الأربعاء، 9 مايو 2018

طريقي إلى مسيرة العودة الكبرى

طريقي إلى مسيرة العودة الكبرى
محمد سعيد نشوان
صباح يوم الجمعة تواعدنا مع ثلة من خيرة الشباب لنذهب مبكرين للمشاركة في مسيرة العودة، بدأت رحلتنا من مخيم الشاطئ أقصى غرب مدينة غزة، ووجهتنا كانت لأقصى شرق مدينة غزة حيث الحدود الزائلة بإذن الله مع أراضينا المحتلة هناك، وحيث مسيرة العودة الكبرى والتي تم التجهير لها من أسابيع ماضية. انطلقنا وكان الصمت يخيم علينا، كل فينا يفكر ماذا سنشاهد هناك، هل سنتعرض لإطلاق نار، هل سنعود سالمين، هل سنحقق أهدافنا، هل سنصل بسلام؟

في طريقنا، وجدنا مئات السيارات والحافلات تنقل عائلات بأكملها، وعلى الطريق الآلاف من كان يخطو بقدميه مسرعا لكي لا يفوته المكان المتقدم من المسيرة، نساء ورجال وأطفال وشيب. بدأنا نسمع صوت الإسعافات بكثافة، ذاهبة وقادمة، تيقنا أننا اقتربنا من المكان ،كانت الشوارع مغلقة من كثرة الواصلين، لا مجال لمرور أي سيارة ، أخذنا اتجاه آخر وذهبنا لمنطقة جحر الديك، تلك المنطقة الزراعية الجمية والتي تقع وسط قطاع غزة تقريبا.

وصلنا هناك ولم يتغير المنظر، إسعافات وحشود كبيرة وعائلات بأكملها جلست على الطريق، صعدنا لتلة عالية لنشاهد الوضع عن كثب. رأيت ما كنت أنتظر، رأيت بلادنا الجميلة وقد تلونت بسنابل القمح الخضراء والصفراء، رأيت تلك الجبال والتلال التي سمعنا عن جمالها، كنت قد جهزت نفسي للتصوير وأحضرت معي باور بانك، لكن لأول 5 دقائق، لم أصور ولا صورة، كنت أتعمق المناظر التي أمامي، فأول مرة أشاهد وأول مرة أصل لهذا المكان.

كان يفصلنا فقط 50 متر عن أراضينا التي كان يختبئ الجنود الصهاينة بأسلحتهم القناصة خلف التلال، وكان هناك الجيبات العسكرية تصول وتجول وتراقب عن كثف الحشود الواصلة. بكيت لما شاهدته وشعرت بألم وضيق، أن ترى عشقك الذي تربيت عليه وحلمت به مسلوب منك، يبعد عنك أمتار قليلة، يغتصبه جندي صهيوني جاء من روسيا وأوكرانيا، وأنت ممنوع أن تصله.

كانت الريح حليفة للمعصتمين، حيث الغازات السامة ودخان الكفرات المحترقة كانت ترجع للصهاينة والذين أُجبروا على تغيير أماكنهم
بدأت بعدها بتصوير الوضع هناك، وأنقل المشهد بث مباشر صوت وصورة، كانت الاتصالات هناك صعبة وجودة الإنترنت سيئة جدا. صلينا الجمعة وانطلقنا شمالا حيث جئنا، اتخذنا طريق حدود جدا اسمه "جكر"، والذي بناه المقاومة الفلسطينية جكارة بالاحتلال، ونحن سائرون بين التلال والحقول، وكانت الأسلاك والنقاط العسكرية تبعد عنا عشرات الأمتار، كنا نشاهد جنة الله على الأرض، ما غابت عن أعيننا أراضينا خلف الأسلاك، كنا في السيارة نحذر أنفسنا، هناك تلة وخلفها يكمن قناصة صهاينة يستعدون لقتل أي شخص يقترب من الحدود.

بعد ساعة من المسير وصلنا لشرق غزة، حيث كان تجمع آخر للمعتصمين، كانت الحشود على مرمى البصر، كان صوت إطلاق النار المتقطع يشعرنا بارتقاء شهداء وإصابة أحد المعتصمين، جلسنا بجوار حقل للبامية الخضراء، والذي كان صاحبه ينبهنا لعدم إتلاف من الدوس عليه، رغم الوضع كان حريص على لقمة رزقه، جلسنا نراقب ما يحدث من كر وفر، وتلك الطائرة التي كانت تلقي بقنابل الغاز على المعتصمين الذين يزدادون بكل ساعة .

كانت الريح حليفة للمعصتمين. حيث الغازات السامة دخان الكفرات المحترقة كانت ترجع للصهاينة والذين أُجبروا على تغيير أماكنهم. أذن العصر وحان موعد الانصراف لنطمئن على أهلنا في البيت، ووصلنا للبيت كأننا عدنا من غزوة، الأبناء يهللون ويقفزون فرحا والأم والزوجة تبتسم من بعد ساعات اختلطت بالقلق والخوف.

عدنا لساحة مواجهة وهى الإعلام، لننقل كل شيء شاهدنا وصورناه للعالم ليشاهد ويستمع لهذا الشعب المظلوم، رغم الحصار ورغم المؤامرات، خرج الشعب كله بصغاره وكباره يرفعون علم واحد هو علم فلسطين، قلوبهم واحدة وهدفهم واحد. ذهبنا لبيوتنا وقد شممنا عبير أرضنا ورأينا دماء شهدائه وأحلام أطفاله، سنعود يوما لتلك الأرض بعد زوال هذا السرطان بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق