أسطورة رضوخ مرسي للانتخابات المبكرة
مرسي في خطابه الرئاسي الأخير
.. واستكمالاً لما سبق عما أسميته "العبث بالتاريخ"، يتجمع مزيد من الوقائع المؤكدة التي تنسف أسطورة أن الرئيس محمد مرسي وافق على الذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة، نزولاً عند إملاءات قادة الانقلاب عليه، وفي مقدمتهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
لدينا الآن كلمة متلفزة، شاهدها العالم كله للرئيس مرسي مساء الثاني من يوليو/ حزيران 2013، وهي التي لم يرد فيها، تصريحاً أو تلميحاً، أي كلام عن حلّ الانتخابات المبكرة، بل على العكس، أبدى فيها الرئيس تمسّكه بالشرعية الدستورية والقانونية، التي أوجدتها الانتخابات، وتحدث فيها عما وصفها "مبادرة نقلتها إليّ بعض الأحزاب بمعرفة الحكومة (رئيس الحكومة) ومؤسسة القوات المسلحة وقيادتها"، وتشتمل على نقاط محددة منها:
تغيير الحكومة بأخرى ائتلافية، ومعالجة المواد الدستورية المختلف عليها، ومناشدة المحكمة الدستورية أن تنتهي وبسرعة من قانون الانتخابات ثم المضي لإجراء الانتخابات البرلمانية.
يقول الرئيس في كلمته "وافقت عليها وكان حاضراً معي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، لكن ردود فعل وصلت عبر الحكومة والأحزاب والقوات المسلحة قالت إن المعارضين غير موافقين". ثم يكمل "قرّرت أنه لا بديل عن الشرعية والتمسك بالشرعية وباب الحوار مفتوح وهذا هو الضمان الحقيقي والوحيد لعدم ارتكاب عنف".
واختتم خطابه بالقول "قلبي على وطني ينفطر وإرادتي مع أهل مصر كلهم حديدية لا تتزحزح خطوة واحدة إلى الخلف أو إلى سرداب أو نفق يمكن أن يأخذنا إليه البعض... هذا مرفوض ... أي قرار أو أي اقتراح أو أي شئ يصدر مخالفا للشرعية فهو يخالف إرادة هذا الشعب لأن إرادة الشعب لا يمكن أن تنتج أبداً من فصيل دون الآخر، تنتج بانتخابات تمت وانتخابات ستتم وانتخابات أخرى بعد فترة قررها الدستور للرئاسة تتم لحسم الموقف".
أما الشهادة الأخرى، فقد جاءت على لسان رئيس الحكومة في ذلك الوقت، الدكتور هشام قنديل، عبر كلمة بثها عبر تقنية الفيديو بتاريخ 25 يوليو/ حزيران 2013، تتضمن ما دار بين الرئيس مرسي وقائد الانقلاب في حضوره، وهي الكلمة التي بدأها بعبارة "كلمة حق من باب إبراء الذمة وذكر بعض الحقائق ردا لغيبة الرئيس محمد مرسي حتى يعود ويمكنه أن يحكي القصة كاملة بنفسه".
تحدث هشام قنديل عن بعض اقتراحات أو مبادرة طرحها إلى الأطراف المختلفة، قائلاً "حرصت أن أسجل هذه الكلمة وألقيها بعيدا عن أي منصة وبعيدا عن أي ميدان أو أي منبر إعلامي حتى يكون واضحا أن هذه رسالة موجهة إلى كل المصريين".
ويتابع "في آخر لقاء وآخر توصية من الدكتور مرسي للفريق أول عبد الفتاح السيسي أمامي وحدث ذلك في ظهر 2 يوليو بدار الحرس الجمهوري بمنشية البكري فقد أوصاه أن يحافظ على الجيش المصري من أجل مصر ثم العرب ثم الإسلام".
ويتابع "حسب علمي، وحسب مشاهدتي، وحسب ما رأيته بنفسي، فإن الدكتور محمد مرسي لم يكن يعلم ببيانات وإنذارات الجيش قبل صدورها، بل اعتبرها في حينها تحيزا لطرف ضد آخر وإفساداً للمشهد السياسي وأنها لا تساهم في الهدوء بأي حال من الأحوال".
ويقطع قنديل "فيما يخص موضوع الاستفتاء، فإنني أريد أن أوضح وأؤكد أن الرئيس مرسي أبدى مرونةً في هذا الشأن. ولكن رأيي أن يتم ذلك بعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي كان متوقعاً أن تجري خلال شهر سبتمبر، وأن يتبع ذلك تشكيل حكومة، حتى لا يحدث فراغ دستوري أو انحراف عن المسار الديمقراطي الذي ساهم فيه الشعب من خلال انتخابات مجلسي الشعب والشورى وانتخابات رئاسية بالإضافة إلى استفتاء الدستور".
ويضيف "ولكن كان هناك إصرار على أن يتم الاستفتاء خلال أسبوعين من 30 يونيو/ حزيران، وهذا ما رفضه الرئيس لأن الأجواء كانت ملتهبة ويستحيل معها إجراء استفتاء نزيه مما كان بالتأكيد من وجهة نظر الدكتور مرسي سيعطي شرعية للانقلاب على الرئيس المنتخب".
هنا أنت بصدد شهادتين دامغتين، من الطرفين، الأول والثاني، في الموضوع المصري، تقطعان بأن الرئيس لم يرضخ لمطلب الانتخابات المبكرة، الأمر الذي يثير الدهشة والأسى، من أولئك المقربين من الرئيس الذين يهرفون بأسطورة الانتخابات المبكرة.
مصدر الأسى أن محاولة ترويج هذا الأمر تنسف الجوهر الأخلاقي والدستوري لصمود الرئيس في زنزانته حتى هذه اللحظة، ويجرّد القضية المصرية من مضمونها القيمي والسياسي، ويمنح سلطة الانقلاب ما لا تحلم به، إذ يشرعن جريمتها في حق الثورة والديمقراطية والحريات، ويتيح لها أن تقول للعالم ببساطة إنه لا يوجد موضوع صراع في مصر، ذلك أنها عزلت رئيسا بالقوة، كان على استعداد للقبول بالعزل بوسائل أخرى، مجافية للقواعد المحترمة للممارسة الديمقراطية.
لماذا يبذل هؤلاء كل هذا الجهد لحرمان الرئيس الأسير من العمق الأخلاقي والإنساني لصموده ومبدئيته، وهو يواجه كل هذا الإجرام وحده في ظلمة الزنازين.
.. والحديث موصول..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق