مخدرات المؤامرة والماسونية والمنظمات السرية
أخجل أن أكتب شيئا تنظيريا باردا ونحن نعيش حرارة النار والدمار، ولكن بعض الذين يريدون استثمار هذه الحرارة في تسويق مخدرات المؤامرة والماسونية والمنظمات السرية المتحكمة في العالم يجبروننا على ذلك.
إن تعظيم شأن العدو القاهر المهيمن المتحكم في كل التفاصيل لا يساهم في الوعي بل يسمم الوعي ويشل التفكير ويدفع عن مقاومته.. ولو قد سكن في نفس أي مقاوم ما يسكن في عقول المُهَوِّلين من شأن العدو لما أقدم على المقاومة.
إن ما يظهر من مشهد الاختلاف الأمريكي الإسرائيلي في جزئيات صغيرة ليس مسلسلا ولا مؤامرة، ولا حتى يمكن أن يعقد عليه أمل في كبح أو توقف الدعم الأمريكي.
وهو -من جهة أخرى- لن يؤدي بطبيعة الحال إلى خضوع الإسرائيليين للأمريكان خضوعا تاما.. إن بينهما أيضا حسبة المصالح والموازنة.. فكلاهما يحقق للآخر أهدافا عظيمة لا يسعه التخلي عنها.
والحركة الصهيونية -مهما تلفعت بالسياسة والعلمانية- فهي حركة عقائدية!
ملاحظة ضرورية:
[يجب القول والتذكير بأن العلمانية تتقاطع وتتحد وتتخادم مع ديانات أرضية (وضعية غير سماوية) أو فردوسها أرضي (كاليهودية) أو لا شريعة لها (كالمسيحية).. وهذا يفسر سهولة انخراط هذه النماذج ومساحاتها الحضارية في العلمانية، بينما ظل الصدام قويا وعنيفا وغير قابل للحل مع الإسلام ومجاله الحضاري]
ومن مناطق التوافق والانسجام وحتى الاتحاد بين اليهودية والعلمانية هو: اعتماد العمل بالمنفعة والمصلحة المتجردة من الأخلاق.. فهي توافق دينا يعتبر غير أتباعه «مجرد حيوانات»، وهي توافق علمانية ملحدة ترى البشر مادة للاستعمال ولتحقيق الأهداف.
ومنذ ظهرت الحركة الصهيونية وهرتزل يتعامل مع جميع قادة أوروبا بطريقة من يريد استغلالهم لمصلحته ولحساب فكرته، عن طريق تقديم مشروعه وكأنه مصلحة هذا الطرف حصرا (الربع الأول من يوميات هرتزل نموذج على هذا لمن أراد التوسع).
ومع كل ما قدمته بريطانيا من دعم للصهاينة، ما كانوا يستطيعون بدونها أن يصنعوا شيئا، إلا أنهم ما إن حانت لهم فرصة للتحول عنها إلى الأمريكان حتى ذهبوا وتركوا الإنجليز.. بل عملت عصاباتهم على مقاتلة الإنجليز في فلسطين، وتفجير مقراتهم واغتيال مسؤوليهم!!
وكان تشرشل، الذي كان يرعى الصهيونية حين كان وزيرا للمستمعرات، هو نفسه الذي يئن من غدر الصهاينة حين صار رئيسا للحكومة فيما بعد!
وما من نظام عربي، ولا رئيس ولا أمير ولا ملك، خدم إسرائيل بكل إخلاص، إلا وتعاملت إسرائيل معه كما يتعامل الغادر الخبيث مع خادمه، لا سيما إن بدت شمسه في الأفول!!
بل لم يكن غريبا أن يتعامل الصهاينة مع الرؤساء والمسؤولين السابقين من الأمريكان أنفسهم كما يتعاملون مع أي شخص قد انتهت فائدته!! من نيكسون إلى كارتر إلى بوش… إلخ!
ولن يكون غريبا أن ينقلب الصهاينة على ربيبهم الأمريكي إن ظهرت قوة أخرى يرون أنها أنفع لهم.. وكيف لا، وهم منذ زمن قديم تُكتشف لهم الجواسيس داخل أروقة الأجهزة الأمريكية!!
ونحن المسلمين أولى الناس بتذكر هذا الخلق وفهمه، فلم يعش اليهود في أمن وعافية كما عاشوها في ظل الحضارة الإسلامية، فلما أن أفلت شمس هذه الحضارة، إلا وكانوا أول الذين نهشوها وافتروسها ولم يوفروا في هذا جهدا.. (وقد كتبت منذ سنوات ورقة عن أحوال اليهود في ظل الحضارة الإسلامية بأقلام المؤرخين اليهود أنفسهم.. منشورة في الجزء الأول من كتابي: في أروقة التاريخ)!!
عرض كتاب "في أروقة التاريخ"
للباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية محمد إلهامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق