الأحد، 3 مارس 2024

ماذا حدث للحشود الشعبية المناصرة لغزة؟

 

ماذا حدث للحشود الشعبية المناصرة لغزة؟

بات الشارع العربي والإسلامي ومؤسساته المدنية والاجتماعية بحاجة إلى تغذية جديدة متواصلة للحفاظ على زخم الحشد والتظاهر نصرة للشعب الفلسطيني في غزة، والعمل على ابتكار وسائل وأساليب جديدة قادرة على تحويل هذا التأييد إلى فعل ديناميكي قادر على التأثير في مسار تطورات الحرب سياسيا وعسكريا.

كيف نفهم الموقف الشعبي؟ (العجز)

منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الصهيو-أميركية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ خرجت الجماهير بأعداد هائلة في معظم دول العالم مدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، مطالبة بإيقاف الحرب وتمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه وإقامة دولته، ومعبّرة عن استنكارها لدعم الولايات المتحدة والدول الغربية للكيان الصهيوني في هذه الحرب، وخرجت الشعوب العربية والإسلامية في معظم الدول العربية تطالب حكوماتها بدعم قطاع غزة وفتح الحدود وإدخال المساعدات، ونصرة الشعب الفلسطيني. وخرجت الشعوب في الدول الغربية للضغط على حكوماتها لإعلان وقف فوري لإطلاق النار. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، توالت الأيام والأسابيع والشهور مخضّبة بالدم ومعبّأة بالقتلى والأشلاء والمصابين دون أن يحدث شيء مما طالبت به شعوب العالم، ومما طالبت به المؤسسات الدولية والمدنية، ودون أن يحسب الكيان الصهيوني لهم أي حساب، مادامت الولايات المتحدة تدعم موقفه وتدافع عن تجاوزاته وتبرر له انتهاكاته للقانون الدولي والإنساني، ولا ترى جرائمه التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا من قبل. وها هو الشهر الخامس منذ بدء هذه المذبحة؛ يوشك أن ينتهي، وبدأت الحشود الشعبية تتراجع شيئا فشيئا إلى مستويات متواضعة جدا، بل إن بعضها انسحب تماما من الميدان، ولم يعد له أي حضور في العديد من البلدان العربية والإسلامية، دون أن يتركوا أثرا على حكوماتهم يدفعها إلى التفاعل مع الحرب بصورة أفضل. وهذا يدعونا إلى محاولة التعمق في فهم الحرك الشعبي، العربي والإسلامي، الداعم للشعب الفلسطيني والمندد بحرب الإبادة الجماعية التي يشنها ضده التحالف الصهيو-أميركي؛ وذلك بهدف الوقوف على السمات التي تميز هذا الشعبي، وحجم التأثير الذي يمكن التعويل عليه وانتظاره منه، وهنا يمكننا الوقوف على ما يأتي:

أن الحراك الشعبي العربي والإسلامي يتفاوت حجما وتأثيرا من دولة إلى أخرى حسب طبيعة النظام الحاكم، ومستوى علاقاته مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. ولذا نجد بعض الدول لم تسمح بتاتا بخروج أي مسيرات احتجاجية ضد الحرب في قطاع غزة. أن الحراك الشعبي، في الدول التي تسمح به؛ مجرد تعبير عن المزاج العام للشعوب ومواقفها تجاه الأحداث الكبرى التي تهمها، ولا تسمح السلطات الأمنية بأن يتجاوز هذا الحراك حدود إعلان الموقف والتعبير عن الرأي، وإلا يعتبر ارتكاب لأفعال يعاقب عليها القانون. وهذا مطبق حتى في الدول الديمقراطية الغربية، فهي تكفل للأفراد والمجموعات حق التعبير عن الرأي، ولكنها لا تسمح لهذا الرأي بالتدخل في سلطة الدولة، ولا بتجاوز القانون والدستور. أن الشعوب العربية والإسلامية تعاني في معظمها من استبداد وقمع الأنظمة الحاكمة، ولم تعتد هذه الشعوب على ممارسة حق التعبير إلا بما يتناسب مع موقف الأنظمة الحاكمة وتوجيهات أجهزتها الأمنية. أن المؤسسات المدنية الحقوقية والاجتماعية التي تحرك الشارع العام للخروج والتعبير عن الرأي؛ مرتبطة كذلك بأجهزة السلطات الاستبدادية القمعية وأجهزتها الأمنية، ولا تستطيع الخروج عن الحدود التي ترسمها لها السلطات لمسار التظاهر والتعبير عن الرأي.

هذه النقاط تكفي للتأكيد على أن خروج الحشود الشعبية العربية والإسلامية -وغيرها- للتظاهر والإعراب عن الموقف المؤيد للشعب الفلسطيني والمندد بالحرب الصهيو-أميركية في غزة، والمطالب بإيقاف فوري للحرب، إنما هي لمجرد إظهار حجم التأييد والمناصرة للقضية الفلسطينية، وحجم التنديد والإدانة للكيان الصهيوني، وليس لها أي قدرة على الفعل، الذي ينتظره الشعب الفلسطيني المكلوم في قطاع غزة. وهذا الأمر في حد ذاته على درجة عالية من الأهمية، لما له من اعتبار كبير في التأثير على السلطات الحاكمة وطبيعة القرارات التي ينبغي اتخاذها تجاه الحرب. ويعتبر تناقص أو توقف الحشود العربية والإسلامية تجاه الحرب، ظاهر سلبية قد تعبّر عن هشاشة علاقة الشعوب العربية والإسلامية بما يجري في غزة، وتراجع موقعها في سلم الأولويات، وأنها ليست أكثر من عواطف جياشة وانفعالات مؤقتة سرعان ما تهدأ وتغيب وراء ضغط الحياة ولقمة العيش وقسوة الاستبداد، الأمر الذي يدعو إلى القيام بتغذية جديدة متواصلة للشارع العربي والإسلامي ومؤسساته المدنية والاجتماعية للحفاظ على زخم الحشد والتظاهر نصرة للشعب الفلسطيني في غزة. ليس هذا وحسب، بل والعمل على ابتكار وسائل وأساليب جديدة قادرة لتحويل هذا التأييد إلى فعل ديناميكي قادر على التأثير في مسار تطورات الحرب سياسياً وعسكرياً.

 

"آرون بوشنيل" أراد بحرق نفسه أن يقول للحشود الجماهيرية في العالم؛ أن مجرد خروجها لا يكفي، فهي لم تستطع إيقاف الحرب طيلة خمسة شهور، وأنه حان الوقت لتنتقل من القول إلى الفعل، حان الوقت لتكون أكثر تأثيرا في إيقاف الحرب.

 "آرون بوشنيل"، الجندي في القوات الجوية الأميركية (٢٥ عاما)، والمتخصص في الأمن السيبراني، في الجناح رقم ٧٠ للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التابع للقوات الجوية؛ ضحى بنفسه قبل ثلاثة أيام بأن أشعل النار فيها أمام السفارة (الإسرائيلية) في العاصمة واشنطن، احتجاجا على حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، ومشاركة بلاده فيها. لقد حاول آرون الانتقال من دائرة القول إلى الفعل، ولكنه لم يحسن الطريقة إلى ذلك فقام بإحراق نفسه، ظنا منه أنه بذلك سوف يدفع الشارع الأميركي إلى زيادة الضغط على حكومة بلاده لإيقاف الحرب على غرار تأثير محمد البوعزيزي في تونس، ولكن ذلك لم يحدث، بينما كان أمامه الكثير من الأفكار والأساليب الفعالة التي كان يمكنه استغلالها لإحداث تأثيرات فعالة قادرة على تغيير موقف بلاده من الحرب. إلا أن بوشنيل أراد بحرق نفسه أن يقول للحشود الجماهيرية في العالم أن مجرد خروجها لا يكفي، فهي لم تستطع إيقاف الحرب طيلة خمسة شهور، وأنه حان الوقت لتنتقل من القول إلى الفعل، حان الوقت لتكون أكثر تأثيرا في إيقاف الحرب.

فما السبيل إلى ذلك؟


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق