الثلاثاء، 12 مارس 2024

الصراع على بيت المقدس

 الصراع على بيت المقدس



إن الصراع والتدافع الإسلامي اليهودي الصليبي على بيت المقدس، يكاد يختزل تاريخ البشرية كلها، بل ويكون محركا للحضارة الإنسانية، ومؤشرا عالميا ودقيقا على انتصار قيم الوجود البشري العليا؛ وذلك فيما قضاه الله عز وجل بظهور دين الإسلام على الدين كله، لأن اليهودية والنصرانية فضلا عن أديان الشرك، لا يمكن أن تصمد قيمها البائسة أمام قيم الإنسانية الحقة، التي يعبر عنها الإسلام، والإسلام فقط.

وإن أعجب ما يمكن الوقوف عليه في هذا التدافع، بأن ما قضاه الله ليهود من عُلُوّ إفسادي في الأرض، إنما يرتبط بحال الأمة المسلمة، فهو عقوبة ربانية موجهة لأمة الإسلام! 

ذلك أن “عُلُوّ يهود” لا يعود إلى عوامل الصراع البشري المعتادة، من قوة وكثرة بشرية وانتشار جغرافي، وقدرة حقيقية على المصادمة الحضارية، وإنما هو يرجع إلى كسر رباني لكل تلك السنن.

ولعل أوضح ما يسند هذا الاستنتاج، هو التزامن والتوقيت، بين سقوط دولة الإسلام وتحقق عُلُوّ يهود؛

فهو بلا شك عقوبة ربانية للأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة، فهي عندما فضلت العرقية والقومية على الأخوة الإسلامية الجامعة، وفضلت “منح السلطة” التي جادت بها أيادي الصليبية البريطانية والفرنسية، وتخلت عن خلافتها الجامعة، عوقبت بتسليط يهود، أذل الخلق في الأرض؛ فهل بعد هذا الذل من ذل؟

والأمر ليس ببعيد أيضا عن التحدي والمدافعة بين أمة الإسلام وأمة الصليب، فقد اندمج عُلُوّ يهود في رغبة الصليبية الجامحة بإسقاط وإلغاء سيطرة أمة الإسلام على بيت المقدس؛ فتحقق هذا التعانق اليهودي الصليبي وخاصة من طائفة البروتستانت.

وإن الصراع على بيت المقدس، ليؤشر إلى أنه لن يحسم إلا بأن ينعكس على أمة الإسلام كلها، من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي؛ أي إعادة بناء وتأسيس هذه الأمة، عبر مشروع جامع، تنخرط فيه جميع أعراق وقوميات وجغرافية الشعوب الأمة المسلمة.

بل إن الصراع على بيت المقدس، سوف يقود كما هو واضح إلى دخول شعوب من أمم الكفر في دين الله أفواجا، ممن سوف يصطفيهم الله عز وجل لكي يلتحقوا بأمة الإسلام، ويسهموا في الصراع والتدافع على بيت المقدس، أي تأسيس دولة الإسلام من جديد.

وأخيرا يتبين لنا مستوى الوهم، وضآلة وقزمية الخطة التي ندير بها الآن معركة الصراع على بيت المقدس، حيث اكتفينا بالسقف الفلسطيني في الصراع من جهة، واكتفت بقية شعوب الأمة بمراقبة الصراع على بيت المقدس عن بعد، ورضيت بالدول القزمة أو «الأوطان» التي أسستها لنا الحملة الصليبية قبل مئة عام؛ فلن يتحرر الأقصى إلا بانتقال معركته إلى جميع عواصم أمة الإسلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق