الاثنين، 8 أبريل 2013

شمعة في الظلام


شمعة في الظلام




أخيراً تحدث إلينا أحد المسؤولين وأفهمنا شيئا ممّا يجرى في مصر. لم ينقل إلينا كلاما سارا ولا مبهجا، لكنه على الأقل «نوّرنا»، وأتاح لنا أن نرى جانبا من الصورة، في الأجواء المعتمة الراهنة.
فقد نشرت «الأهرام» على صفحتها الأولى يوم الأربعاء الماضي 3/4 تصريحات لوكيل وزارة الكهرباء الدكتور أكثم أبو العلا، أوضح فيها أمورا عدة تهمّ الرأي العام. وكان ممّا قاله ما يلي: «ليس صحيحا أنّ هناك قرارا بفصل التيار الكهربائي عن المواطنين مرتين يوميا، المتفق عليه حاليا أن يتم تخفيف الأحمال لمدة ساعة واحدة على مستوى الجمهورية بالتناوب بين جميع المناطق دون استثاء وطبقا لمعدلات الاستهلاك وبما يحافظ على أداء شبكة الكهرباء، يجري حاليا الاستعداد لاستقبال موسم الصيف، حيث من المقرر أن تستقبل الشبكة 2600 ميجاوات إضافية بعد دخول محطات جديدة إلى الخدمة، إلى جانب توفير كميات الغاز والوقود اللازمة لتأمين احتياجات التشغيل، في إطار الاستعدادات المذكورة فإنّه جارٍ الاتفاق مع وزارة الأوقاف لترشيد استهلاك الكهرباء في 100 ألف مسجد، مع توجيه القائمين عليها إلى ضرورة مراعاة عدم تشغيل أجهزة التكييف إلاّ في أوقات الصلاة فقط».

أهمية هذا الكلام تكمن في عدة أمور، أولها أنّ مسؤولا حكوميا اعتنى بأن يخاطبنا وأن يفهمنا ماذا يجري بالضبط، وما الذي يخطط له مع دخول الصيف، وسوف تقدَّر هذه اللفتة إذا تذكرت أنّنا نلحّ منذ عدة أشهر على أهل القرار في مصر، وفي المقدمة منهم الرئيس محمد مرسي أن يقتطعوا بعضا من وقتهم لمخاطبتنا وإفهامنا لتنويرنا وتبديد جانب من الحيرة التي تتملّكنا إزاء أمور كثيرة تتعلق بالحاضر والمستقبل.


 لستُ أخفي ترددا في إطلاق هذا الكلام لأنني أخشى أن يكون قد صدر على سبيل الخطأ الذي سيتم تداركه مستقبلا. وقد راودني ذلك الخاطر حين لاحظتُ أنّ الذي تحدّث هو وكيل الوزارة وليس الوزير الذي أرجو ألاّ يكون قد التزم بسياسة الصمت التي يفضّلها الرئيس والحكومة، في حين أنّ الذي «تورّط» في الإفصاح هو وكيل الوزارة، الأمر الذي يخلي مسؤولية الوزير ويبعد عنه شبهة الاتهام بمخالفة سياسة الحكومة!

أمّا إذا أخذنا كلام الوكيل على محمل الجد، وهو ما أرجوه، فإنّني أتمنّى أن تتصرف الوزارة بمسؤولية كما يحدث في الدول المتحضرة، بحيث تطالب أجهزتها في كل محافظة بالإعلان مسبقا عن مواعيد قطع التيار الكهربائي كي يرتّب الناس أمورهم على أساسها، طالما أنّه لم يعد أمامنا خيار، ولا مفر من انقطاع التيار الكهربائي للأسباب التي نفهمها ونقدّرها، بالتالي فليس لدينا لوم نوجهه إلى وزارة الكهرباء، وإذا كان علينا أن نقدّر موقفها فعليها من جانبها أن تقدّر موقفنا كمستهلكين، فلا تفاجئنا بقطع التيار الكهربائي دون سابق إنذار، الأمر الذي يسبب للناس مآزق لا حصر لها، سواء كانوا في مكاتبهم أو معاملهم أو بيوتهم، ولا أظن أنّه سر حربي يتعيّن الاحتفاظ به وإخفاء أمره عن الناس، ولن يضيرها أن تحيطهم علما في بداية اليوم بالأوقات التي سيتم خلالها قطع التيار الكهربائي.


وإذا كان لنا أن نعرف من خلال الإنترنت حالة الطرق وما إذا كانت مفتوحة أم مغلقة، فأولى بنا أن نعرف مسبقا مواعيد الإضاءة والإظلام، إذ طالما أنّه لم يعد بمقدورنا ردّ القضاء فإنّ غاية مرادنا في الوقت الراهن أن تنشد اللطف فيه.

لا يعيبنا أن نواجه أزمة أو أكثر في ظل الأوضاع التي استجدّت بعد الثورة، فذلك يحدث عادة في ظروف التحول التاريخي الذي تنتقل الأنظار والشعوب بمقتضاها من طور إلى طور، وتواجه صعوبات جمّة في بناء النظام الجديد، لكن يعيبنا ألاّ نعرف كيف نتعامل مع الأزمة بحيث نحصر أضرارها في أضيق نطاق ممكن.


تماما كما أنّه يعيبنا أن ننكر وجود الأزمة ونتصرف على نحو طبيعي دون أن نغيّر شيئا من سلوكنا المألوف.

لذلك قدّرت كثيرا اللفتة التي سجّلها زميلنا الأستاذ صلاح منتصر في عموده بجريدة الأهرام الصادرة في اليوم ذاته، التي أورد فيها قائمة من النصائح التي يتعيّن الأخذ بها في السلوكيات والعادات اليومية لتوفير استهلاك الكهرباء. ونبّهنا إلى أنّها موجودة على الإنترنت لمن يريد أن يتعرف عليها بشكل أكثر تفصيلا.

 وهو دور ينبغي أن تؤديه وسائل التوعية والإعلام على نطاق أوسع. إلاّ أنّ بعضها فيما يبدو ليس معنياً بالتكيُّف مع الأزمة وتخفيف وطأتها، وإنّما هو معني أكثر بتعميق الأزمة ومفاقمتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق