الأحد، 20 مايو 2018

هكذا يحكمنا العسكر

هكذا يحكمنا العسكر
سيلين ساري

"اجعل الشعب منشغلًا منشغلًا منشغلًا دون أن يكون له وقت للتفكير حتى يعود إلى الضيعة مع بقية الحيوانات – نعوم تشومسكي"
 أكثر من 60 سنة كنا مشغولين مشغولين مشغولين، ولكن بكل ما هو تافه، وبفضائح ممنهجة صنعت على عين النظام، ليشغلنا عن جرائمه بحقنا، وبحق الدين الوطن، الى ان دخلنا للضيعة والضياع مع بقية الحيوانات ليأكلنا واحد تلو الآخر.
إنها سياسة الإلهاء سبيل كل حاكم لإزاحة ما هو سياسي عن الأضواء لصالح ما هو فني او غيره، بل يصل الأمر في الإلهاء لحد ابتكار مشاكل (كالعنف والإرهاب المحتمل) لإثارة رد فعل معين لدى الناس، فيطالبون بحلها بأية طريقه وتصبح قوانين الأمن العام مطلوبة ولو على حساب الحرية.
– خلق مشكلات اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطًا بحل يعلم النظام استحالة قبوله شعبيًا في الظروف الطبيعيه، فيقدم حلول معدة سلفًا واجبة القبول على أنها شر لابد منه (كمشكلة تعطيش مصر والحل ستؤكده الأيام وسحارات سرابيوم) جاهزة لتقديم حل نموذجي يريده النظام وسيخضع له الشعب.
ترك العسكر في مصر الشأن العسكري للتفرغ للسياسة، ولكنهم تركوا السياسة وتفرغوا للإلهاء، فأصبح الحكم من منظورهم هو إلهاء الشعب، وكانت وسيلتهم الأكثر استخدامًا هي الفضائح. نعم الفضائح فضائح فضائح… والإعلام هو أسرع وسيلة لترويج تلك الفضائح وتسليط الضوء عليها. فمنذ اللحظات الأولى في حكم العسكر بعد انقلاب يوليو (تموز) 1952 استخدم العسكر:
١- سياسة الترويع
عن طريق تفجيرات الجامعة وحادث المنشية الذي اعترف خالد محي الدين في مذكراته بأن عبد الناصر هو من كان ورائها، لكي يستطيع أن يبسط قبضته الحديدية على البلاد ليكمم الأفواه ويتخلص من كل معارضيه ومن الإخوان.
٢- لم يكتف نظام عبد الناصر بذلك، بل لجأ لأحط أساليب الإلهاء والسيطرة، فأنشأ جهاز الكنترول سنة 1956، كان عمله افتعال فضائح جنسيه لشخصيات مشهورة يتم تجنيد بعضها وابتزاز البعض وتهديدهم.
٣- بعد هزيمة 1967 لجأ النظام للسينما فأنتج الكثير من أفلام الكوميديا وسمحت الرقابة بوجود مشاهد جنسية.
4- محاربه رجال الدين أصبحوا هدفًا للنظام بين الاعتقال والتشويه المباشر وغير المباشر، فظهر رجل الدين في السينما بصورة المجذوب، أو مدعي الورع، أو الإرهابي، وفي الحياة تم التنكيل بهم كالشيخ كشك والشيخ رفاعي سرور أول من نظر للإسلام السياسي.
حتى جاء عهد الرئيس (المؤمن) بسياسه الانفتاح لكي يلهي الشعب عن أهم وأكبر فضيحة في تاريخه الحديث (معاهدة كامب ديفيد) التي لا يعلم الشعب بنودها إلى يومنا هذا، ولأن الأمر كان خطيرًا داخليًا وخارجيًا كان لابد أن تكون وسائل الإلهاء كثيرة.
أولًا: سياسة الانفتاح
فأصبحت مصر أكبر سوق سوداء في المنطقة، سيطر عليها كل الفسدة الذين تاجروا بقوت الشعب.
ثانيًا: حلم الديمقراطية
الذي حاول السادات إيهام الشعب بأن عهده عهد ديمقراطية، وليس عهد ديكتاتورية كسابقه. ولكنها ديمقراطية ساداتية، ذات أنياب كما كان يقول عنها.
– أنياب: من أجل الافتراس والتنكيل بالشعب.
– حرية: لكن بشروط النظام.
– أحزاب: لكن كرتونية ينكل بها إذا ما فكرت في ممارسة أي نوع من المعارضة.
ثالثًا: الفن
فظهرت أفلام المقاولات التي أفسدت الذوق العام والأخلاق على حد سواء، فتحول شباب مصر إلى هيبز، فأصبحوا مسوخًا بألوان صارخة.
وأصبح موضوع الساعة في جميع الأفلام هي مشكلة فقد العذرية، وأن (شرف البنت زي عود الكبريت) أما شرف الوطن المستباح في سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد، فأصبح كالولاعة مشتعلًا دائمًا.
واستمر شرف الوطن على حاله في عهد المخلوع واستمر الفن والكرة هما أهم سبل الهاء الشعب عما أصابه من فقر وتردي حال التعليم والصحة والبنية التحتية. فانتشرت قنوات الرقص وزادت قضايا الفضائح الجنسيه وكانت أهمها على الإطلاق.
– قضية لوسي أرتين التي أطاحت بالمشير أبو غزالة رئيس أركان الجيش المصري الذي لمع نجمه فخشى مبارك على سلطانه؛ فتخلص منه بفضيحة.
– ثم كانت أحداث تفجيرات الأقصر وما صاحبها من لغط، فكان لابد من فضيحة تلهي الرأي العام عن تقصير الأمن فظهرت قضية دعارة اتهم فيها كل من وفاء عامر وحنان ترك، والتي اعترف الجنزوري فيما بعد بأنها كانت ملفقة من الأمن لصرف الأنظار عن حادث الأقصر.
– كما استخدمت كرة القدم كوسيلة لإلهاء الشعب عن حادث غرق عبارة السلام، الذي راح ضحيته آلاف من المصريين عن طريق حشد الإعلام لعواطف الناس حول كأس الأمم الأفريقية.
ومازلنا داخل حظيرة العسكر نعامل كالحيوانات، حتى أثناء السنة الوحيدة التي مارسنا فيها الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني). لقد كنا جميعًا حكومة وشعبًا تحت سيطرة العسكر، والدولة العميقة طيلة الوقت، دون أن ندري، واستخداموا معنا كل وسائل الإلهاء باتقان:
– افتعال المشاكل (كالوقود والكهرباء).
– صناعة الارهاب (كقتل وخطف الجنود – قطع الطرق – اثارة الفئات).
– خروج اعلامي مصر عن بكره أبيهم يسبون الرئيس وحكومته، ويسفهون أي إنجاز ويحطون من قدر الرجل ليل نهار.
– هذا بخلاف ما قام به إعلام الانقلاب من شيطنة الإخوان ثم شيطنة كل معارض لنظام الانقلاب على انه اخوان.
– كما قام إعلام الانقلاب بإشعال نار الانقسام داخل المجتمع، عن طريق تحريض الشعب بعضه ضد بعض.
– اتهام اهل سيناء بالارهاب حتى لا يتعاطف معهم أحد أمام ما يلاقونه على يد النظام من قتل وتهجير، .و إظهار سيناء على انها بؤرة ارهاب، يقتل فيها الجنود، تمهيدا لزرع فكرة التخلي عنها في صفقة القرن.
رابعاً: اصابة الشعب بفوبيا سقوط الدولة، اذا طالبوا بحقوقهم وحريتهم
خامساً: زرع فكرة أن حماس ارهاب تهدف لتخريب مصر، لأفقاد القضية الفلسطينية أي تأيد وتعاطف، وها نحن شاهدنا بالدليل ما قام به اعلام الانقلاب من تغيير عقائدي لدي المواطن المصري.
ففي اثناء احتفال الكيان الصهيوني بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني، كان الشارع المصري لا حول له ولا قوة، فقد أنهك بين غلاء الاسعار وتشويش العقيدة.
فاصبح كمن يتخبطه الشيطان من المس، يترنح ما بين مشكلة وفضيحة. لذا لقد آن الأوان ليثور هذا الشعب بأسرع ما يمكن ليخرج من حظيرة العسكر قبل ان يفقد ما تبقى له من دين وانسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق