السبت، 8 أغسطس 2020

اغتيال بيروت حاضرا ومستقبلا!

اغتيال بيروت حاضرا ومستقبلا!

أحمد الظرافي
بغض النظر عمن يقف وراء انفجار ميناء بيروت المزلزل والمدمر، الذي وقع في مساء الثلاثاء الموافق 4-8-2020، فإن النتيجة واحدة، وهي أن عاصمة عربية اسمها بيروت، قد ضربت في مقتل، أو تم اغتيالها بدم بارد. وهذا ما قاله سعد الحريري زعيم حزب تيار المستقبل المعارض، من موقع الحدث، كما أنه جاء في مقدمة نشرة أخبار تلفزيزن إن بي إن.

فقد قال سعد الحريري: قتلوا بيروت والعهد الحاكم يتحمل المسئولية.. ونقل عنه أيضا قوله: قتلوا قلب بيروت من جديد، ونكبة كبيرة حلت ببيروت وأهلها وسكانها وحصدت مئات الأرواح.. وقال الحريري، في تصريح صحفي من أمام ضريح والده يوم الأربعاء 5-8-2020، إن "بيروت مذبوحة ولا كلمات معبرة، وليس هناك بيروتي غير مصاب اليوم"، مضيفا أنه يجب إجراء تحقيق، والاستعانة بأصدقاء من الخارج، لمعرفة سبب الانفجار الذي اندلع في مرفأ بيروت. وأضاف: "قتلوا بيروت أمس‎"، قائلا: "لا أعلم ما إذا كان سيتم تأجيل موعد إعلان حكم المحكمة الدولية، بشأن اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري".

وقال تيار المستقبل في بيان، بعد اجتماع ترأسه الحريري، وضم كتلة المستقبل النيابية والمكتب السياسي والمجلس التنفيذي للتيار: “هناك قرار باغتيال بيروت لا يقل مأساوية وهولا ووجعا عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه”. وأضاف أن “هناك شكوك خطيرة تحيط بالانفجار وتوقيته وظروفه وموقعه وكيفية حصوله والمواد الملتهبة التي تسببت فيه.. لقد قتلوا قلب بيروت من جديد. قتلوا أهلها وسكانها وأبنيتها ومرفأها وأسواقها ومستشفياتها وكنائسها ومساجدها وفنادقها ومدارسها وخطفوا روحها ودورها ليسكن فيها الخراب والدم والهواء الأصفر”.

وجاء في مقدمة نشرة أخبار تلفزيون إن بي إن ليوم 5-8-2020: ماتت بيروت.. قتلوها احرقوها ودمروها. كابوس مهول وجحيم مرعب عاشته عاصمتنا الحبيبة لم ينم أهل المدينة المذعورة ساعات الليل الرهيب مرت طويلة مشهد لا يوصف بكاء وأنين ونحيب وذعر وأم وأب وأخ قضوا ليلتهم بحثا عن فلذات أكبادهم بين الدمار والركام والمستشفيات. بثوان فقدنا كل شيء سحل جزء كبير من المدينة سحلا ودمر تدميرا كاملا خراب فوق خراب ودماء فوق دماء ومفقودون وضحايا وجرحى بالآلاف.

ولكن الكارثة أن هناك عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، من أهل بيروت، قد تم اغتيالهم نفسيا ومعنويا، وباتوا بدون مأوى، ذلك أن التفجير الكبير الذي يشببه البعض بقنبلة هيروشيما عام 1945، أو بانفجار تشرنوبيل عام 1986، لم يحوّل ميناء بيروت الاستراتيجي، والمنطقة المتأخمة له إلى أثر بعد عين فقط، وإنما شمل التدمير نصف بيروت بشكل أو آخر، وقضى على أحلام وطموحات مئات الآلاف من البيارتة، وتحديدا المسلمين السنة، لأن منازلهم، وتجارتهم، وممتلكاتهم، ومدارسهم، ومساجدهم، قد عصف بها التفجير الرهيب، وشملها التدمير جزئيا أو كليا. وذلك بفعل انفجار المواد الخطرة المخزنة في مرفأ المدينة منذ ست سنوات، والتي تمثلت في 2750 طن، من نترات الأمونيوم. "وأعلن ​محافظ​ ​بيروت​ مروان عبود في حديث لوكالة “AFPA” أن “هناك بين 250 و300 ألف شخص في العاصمة، باتوا مشردين ومنازلهم أصبحت غير صالحة للسكن”، مشيراً إلى أنه يقدر كلفة الأضرار بما بين ثلاثة وخمسة مليارات ​دولار​، بانتظار أن يصدر عن المهندسين والخبراء التقارير النهائية، مشددا على أن “نحو نصف بيروت تضرر أو تدمر. إنه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها”. وقد: "دعت قيادة الجيش اللبناني، الأربعاء، سكان بيروت إلى إخلاء المنطقة التي وقع فيها التفجير الضخم الذي راح ضحيته العشرات، مساء الثلاثاء.  وقالت القيادة في بيان، إن الإجراء يهدف للقيام بعمليات "الإنقاذ ورفع الاضرار الناجمة عن الانفجار". "وفي محاولة سريعة من السلطات لتخفيف الخسائر، أوصى مجلس الدفاع الأعلى بتجهيز مرفأ مدينة طرابلس (شمالي البلاد) لتأمين العمليات التجارية من استيراد وتصدير". فأي حياة ستسمر في بيروت بعد تجريدها من الميناء؟ وهل وجدت بيروت كمدينة وكعاصمة إلا بسبب الميناء؟

وإنه وإن صحت الرواية بأن نترات الأمونيا الخطرة المخزنة في الميناء هي السبب، فإن أضرار الكارثة، لا تقتصر على الحاضر، وإنما تتعلق بالمستقبل أيضا، فهذا التفجير ليس كأي تفجير، يزول أثره سريعا بعد رفع الأنقاض، وتضميد الجراح، "فقد أثبتت الدراسات الكيميائية التخصصية أن المواد التي تنتشر من جراء انفجار نترات الأمونيوم تؤثر على البشر والحيوان والطبيعة، ومن تأثيراتها على الإنسان أنها تضر عند استنشاقها بالرئة والجهاز التنفسي والجلد، وعند ملامستها للجلد، وعند ابتلاعها، وتؤدي إلى تسمم المياه وهي سريعة الاشتعال، وتُسبب حروقاً في الجسم، وتؤدي لتهيج العيون والجهاز التنفسي، كما قد تسبب السرطان والضرر بالجينات الوراثية، وعند ملامستها الأحماض تطلق غازات سامة، وعند التعرض لها لفترة طويلة تسبب أضراراً صحية مختلفة للإنسان والحيوان والنبات، وأنها من العوامل المؤدية لتسمم الكائنات الحية المائية والحيوانية والنباتية ، خصوصاً للنحل وإنتاج العسل الطبيعي، وتضعف الخصوبة وتتسبب بتشوه الجنين، فضلاً عن ضررها على طبقة الأوزون .. كما تساعد على تسمم التربة إلى كثير من الأضرار الأخرى على الإنسان والحيوان والنبات". 

وبرغم من أن سعد الحريري قد أجاد في توصيف الكارثة، إلا أنه تحاشى تحميل المسئولية لحزب الله، الحاكم الفعلي للبنان، والمتهم بقتل والده عام 2005، وحمل المسئولية بدلا عن ذلك، لدمى يحركها حزب الله، مثل الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء حسن دياب. هذا الأخير الذي صار في موقف لا يحسد عليه، وليس أمامه إلا أن يوجه أصابع الاتهام للحكومة السابقة، أي حكومة سعد الحريري على ما جرى من إهمال في الاحتفاظ بشحنة نترات الأمونيوم طيلة تلك السنوات، وذلك حتى يبعد التهمة عن حزب الله، الذي أتى به لرئاسة الحكومة. 
وهذا تقريبا هو موقف السلطة الحاكمة في لبنان، أي إخراج حزب الله من هذه الكارثة، وهو على النقيض تماما من وجهة نظر الغالبية في الشارع اللبناني، كمال عبر عن ذلك الصحفي على الأمين مسئول موقع جنوبية حيث قال: ان ما حصل وتحديداً على مستوى الموقف الرسمي اللبناني و”على مستوى الشخصيات السياسية، من الواضح انه لا يوجد إستغلال سياسي لما حصل، إنما هناك تضامن سياسي بين القوى الموجودة، للمحافظة على الحصص، التي كانت قبل التفجير وستستمر بعد التفجير. وأضاف: “ليس هناك أي موقف أو تصريح يذهب الى اتهام حزب الله او تحميل حزب الله المسؤولية، على الرغم انه على المستوى الشعبي هناك تحميل المسؤولية لحزب الله، لذلك لا بد من التوضيح أن السلطة متضامنة فيما بينها، وهي تحت رعاية حزب الله وهو يدير هذه السلطة، وليس هناك من اي موقف يمكن الإشارة اليه على انه خرج عن الدائرة التي حددها حزب الله”. 
وقال: “حزب الله يمسك سلطة السلاح، السلطات الدستورية، رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، رئاسة مجلس النواب، ويتحكم ويسيطر على معظم الاجهزة الأمنية، وله سطوة على القضاء وعلى كل المؤسسات وهذا الامر لا جدال فيه، وبالتالي بقية أطراف السلطة هم شركاء درجة ثانية لحزب الله”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق