الجمعة، 12 أبريل 2013

كهف هيكل

كهف هيكل
فراج إسماعيل


أعلن محمد حسنين هيكل الاستئذان والانصراف منذ سنوات في تظاهرة غريبة على الإعلام لكنها عادية جدًا مع رجل اعتاد العيش داخل الأضواء وأراد العودة إليها ولو بتمثيلية سخيفة.
لم يكن انسحابًا بل محاولة ناجحة لإعادة تقديم نفسه منتقلًا من الكتابة إلى الفضائيات عبر قناة الجزيرة التي فوجئت به يخصص برنامجه الأسبوعي للحديث عن الماضي، فلا جديد عنده مرتبط بالحاضر.
ظهر كأنه قادم من نومة طويلة داخل الكهف. حوارات جرت بينه مع زعماء ماتوا منذ زمن وليس بإمكانهم تأكيد ذلك أو نفيه.
لم تنتبه "الجزيرة" إلى أن هيكل يعيش حياة الكهف منذ رحيل جمال عبد الناصر عندما كان الصحفي الأوحد في مصر، لسان حال الزعيم الراحل، وناقل الأسرار التي ينتظرها قراء الأهرام أسبوعيًا في مقاله الشهير "بصراحة".
جميع حلقاته لم تأت بجديد.. عبارة عن كتاب تاريخ غير موثق. ولم تكن الحوارات التي أجريت معه لوصف الحاضر في محاولة من القناة لانتزاعه من كهفه أفضل حظًا.
كبار السن يعرفون تاريخه ولا يمكن الكذب عليهم وتضليلهم.
في عهده الذهبي منع أكبر الصحفيين من الحصول على المعلومات التي أتيحت له بسلطان الحاكم تمييزًا له، مع أنه كان عهدًا زاخرًا بالأسماء المعروفة مثل الأستاذين الكبيرين علي ومصطفى أمين وأحمد أبو الفتح وموسى صبري وأحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وأنيس منصور وجلال الدين الحمامصي..
كان التلميذ الذي عض جميل أستاذيه علي ومصطفى أمين ولم يرع أنهما منحاه الفرصة ليصبح صحفيًا، فساهم في إدخال مصطفى السجن وإبعاد شقيقه الأكبر "علي" عن وطنه حتى عفا عنهما السادات في 27 يناير1974، وبعد ذلك بثلاثة أيام خرج محمد حسنين هيكل من الأهرام ليخلفه علي أمين وتولى مصطفى رئاسة تحرير أخبار اليوم.
نجح هيكل في ذلك الوقت في تهريب وثائق ومستندات هامة حصل عليها من علاقته الوثيقة بعبد الناصر إلى الخارج مع أنها ملكية الدولة، ليستغلها في كتبه بعد ذلك ومن ضمنها رسالة إلى عبد الناصر أجبر مصطفى أمين على كتابتها في سجنه تحت تعذيب زبانية صلاح نصر، يعترف فيها بعمالته لأمريكا طالبًا العفو.
نشر هيكل تلك الرسالة المكونة من 60 صفحة في عام 1984 في كتابه "بين الصحافة والسياسة" الذي تناول قضية الأستاذ مصطفى أمين، واتهمه بتهريب الأموال للخارج عبر أصدقائه في المخابرات الأمريكية، واتهم توأمه علي أمين بالعمالة للمخابرات البريطانية والسعودية، وأن السعوديين كانوا يصرفون عليه أثناء حياته بأوروبا.
علي ومصطفى أمين كشفا في كتبهما وكتاباتهما وخصوصًا العمود الشهير "فكرة" كيف اخترع هيكل حكاية العمالة وحرض عبد الناصر عليهما ليتخلص منهما..
في إحدى رسائل مصطفى أمين من السجن إلى توأمه علي الذي كان يتنقل بين لندن وبيروت يقول "إنني لا أزال أعتقد بأن هيكل إذا أراد أن يتم الإفراج عني لتم ذلك من اليوم الأول. إنني عرفت الرئيس عبد الناصر عن قرب، وعملت معه يوميًا لمدة 13 سنة، وأعرف جيدًا أن كل كلمة في ساعة رضا، ممكن أن تفتح أبواب السجن في 5 دقائق. إنني انتهزت إحدى فرص رضاه وطلبت منه الإفراج عن محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية الوفدي المحكوم عليه بالسجن المؤبد، فأفرج عنه في اليوم التالي، وفعلت نفس الشيء بشأن فؤاد سراج الدين، وفعلته عشرات المرات بشأن مسجونين آخرين، ولا يمكن أن يكون عبد الناصر تغير عما عرفته ولا يمكن أن تكون صلة هيكل به أقل مما كانت صلتي بالرئيس عبد الناصر".
عندما كان هيكل الصحفي الأوحد لم يكتب كلمة واحدة تنتقد تشكيل محكمة عسكرية برئاسة الفريق الدجوي لمحاكمة مصطفى أمين وحرمانه من المحاكمة أمام الجنايات العادية، ولم يتعرض لقانون صدر خصيصى للتنكيل بالكاتب الكبير يمنع الطعن في إجراءات التحقيق حتى يُحرم من إثبات التلفيق والإجرام الذي ارتكب معه، ولم ينبس ببنت شفة عن الأمر الذي صدر بطي التحقيق في قضايا التعذيب حتى لا يظهر أن مصطفى أمين تعرض للتعذيب أثناء التحقيق معه، سيما أن آخرين شهدوا أمام النائب العام بأنهم رأوه يتعذب أمامهم.
المضحك أنه كلما كان الكاتب اللبناني الراحل سعيد فريحة يوسط هيكل لتحسين معاملة مصطفى أمين في السجن كما يقول في رسالته لتوأمه، يفاجأ بالمعاملة تشتد وتصبح أقسى وأعنف وأغلظ، لدرجة أنه توسل إلى توأمه ألا يطلبوا له أي شيء عن طريق هيكل لأن الذي يحدث العكس تمامًا.
هيكل الذي يطل من كهفه هذه الأيام من خلال إحدى القنوات الخاصة المتحاملة على الرئيس مرسي، يتهم الأخير بأنه جاء من كهف عاشت فيه جماعته أكثر من 70 سنة، ويحكم مصر بمفاهيم الماضي. ينسى أنه نفسه يعيش في الكهف، وإذا كان مغرمًا بالكتابة عن التاريخ فهناك الكثير الذي يفضح زمانه ويكشف عكس ما يحاول إثباته حاليًا.
المدافع عن الديمقراطية في حوارات لميس الحديدي هو من أودى بزملائه إلى السجون ليعذبهم صلاح نصر وحمزة البسيوني مستغلًا قربه من عبد الناصر.

دمر رموز الصحافة.. وأولهم مصطفى أمين، ونقل عددًا كبيرًا من الصحفيين ليعملوا بائعي أحذية في شركة "باتا" عقابًا لهم، ولم يكتف بذلك بل راح يستغل الوثائق الأمنية المفبركة التي حصل عليها من نظام عبد الناصر وهربها إلى الخارج في عهد السادات، ليزيد من تشويه أستاذ الصحافة المصرية الحقيقي، وقد فعل الشيء نفسه في ثأره من السادات بعد رحيله في كتاب "خريف الغضب".
farrag.ismail@yahoo.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق