لم تـعد (حيـفا) ولا(يافــا)لنا


لا ولا (القدسُ) و(طـولُ الكرم)!


وإذا (الـقدس) التي نهـفـو لها


طالما نـروي ثـراهــا بالـدم ِ


دونـهـا النـتـنُ ونحـن دونه


نـرتجـي منه دخـول الحـرمِ!


أمـتي حـاربت دينـاً لم يكن


لك إلا شـرفـاً في الأمـــم ِ


إنه لــولاه ما كــنت على


هـذه الأرضِ ولم تُحـتَـــرم ِ


أمـتي ما هذه الفــوضى التي


أنت فيها فانـهضي وانتـقمـي


أين أيــامٌ لك قد سطــعت


فاستضـاء الروم بعد العـجـم ِ


وأقمت العــدلَ في الدنيا على


شِـرْعةِ الهادي وخيرِ الكَلِــم ِ


كيف أمسـيتِ على حـالٍ كما


خـفةِ الطـيرِ وخوفِ الغنــمِ؟


أمـتي هـذا ســلامٌ زائـفٌ


بيعت (الـقـدسُ) به بالوهـم ِ


فانتـــظر يا (نـتنُ) إنـَّا أمةٌ


لم تصـب آمـالها بالعـُـقـم ِ


وارتقب من بعدها أُسْـدَ الشرى


كل ليـثٍ يرتـدي باللَّـغـم ِ


وجــيوشًا تعـرف الحقَّ إذا


غلبت لم تنتـهـك للحُــُرم ِ


ستـعود (القــدس) لا بد لنا


تُنـشدُ النـصرَ بحـلو النغـم ِ


ويـعود المسجد الأقـصى على


جثثِ الأبطـالِ وسْطَ الحمـم ِ


في بهاءٍ وجـلالٍ باهــــرٍ


مثلمـا قد كـان منذُ القِــدَم ِ


لقد استجابت الأمة لصرخات أحرارها وجاءت الثورة العربية بكل جلالها وعنفوانها تزلزل أركان كل الترتيبات الاستعمارية التي فرضها المحتل الغربي وحملته الصليبية وما تزال تخوض ملحمة كبرى معه في الساحتين العربية حيث الثورة، والتركية حيث اليقظة والنهضة.


ثلاث معارك ضرورية لتحرير القدس:


وإن على الأمة وشعوبها أن تخوض من أجل تحرير القدس ثلاث معارك كبرى:

المعركة الأولى: معركة الوعي:

١- وعي الأمة بذاتها ووجودها ورسالتها وتاريخها وواقعها.

٢- والوعي بأبعاد المعركة التي تخوضها الأمة منذ سقوطها تحت الاحتلال الغربي القرن الماضي وأنها معركة عسكرية عقائدية تاريخية تمتد منذ ظهور الإسلام وتجهيز النبي ﷺ جيش أسامة لتمهيد الطريق لفتح فلسطين وتحرير القدس في عهد عمر إلى يومنا هذا؛ مرورا بتحرير صلاح الدين الأيوبي وحماية سليم الأول لها من السقوط مدة أربعة قرون!

٣- والوعي بحقيقة العدو المحتل الذي يواجهها وأنه امتداد للحملات الصليبية التي لم تتوقف منذ فجر الإسلام حتى اليوم!

والذي قال عنها أبو الطيب المتنبي:

وكيف ترجي الروم والروس فتحها

وذا الطعن آساس لها ودعائم


٤- والوعي بطبيعة الأنظمة الوظيفية التي أقامها وأدواتها من النخب السياسية والمجموعات الوظيفية وكيف احتل الغرب المنطقة وشكّل هذا الواقع السياسي وأسس هذه المنظومة الوظيفية التي انسلخت من دينها وهويتها وأمتها؛ لتصطف معه وتقاتل في خندقه!

هذه الأنظمة الوظيفية التي ظهرت على حقيقتها بعد قرن من النفاق لتشكل مع إسرائيل حلفا عسكريا تحت رعاية الحملة الصليبية لحصار غزة وإنهاء قضية القدس ومواجهة الأمة وثورتها ومقاومتها!

فلا يمكن فهم ممارساتها وسياساتها قبل معرفة تاريخها وارتباطها بالمحتل.

٥- الوعي بتاريخ المذاهب الباطنية ومشاريعها الارتدادية على الأمة وانقضاضها عليها مع كل محتل خارجي، منذ حركة بابك الخرمي الذي ظهرت حركته سنة ٢٠١ هج (واستمرت مدة 20 عاماً، وظهرت من إيران، وكان لها دور سلبي في إضعاف الدولة، وفتح الباب لتدخل الروم بسبب التعاون الذي قام بين بابك الخرمي والإمبراطور الروماني للقضاء على الدولة العباسية).

حتى قضى عليها قضاء مبرما الخليفة المعتصم بجيش تركي بقيادة أبي سعيد محمد بن يوسف الأفشين!

(وكان أتباع بابك عندما تحلّ بهم الهزيمة يلجؤون إلى بلاد الروم فيقيمون في المرتفعات، ويضمهم الروم إلى جنودهم الذين يرسلونهم لقتال المسلمين. وعندما حوصر بابك في "البذ" أرسل إلى ملك الروم تيوفيل بن ميخائيل يحثه على مهاجمة المسلمين، ويشجعه بأن الخليفة لم يبق لديه من الجند ما يكفي لحراسته، إذ بعث بكل ما لديه إلى القتال في أذربيجان ضد الخرمية، وقد دفع هذا تيوفيل إلى الاعتداء على المسلمين.

وقبل ذلك كان بابك يراسل امبراطور الروم ميخائيل الثاني (والد تيوفيل) ويتحالف معه ضد المسلمين، ظنًا أن ذلك سيضعف الدولة ويفتح الجبهات عليها.

كان من نتائج حلف بابك وإمبراطور الروم، أن يسير تيوفيل على رأس مائة ألف من جنده، وسارت معه الخرّمية الذين التجأوا إلى بلاده، واتجه إلى حصن "زبطرة" فخرّب البلد، وسبى النساء، وقتل الذراري، وأخذ الأسرى، ومثّل بكل من وقع في يده. وفي ذلك الحصن أطلقت إحدى المسلمات صرختها الشهيرة "وا معتصاه)!

ثم الحركة القرمطية التي اقترفت مذبحة الحجيج ٢٩٤ هج وحاصرت الكوفة ٣١٣ في الوقت الذي كان جيش الخلافة بقيادة مؤنس التركي يواجه الروم الذين احتلوا ثغور الدولة، ثم جاء المحتل البرتغالي ٩١٥ والذي تحالف قائد جيوشه في الخليج القائد البوكيرك مع شاه إيران إسماعيل الصفوي لاحتلال الخليج العربي والذي كان أول ضحايا هذا التحالف أمير الإحساء مقرن بن زامل الذي استشهد ٩٢٨ هج ١٥٢١

هذه الدولة الصفوية التي قال عنها المفكر الإيراني علي شريعتي بأنها طعنت الخلافة الإسلامية في الظهر وتحالفت مع أوربا وقال: (الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الأكاسرة).

كما تحالفت الدولة الصفوية مع طومان باي آخر مماليك مصر ضد الدولة العثمانية لصالح أوربا!

٦- الوعي بحقيقة النظام الدولي وأهدافه الاستعمارية التي قام على أساسها، ويعمل من خلالها ولتحقيقها.


المعركة الثانية: معركة التحرر والحرية

وعلى كل المستويات وفي كل الساحات:

- التحرر من الاستبداد.

- ومن الاحتلال.

- ومن التخلف والتبعية.


وقد استفتحها العرب في أواخر 2010 بالثورة العربية التي أذهلت العالم وما زالت هذه الثورة تزلزل النظام الطاغوتي وهي في بدايتها وكل ما يريده العدو اليوم هو أن يوهم الأمة أن المعركة حُسمت لصالحه؛ بينما لم يستطع حقيقة أن يحسم الصراع في أي ساحة من الساحات؛ فهو يريد بالحرب النفسية أن يحقق ما لم يحققه بالحرب العسكرية؛ فإنما هي معركة إرادات بالمقام الأول تتسلح الأمة فيها بالإيمان والإرادة التي لا تكل ولا تمل ولا تحسب للتضحية حسابا؛ فهي تعلم أن الصراع صراع إرادات وأن النصر مع الصبر‏﴿إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون﴾.


المعركة الثالثة: معركة التوحيد:

وهي معركة أحوج ما تكون الأمة إلى خوضها اليوم؛ إنها معركة الإيمان مع الطغيان، ومعركة الإنسان مع الشيطان!

معركة التوحيد بكل ما يحمله مفهوم التوحيد من شمولية ابتداء من توحيد الله وأنه ﴿الملك الحق﴾ له الحكم المطلق ﴿إن الحكم إلا لله﴾لا للطاغوت والطغاة ولا للدول الكبرى ورؤسائها ولا لمجلس الأمن وقراراته!

‏﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾!

فهذا التوحيد يبدأ من التوحيد العقائدي ﴿وإلهكم إله واحد﴾ وتوحيد الحاكمية التشريعية ﴿ولا يشرك في حكمه أحدا﴾ ليكون الله وحده هو الرب والملك والحكم ‏‏﴿رب الناس . ملك الناس . إله الناس﴾وينتهي بنا إلى الوحدة السياسية كأمة واحدة ‏﴿إن هذه أمتُكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ وكما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..) فجعل الاعتصام بحبل الله جميعا بعد توحيده؛ فالوحدة السياسية بين الأمة ومكوناتها هي أصل من أصول الدين؛ فالدين الذي جاء بالتوحيد لا يمكن أن يقبل هذه الفرقة الجاهلية التي نعيشها اليوم بقومياتنا ووطنياتنا وأحزابنا وفرقتنا؛ كما كان حال أهل الجاهلية من قبل؛ وقد حذر منها القرآن ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا﴾ فلا تكون هذه الحالة الجاهلية حالة مقبولة ومشروعة تحت شعار الوطنية والقومية؛ وإنما هي الجاهلية بأوضح صورها!

وهذه المعركة يتصدى لها العلماء الربانيون، فإذا كان المجاهدون والثوار يتصدون لمعركة التحرير العسكري؛ فالعلماء والدعاة والمصلحون يتصدون لمعركة التوحيد وربط هذه الأمة بدينها وبرسالتها وبنبيها ﷺ: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)

فاليوم يراد للأمة لا أن تتبع سنن أبي بكر وعمر بل يراد لها أن تتبع سنن الدجاجلة الذين حذر النبي ﷺ منهم بقوله: (بين يدي الساعة ثلاثون دجالا) والثلاثون هنا إما على سبيل الكثرة في العدد أو على سبيل الحصر، فأصبح اليوم هؤلاء الدجاجلة ولاة أمر يجب طاعتهم شرعا وهم الذين حذر منهم ﷺ قال: (أخوف ما اخاف على أمتي الأئمة المضلون) ونحن أصبحنا نرى في الخطاب الديني من يرى السيسي ولي أمر يجب أن ينتخب، ومن يرى الحكومات الوظيفية في الخليج ولاة أمر يجب أن يسمع لها ويطاع لهم

وهم كما قال ﷺ عنهم:(دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) وقال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)


وأمر بجهادهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيديهم كما في الحديث: (أمراء يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد؛ يعز به أهل طاعته، وينصر به أوليائه، وأن يمدنا بمدد من عنده، وأن يتولانا بولايته، وأن ينزل نصره على المستضعفين في فلسطين وفي الشام وفي العراق وأفغانستان وفي كل بلد تنتهك فيه حرمات المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق