الاثنين، 8 أبريل 2013

تعليق حول مقال المستشار طارق البشرى بشأن النائب العام وأشياء أخرى


تعليق حول مقال المستشار طارق البشرى
 بشأن النائب العام وأشياء أخرى


المستشار: أحمد عبد اللطيف

في عدد السبت السادس من إبريل بجريدة الشروق اليومية المصرية نشر السيد المستشار طارق البشري مقالًا بعنوان "المستشار عبد المجيد محمود باق في منصبه وقرار عزله منعدم" عرض فيه للحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة ببطلان تعيين النائب العام الحالي وأن النائب العام السابق لا يزال شاغلًا للمنصب، والحق أن ما انتهى إليه في مقاله خاض فيه كثيرون بذات الآراء إلا أن القول حين يصدر من سيادته فإنه يستوجب ردًا، لأن قائله رجل له تاريخ وله دور في هذه الثورة بوصفه رئيس اللجنة التي أعدت التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في 19/3/2011، والذي خلص إليه في هذا المقال هو بطلان الإعلان الدستوري الذي أنهى وجود النائب العام السابق وهو أمر راعني أن يصدر منه ونجمل ردنا عليه في النقاط الآتية:
أولاً :- يقول إن الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر هو في "ظني قرار إداري" يتضمن فصل النائب العام القديم وانتهى إلى أن هذا الأمر مخالف للقاعدة المستقرة للنص القانوني الذي ينبغي أن يتسم بالعمومية والتجريد وأن هذا العيب ينصرف إلى النص الدستوري في المادة 173 من الدستور الذي حتى ينجو من هذا العيب ينبغي أن ينصرف إلى المدة اللاحقة على وضع الدستور، والحق أن هذا الذي سلف مخالف صراحة لما جاء بالدستور وللقواعد المستقرة في التفسير ذلك أن الإعلان الدستوري قد اندمج في الدستور ذاته، وهو نافذ بآثاره ولا يجوز إلغاء هذه الآثار، وهذا هو نص الدستور ذاته وهو موجود بحالته في دساتير سابقة، كما أن الدستور في موضع آخر حدد مدد شغل المناصب منذ بدء الولاية ومن زاوية أخرى فمن الذي يفسر النص الدستوري ويعطيه الغاية التي يبتغيها السيد المستشار سيما أن المحكمة الدستورية العليا لا تختص إلا بمراقبة النص القانوني ومدى مطابقته للدستور، وهو ما لا يتحقق هنا وهب أن النص الدستوري تفسره المحكمة الدستورية العليا أليست تلك المحكمة الأخيرة قد طبقت الدستور الجديد فورًا وعدلت تشكيل المحكمة من حيث العدد فلماذا إذًا لم تقل بأن النص المتعلق بعدد أعضاء المحكمة يسري على الأعضاء الجدد بحيث يظل العدد يتقلص إلى أن يصل إلى العدد المقرر في الدستور.
ثانيًا:- يقول سيادته إن الحكم انتهى إلى عدم شرعية الإعلان الدستوري وأن المحكمة بإعلانها هذا تكون قد قررت إبقاء النائب العام السابق شاغلًا له وأن المنصب ليس شاغرًا وإنما مشغول بالنائب العام السابق، ونحن نقول إذا كانت محكمة الاستئناف قالت بذلك فقد قالت محكمة جنح مستأنف الأزبكية العكس وأن الإعلان الدستوري شرعي وصحيح وذلك في شأن إلغائها لحكم أول درجة الذي قضى بعدم قبول الدعوى لعدم صحة تمثيل النيابة العامة، وهو حكم بات قطع في مسألة الصفة وصحة توافرها للنائب العام الحالي، وهو حكم له حجية ومعلوم أن الحكم بشأن الصفة حكم موضوعي أي لا يجوز المجادلة فيه ولماذا لم يتم الدخول على الإعلانات الدستورية السابقة ومنها الإعلان الدستوري الصادر فى 30 مارس 2011 والذي أضاف موادًا لم يستفت عليها بل عدل في ألفاظ المواد المستفتى عليها فهل عدم الشرعية بهذا المفهوم ينسحب إليها أيضًا وهل مؤدى ما تقدم أن الإعلانات الدستورية التي عدلت تشكيل المجلس العسكري هي الأخرى باطلة ومنعدمة وأنها لم تكن عامة ومجردة وماذا عن رأيه في قضاء مجلس الدولة بعدم الاختصاص بنظر الطعون على الإعلانات الدستورية بحسبانها من أعمال السيادة وهناك عديد من الأحكام في هذا الصدد.
ثالثًا:- يقول سيادته مجدداً - في ظني - "مع أن الظن لا يغني عن الحق شيئًا" إن اختصاص محكمة الاستئناف بنظر طعون رجال القضاء - مع أن القضاء أدخلت فيه الآن المرأة - هو اختصاص يتعلق بالقضاء الإداري أسند إلى محكمة الاستئناف ومحكمة النقض ومن ثم يكون القانون العام الذي تطبقه المحكمتان هو الواجب التطبيق من حيث الإجراءات وطبيعة الأحكام وهذا يميل به إلى ترجيح أن حكم الاستئناف نافذ أسوة ً بحكم القضاء الإداري كأول درجة، لا ريب أن أستاذنا يعرف أن ثمة قاعدة قانونية وفقهية تقول أنه لا اجتهاد مع صراحة النص وقد خلى نص المادة 83 من قانون السلطة القضائية من أي ذكر لمسألة النفاذ المعجل ومعلوم أن النفاذ المعجل ينبغي أن يكون وجوبيًا حين ينص عليه صراحةً في القانون في مسائل محددة أو يكون مأمورًا به في الحكم وأنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرًا مادام الطعن فيها بالاستئناف جائزًا ومسألة طلبات القضاة هو اختصاص أسند بشكل محدد لمحكمة الاستئناف كأول درجة ومحكمة النقض هي الدرجة الثانية وهو ليس كاختصاص محكمة الاستئناف التي تنظر الطعون على أحكام المحاكم الابتدائية ودليلنا على ذلك أن محكمة النقض حين يطعن أمامها تنظر المسألة موضوعًا وليس كاختصاصها المشهور كمحكمة طعن بشأن صحة تطبيق القانون أي أنها هنا محكمة موضوع والحكم المشار إليه لم يرد بقانون المرافعات أو قانون السلطة القضائية أنه من بين حالات النفاذ المعجل ولم يقل أحد بأنه نافذ بمجرد صدوره من محكمة أول درجة كما أن البداهة تقتضي أن لا ينفذ الحكم الصادر إلا بصيرورته نهائيًا، لأنه يتعلق بمسائل حساسة وهب أن محكمة ثاني درجة ألغته هل سيظل منصب النائب العام عرضة لهذا العبث، ومما يؤيد ذلك أن القضاة في حالة محاكمتهم تأديبيًا يتم وقفهم عن العمل لحين الفصل في الدعوى التأديبية نهائيًا.
رابعًا:- إن القياس بين حكم الاستئناف وحكم النقض في شأن مسألة طلبات القضاة وأحكام القضاء الإداري مخالف لقانون مجلس الدولة في المادة 104 منه، والتي جعلت إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا تفصل على درجة واحدة في طلبات رجال مجلس الدولة فكيف يتم القياس بين أمرين ليس بينهم تماثل إنه قياس على غير محل وقياس بين مختلفين ولا يكون القياس إلا بين المتشابهين.
خامسًا:- إن أستاذنا الكبير يعلم أنه في أعقاب الثورات يكون التعامل القانوني مختلف عن الأوضاع العادية وهو نفسه أعد التعديلات الدستورية على دستور 1971 الذي تم تعطيل العمل به وأعد مادة لإعداد دستور جديد مع أن التعديل يبقى القديم ولا يلغيه بإنشاء جديد، وقال لنا وقتها أن المجلس العسكري يحكم بشرعية الأمر الواقع وهو نفسه الذي قال في كتابه القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء "أن منصب النائب العام دائمًا على اتصال وثيق بالدولة وأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق وأن الثورة" 1952 " قد عزلت رجال قضاء اشتهروا بعلاقتهم بالسراي ومؤدى هذا وسيادته المؤرخ الكبير يعلم أن الوضع بعد الثورات يقتضي دائمًا أن يتم تغيير من كان على صلة بالنظام القديم وأعتقد أن الخلط الذي نعيشه مرده هو عدم التفرقة بين الوضع العادي والوضع الاستثنائي وما ينبغي لكل حالة من إجراءات مختلفة.
وفي هذا السياق نشير إلى أن مجلس القضاء الأعلى ناشد النائب العام الحالي أن يبدى رغبته في العودة للقضاء وهو ما مؤداه أن موقفه القانوني سليم، إذ كيف يُناشد من لا شرعية له والمطالبة بإبداء الرغبة حث على التفضل وهو موقف لا يمت للحكم القضائي بصلة، لأن الحكم دائمًا مرتبط بالجبر ولا جبر مع الرغبة ومطلق الإرادة المنفردة.
سادسًا:- ثمة سؤال أتمنى أن أجد له إجابة من المستشار الجليل وهو أمر لا صلة له بموضوع النائب العام، وهو أن المواد المتعلقة بالتعديلات الدستورية التي أعدتها اللجنة التي رأسها سيادته قد جاءت خلوًا من نص ينظم وضع وفاة أو عجز رئيس الجمهورية المنتخب إذا ما حدث ذلك في الفترة ما بين انتخابه وقبل وضع الدستور الجديد وهو أمر كان من الممكن تصوره وطالت الفترة ما بين الانتخاب ووضع الدستور الجديد بل أنه تخللها عدم وجود مجلس شعب ماذا كنا سنصنع ؟ سيما أن المجلس العسكري الذي حاز سلطات رئيس الجمهورية نص الإعلان الدستوري على أن هذه الاختصاصات تزول بمجرد انتخاب رئيس للجمهورية وهو أمر أعتقد أن الآراء ستحتار في حله فقد ألغى الدستور القديم ولم يأت الدستور الجديد وزال وجود المجلس العسكري بانتخاب رئيس للجمهورية .
سابعًا:- وفي النهاية يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد "إنه يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد ومبنى تلك القاعدة أنه يجب معرفة الغاية، لأن معرفتها ولو إجمالًا شرط طبيعي للإقدام على كل عمل حيث إذا كانت الغاية مبهمة نوعًا يكون الإقدام ناقصًا نوعًا وإذا كانت مجهولة بالكلية عند كل قسم من الناس أو مخالفة لرأيهم فهؤلاء ينضمون إلى المستبد فتكون فتنة شعواء".
نعم نحن حين قامت هذه الثورة لإزالة المستبد كنا نفقد الغاية وتم الخلط بين أوضاع الثورة وأوضاع الظروف العادية وما ينبغي لكل من تصرف فتنكبنا السبيل وها نحن في الـفـتـنـة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق