الأربعاء، 6 مارس 2024

لماذا لم يكن هجوم 7 أكتوبر إرهابياً؟

لماذا لم يكن هجوم 7 أكتوبر إرهابياً؟



حلمي الأسمر

يقول خبراء القانون إن التشريعات الدولية تسمو على التشريعات المحلية. وهي تعتبر التنظيمات الفلسطينية حركات مقاومة لأنها تحارب الاحتلال. وأي تشريع محلي، إسرائيلياً كان أو عربياً أو أجنبياً، يعتبر "حماس" وحركات المقاومة الفلسطينية إرهابية باطل، لأنه يتعارض مع التشريع الذي وقّعت عليه الدول المعنية، فهو يعطي حركات المقاومة الحقّ في مقاومة الاحتلال. 

وبما أنّ المنطقة التي تسمّى "غلاف غزّة" محتلة، وكل أراضيها تعود للاجئين الذين طردهم الاحتلال منها إلى مخيمات قطاع غزّة، فيصبح من واجب هؤلاء اللاجئين، بمقتضى القانون الدولي، مقاومة الاحتلال، والعودة إلى أراضيهم، وأراضي أجدادهم. وبهذا المعنى، يكون الهجوم الذي قامت به المقاومة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول "حقّاً مشروعاً" وليس هجوماً إرهابيّاً.

أكثر من هذا، فوفق القانون الدولي، وتحديدا وفق المادة 12 من الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لعام 1979، لا يعتبر ما قامت به فصائل المقاومة الفلسطينية من أسر رهائن إسرائيليين في 7 أكتوبر عملاً "إجرامياً"، بل هو من حقوق المقاومة المشروعة، إذ تنص المادة: "بقدر ما تكون اتفاقيات جنيف لعام 1949 لحماية ضحايا الحرب أو البروتوكولات الإضافية لتلك الاتفاقيات سارية علي عمل معيّن من أعمال أخذ الرهائن، وبقدر ما تكون الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ملزمة، وفقاً للاتفاقيات المذكورة، بمحاكمة أو تسليم أخذ الرهائن، لا تسري هذه الاتفاقية على فعلٍ من أفعال أخذ الرهائن يرتكب في أثناء المنازعات المسلحة المعرفة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها، بما في ذلك المنازعات المسلّحة التي يرد ذكرها في الفقرة 4 من المادة 1 من البروتوكول الإضافى الأول لعام 1977، والتي تناضل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي ونظم الحكم العنصرية، ممارسة لحقها في تقرير المصير كما يجسّده ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون في ما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة". بل إن ما تقوم به سلطات الاحتلال الصهيوني من عمليات اعتقال للفلسطينيين في غزة والضفة الفلسطينية هو وفق هذه الاتفاقية عملية "خطف رهائن"، كونها سلطة محتلة تواجه حركات مقاومة. وبهذا المعنى، هي تمارس عملاً من أعمال الإرهاب الدولي، ناهيك عن أنها تمارس بحقّ هؤلاء المختطفين/ الأسرى كلّ أصناف التعذيب والعسف والإرهاب والإخفاء القسري (في خرق واضح للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تنص في المادة 2 على: لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد ب‍ "الاختفاء القسري" الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أيّ شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفّي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون). وهي بهذا تضع وراءها كل التشريعات الدولية التي وقعت عليها، وقُبلت عضواً في الأمم المتحدة بناء على التزامها بميثاق هذه المؤسّسة وبقية الاتفاقات المنبثقة عن هذا الميثاق.

نصوص القانون كالسيف في غمده، وجدت كما يبدو كي تخرج لمحاكمة الضعفاء

ومن غرائب الأمور أن كل دول الغرب الموقعة على تلك الاتفاقيات تصنّف حركات المقاومة الفلسطينية (ومنها "حماس") منظمّات إرهابية، خلافا للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة عليها (فعلت هذا أخيرا نيوزلندا بشأن "حماس")، في حين تصف عمليات الإرهاب الصهيوني النازية بأنها من "حقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها"، علما أنها سلطة احتلال معتدية، وليس في القانون الدولي أصلا ما يدعم مثل هذا الزعم أو ينصّ عليه، بل إن جريمة إبادة جماعية مثل ما حدث فجر 29 من الشهر المنصرم (فبراير/ شباط)، في دوار النابلسي في شارع الرشيد، شمال قطاع غزّة، لم يحرّك في أي من الدول "الراعية" لجرائم الكيان النازي أي رغبة في منعها من ارتكاب مثل هذه الجرائم، وكان ردّ فعلها باهتا (كالطلب ممن ارتكب الجريمة التحقيق مع نفسه!)، على عكس ما تصف به أعمال المقاومة، خصوصا هجوم 7 أكتوبر، وقولها إنه إرهابي. والفرق بين الحدثين كبير، فما ارتكبته قوات الاحتلال من إطلاق النار على مدنيين عزّل هرعوا لأخذ ما يسد حاجتهم من طحين لم يروه منذ نحو 140 يوماً، لا يمكن أن يقارَن برغبة لاجئين في العودة إلى أراضي آبائهم وأجدادهم المغتصبة. ومع هذا لم يجرؤ أحد من الناطقين الرسميين بأسماء دول الغرب إجمالا على وصف جريمة دوار النابلسي بأنها هجوم إرهابي. وينسحب الأمر، للأسف، على مجمل المنظومة العربية التي تعتبر أعمال المقاومة الفلسطينية ضرباً من "الإرهاب" أو العنف الذي يعاقب عليه القانون المحلي، بل هناك معتقلون فلسطينيون حتى ساعة كتابة هذه السطور يقضون محكومياتهم في سجون عربية "دينوا" بتهمة دعم فلسطين وحركات المقاومة وتوفير تمويل لها!

المقاومة على الأرض هي التي تكتب التاريخ والقانون، وهي التي تنتزع شرعية وجودها بقوتها وقوة شعبها

لا يعني الحديث هنا عن القانون الدولي الذي يُنصف المقاومة "واجباً" لتحرير الأرض المحتلة أننا نقيم اعتباراً كثيراً له، أو نعوّل عليه في "إسنادها"، فالمقاومة على الأرض هي التي تكتب التاريخ والقانون، وهي التي تنتزع شرعية وجودها بقوتها وقوة شعبها، وسيضطر من يصنّفها "إرهابية" للجلوس معها على طاولة واحدة. هذا إن وافقت هي على هذا، ويكفي هنا أنّ نستذكر أن دولاً كبرى تفاوض المقاومة اليوم، ولو عبر وسطاء، وتنتظر أياماً لتسمع ردّها على مقترحاتهم، ولم يكن هذا ليتحقّق للمقاومة بقوة القانون الدولي!

نصوص القانون كالسيف في غمده، وهي وجدت كما يبدو كي تخرج لمحاكمة الضعفاء، أما القوي فلا تهمّه هذه النصوص، في ظل تغوّل العصابة التي تحكم العالم، لكنّ ما جاء أعلاه محاولة متواضعة للتذكير بمشروعية المقاومة حتى وفق القانون الدولي الذي وضعه المنتصرون عقب الحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق