تذكرة المترو .. والغرق الإقتصادي
صحيح ان أسعار تذكرة المواصلات في دول أوروبية كثيرة ( سويسرا و ألمانيا و الدنمارك و السويد و فرنسا و النرويج كمثال) أعلي كثيرا من مثيلاتها في مصر، لكن و لكي تصح المقارنة، فيجب علينا ان نقارن حزمة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية التي تقدم للمواطن في هذة الدول ايضاً .
فعلي سبيل المثال فالتعليم في هذة الدول متطور و جودته متميزة و من أرقي الخدمات التعليمية المتاحة و هو مجاني ، و المدارس الحكومية علي أعلي مستويات الجودة من جميع النواحي بل وافضل من كثير من المدارس الدولية الخاصة بمراحل . وكذا أنظمة الرعاية الصحية المقدمة و التي تتيح خدمات و رعاية صحية فائقة و متطورة و خدمة تحترم صحة المواطن و كرامته و رعايته ، و تقديم الرعاية الصحية غير مرتبط بالقدرة المادية المباشرة للمواطن الذي لا يموت بسبب عدم قدرته علي العلاج او تشخيص المرض .
آما عن معدلات دخل الأفراد فهي أضعاف مضاعفة بالمقارنة بمصر و من لا يعمل فشبكات الضمان الاجتماعي تضمن له دخل كريم لمدة جيدة و يساعدونه خلالها علي إيجاد عمل ، ليس هذا فحسب، بل و تأهيله و تدريبه علي نفقة الضمان الاجتماعي اذا تطلب الامر ، و ان لم يستطع ان يجد عمل بعد فترة عامين، علي سبيل المثال في بعض هذة الدول، يلجاء مباشرة للدولة لتضمن له حد الكفاف و تنفق عليه بشكل مباشر يكون متقشفا بالمقارنة باعانة البطالة في بعض هذة الدول، لكنه يلبي كل احتياجاته الاساسية التي تمكنه من الحياة
في هذة الدول المحترمة لا يمكن ان يصير المسؤول مسؤولا الا باختيار الناس و ارادتهم و لا يستطيع سجنهم او قتلهم اذا اعترضوا علي سياساته . و في سويسرا علي سبيل المثال با يستطيع حاكم بلدية او ” كانتون” اي “مقاطعة او محافظة” ( و ليس حاكم دولة) ان يرفع سعر تذكرة المواصلات سنتاً واحداً الا بقرار مؤسسي من سلطة منتخبة و قد يستدعي الامر في كثير من الأحيان الاقتراع المباشر للمواطنين اذا تخظي رفع هذا السعر مثلا المعدلات العادية و وصل للضعف مثلا .
الليبرالية الاقتصادية لا تعني عدم وجود شبكات الضمان الاجتماعي و الصحي و التعليمي و الحد الأدني من الدخل ، و لا مصادرة حق الناس في اختيار مسؤولينهم و محاسبتهم .
ما يحدث في مصر الان هو تبديد للثروات و فساد ممنهج مصحوب بفشل اداري و المواطن و كرامته لا قيمة لهم . حزمة مِن السياسات و الممارسات التي تؤدي الي إفقار مصر و مزيد من الظلم الاجتماعي و سيطرة المؤسسة العسكرية علي مفاصل الاقتصاد قاطبة ، مما بالطبع ايضا يفسد معه اي منافسه اقتصادية او ليبرالية اقتصادية .
ان مصر يتم جرها بشكل متعمد لحظيرة صندوق النقد الدولي للسيطرة عليها ، باستخدام عقيدة الصدمة الاقتصادية كتلك التي تمت في دول كثيرة مِن قبل، فلم تذهب هي له راغبة لتطوير اقتصادها مثلا . وبالطبع تعلم المنظومة الدولية التي تدير صندوق النقد الدولي من يقبع علي السلطة في مصر و ما هي ممارساته .. فصندوق النقد الدولي ليس جهاز حيادي بل جهاز يعمل وفق منطومة دولية .
اتحدث من بعد انقلاب ٣ يوليو ٢٠١٣ العسكري في غير موضع عن الغرق الاقتصادي الذي سيقود اليه البلاد ، بالطبع بعد الغرق الاجتماعي في بحور الظلم و القتل و الإعتقال و التعذيب و بث الكراهية و الفرقة و التمزق المجتمعي . و ها هو ذا كل الذي كنا و ما زلنا نحذر منه يحدث يوما تلو الآخر .
بداية اللحاق بما تبقي، و الذي يتضائل يوماً بعد يوم ، هو في تصحيح المسار و عودة الديموقراطية و الإرادة للشعب و فتح المجال السياسي المدني و الحريات ليأتي من يخدم الشعب و الوطن و يكون تحت الرقابة و المحاسبة ، لا ان يُستبعد المواطن في وطنه الذي يملكه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق