بؤرالثورة المضادة
محمد يوسف عدس
بلغ الاستقطاب السياسي أقصى مداه، ويبدو لي أن المسألة أصبحت من الوضوح المستفز بحيث يصبح السكوت عليها ضرب من العبث المقيت..
فهناك كتلة مضادة للثورة، وضد ما تحقق ويتحقق لها من إنجازات؛ تتألّف من مجموعة من الشخصيات والقوى السياسية، ومن أصحاب المصالح الفلولية، ومن بعض الشراذم التي شاركت في صناعة الثورة ثم انحرفت عنها، وقد تم تمزيقها وامتصاصها من جانب بعض القوى والأيديولوجيات المضادة للنزعة الإسلامية.
هذه الكتلة لا تستمد قوتها من أفكارها ولا من حبها لمصر أو للثورة أو المصالح العليا للشعب المصري كما تزعم؛ فهي لا تملك فكرًا إيجابيًا؛ بل هي خليط من أفكار متناقضة وأيديولوجيات متنافرة، كما أن مواقفها وسلوكياتها لا تعبر عن أي نوع من الحب الذي تدّعيه، فالكراهية هي الدافع الأساسي والجوهري الذي يوحِّدُ بين أطرافها..
وهو الخيط الذي يجمعها في عقد واحد فإذا انقطع حبل الكراهية انفرط العقد، ولذهب كل فريق إلى قوقعته الأصلية..
من نافلة الكلام أن أعيد ما سبق أن قلته من قبل:
عن جبهة الإنقاذ من حيث أنها لا تهيمن على الأحداث في الشارع كما تدّعي.. هي فقط مستفيدة ومواكبة بتصريحاتها لأعمال العنف ومحرضة عليه..
أما الذي يملك هذا فهم الذين ينفقون المال ويخططون للسيطرة على عصابات من البلطجية وأطفال الشوارع، وسكان العشوائيات، لإثارة الاضطراب والفوضى والعنف والحرق..
وبهذا تعتبر جبهة الإنقاذ جزءًا من الثورة المضادة.. ولكنها وحدها لا تساوى شيئًا، ولا تملك حتى الثقة بنفسها
إنهم يزعمون أن الإخوان المسلمين فقدوا شعبيتهم ولن ينتخبهم الشعب مرة أخرى.. حسنٌ.. أليست هذه فرصتكم المواتية لكي تهزموهم في الانتخابات وتتسلموا السلطة..؟
فلماذا تحاربون الانتخابات وكل ما يؤدِّى إليها..؟
لماذا تعوِّلون على االعنف وتستحثون الجيش للانقلاب على السلطة المتنتخبة..؟!
لماذا ترفضون الطريق الديمقراطي لتثبتوا للعالم أن الشعب يريدكم ولا يريد خصومكم...؟!
سؤال بسيط جدًّا ولكن لن تجد له إجابة عندهم..!
والحقيقة السافرة أن جبهة الإنقاذ وما يدور في فلكها يائسون من الديمقراطية يائسون من الانتخابات، ولن يعترفوا بنزاهتها حتى لو نزلت الملائكة من السماء لتشرف عليها، فسيقولون لك: لقد تأخونت الملائكة..!
لا تستند جبهة الإنقاذ في موقفها المعاند والمخرِّب، على شيء إيجابي قط، وإنما على كل إفرازات الفساد التي رسّخها نظام مبارك.. وتعوّل على ثلاثة بؤر فساد بصفة خاصة: الإعلام والقضاء والشرطة..
وليس معنى كلامي أن كل من في هذه المؤسسات الثلاثة فاسد.. فأنا أعلم على وجه اليقين أن في هذه المؤسسات أناسًا شرفاءً أمناءً وطنيين يخشون الله ويحبون بلادهم.. ومستعدون للتضحية في سبيلها.
ولكن هذا لا يمنع من وجود أعداد كبيرة من القيادات والرؤوس شاركت وتواطأت وتربّحت من النظام السابق.. وتقاتل الآن بشراسة للحفاظ على مواقعها في السلطة؛ حتى لا تفقد الامتيازات التي تحصَّلت عليها، وحتى لا تنكشف جرائمها فتقع تحت طائلة القانون، وتحلُّ عليها لعنة المجتمع وسخطه.. وهي ترى في النظام القائم عدوّها الأول.. لذلك تعمل بكل قوتها للقضاء عليه وتشارك في حصاره وتكبيله بالمشكلات والعقبات حتى يفشل ويسقط، ولا يهمها مثقال خردلة مصلحة هذا الشعب ولا حتى حياته ومصيره..
فيما يتعلق بالإعلام: كتبت الكثير في هذا المجال، ولكني أضيف هنا بعض شواهد بالغة الغرابة؛ مقال لفهمي هويدي بعنوانمهنة في خطر (وهو يقصد الصحافة المصرية)، يحكي فيه عن لجوء بعض الشباب من الصحفيين الجُدُدْ يشكون إليه من رؤساء التحرير الذين يتحكمون فيهم ويفرضون عليهم تسييس الأخبار وتلوينها، بحيث تعبئ القارئ لصالح اتجاه وتحرضه ضد اتجاه آخر.. ويضربون على هذا أمثلة.. يقولون:
"التركيز على أن الإخوان معتدون وأن الآخرين ضحايا
ــ تصوير اللافتات التى تندد بالرئيس مرسي وتتحدث عن حكم المرشد
ــ التأكيد على عدم شرعية الرئيس وبطلان تعيين النائب العام
ــ الإشارة المستمرة إلى بطلان الجمعية التأسيسية، والتركيز على أن الدستور وضعه فصيل واحد
ــ المبالغة في نطاق مظاهرات الأقاليم وفي تقدير أعداد المشاركين فيها
ــ التركيز على استحواذ الإخوان على السلطة وتغلغلهم في مفاصل الدولة
ــ اضطهاد الإخوان للأقباط وعداؤهم للمرأة
ــ الإلحاح على وجود أزمة بين الرئاسة والجيش والمطالبة بنزول الجيش إلى الشوارع وتوليه للسلطة ــ وجود أزمة بين الإخوان والسلفيين
ــ اتهام حماس بالتآمر على مصر والإعداد لتخريب المنشآت العامة فيها
ــ الإلحاح على أن الأنفاق تمثل خطرًا على مصر ومصدرًا لتهريب السلاح إليها
ــ الإصرار على أن حماس هى المسئولة عن قتل الـ16 ضابطًا وجنديًا مصرياً في رفح
ــ تلميع قيادات جبهة الإنقاذ ومقاطعة قيادات الإخوان ــ إلى غير ذلك من الإشارات..."
من ملاحظاتي الخاصة: عنوان خبر مثير يقول:
"أربعة آلاف توكيل من سكان المقطم تطالب برحيل مكتب الإرشاد" تظن من عنوان الخبر أن القيامة قامت على المركز العام للإخوان المسلمين، ولكن هذه المرة ليس من عصابات مستأجرة لإحراقه أو الاعتداء على حراسه والمدافعين عنه، كما حدث من قبل، ولكن من سكان المقطم وجيران المركز الكارهين لوجوده.. لأنه يؤذيهم .. ولكنك إذا بحثت الأمر، ستجد فيه كثيرًا من التهويل وعدم الإنصاف والتغطية على الحقيقة: كنت أفهم أن يوضح صاحب الخبر للقراء أن العيب ليس في وجود المركز العام الذي لم يتسبب في إيذاء أحد، ولكن في العصابات التي جاءت إليه من أماكن بعيدة لتخريبه وتسوئ سمعته وتخريب العلاقة بينه وبين جيرانه..
نعم من حق الجيران أن يشكوا لوقوع الشغب والعنف من حولهم، وأن يطلبوا من الشرطة حمايتهم وتكثيف قواتها في المكان لردع المعتدين القادمين من خارج المنطقة.. ولكن ليس من حق أحد أن يهدد بتصعيد العنف ضد الضحية المُعْتَدَى عليه.. فهذا إن لم يكن من العدالة القانونية فهو من صميم الفطرة والمروءة الإنسانية ..
ملحوظة أخرى على الخبر أن صاحبه سأل عددًا من الأشخاص أخفى هويَّتهم، ولكن انحيازه انكشف لى شخصيًا لخطأ بسيط: فقد ذكر أسماء بعض المسئولين عن جمع التوقيعات للمطالبة بنقل المركز من المقطم وأشهر الموقعين..
ومن الواضح أنهم أعداء وخصوم سياسيين وأيديولوجيين للإخوان المسلمين: من أبرزهم الشاعر زين العابدين فؤاد؛ فهو من الماركسيين القلائل المتحمسين لمذهبه.. وطبعًا لا يكِنُّ أي تعاطف تجاه الإسلام أو الإخوان المسلمين.. لقد كان زين العابدين للأسف أحد تلاميذي في مدرسة طوخ الثانوية الذين عنيت بهم وشجعتهم على ارتياد المكتبة المدرسية وعلمتهم مهارات القراءة والاستيعاب والتلخيص والتحدّث عما يقرأون..
والمهم هنا أن اختيارات صانع الخبر والذين يدفعون بالقضية ضد الإخوان المسلمين ليسوا مجرد جيران في المقطم، وإنما هم خصوم سياسيون وأيديولوجيون.. ولكنك سوف تجد تعتيمًا إعلاميًا على هذا الجانب في كل خبر أو قضية تمس الإخوان المسلمين؛ لتأكيد الشائعة القائلة بأن الشعب ضدهم وليس خصومهم السياسيون فقط...
أما مايتعلق بالقضاء: فقد كتبت كثيرًا عن مسلسل الأحكام القضائية العدائية المستفزة، والحرب الخفية والسافرة ضد الرئيس محمد مرسي وضد الديمقراطية التي جاءت به إلى الرئاسة، وجاءت بحزبه إلى البرلمان..
من التجليات الحديثة لهذا العداء المستفز: إبطال قرار الرئيس بتسليم قذاف الدم إلى ليبيا لمحاكمته استجابة لطلبها.
ورفْض المستشار حسونة توفيق نائب رئيس مجلس الدولة وقف برنامج باسم يوسف، الذى تخصص في السخرية بالشريعة الإسلامية وبرئيس الدولة، وهو نفس المستشار الشامخ الذي أصدر من قبل حكمًا بوقف قناة الحافظ الدينية، وقال في حيثيات حكمه المطوّلة إن القناة تنشر الرذيلة...! تصوّر: قناة الحافظ تنشر الرذيلة، و الأراجوز العفن ينشر الفضيلة...!
ويدخل المجلس الأعلى للقضاء في اللعبة السياسية ضد الرئيس، الذي أقال النائب العام السابق عبد المجيد محمود استجابة لمطالب جماهير الأمة وجاء بنائب عام محترم هو طلعت عبد الله، ولكن المجلس الشامخ يدعوه إلى التخلي عن مكانه لصالح عودة المخلوع تنفيذًا لحكم المحكمة.. وقد ورد في بيان المجلس الأعلى هذا الكلام التقليدي الذى أصبح الناس يشمئزون من سماعه: " قدسية القضاء وجلال أحكامه.."
من تجليات قدسية القضاء و جلال أحكامه:
تبرئة جميع المتهمين فى قضايا قتل الثوار وتبرئة العادلى ومبارك لانعدام الأدلة، ومنها -حديثًا- أن قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة أحمد شفيق وأصحابه فى قضية اتهامهم بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام في قطاع الطيران المدني..
ومن تجلياته احتراق دور بأكمله في محكمة تضم نيابات وسط وجنوب وغرب القاهرة وأرشيفهم، الذى يحتوي على عدد من القضايا الهامة؛ على رأسها قضية مقاومة السلطات المتهم فيها أحمد قذاف الدم، والعديد من القضايا الأخرى، وقضايا أحداث المقطم وحرق مقرات الإخوان، وقضية ساويرس ومحمد الأمين وأحمد بهجت، التي يتم التحقيق فيها حاليًا.
إن حرق ملفات محدَّدة بعينها لا يمكن أن يتم إلا بتدبير اختصاصيين ورجال من داخل المحكمة نفسها يعرفون أهمية هذه الملفات وأين توجد، والهدف من حرقها..
أما بؤر الفساد في وزارة الداخلية فحديثها يطول، و يزكم الأنوف..
وأكتفي هنا بإشارة رقيقة يؤكد فيها وزير العدل المستشار أحمد مكي أن الرئيس محمد مرسي كثيرًا ما كان يطلب من وزير الداخلية السابق اتخاذ مواقف إلا أنه كان يعتذر لعدم قدرة قواته على تنفيذ هذه المأموريات..
وهكذا نرى في النهاية أن رئيس الدولة الذي تتهمه جبهة الخراب بأنه دكتاتور، ليس له سلطان على الإعلام ولا القضاء ولا الشرطة، فإذا كانت هذه هي أجهزة الدولة التي يُفترض أن ينفِّذ بها سياسته وخططه، متمرِّدة عليه، فلك أن تتصوَّر عظم الجهد الذى يبذله هذا الرجل الفدائي، الذى يعمل بمفرده وسط عصابة مافيا منظمة.. تترصد له فى كل طريق.. تعوقه وتسعى لإفشاله.. ومع ذلك يحقق كل يوم إنجازات كبيرة .. إن مجرد بقاء هذا الرجل على قيد الحياة، وعلى رأس هذه الدولة المضطربة معجزة إلهية.. وأعتقد أن الله ما يزال يدخر لهذا البلد الطيب خيرًا على يديه، وذلك بفضل الدعاء الخفي الذي يبتهل به إلى الله أفراد وجماعات من عباد الله المخلصين والمستضعفين ...
myades34@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق