"الترامادول".. قراءة في خطاب بائس!
"تكلموا تُعرفوا؛ فإن المرء مخبوء تحت لسانه"!
هذا قول للإمام علي بن أبي طالب رصي الله عنه، وهو ينطبق على حالة عبد الفتاح السيسي، والذي ما أن يتكلم حتى يصبح كتاباً مفتوحاً للعامة، على نحو يذكرنا بحالة الشيخ حسني في فيلم "الكيت كات"، والذي تكلم ففضح الحارة وأذاع أسرارها، لأنه لم ينتبه (لكونه "ضريراً") إلى أن مكبر الصوت مفتوح، فكانت سمعة الأشخاص والعائلات على الهواء. لكن صاحبهم بحديث "الترامادول"، أجاب على أسئلة منذ بداية الثورة عن "الطرف الثالث"، أو ما كنا نطلق عليه "اللهو الخفي"، الذي ارتكب الكثير من الجرائم التي قُيدت سياسياً ضد مجهول، وليس أولها أحداث استاد بورسعيد، وإذا كنت يومئذ أكتب أن الطرف الثالث هو بشحمه ولحمه الطرف الأول، فهذا هو الدليل الكاشف للخبرة، وسابقة الأعمال، ويمتد الأمر إلى جانب كبير من حشود 30 يونيو، وإلى المذابح التي جرت بعد ذلك، فهل كان الجناة والجمع الكريم تحت تأثير عقار "الترامادول"؟!
أدرك تماماً أنه ما إن يتكلم حتى يكون صيداً ثميناً لمن يتربصون به، لكنه عندما فرغ من كلمته أمس (الأحد)، اعتبرت هذا الحديث استثناء فليس فيه ما يمثل امتداداً لخطابه العام، ولم تكن "الحفلة المنصوبة" على حديثه في اليوم السابق قد فُضّت، ورغم أنني استمعت إلى حديث "الترامادول"، فقد "كذّبت أذني"؛ إي وربي، فمهما حدث لا يمكن تصور أن يهبط حديث لمسؤول إلى هذا المنحدر الغارق في الشعبوية، وكأنه ليس في محفل عام، الأمر الذي يليق بعمل درامي، كهذا الذي ضم محمد سعد (اللمبي)، والفنان الكبير حسن حسني؛ ذات سهرة!
ولأني لم "أصدق أذني"، فعندما وجدت حديث "الترامادول" منشوراً نصاً على صفحة أحد رواد فيسبوك، كصورة منسوبة لأحد المواقع، ساورني الشك أنها قد تكون مزورة، وعليه فقد دخلت على صفحة الموقع لأجدها -يا إلهي- حقيقة لا ريب فيها!
حديث مجلس القضاء الأعلى:
إن الجنرال الذي هبط بالخطاب السياسي إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ المصري، قال إنه تحدث أمام مجلس القضاء الأعلى، وبدا الاجتماع وقد عُقد مؤخراً، فهل كان بمناسبة افتتاح العام القضائي (في نفس يوم خطاب الترامادول)، ليكون السؤال: لماذا لم يُذع هذا اللقاء كمثل عموم لقاءاته السابقة؟ فهل هناك من يتدخل لضبط الحالة؟ والخطاب الأخير والذي يبدو أنه على الهواء مباشرة، خضع للمونتاج، بحسب أهل الاختصاص، ومع ذلك تسرب حديث "الترامادول". قلنا من قبل: لقد رُفع عنه الستر الإلهي!
ويبدو أن هناك من صار يتدخل لحماية الجنرال من نفسه، لا سيما وأن البلد في موسم انتخابي، فحجب بالكلية اللقاء مع مجلس القضاء الأعلى، ربما لأنه لم يجد فيه ما يصلح لأن يذاع على الرأي العام، تماماً كما أخضع حديثه هذا للمونتاج، لكن لا يُغني حذر من قدر!
ما قاله السيسي أنه في اللقاء المشار إليه ذكر "أنا ممكن أدي شريط ترامادول و1000 جنيه لـ100 ألف إنسان ظروفهم صعبة وأنزلهم 10 أيام يعملوا حالة، ممكن أهد بلد بمليار جنيه يعني بمبلغ ناس بتصرفه في حفلة". وقد تداخلت لديه الأرقام فاستعان بمن حوله في عملية الضرب والقسمة، وهبط بالرقم المدفوع إلى 100 جنيه في اليوم، قبل أن يرفعه مرة أخرى إلى ألف جنيه، لكنه أبداً لم يتراجع عن نسبة الفعل لذاته؛ "أنا ممكن.. وأهد"، على نحو كاشف عن مخططه للمستقبل، إذا استبعدنا ملف خدمته في هذا الجانب، لأن الأحكام لا تبنى على الشك والتخمين، ولكن على الجزم واليقين، كما تقول المبادئ المستقرة لمحكمة النقض!
"بشار" المثل الأعلى:
إن من يفكر في استدعائه المتكرر للحالة السورية، يؤكد أن ما فعله بشار الأسد من تدمير سوريا على رؤوس السوريين هي خطة حاضرة في الذهن وقت اللزوم، ولو في حديثه عن أنه حمى مصر من مصير سوريا، وفي الواقع أنه فعل ما فعله بشار الأسد، وقد بدأ انقلابه بمذابح رابعة والنهضة والحرس الجمهوري وغيرها، لكن إذا كان ثمة فضل لأن مصر لم تتحول إلى سوريا، فإنه يعود لجماعة الإخوان المسلمين، التي لم تسلح الثورة ولم تدعُ للمواجهة، ولم تشكل الجيش المصري الحر!
بيد أن الفكرة مختمرة في عقله، لكن فاته أن مصر ليست سوريا، وأن الجيش المصري ليس جيش عائلة أو قبيلة، كما الجيش العلوي هناك، وربما أدرك هذه الحقيقة فكان حديث المئة ألف وشريط الترامادول لكل شخص، وكان في إدراكه لهذه الحقيقة سبباً في إسناد شركة أمن مملوكة للأجهزة السيادية لزعيم الزعران في مصر، بعد أن أخلى سبيله بعفو صحي، وإذا به كما الثور، الأمر الذي يجعل "العفو الرئاسي الصحي" يمثل إساءة الحق في استخدام السلطة!
إنه يشكل قوات "الدعم السريع"، ويصنع حالة حميدتي في السودان، والذي صنعه البشير لإحداث توزان في القوة مع الجيش، فإذا فكّر في الانقلاب عليه كانت هناك "حمايته" التي يمكنه بها أن يواجه التمرد!
إذا سلمنا بأن الجنرال قد خانه التعبير، وأنه يقصد بهذا الأشرار مثلاً، وإن كان النص لا يحتمل ذلك وهو يتكلم عن نفسه "أنا ممكن أدي.."، "أهد بلد بمليار جنيه.."، فإن اتهام الأعداء بهذه المقدرة يفيد نهاية الدولة المصرية بمؤسساتها ومن ضمنها مؤسسات القوة!
ومع توافر الإرادة لدى الأشرار لـ"هد الدولة"، وتوافر المليار جنيه، فإن المرء يحار في كيفية امتلاكهم لأدوات الهدم، فهل الترامادول في السوق المصري يكفي "لتموين" مائة ألف شخص، بواقع شريط منه لكل فرد؟ مع العلم أنه من الأدوية التي تقع ضمن الجدول، فلا تصرف إلا بتذكرة الطبيب، وهو عقار يتم استيراده، وهذه فرصة طيبة لنسأل عن الجهة التي تستورد الترامادول، وإمكانية سيطرة الأشرار عليها، إلا إذا تم الوضع في الاعتبار أن نفوذ الأشرار سيدفعهم لاستيراده من الخارج لحسابهم الشخصي، وهنا يعني عدم ثقة في الجهات التي تراقب المنافذ في البلد سواء المطارات أو الموانئ، ومن يملك هذا العدد الضخم من السكارى الذين يندفعون لهد البلد تحت تأثير المخدر، هل يوجد في مصر كل هذا العدد؟ إنها كارثة إذاً؟
أكثر ما يحير هو هذا التصفيق الحاد لحديث الترامادول من جانب الجمع الكريم، فهل يصفقون لقدرة الجنرال على "هد البلد"، أم لقدرة الأشرار على القيام بالمهمة؟!
إن المرء مخبوء تحت لسانه!
twitter.com/selimazouz1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق