الاثنين، 4 مارس 2024

القتال من أجل النساء..

 القتال من أجل النساء..

م.محمد إلهامي

يوما بعد يوم، يزداد وضوح المعنى الذي كرره عديد من العلماء، وذلك هو: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لتفرغت للقرآن.


سورة النساء..


سورة تبدأ بالرحمة بالأيتام، والرحمة بالنساء.. وتأخذ في بيان حقوقهم، والتحذير من أكل أموالهم أو حقهم في الميراث، فلا تكاد تنقضي الصفحات الأولى إلا وقارئ السورة قد امتلأ رقة وحنانا على اليتامى والنساء، وامتلأ خوفا وحذرا من أكل موالهم وغمط حقوقهم.


ثم ما هي إلا أن تنتقل السورة نحو موضوعات، من أبرزها: موضوع الجهاد.. وتأخذ في تحريض المؤمنين على القتال، وفي تحذيرهم من غدر المشركين، وفي كشفها أساليب المنافقين.. حتى ليشعر القارئ أنه في قلب معركة حقيقية تجري الآن.. وفي قلب معركة نفسية تجري داخل قلبه!!


وبينما القارئ في قلب المعركة إذ تأتي الآية تقول: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}


فكأن كل هذا القتال والجهاد والبذل، وكأن كل هذه التهيئة التي كانت في أول السورة من ترقيق القلوب على النساء واليتامى، إنما هو للدفاع عن المستضعفين ورفع الظلم عنهم!!!


ثم تعود الآيات إلى أجواء المعركة، فما إن تنسجم معها حتى تأتي آية تصحح معنى المستضعفين!! فالمستضعف ليس هو المستسلم، بل هو العاجز حقا!!


اقرأ بقلبك قوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفورا}


وبعد حديث الجهاد والقتال، يأتي حديث في السياسة الداخلية: الحكم بالعدل، الحكم بما أنزل الله! وهو الذي يحفظ الحقوق ولو كانت لغير المسلمين.


وبعد حديث الحكم والنظام والقانون، حديث عن النساء واليتامى من جديد، حديث داخل البيوت، حيث تحاول النفوس أكل أموال النساء واليتامى، والتركيز على النوع الذي جمع الضعفيْن: المرأة اليتيمة!!


{ويستفتونك في النساء، قل الله يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب في (يتامى النساء) اللاتي لا تؤتونهن ما كُتِب لهن، وترغبون أن تنكحوهن، (والمستضعفين من النساء والولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط) وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما}


هل تعلم -عزيزي القارئ- أن سورة النساء هي الوحيدة التي ذُكِر فيها لفظ "المستضعفين"؟!


مع أن المسلم يتشرب بطبيعة الحال أن مقاصد الجهاد هي الدفاع عن المظلومين وتوفية الحقوق.. لكن من قرأ سورة النساء وهو يربط معانيها وآياتها بمعنى: الدفاع عن النساء والأيتام والمستضعفين، ظهرت له السورة في ثوب آخر، وبطريقة أخرى تماما.


كم امرأة في هذا العالم -حتى من المسلمات- تستشعر أن الله فرض على عباده القتال من أجل النساء! وأن النساء من أسباب خروج الجيوش وإعداد القوة.


أليس واضحا الآن أن الأمة التي لا تقاتل، تفقد القدرة على حماية نسائها وأبنائها؟


يعرف هذا جيدا من كانت له معرفة بتجارة الرقيق، التجارة التي تسود العالم حقا، بضاعتها من النساء والأطفال، أسواق الدعارة التي تحتشد بالمخطوفين والمخطوفات دليل عظيم على هذا.. أطفال الشوارع الذين تنتهك أعراضهم، والذين وصل الحال إلى المتاجرة بأعضائهم: بيعا وشراء وحتى تأجيرا!!


المناضلون عن حقوق المرأة وعن حقوق الأطفال الأيتام والمهتمون بملف المشردين يعرفون الكثير من الكوارث.. 


ولكن النادر من كل هؤلاء ومن غيرهم من يعرف أن هذا إنما كان نتيجة لغياب الإسلام عن هذا العالم.


أي قانون في هذا العالم؟ أي فلسفة؟ أي منظومة أخلاقية؟ يمكنها أن تقوم مقام الإسلام في هذه الأمور..


الإسلام الذي يجعل أكل مال اليتم كأكل النار!! ويجعل حقوق النساء شريعة ربانية إلهية لا يجرؤ أحد على تغييرها!! ويجعل إنقاذ المستضعفين من واجبات الجيوش الإسلامية!!


وهذا كله هو من القرآن الذي يتلى على الناس صبحا وعشيا، يسمعونه طوال يومهم، يذكرهم به خطباء المنابر والوعاظ في المجالس والعلماء في الدروس وعلى الشاشات... إلخ!


من تأمل في سورة النساء، وهو يحاول ربط كل آية باسم السورة "النساء" فسيرى حقا أن الإسلام أقام للنساء -وسائر المستضعفين- حصنا عظيما يحميهم من أصحاب الشهوات، وأصحاب الديانات المحرفة، ومن المنافقين، ومن الظالمين، وحتى من نزعات النفوس الشحيحة داخل البيوت!!


والحمد لله الذي جعلنا مسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق