السبت، 5 مايو 2018

إلى من يسأل : ما الحل ؟!


إلى من يسأل : ما الحل ؟! 


ما السبيل إلى الخروج من هذه الهاوية التي (سقط) فيها الجميع ؟!
الثوار، الانقلابيون، الشعب، أو على وجه العموم (مصر) ..
ما الحل ؟
سؤال صار يتردد على كثير من الألسن - بوتيرة أعلى - في الفترة الأخيرة ..
يصلني من المعتقلات، ومن المنافي، من أصدقاء، ومن خبثاء، أتلقاه في التعليقات، وعلى الخاص، وفي الشارع، وفي اللقاءات ..
واحتراما لمن يسأل، وقياما بمسئوليتي وواجبي نحو من وثق بي، ونحو وطني وشعبي، تأتي إجابتي في صورة (أطروحة) لحل (ممكن) نصنعه بأيدينا، ولا نستجديه من أحد ..
وسأحرص - كل الحرص - أن أكون شفافا، صادقا، متجردا - ما استطعت - من كل غرض وهوى، سائلا الله العلى الكبير، الذي بيده مفاتيح كل شيء، أن تجد هذه الوثيقة طريقها إلى العقول والقلوب، لعل الله يحدث بعدها أمرا ..
مستعينا بالله، سأنطلق من جملة من الحقائق ..
= الحقيقة الأولى، الثورات لا تستعظم التضحيات، ولا تعرف التردد، فالثورة التي لا تكتمل (إذا كانت مقومات استمرارها قائمة، وهي في حالتنا المصرية لا تزال قائمة)، ترتكب (خيانة) بحق شهدائها، وتوقع صك عبودية مفتوح لصالح الطاغية الذي لم تنجح في إزاحته، فلا يتصورن (ثائر) أنه سينال حريته، أو سيحافظ على أي قدر من كرامته إذا قرر التوقف عن استكمال ثورته، خصوصا إذا كان الطرف الذي يثور ضده قد تخلى - تماما ونهائيا - عن وطنيته وإنسانيته، ولا يعرف شيئا عن (شرف الخصومة) والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى، ومن ثم، أوصي نفسي وإياكم بالصبر والثبات مهما كلف الأمر ..

= الحقيقة الثانية، أننا بصدد ثورة لم تكتمل، وانقلاب أضعف من أن يبقى ..
فالثورة لم تكتمل؛ لأنها لم تحقق أيا من المطالب التي نادت بها، ولا تزال هذه المطالب قائمة، بل إن الشعب صار أشد تمسكا بها في ظل إلغاء الدعم، والارتفاع الجنوني للأسعار، وتآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع نسبة البطالة والمعدمين، والأحوال تزداد سواء، ولا مؤشر في الأفق على أي تحسن ..
أما الانقلاب، فهو أضعف من أن يبقى؛ لأنه لم ينجز وعدا واحدا من الوعود التي قطعها الخائن المنقلب على نفسه للشعب، لا سيما المتعلقة بحياته اليومية منها، بل الحاصل هو العكس تماما، ما أدى إلى اتساع رقعة التذمر بصورة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، إلا أن القوة الغاشمة التي لا يتردد الانقلاب في استخدامها تخيف الناس من التحرك، وهذه أمر طبيعي، علينا أن نتفهمه، ونبحث عن حلول مبدعة تكسر حاجز الخوف لدى الشعب ..

= الحقيقة الثالثة، لا يستقر أي بلد ولا ينهض في غياب السلم الاجتماعي، لذا، لابد من طمأنة الشعب بأن الثورة لم تقم لتنتقم، ولكن لتنتزع حقوقا طبيعية صادرتها حفنة من المجرمين، استولوا على السلطة بقوة السلاح، وفي سبيل ذلك، ارتكبوا عددا من الجرائم، توجب مثولهم ومن عاونهم أمام (محاكم ثورية ناجزة) على رأسها قضاة عدول، مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ..

= الحقيقة الرابعة، هناك أعداد لا يستهان بها من النخبة المصرية على اختلاف انتماءاتها الفكرية لم تدعم الانقلاب، ولكنها كانت معارضة للرئيس مرسي أثناء حكمه، وهناك من أيد الانقلاب، أو دعمه، ثم تراجع؛ لأسباب تختلف باختلاف الأشخاص ومواقعهم من الانقلاب، ومن ثم، فالفريقان ليسوا سواء ..

= الحقيقة الخامسة، جماعة الإخوان المسلمين، والمتعاطفون معها، أو ما اصطلح على تسميته ب (تيار الشرعية) هم أكبر كتلة على الأرض، يمكن تحريكها بصورة (فعالة) وقد أثبت الواقع ذلك على مدى سنتين ونصف دون انقطاع، وبالتالي، علينا أن نقر، أنه لا حراك مؤثر على الأرض إن لم تتحرك هذه الكتلة، ولا يمكن تحريك هذه الكتلة في ظل الانقسام الذي ضرب الجسم الإخواني ..
وبما أن (قيادة) جماعة الإخوان المسلمين على استعداد للتحاور مع إبليس (كما جاء على لسان الأستاذ يوسف ندا) فهي على محاورة (الأقربين) أقدر .. ومن ثم، على هذه القيادة أن تسعى وتبادر - اليوم وليس غدا - إلى رأب الصدع الذي حرمها من عدد كبير من أنضج عقول الجماعة، وخيرة أبنائها .. 
إن تجاوز الجماعة (أزمتها الداخلية) سيعود بها مجددا إلى دائرة الفعل والتأثير، وإعادة الثقة بها إلى نفوس ملايين المتعاطفين معها ..

ليس هذا هو كل المطلوب من جماعة الإخوان المسلمين، بل هناك ما هو مماثل في الأهمية، وربما أكثر ..
على قيادة الجماعة أن تكسر نمطيتها في التفكير، بما يناسب حجم وآثار هذه النازلة التي أصابت الأمة كلها، وليس مصر أو الجماعة فحسب ..
أرجو أن تدرك هذه القيادة بأن هذا الوضع المعقد يحتاج إلى إدارة تتمتع بخبرات وقدرات ومؤهلات استثنائية تفتقر القيادة إليها، وهذا يستدعي الفصل بين (إدارة الجماعة) التي هي (شأن إخواني صِرف) يمكن للصف الإخواني أن يرضى بالقائمين عليه حاليا، وبين (إدارة الشأن الثوري) الذي ليس حكرا على الإخوان وحدهم، ولم تكن هذه القيادة مؤمنة به يوما، ولم تنجح بأي درجة في التعاطي معه حتى الآن ..
وأنا هنا لا أتكلم عن الدعوي والحزبي، أو الفصل بينهما ..
ولكن أتكلم عن الفصل بين إدارة (الشأن الإخواني الداخلي) وإدارة (الشأن الثوري العام)، والإخوان في القلب منه ..
أو الفصل بين (إدارة الجماعة) و (إدارة الثورة) ..

في حال وجود هذه الإدارة الثورية (المؤمنة بالثورة)، ومنحها كل الصلاحيات المطلوبة؛ لتمكينها من القيام بواجبها، ستنتج، وستتلقى من العقول الوطنية المصرية، والعربية المخلصة، بل ومن خارج الأمة، آلاف التصورات والاقتراحات الكلية والتفصيلية التي من شأنها أن تُسهم في بلورة (خطط نوعية مبتكرة) تسقط الانقلاب بأقل الخسائر، وترسم ملامح مصر ما بعد الانقلاب، دون الحاجة إلى استجداء الجلوس مع مجرم ما جاء إلا لتخريب مصر، وإبادة الإخوان وشيعتهم، وجعل الثورة المصرية (عبرة) ونموذجا لخيبة الأمل ..

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد ..
أحمد عبد العزيز (أبو حبيبة)
٥ / ٥ / ٢٠١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق