أمريكا لا تعرف معنى الإنسانية لتبني لها موانئ
قد يعتقد بعض حسنيي الظن في العالم العربي والإسلامي أن ضمير قادة الولايات المتحدة وصناع القرار قد صحا من غفوته التي يعيش فيها منذ أن أصبحت أمريكا سيدة العالم وشرطي النظام العالمي، أو أن قلوبهم قد مستها الرحمة بأطفال الوطن العربي ونسائه لا سيما في فلسطين وغزة، فكانت تلك المبادرة الأمريكية المغلفة بقناع الإنسانية لإنشاء ميناء غزة على ساحل البحر المتوسط من أجل توصيل المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة.
يأتي هذا بعد أكثر من 155 يومًا من مذابح الإبادة التي يقوم بها جيش الكيان الصهيوني تحت رعاية الولايات المتحدة ودعمها، وبعد أنواع الدعم كافة العسكري والمادي والسياسي للكيان الصهيوني، واستخدام حق النقض ضد أي قرار يحاول به مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أمام المجازر والمذابح اليومية التي يقوم بها الكيان الصهيوني بحق الإنسانية عامة وبحق أهل غزة.
الولايات المتحدة التي اعتبرت الحرب على غزة حربها، وحولتها إلى حرب صليبية صهيونية على المقاومة الفلسطينية وعلى أهل فلسطين وبخاصة في غزة الآن تعتزم إرسال ألف جندي أمريكي ليتولوا إنشاء ميناء لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة الذين يعانون من الجوع والعطش لدرجة حدوث وفيات يومية بسبب نقص الغذاء، بل وصل الأمر إلى معاناة الأطفال والنساء من عدم وجود طعام للإفطار والسحور في شهر رمضان المبارك، هذا العدم الذي أصاب أطقم الأطباء والعاملين في المجال الصحي الذين يهتمون بالمصابين والجرحى وهؤلاء بالمئات يوميًا.
إن كنا جميعًا من أبناء العالم العربي والإسلامي لا نعفى من الجرم ونحن نشاهد معاناة أهلنا في غزة وفلسطين، ولا يوجد عذر أو سبب لأي منا في التخلي عنهم وعدم مد يد المساعدة والمشاركة لهم، فإن هذا لا يجعل أي عربي عاقلًا يجد فيما تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية فعله بتنفيذ هذا الميناء أي خير.
جرائم لا تنسى ضد الإنسانية
كما يقول المثل المصري “الحداية لا تحدف كتاكيت” أقول أمريكا لا تعرف معنى للإنسانية ولا معنى لجوع ولا عطش البشرية، فلم تقدم أمريكا للعالم العربي والإسلامي منذ أكثر من نصف قرن سوى مشاهد القتل والمذابح التي لا تنتهي.
يبدو الأمر ظاهريًا وكأن بايدن قد تعرض لضغط جماهيري وإنساني كبير خاصة مع بدء الحملات الانتخابية له من أجل إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، وفي ظل مظاهرات كبيرة في معظم الولايات الأمريكية، وكذلك خسارته للأصوات العربية في بعض الولايات، وتلك المظاهرات التي جعلته يغيّر طريقه وهو ذاهب لإلقاء خطاب الاتحاد، ومع صعود الأصوات المناهضة لحرب الإبادة التي تشارك فيها أمريكا بالدعم المادي والأسلحة، ولكن هذا كله لا يعني أن ميناء غزة الأمريكي إنساني أو له علاقة بالإنسانية.
هل أذهب بكم إلى نظرية المؤامرة؟ ربما هذا السؤال يمكن أن يسأل مع أي دولة في العالم، ولكن لا محل له مع أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا، تلك الدول التي اعتبرت حرب غزة حربها، ولا بد من القضاء على المقاومة الفلسطينية كمشروع يمكن أن يتمدد في الوطن العربي والأمة الإسلامية، فيصبح مشروعًا مناهضًا للهيمنة الأمريكية على العالم والشرق الأوسط.
لماذا هذا الميناء؟
فماذا تريد أمريكا من مشروعها لإنشاء ميناء على سواحل غزة؟ ومن يمول هذا المشروع؟ هل هناك أطراف عربية ضالعة في تنفيذ هذا المشروع الذي لا يمكن أن يكون مشروعًا لمساعدة أهل غزة؟ وبالتأكيد ليس لمساعدة المقاومة الفلسطينية التي يبدو أنه ليس فقط أمريكا والكيان الصهيوني تريدان الخلاص منها، بل هناك أطراف عربية تتمنى تدمير المقاومة بكامل فصائلها، وليست حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فقط كما جاء على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني منذ أيام “هناك بعض الدول العربية تريد الخلاص من المقاومة وقد أعلنوا لنا ذلك ولكن بهدوء”.
تذهب بعض التحليلات إلى أن هذا الميناء قد يكون المنفذ الرئيس لبعض أهل غزة الذين يريدون الهروب من جحيم الحرب الصهيونية الأمريكية على غزة، فيفتتح الميناء طريقًا للهجرة إلى أوروبا، وبعض الدول التي يكون لديها استعداد لقبول لاجئين من فلسطين.
الواقع أن هذا غير مستبعد فلا يمكن لأي إنسان أن يمنع أهل فلسطين التفكير في مغادرة ساحة الإبادة والمقتلة التي تتم هناك خاصة في ظل عجز العالم عن إيقافها، وتمرير الولايات المتحدة والغرب لفكرة اجتياح رفح وضربها من قبل الجيش الصهيوني، حتى الآن لا تزال أمريكا تدعم فكرة الحرب واستمرارها مع تجنب ضرب المدنيين ذلك الشرط الذي يتجاهله الكيان الصهيوني، فهم يريدون القضاء على كل ما هو فلسطيني.
يبدو كذلك الرفض المصري لفكرة التهجير الفلسطيني إلى سيناء من قبل القوات المسلحة المصرية، وبعض الأجهزة في مصر، والرفض الشعبي الكبير للفكرة قد جعل الولايات المتحدة تذهب إلى هجرة قسرية لأهل غزة بطريقة أخرى، وقد تفتح بعض دول أوروبا الباب لتلك الهجرة الفلسطينية، ومع استمرار الحرب وعدم قدرة العالم على اتخاذ مواقف شجاعة وقوية لوقف الحرب يكون هناك مبرر لمن يريد من أهل غزة الهجرة حتى تحت الرعاية الأمريكية.
لا تسمحوا ببناء الميناء الأمريكي
ميناء أمريكا يسمح أيضًا بوجود إسرائيلي على ساحل غزة، وبالقرب من الحدود المصرية، وهو الذي فشل برفض مصر احتلال محور فيلاديلفيا (صلاح الدين)، وبهذا الوجود يصبح هناك آمال كبيرة في الغاز الفلسطيني في البحر المتوسط، ويعطي للكيان الصهيوني فرصة لهجوم أقرب على المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
تمرير ميناء أمريكا على ساحل غزة سيكون جريمة جديدة من جرائم الولايات المتحدة في المنطقة العربية، ولن تكون آخر جرائمها ما بقيت تتحكم في العالم، وما بقي الكيان الصهيوني يحتل الأرض العربية، لذا فلا يجب السماح ببناء هذا الميدان.
قد أكون ساذجًا عندما أطلب هذا، فإذا كانت بعض الدول العربية تساعد وتدعم القضاء على المقاومة، وإذا كان أغلبها لا تسمح بتظاهرات داعمة للمقاومة وضد المجازر الفلسطينية، فمن يا ترى يمكن أن يمنع أمريكا والكيان الصهيوني من بناء الميناء وتحقيق أهدافها؟ الأمل يبقى في المقاومة الفلسطينية ومن يدعمها من لبنان واليمن، فهؤلاء نقاط الضوء والأمل الباقي في أمتنا، ولعل الأمة تصحو بهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق