الحروب التي خاضتها أمريكا
د. ليلى حمدان 15 فبراير، 2018
منذ نشأتها كانت محارِبة؛ فتاريخها ثري بأسماء الحروب، ورؤساؤها مهووسون بقيادة هذه الحروب، وإذا ألقينا نظرة على تاريخ أمريكا سنجد أول حرب لها مع انتخاب أول رئيس لها، وهو جورج واشنطن في عام 1789م.
وآنذاك كانت أرضًا تضم السكان الأصليين من الهنود الحمر والوافدين إليها من أوروبا؛ والذين ما أن وطأت أقدامهم ثرى أمريكا، وطابت لهم الإقامة حتى أطلقوا حربًا شرسة؛ لاقتلاع الهنود من جذورهم وإقامة دولتهم التي حضنت كل الوافدين للأرض الجديدة.
وآنذاك كانت أرضًا تضم السكان الأصليين من الهنود الحمر والوافدين إليها من أوروبا؛ والذين ما أن وطأت أقدامهم ثرى أمريكا، وطابت لهم الإقامة حتى أطلقوا حربًا شرسة؛ لاقتلاع الهنود من جذورهم وإقامة دولتهم التي حضنت كل الوافدين للأرض الجديدة.
دولة بدايتها الغزو
ثم ما أن قامت الدولة الأمريكية وبعد 44 سنة فقط من إرساء قواعدها، غزت القوات الأمريكية نيكاراغوا في 1833 لتعكس العقلية الاستعمارية التي انتهجها سياسة قادة هذه الدولة، والذين لم تتوقف طموحاتهم عند هذا التاريخ بل بعده بسنتين وفي سنة 1835 دخلت قواتهم البيرو غازية!
ويبدو أن شهية الأمريكان للاحتلال اتسعت أكثر بعد غزوها أرضًا مكسيكية في السنة اللاحقة، وهي الأرض التي أضحت بعد ذلك أحد أشهر ولاياتها، وعرفت باسم تكساس. ثم نراها اليوم تسعى لبناء جدار يعزل أمريكا عن المكسيك؛ خشية أن يتسرب لأرضها مهاجرون غير شرعيين في حين سبق وأن سلبتهم أرضهم قبل ذلك بعقود ولا حساب.
ولأنها لم تواجه أي رادع؛ توسعت الأطماع الأمريكية لتضم أراضي مكسيكية أخرى، تعرف اليوم بكاليفورنيا ونيومكسيكو، وكان هذا بتاريخ 1848. وجدير بالذكر أن تكلفة هذه الحرب التي خاضتها أمريكا منذ 1846 والتي امتدت لسنتين، كلفت الخزينة الأمريكية نحو 2.4 مليار دولار، وانتهت باغتصاب الأراضي المكسيكية بكل غطرسة.
واستمر الصيت العسكري الاستعماري البربري الأمريكي في الانتشار، وفي 1854 استهدف الأمريكان ميناء غراي تاون في نيكاراغوا وحطموه تحطيمًا، كرد فعل على رفض الحكومة النيكاراغوية دخول عميل أمريكي لأرضها.
وبقيت تتربص بنيكاراغوا حتى أعادت الكرة في 1857؛ لمحاولة إفشال وليم روكر خلال عملية تولي السلطة، وقد كان يعتبر مناهضًا وعدوًا للأمريكان حينها.
وجاءت سنة 1855م لتسجل غزو الأمريكان للأورغواي، ثم قناة بنما. ولم تختلف عنها سنة 1873م حين سجلت غزو كولومبيا؛ التي بقيت تعاني من تعديات الأمريكان باستمرار.
تعديات جرت في ذات الوقت الذي يتدخل فيه الأمريكان في هايتي وتشيلي وكولومبا ونيكاراغوا وكوبا، وهذه الأخيرة اقتلعت من ملكيتها خليج غوانتانامو في سنة 1898 بعد حصار بشع، واليوم تزيد التاريخ بشاعة وقبحًا حين تأسر فيه المئات من المسلمين في أسوء ظروف وحشية بربرية عرفها التاريخ!
وهي تفتخر ولا تبالي بل ويزيد الرئيس الأمريكي ترامب في غطرسته وكبره وعناده، فيرفض جميع الانتقادات للسمعة الشديدة السوء للسجن، ويأمر باستمراره في التعذيب، وأي تعذيب؟ إنه الأقبح في تاريخ البشر!
أما في 1992 فقد توجهت أنظار الساسة الأمريكان باتجاه هندوراس، وتمكنوا بعد تربص وتدخل وعدوان من الاستيلاء على ستة مدن من مدنها في 1907. واستمرت هذه الغطرسة وهذا العدوان ليصل مداه في 1914 حين سرقت القوات الأمريكية بإنزال جوي البنك المركزي لهايتي بحجة استرداد ديون الأمريكان بأسلوب همجي بربري لم يسبق له مثيل! وانتهت في 1915 باحتلال كل هايتي حتى عام 1934 .
قلبت النظر في جميع صفحات تاريخ الأمريكان فلم أجد غير الغزو والسطو والتدخل والعدوان، وها هو تاريخ 1916م يسجل تدخل الغطرسة الأمريكية في الدومينكان؛ لصد الثورة التي قامت ضد السلطة الفاسدة، وأجهضت مساعي الثوار، وفرضت عليهم حكومة عسكرية عميلة لها! تمامًا كما يحصل في بلادنا الإسلامية.
واستمرت بعد ذلك التدخلات الأمريكية في السلفادور وإيران وغواتيمالا وشيلي وكامبوديا؛ فخلعت حكومات، وأقامت أخرى بما يوائم غطرستها! وفي 1950م خاضت أمريكا الحرب الكورية.
وهي أحد أكثر الحروب التي تكبدت فيها الدولة المحاربة الغازية خسائر كبيرة ماديًا وبشريًا، حيث بلغت تكلفتها نحو 341 مليار دولار، وتكلفتها البشرية أكثر من 34 ألف جندي أمريكي قتيل. وفي 1962 حاصرت أمريكا كوبا بحريًا وجويًا.
الحربان العالميتان
ليس عجيبًا أن نجد اسم أمريكا مذكورًا في أكبر الحروب العالمية التي شهدتها الأرض، سواءً تلك التي اندلعت في عام 1914، والتي بلغت تكلفتها في الخزانة الأمريكية نحو 334 مليار دولار، أو الحرب العالمية الثانية التي كلفت الخزينة الأمريكية ما يزيد عن أربعة تريليونات دولار، وقتل في صفوفها 400 ألف جندي أمريكي.
والتي انطلقت بمشاركة الأمريكان سنة 1941، بعد قصف اليابان بقصف ميناء بيرل هاربر الحربي. وكلا الحربين كبدت البشر الملايين من القتلى والدمار والفساد في الأرض!
هيروشيما وناجازاكي
كما أن التاريخ سجل أن أمريكا هي أول من قصف المدن المأهولة بلا أدنى مبالاة، بأطغى وأشد سلاح عرفته البشرية، إنه القنبلة النووية، ففي يوم السادس من أغسطس عام 1945 عرفت مدينة هيروشيما اليابانية نهاية مأساوية بشعة، لم يسبق لها نظير في تاريخهم ولا في تاريخ الأرض.
لقد ألقى على رؤوس سكانها الأمريكان وبدم بارد قنبلة نووية مخصبة باليورنيوم أطلق عليها استخفافًا اسم “الطفل الصغير”، بلغت قوتها التدميرية 12.500 طن من مادة تي أن تي شديدة الانفجار.
فكانت النتيجة أن قتل أكثر من 70 ألف إنسانًا فورًا، في حين تشير آخر إحصائية رسمية لكارثة هيروشيما أن عدد القتلى تجاوز 242 ألف إنسانًا.
ثم بعد ثلاثة أيام فقط من تدمير هيروشيما، كررت أمريكا فعلها الشيطاني، في مدينة ناجازاكي اليابانية الأخرى، وهذه المرة بقنبلة نووية أخرى بلغت قوتها التدميرية 22 ألف طن من مادة تي أن تي قتلت بدم بارد ما يزيد على 70 ألف إنسان.
وناهيك عن الآثار المرضية التي استمرت بسبب الاشعاعات النووية، والإعاقات والتشوهات التي ضربت الأجنة في أرحام أمهاتها. وتلوثت البيئة والهواء وكل ما يتصل بالحياة في تلك الأرض التي داستها الغطرسة الأمريكية يومًا، والأكثر فظاعة هو احتفال الأمريكان بهذا الإنجاز واعتباره دليل قوة وعلو في الأرض، بل ويبررونه بـ”ضرورة” لأجل حياة أمريكا!.
الحرب الباردة
أما الحرب الباردة فهي الحرب الاستخباراتية التجسسية التي دارت رحاها بين قطبين متنافسين؛ أمريكا وروسيا، وامتدت من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، وشهدت هذه الفترة عدة حروب منها الحرب الكورية والحرب الفيتنامية، ثم انتهت بفوز أمريكا وتحطيم أسطورة القيصر الروسي، واستلمت الدولة المحاربة بعد ذلك قيادة النظام الدولي الذي خضع لها طوعًا أو كرهًا.حرب الفيتنام
ولا يخلو سجل التاريخ الدموي الأمريكي من حرب كانت دليلًا على المرض الجيني “الولع بالحروب البربرية” عند الأمريكان، وهي حرب فيتنام سنة 1955، وهناك صال وجال الجيش الأمريكي بأبشع الجرائم ضد الإنسانية، وضد كل ما فيه حياة، بل وحتى الجماد! ورغم حجم الدمار والوحشية والعدوان، خسرت أمريكا الحرب في عام 1975م وسجل التاريخ أحد أسود صفحاتها.
لقد سفك الأمريكان دم مليوني فيتنامي، وجرحوا الثلاثة ملايين، وتشرد أكثر من 12 مليون لاجئ، في المقابل خسر الأمريكان 58 ألف قتيل، وأكثر من 15 ألف جريح ومئات الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم لاحقًا.
وبلغت تكلفتها نحو 738 مليار دولار. لقد كانت حرب فيتنام أحد أهم الحروب التي خاضتها أمريكا وأكثرها خسائر، ودليلًا آخرًا على بربرية الأمريكان.
عدوان مستمر
أما حقبة الصليبي ريغان، الذي تولى السلطة في 1980م فانطلقت بتبني الرئيس الجديد مشروع حرب النجوم، وإمداد حلفائه الصهاينة بأموال طائلة. ولم تكن الأطماع الاستعمارية الأمريكية لتقف عند هذا الحد، بل نشرت أمريكا صواريخها في كل أوروبا بعد سنة من تولي ريغان الحكم.وفي 1989م غزا الأمريكان “بنما”، ولم تزل تحشر السياسة الأمريكية المتغطرسة أنفها في شؤون غيرها بالمكر والخديعة والقوة العسكرية، وإن نظرنا لهذا التاريخ وحده فسنجد أننا قد استثنينا الحديث عن حروب الأمريكان مع المسلمين.
ذلك لأنها لا زالت مستمرة، فآثارها لم تزل في لبنان أين ارتجت أرض بيروت بصواريخ الطائرات الأمريكية، وفي فلسطين أين يقتل المسلمون برصاص أمريكي يوميًا، والعراق أين سجلت أبشع الجرائم في تاريخ العراق وسلمت أعناق السنة للرافضة.
وقتل مليون ونصف مليون طفل عراقي، فضلًا عن فظائع اليورانيوم والأسلحة المحرمة دوليًا –كما زعموا- التي دمرت العراقيين وأرضهم، وها هي ثرى الحرب لا تزال مشتعلة في أفغانستان والصومال بمواجهة محتدمة ساخنة مع القوات الأمريكية ومرتزقتها ووكلائها إلى اللحظة.
اقرأ أيضًا: اليورانيوم المنضب في العراق
الحرب على الإرهاب
هذا دون أن ننسى الحرب التي أطلقها الرئيس بوش المعتوه، وهي الحرب التي وصفها بالصليبية، وافتعل لها اسم الحرب ضد الإرهاب، فكانت حربًا مفتوحة لا حدود لها ولا تعريفًا منصفًا يصفها، ولا عدوًا محددًا لأسلحتها، إلا كونها حرب ضد الإسلام والمسلمين باسم الصليب!
ولم تكن الحرب على الإرهاب حربًا واحدة، فقد كانت الحرب على أفغانستان في 2001، ثم الحرب على العراق في 2003، بدعوى امتلاك الرئيس العراقي صدام حسين أسلحة دمار شامل، وهي الأكذوبة الكبرى في تاريخ رئاسة بوش الابن.
ولا زالت إلى يومنا هذا حربًا عشوائية، تضرب في كل اتجاه بعشوائية واضطراب، سرًا وجهرًا، استخباراتيًا وعسكريًا، إعلاميًا وسياسيًا! تعددت أوجهها ولكن الهدف واحد!؛ إنها حرب على الإسلام.
ولم تكن الحرب على الإرهاب حربًا واحدة، فقد كانت الحرب على أفغانستان في 2001، ثم الحرب على العراق في 2003، بدعوى امتلاك الرئيس العراقي صدام حسين أسلحة دمار شامل، وهي الأكذوبة الكبرى في تاريخ رئاسة بوش الابن.
ولا زالت إلى يومنا هذا حربًا عشوائية، تضرب في كل اتجاه بعشوائية واضطراب، سرًا وجهرًا، استخباراتيًا وعسكريًا، إعلاميًا وسياسيًا! تعددت أوجهها ولكن الهدف واحد!؛ إنها حرب على الإسلام.
الحروب السرية
ولا يفوتني أن أذكر في هذا البسط الحروب السرية التي تدور إلى اللحظة ويقودها جيشٌ من القوات الخاصة الأمريكية؛ التي تنتهك حرمة أي أرض مسلمة، وتختطف منها مسلمين في عمق الليل، وتخرج بهم إلى أين يسام سوء العذاب دون أدنى حقوق أو احترام، ويُطوى سجل حياة مسلم ومسلمين هكذا بكل صفاقة ولا حسيب ولا رقيب!؛ فحكومات المسلمين ليست إلا فريق خونة وعملاء!ويجدر لفت الانتباه إلى أن الحروب السرية هذه تبوء بالفشل في الكثير من المرات، ولكن تداري الإدارة الأمريكية هذه السقطات، وتنشر فقط ما كان فيه نجاحًا -إن شاءت-، وإلا فهي تحت غطاء من السرية!
ولنتأمل تصريح جون ماكهيو وزير الجيش الأمريكي عن أهمية هذه القوات في القارة السمراء حين قال:
في حين تأبى التقارير الصحفية في مواقع أمريكية وأجنبية إلا أن توثق فشل هذه القوات فشلًا ذريعًا في إحكام قبضتها على ما يسمى الجماعات الإرهابية في أفريقيا.أفريقيا مكان به تحديات اليوم، وإذا تركناها دون الحضور فيها؛ فستكون مولدًا لتحديات أكثر في المستقبل.
ثم لم يكتفي الأمريكان بالانتشار العسكري على مستوى خريطة العالم بشكل قوي، بل أسندت هيمنتها بمحاولات للسيطرة السياسية والاقتصادية في العالم.
ولكن حروب الأمريكان لم تحقق في كثير من المرات غايتها المرجوة من خلال استراتيجياتها العدوانية؛ ففي أفغانستان وكذا الصومال لم تتمكن من إخضاع إرادة الخصوم.
ولا تزال الحرب تدور رحاها بشراسة، وتتكبد القوات الأمريكية وحليفاتها من الخسائر البشرية والمادية الجمة ما أثقل كاهلها، وسلبها النوم، وأبدى الاضطراب على ألسنة رؤسائها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق