السبت، 12 مايو 2018

نكسة السعودية والإمارات في ماليزيا "مضاعفة": خسر حليفهما الحكم وعاد خصمهما (مهاتير) إلى السلطة

نكسة السعودية والإمارات في ماليزيا "مضاعفة": خسر حليفهما الحكم وعاد خصمهما (مهاتير) إلى السلطة

 نكسة السعودية والإمارات في ماليزيا
ترجمة :خدمة العصر
عاد الزعيم الماليزي مهاتير محمد إلى سدة الحكم في كوالالمبور من بوابة الانتخابات التشريعية. 
صعود "صانع نهضة" في ماليزيا غير مرحب به في الرياض وأبو ظبي، حيث راهن الحكام على دعم مالي سخي لإبقاء حليفهم رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، الذي مُني بخسارة في الانتخابات لمصلحة منافسه المعارض لسياسات السعودية في المنطقة إجمالا.

ولم تستفق السعودية بعدُ من صدمة الانتخابات البرلمانية اللبنانية حتى أتتها الانتخابات الماليزية لتزيد النكسات السياسية على الرياض وحلفائها، كما أشارت تقديرات صحفية. إذ عاد مهاتير محمد إلى الحياة السياسية الماليزية بشكلٍ رسمي بعد 15 عاماً من الغياب، ليفوز تحالف "الأمل" المعارض الذي يقوده، بـ 112 مقعداً من أصل 222، ويحوز الأغلبية الساحقة في البرلمان الماليزي، ما سيسمح له قانوناً بتشكيل الحكومة، فيما تعرّض التحالف الحاكم، بقيادة حليف الرياض، نجيب عبد الرزاق، لخسارةٍ مدوية بحصوله على 79 مقعداً، بعدما كان يملك في البرلمان السابق 133 مقعداً، أي أنه خسر 54 مقعداً.

ورغم الرَشى السعودية الخاصة لرئيس الوزراء عبد الرزاق، بالإضافة إلى الصفقات بمليارات الدولارات التي أبرمتها كوالالمبور مع الرياض في خلال الفترة السابقة، وتحديداً خلال الزيارة الآسيوية التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز في فبراير 2017، فلم يتمكن عبد الرزاق من الاستمرار الحكم، إذ إن "دبلوماسية الصكوك السعودية" لم تنفع في إبقاء الحليف رئيساً لوزراء البلاد.

الدعم المالي السعودي غير المحدود لعبد الرزاق انكشفت معالمه في أبريل عام 2016، حين ضجت وسائل الإعلام الماليزية بخبر عن هِبة سعودية سرية قدمتها الرياض لرئيس الوزراء الماليزي، ودُفعت عبر تحويلات على دفعات بين أواخر شهر مارس عام 2013 وأوائل أبريل من العام نفسه، قبيل الانتخابات التي أجريت في الخامس من أيار من العام نفسه. الهبة حينها صدّق عليها الملك السعودي السابق، عبد الله بن عبد العزيز، إذ دفعت الأموال من حساب الملك الشخصي وخزينة الدولة السعودية، وفق ما كشفته مصادر سعودية، ليتبين في ما بعد أن الهبة الضخمة التي قدمها آل سعود لرئيس وزراء ماليزيا كانت من أجل مساعدته على الفوز بانتخابات عام 2013.

وكانت الاتهامات الموجهة لعبد الرزاق تتركز حول مصدر الأموال. واقترنت تبرئة المدعي العام الماليزي له مع تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حينها، بأن مبلغ 681 مليون دولار الموجود بالحساب المصرفي لرئيس الوزراء الماليزي كان هبة من السعودية مباشرة وليس عبر صندوق التمويل الحكومي. ونقلت تقارير أن تلك الفضيحة أثارت ضجة كبرى في الداخل في ظل الانكماش الاقتصادي الذي كانت تعاني منه ماليزيا بسبب انخفاض أسعار النفط، وما تبعها من تبرئة لرئيس الوزراء الماليزي، حالة من السخط الشعبي وطرحت تساؤلات حول مُراد الحكم السعودي من رشوة رئيس وزراء ماليزيا بأكثر من نصف مليار دولار؟

وأفادت تحليلات صحفية أن اسم عبد الرزاق ارتبط بأموال حولتها شركة الاستثمارات البترولية الدولية "إيبيك" المملوكة لحكومة أبو ظبي، إلى الصندوق الحكومي ذاته. 
ففي عام 2005، قالت الشركة إنها وافقت على منح صندوق التنمية الماليزي مليار دولار نقداً، علاوة على تحمل 3.5 مليارات دولار من ديونه مقابل بعض أصوله، وتحدثت تسريبات عن أن هذه الأموال تحولت بعد ذلك لحساب عبد الرزاق.

وكتب مطلعون أن الدعم المالي والسياسي السعودي والإماراتي لعبد الرزاق يشير إلى أن الرجل كان الأداة التي حاولت الرياض وأبو ظبي استخدامها السيطرة على القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية لكوالالمبور، إلا أن هذا الدعم لم يمنع "صانع نهضة ماليزيا"، مهاتير محمد، كما يصفه الشعب الماليزي، من العودة إلى الحياة السياسية الماليزية بعد 15 عاماً من الغياب. وربما كان هذا تعبيرا عن غضب شعبي على حلفاء الرياض، وقد ظهر في الإقبال الكثيف على الانتخابات الذي تجاوزت نسبته 70%.

وقد عاد مهاتير محمد السياسة إلى الساحة السياسية منذ عامين معارضاً لرئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق بعد استقالته من حزب "أمنو" الحاكم للبلاد، قائلا إنه "من المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد في البلاد"، معلناً أنه سيتصدى لسياسات عبد الرزاق. ويُذكر أن مهاتير ترك السلطة طواعية في العام 2003، ليعود إليها بزخم أكبر في العام 2018 عن عمر قارب 92 سنة، بعدما أنجز لبلاده نهضة اقتصادية هائلة بقيادته "الجبهة الوطنية" والحكومة بين عامي 1981 و2003.

ويبدو أن الخسارة السعودية الإمارتية في ماليزيا لم تقتصر على وصول حليفها عبد الرزاق إلى السلطة فحسب، بل بوصول رجل ضد سياساتها أيضا. 
ويُذكر أن مهاتير محمد، الذي سيتولى رئاسة وزراء ماليزيا، كان معارضاً بشدة لحرب التحالف السعودي في اليمن، واصفا إياها بـ"الحرب الوحشية ضد الشعب اليمني"، وأشار متابعون إلى موقفه هذا قطع الطريق على أيَ محاولة سعودية لإشراك ماليزيا في الحرب.

ورأى في مقابلة معه نشرها موقع "فري ماليزيا توداي" في يوليو 2016 أن "السعودية ليست شريكا مناسبا لماليزيا في تعزيز الاعتدال في العالم الإسلامي أو في مكافحة الإرهاب".

وكان له موقف رافض لقرار ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي. ووصف الرئيس الأمريكي بـ"الشرير" الذي يجب استخدام كل القوة لمواجهته، داعياً جميع الدول الإسلامية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل.

وفي السياق ذاته، كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الديمقراطية تتعرض لضغوط هذه الأيام وعليه فقد كان الفوز المفاجئ للمعارضة الماليزية يوم الأربعاء أخباراً مفرحة للعالم. وقام تحالف بقيادة رئيس الوزراء السابق، مهاتير محمد، بتعبئة الرأي العام الذي اشمأز من الفساد وتم التخلص من الحزب الحاكم الذي يدير البلاد منذ عام 1957. ولم يكن الفوز ممكناً بدون مهاتير الذي كان قادرًا على إقناع الناخبين الملايو بالتخلي عن "أمنو"، والذي قاده لمدة 22 عاماً.

وتقول الصحيفة: "اختلفنا مع الدكتور مهاتير على مدى السنين الماضية، ولكن عودته للسياسة لإنقاذ أحسن مكونات إرثه هي العودة الأجمل". 
ويستحق مهاتير الشكر لوعده تسليم السلطة لأنور إبراهيم، زعيم المعارضة الذي قضى فترة طويلة في السجن وأمضى خمس فترات وراء القضبان بناء على اتهامات ملفقة. ولو صدر عفو ملكي عنه، فسيتمكن من الترشح لانتخابات جزئية ويعود إلى الحكومة خلال العامين المقبلين. وقالت إن ماليزيا بحاجة إلى قيادة أنور لإعادة بناء البلد ومؤسسات المحطمة.

والمعضلة التي تواجه الحكومة الجديدة هي تنظيف الفساد من دون إساءة استخدام القوانين والانتقام من المعارضة السياسية. وأنور الوحيد القادر على إصلاح السلطة المحطَمة، مستخدماً مهاراته السياسية وإيمانه بالقيم الأخلاقية. ولا توجد ضمانات لنجاحه، إلا أن تجربته كسجين سياسي منذ عام 1998 تمنحه المصداقية أكثر من زعيم سياسي آخر في البلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق