هل شربوا «حاجة صفرا»؟!
هل يعقل أن نتهم حركة حماس بالضلوع والمسؤولية عن أغلب الشرور التي حلت بمصر خلال العامين الأخيرين، من مذبحة الجنود في رفح إلى انقطاع التيار الكهربائى في بر مصر، ثم يأتي بعد ذلك أهم قادة حماس إلى القاهرة ولا يسألهم أحد عن حقيقة ما نسب إليهم؟
لقد اجتمع في القاهرة طوال الأسبوع الماضى أكثر من خمسين قياديا من حماس هم أعضاء مجلس شورى الحركة لانتخاب رئيس المكتب السياسي. وقدم هؤلاء من غزة وغيرها من الأقطار التي توزعوا عليها بعدما كتب عليهم أن يغادروا سوريا.
وخلال وجودهم بالقاهرة وقع حادث قطع الكابل البحري للإنترنت تحت مياه المتوسط، وفي استعراض الأطراف الفاعلة استعرض أحد زملائنا الاحتمالات المختلفة، وأشار في ختام تعليقه إلى «ما ذكرته بعض التقارير الصحفية بخصوص مسؤولية حماس عن ذلك التخريب، تواصلا مع الاتهامات العديدة التي تواجهها الحركة في مصر أخيرا، كرد على عمليات الجيش المصري في هدم الأنفاق وغزة» وهو ما اعتبره زميلنا ذريعة أشد سخافة وأقل إقناعا من كل ما سمعناه حول ذلك الحدث الجلل.
في نفس الأسبوع صدرت إحدى الأسبوعيات بعنوان على صفحتها الأولى تحدث عن: «وقاحة حماس». وذكرت بعض الصحف أن بعض قادة حماس الموجودين في القاهرة طلبوا لقاء بعض قادة أسلحة الجيش الذين رفضوا استقبالهم؛ «لأنهم لا يريدون مصافحة من تلطخت أيديهم بدماء المصريين».
في إشارة إلى اتهام حماس بقتل الـ16 جنديا وضابطا في أثناء إفطارهم في شهر رمضان الماضي، وهي الجريمة التي لم يكشف النقاب عن فاعليها حتى الآن، في حين أشارت أغلب التقارير إلى أن حماس هي المتهم فيها. وأن التدبير كله تم في غزة، وذهب أحد رؤساء التحرير إلى حد اتهام ثلاثة من قيادات الحركة بترتيب العملية؛ بدعوى الرد على قيام الجيش المصري بردم أو هدم الانفاق التي تصل بين سيناء والقطاع.
هذه ليست ادعاءات متفرقة، ولكنها فقرات من خطاب متصل استهدف شيطنة حماس، وتقديم أعضائها باعتبارهم مخربين لا يريدون خيرا لمصر، وخصومتهم لها لا تقل عن خصومتهم للإسرائيليين، وهم لا يسعون إلى تخريبها فحسب ولكنهم طامعون فيها أيضا، ويتطلعون إلى التمدد والاستيطان في سيناء لإقامة إمارة إسلامية مقرها القطاع.
الأنفاق تشكل أحد محاور الشيطنة، فهي في الخطاب الإعلامي المصري شر مطلق وتهديد لأمن مصر؛ لأنها باب لتسريب السلاح والمخربين، إضافة إلى تهريب المخدرات. لذلك فإن ما يسمون «الخبراء الاستراتيجيون» لا يملون من التحذير من خطرها، والدعوة إلى تدميرها بمختلف الوسائل.
إلى جانب هذه المحاور، فوسائل الإعلام تنشر بين الحين والآخر أخبارا متناثرة تتعلق بضبط فلسطينيين تسربوا من الأنفاق لتنفيذ عمليات التخريب في أنحاء مصر، إضافة إلى ادعاءات أخرى تتحدث عن اشتراكهم في قتل المتظاهرين في أثناء الثورة. وحين تكررت حالات انقطاع التيار الكهربائى، أشيع أن السبب في ذلك أن مصر تقتسم السولار مع غزة؛ الأمر الذي أدى إلى إضعاف محطات توليد الكهرباء، وتسبب في انقطاع التيار.
إن أي عاقل فى البلد لابد أن يخطر على باله السؤال التالي:
إذا كانت حماس ضالعة في كل تلك الجرائم، وإذا كان قادتها قد جاؤوا بأرجلهم إلى القاهرة، أما كان ينبغى أن يواجهوا بكل ما نسب إليهم وأخذ أقوالهم في كل تهمة، خصوصا أن لقاءاتهم واتصالاتهم ظلت مفتوحة طوال الوقت مع جهاز المخابرات العامة، الذي لا يشك أحد أنه معني بكل ما يتعلق بأمن مصر واستقرارها.
أما أن يأتي أولئك القادة إلى مصر ويعقدون فيها اجتماعاتهم، ويتواصلون مع المخابرات العامة، ثم يغادرونها في نهاية الأسبوع معززين مكرمين، فذلك يعد أمرا غريبا لا يفسر إلا بأحد احتمالات ثلاثة: إما أنهم بحثوا في مصر القضايا الكبرى المتعلقة بمصير المنطقة بعد سقوط النظام السوري ومصير جنوب وشرق آسيا في حالة ما إذا نشبت الحرب بين الكوريتين، أو أن تلك التهم كلها كانت مجرد أكاذيب وافتراءات ودسائس إعلامية لا أصل لها، وبالتالي فإنها لا تطرح في أي بحث جاد. الاحتمال الثالث أن يكون قادة حماس «الأشرار» قد خدروا جميع المسؤولين المصريين وورطوهم في شرب «حاجة صفرا» غيبت عقولهم، وبعد ذلك غافلوهم وتسللوا بليل خارج البلاد، لكي يفلتوا من المساءلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق