الثلاثاء، 15 مايو 2018

تذكرة المترو .. والغرق الإقتصادي

تذكرة المترو .. والغرق الإقتصادي


صحيح ان أسعار تذكرة المواصلات في دول أوروبية كثيرة ( سويسرا و ألمانيا و الدنمارك و السويد و فرنسا و النرويج كمثال)  أعلي كثيرا من مثيلاتها في مصر، لكن و لكي تصح المقارنة، فيجب علينا ان نقارن حزمة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية  التي تقدم للمواطن في هذة الدول ايضاً .
فعلي سبيل المثال فالتعليم في هذة الدول متطور و جودته متميزة و من أرقي الخدمات التعليمية  المتاحة و هو مجاني ، و المدارس الحكومية علي أعلي مستويات الجودة من جميع النواحي بل وافضل من كثير من المدارس الدولية الخاصة بمراحل . وكذا أنظمة الرعاية الصحية المقدمة و التي تتيح خدمات و رعاية صحية فائقة و متطورة و خدمة تحترم صحة المواطن و كرامته و رعايته ، و تقديم الرعاية الصحية غير مرتبط بالقدرة المادية المباشرة للمواطن الذي لا يموت بسبب عدم قدرته علي العلاج او تشخيص المرض . 
آما عن معدلات دخل الأفراد فهي أضعاف مضاعفة بالمقارنة بمصر  و من لا يعمل فشبكات الضمان الاجتماعي تضمن له دخل كريم لمدة جيدة و يساعدونه خلالها  علي إيجاد عمل ، ليس هذا فحسب، بل و تأهيله و تدريبه علي نفقة الضمان الاجتماعي  اذا تطلب الامر ، و ان لم يستطع ان يجد عمل بعد فترة عامين، علي سبيل المثال في بعض هذة الدول،   يلجاء مباشرة للدولة لتضمن له حد الكفاف و تنفق عليه بشكل مباشر يكون متقشفا بالمقارنة باعانة البطالة في بعض هذة الدول،  لكنه يلبي كل احتياجاته الاساسية التي تمكنه من الحياة
ببساطة ايضا و بدون الذهاب بعيداً : في هذة الدول مياة شرب نظيفة و صرف صحي لكل مواطن ! 
في هذة الدول المحترمة لا يمكن ان يصير المسؤول مسؤولا الا باختيار الناس و ارادتهم و لا يستطيع سجنهم او قتلهم اذا اعترضوا علي سياساته . و في سويسرا علي سبيل المثال با يستطيع حاكم بلدية او ” كانتون” اي “مقاطعة او محافظة”  ( و ليس حاكم دولة) ان يرفع سعر تذكرة المواصلات سنتاً واحداً الا بقرار مؤسسي من سلطة منتخبة و قد يستدعي الامر في كثير من الأحيان الاقتراع المباشر للمواطنين اذا تخظي رفع هذا السعر مثلا المعدلات العادية و وصل للضعف مثلا .   
الليبرالية الاقتصادية لا تعني  عدم وجود شبكات الضمان الاجتماعي و الصحي و التعليمي و الحد الأدني من الدخل ، و لا مصادرة حق الناس في اختيار مسؤولينهم و محاسبتهم . 
ما يحدث في مصر الان هو تبديد للثروات و فساد ممنهج مصحوب بفشل اداري و المواطن و كرامته لا قيمة لهم . حزمة مِن السياسات و الممارسات التي تؤدي الي إفقار مصر و مزيد من الظلم الاجتماعي و سيطرة المؤسسة العسكرية علي مفاصل الاقتصاد قاطبة ، مما بالطبع ايضا يفسد معه اي منافسه اقتصادية او ليبرالية اقتصادية . 
ان مصر يتم جرها بشكل متعمد لحظيرة صندوق النقد الدولي للسيطرة عليها ، باستخدام عقيدة الصدمة الاقتصادية كتلك التي تمت في دول كثيرة مِن قبل، فلم تذهب هي له راغبة لتطوير اقتصادها مثلا . وبالطبع تعلم المنظومة الدولية التي تدير صندوق النقد الدولي من يقبع علي السلطة في مصر و ما هي ممارساته .. فصندوق النقد الدولي ليس جهاز حيادي بل جهاز يعمل وفق منطومة دولية . 
اتحدث من بعد انقلاب ٣ يوليو ٢٠١٣ العسكري في غير موضع عن الغرق الاقتصادي الذي سيقود اليه البلاد ، بالطبع بعد الغرق الاجتماعي في بحور الظلم و القتل و الإعتقال و التعذيب و بث الكراهية و الفرقة و التمزق المجتمعي . و ها هو ذا كل الذي كنا و ما زلنا نحذر منه يحدث يوما تلو الآخر .  
ان التضاعف في سعر تذكرة المترو ليس سوي مقدمة جديدة لسلسلة من موجات الغلاء الطافح التي ستطال كل شئ .. نعم كل شئ مجددا .. فلا احتياطي نقدي حقيقي في البلاد و لا عائدات حقيقية و الديون الداخلية و الخارجية و طباعة النقود علي المكشوف لسد العجز هو ما تتقنه هذة السلطة التي تهوي مجددا لمزيد من الغرق الاقتصادي و الاجتماعي . 
بداية اللحاق بما تبقي، و الذي يتضائل يوماً بعد يوم ، هو في تصحيح المسار و عودة الديموقراطية و الإرادة  للشعب و فتح المجال السياسي المدني و الحريات ليأتي من يخدم الشعب و الوطن و يكون تحت الرقابة و المحاسبة ، لا ان يُستبعد المواطن في وطنه الذي يملكه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق