نظام المائة عام!!
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
يبدو أن مقاطع التمثيل الفاشلة التي نفذها ملك الأردن لم تنجح في إقناع الشعب بأنه بطل مناضل يمتشق الطائرات ليرسل بالمساعدات!!
ولا أحسبه -مهما قيل له- سيظن أنه فاشل في التمثيل، بل فاشل في سياسة التمثيل من أصلها، فلا يُمْدَح الملوك والرؤساء بأنهم يستطيعون "تمثيل" دور البطولة، فيتجنبون التطلع إلى الكاميرا، ويرسلون نظراتهم في الأفق البعيد على نحو ما يفعل الممثلون!!
وما علينا الآن من قصة فشله في التمثيل، فلنبق في القصة الأهم، وهي فشله في الحكم!
لم أصدق أن مهند مبيضين، المتحدث باسم الحكومة الأردنية، نزل بنفسه ومنصبه ووضعه السياسي ليعمل ذبابا إلكترونيا على تويتر، فهو يبحث الآن عن كل مقال صحافي كُتِب في دعم النظام الأردني، ليضع تحته تعليقا شاكرا ومقدرا!!
ولكن هذا يدل على ما بلغه النظام من الخوف والفزع، لا سيما مع هبة الشعب الأصيل تجاه إخوانه المذبوحين في غزة.. حتى لقد ذهب #السيسعدوالله بنفسه إلى الأردن في زيارة غير معلنة!
وإذا كان السيسي قد ذهب بنفسه، فالله أعلم بمن سواه، ولكن هبة الذباب الإلكتروني السعودي والإماراتي بل والصهيوني، تدل على فزع يشمل النظام.. لا سيما وقد نشرت صورة للسفير الإنجليزي وفريق عمله مع وزير الداخلية الأردني.. وإذا حضر الإنجليز دلَّ هذا على خطورة المشهد.. فهم الآباء المؤسسون لنظام الأردن ودولته!
ويؤكد ذلك هذا التسافل المخزي والمتدني، واللغة الحقيرة المثيرة للاشمئزاز للذباب الإلكتروني الأردني، فمن بعد ما كانوا يعضون على أناملهم من الغيظ، فاضت ألسنتهم ببعض ما في قلوبهم من الغل والحقد تجاه أهل فلسطين وتجاه المقاومة.. وما هذا ببعيد على نظام أنشأه الإنجليز ورعاه الأمريكان ويحرص عليه الصهاينة!
ولعل القارئ الكريم هنا لم ينس، ما كان قد نشره نتنياهو نفسه في مذكراته الصادرة قبل عام ونصف العام فقط، لما قال: أبلغت الملك عبد الله بأن بقاء المملكة الأردنية الهاشمية هو بمثابة ضرورة حيوية لإسرائيل، ولو اقتضى الأمر فسنتدخل بجيوشنا للحفاظ على النظام!!
هذه عبارة نشرها نتنياهو بنفسه في مذكراته المنشورة المعلنة.. وكفى بها دليلا على طبيعة نظام الأردن.. هذا لمن بقي يحتاج أصلا إلى دليل!!
ومن غرائب الزمان التي تدلك على انقلاب الأحوال أن ترى إعلام السعودية في خدمة نظام الأردن!!
فلو كانت الأمور تجري على سياق مستقيم لكنت ترى أشد العداوة بين نظامي السعودية والأردن، فإن ابن سعود هو الذي طرد الشريف حسين من الحجاز، وفوجئ حسين بتخلي الإنجليز عنه من بعد ما وعدوه بالخلافة، ثم انتهت قصته البائسة بأن رسموا له حدودا سموها دولة الأردن ليكون ابنه ملكا عليها.. فاعجب لرجل خرج من الحجاز وقاتل تحت راية الإنجليز وهو يحلم بالخلافة ثم مات منفيا في قبرص ولم يُعط ابنه إلا إمارة شرق نهر الأردن!
حديث التاريخ طويل ومثير ولا وقت له الآن، لكن انظر إلى من فرقتهم السيوف والحروب والعداوات التاريخية كيف جمعهم حب الصهاينة وحب الخيانة، فهم الآن يد واحدة!!
ولقد بلغ من تسافل الذباب الإلكتروني الأردني أنه يهدد الناس في الأردن بسحب الجنسية الأردنية!!
وهذه والله غريبة أشد من غرابة الغريبة الأولى.. فلو كان أحد سيسحب الجنسية من أحد! لكان أولى من تُسحب منه هو هذا الملك المهرج الممثل الفاشل نفسه!!
فإذا نظرنا في المسألة نظرة الأرض، وجدنا أن أهل الأردن وأهل فلسطين أقدم منه على هذه الأرض وأرسخ قدما وأعرق أصولا وأبعد وجودا.. فما هو إلا سليل قوم مهزومين مطرودين من الحجاز جاءوا على دبابة الإنجليز!!
وإذا نظرنا إليها من جهة العرق والدم، فكيف لمن نصفه إنجليزي وظل لا يحسن الكلام بالعربية أكثر عمره، يسحب الجنسية ممن لم يعرفوا أهلا ولا بلدا ولا أرضا إلا أهل العروبة والإسلام؟!
وإذا نظرنا إليها من جهة الوطنية والدين، فكيف لمن كان أسلافه في خدمة الأجانب، وتقلبوا في أحضان المخابرات الإنجليزية والأمريكية، وتواصلوا سرا وعلنا مع الصهاينة حتى أمكنوهم من فلسطين، ثم من الضفة، ثم من الأقصى.. كيف لمثل هؤلاء أن يحددوا أصلا معنى الوطنية والانتماء، فضلا عن أن يمنحوا أو يسحبوا الجنسية ممن جاهدوا وبذلوا وصبروا وتشردوا في سبيل بلادهم ومقدساتهم؟!!
وأخيرا.. كيف لمن فشل حتى في التمثيل أن يمنح أو يمنع الحق من أهل الواقع والحقائق؟!!
وإن تعجب، فعَجَبٌ أن يصمت النظام الأردني كله عن الإهانات التي توجهها إليه الصحافة والإعلام الصهيوني، حتى لقد وقف الوزير سموتريتش على منصة رُسِم عليها الأردن جزءا من دولة إسرائيل!!.. فلئن كانت عندكم نخوة وشرف فأولى به أن يثور في وجه هؤلاء!!
ولكن، ما بالنا نسأل، ونحن نعلم أن مخابرات الأردن تعمل في الضفة الغربية جنبا إلى جنب مع مخابرات الصهاينة ومخابرات عباس ضد المقاومة؟!!
هل تصدق عزيزي القارئ أن نظام الأردن هذا، لشدة إخلاصه للأجانب والصهاينة، لم يتغير منذ مائة عام.. فهو النظام الوحيد في سائر هذه المنطقة الذي أثبت -وما يزال يجتهد في إثبات- أنه بمثابة إسرائيل الصغرى!!
والله لئن أفضى هذا الطوفان إلى تغيير في الأردن أو في مصر، فلتلك والله حسنته العظمى، ولذلك والله بداية التحرير!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق