الاثنين، 8 أبريل 2013

د. سلمان العودة: "المرونة" هي مفتاح تعاملك مع الآخرين مهما كانت أنماط شخصياتهم

د. سلمان العودة:

 "المرونة" هي مفتاح تعاملك مع الآخرين مهما كانت أنماط شخصياتهم

الكاتب:  الإسلام اليوم/ الرياض 
  08 إبريل 2013


أكد الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن قيم وتعاليم الإسلام لا تتناقض مع العلاقات الإنسانية وإنما تحفزها، مشيرا إلى أنه من الخطأ النظر إلى التدين على أنه حاجز بين  الآخرين أو حتى غير المؤمنين.
وشدد  العودة في محاضرة ألقاها في مدينة جدة، على أن قيم وتعاليم الإسلام تعزز العلاقات الإنسانية سواء مع المسلم أو غير المسلم، مشيرا إلى قصة أسماء لما جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ عَلَىَّ وَهِىَ رَاغِبَةٌ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ "صِلِيهَا".
وقال: "كان المشركون بمكة يصفون النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسن الأخلاق، وهذا أمر متفق عليه من العدو والصديق"، مشيرا إلى أنه من الخطأ  النظر إلى التدين بأنه حاجز بين  الناس غير المتدينين أو حتى غير المؤمنين أصلاً، وأكد أن التدين يصنع حافزاً للتواصل مع الآخرين وخدمتهم.
وقال: "لا أجد في هذا أفضل استدلالاً من قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ولم يقل (وقولوا لأصدقائكم أو للمسلمين)، وقد روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "لو قال لي فرعون بارك الله فيك لقلت له: وبارك الله فيك"، وكما في الآية الكريمة الأخرى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
وأشار إلى أن قصة المرأة البغي من بني إسرائيل التي عطشت فنزلت في البئر وشربت ثم صعدت فوجدت كلباً يلهث يلحس الثرى من شدة العطش، وقالت: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، ثم نزلت وأخذت خفها وملأته بالماء وأمسكته بفمها وصعدت بيديها في البئر فسقت الكلب. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فشكر الله لها فغفر الله لها)، مشيرا إلى أن في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "فِى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" معنى لطيفا وهو أن الأجر يكون لمن يُحسن حتى من دون أن يستحضر نية التقرب إلى الله، تعالى، فالإنسان يؤجر في كل معروف أو إحسان يُقدِّمه لذي كبد رطبة من طير أو حيوان أو إنسان حتى من دون نية.
استحضار النية
وبين أن القربة إلى الله بالعبادات تتطلب النية حتى يؤجر العبد عليها، لكن أفعال الخير والإحسان إلى الناس لا تفتقر إلى نية، ولذلك قال الله -عز وجل-: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، مؤكدا أن العلاقة الإنسانية مع الآخرين لا يزيدها الإيمان إلا شدة وقوة لأنه أوجد حافز الأجر والمثوبة واستحضار النية والمضاعفة.
وقال: "مرة كنت في بريطانيا ونزل المطر، وكنت مسروراً أستقبل زخَّاته بفرح، لأنه لا يوجد في مجتمعاتنا إلا قليلاً، فوجدت نفسي أقول: (أُمطرنا بفضل الله ورحمته، اللهم صيِّباً نافعاً)، لأن المطر فضل من الله وخير حتى وإن كان في بلاد غير المسلمين لقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}، وما وضعها للمسلمين فقط، ولأن الخير يعم والشر يعم أيضا، وهو المعنى المتعلق بمفهوم العلاقة الإنسانية مع غير المسلم، إضافة إلى أنها إحدى أسباب تسويق الدين وفتح خط للدعوة.
وشدد على ضرورة أن يكون هذا الخُلق جبلة وطبيعة وغريزة مع مَنْ تحب ومَن لا تحب، مع القريب والبعيد، مع المسلم وغير المسلم وإن تفاوتت درجاته، فكون الإنسان يتعود على الابتسامة الصادقة حتى لمن لا يستحقها"، مشيرا إلى أن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ)، وجرير -رضي الله عنه- يقول: (مَا حَجَبَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِى إِلاَّ تَبَسَّمَ).
مفهوم المرونة
وأوضح أن الإنسان بمقدوره تهذيب شخصيته ونقلها إلى ميدان آخر شريطة التعرف على نفسه أولا،  مشيرا إلى أن علماء النفس أحصوا أكثر من عشرين نمطا للشخصية ما بين انطوائية ومنفتحة و معاندة، فضلا عن الشخصية المرنة وهي القادرة على التعامل مع كل هذه الشخصيات.
وأشار إلى أن "المرونة" هي مفتاح تعاملك مع الآخرين مهما كانت أنماط شخصياتهم، فبعض الناس مولع بإصدار الأحكام على الآخرين وهذا جيد لكن في حدود، مبينا أن المرونة تنأى بالإنسان عن التصنيف ووضع كل شخص في مربع، موضحا أن أكثر من كان مولعاً بقراءة تصرفات الآخرين ودراسة وشخصياتهم، انعكس عليه بحيث لا يشعر بالارتياح.
التعامل بلطف
وأشار د. العودة إلى أهمية أن يعود الإنسان نفسه على التعامل مع الآخرين بلطف وأن يبتسم ويهتم حتى لو كان أمامه مائة شخص، ناصحا "الأطباء"، على وجه التحديد ـ لأنهم دائماً مظنة الانشغال ـ أن يؤدوا أعمالهم بهدوء وتؤدة وعدم التوتر والانفعال، وألا يسمح لأي ظرف كان أو ضغط في مجال عمله الطبي أو في الحياة، أو في البيت، أو في عمله الدعوي، أن يحمله على التوتر أو الاستعجال أو الاختصار. وقال: "كونك تسلم ويدك في يد واحد وعينك في اللي بعده هذا ليس لائقاً، هو إلغاء للشخص الذي تصافحه وكأنك تؤدي واجباً فقط".
نسيان الخدمة
ونوه د. العودة إلى مفهوم "نسيان الخدمة"، بمعنى عدم تذكير الآخرين بالإحسان قائلا: "حاول أن تنسى شيئين؛ إحسانك إلى الناس، وإساءة الناس إليك"، مشيرا إلى أن هذا الإحسان هو من فضل الله عليك {ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء}، وطوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.
وأكد أيضا أن الدعاء للغير معنى رائع، فالطبيبة جزء من وصفتها العلاجية الدعاء لمرضاها بالشفاء، وكم للكلمة الطيبة من أثر، خاصةً حينما ينادي العبد بها ربه، لأنها تعبير عن الروح العالية والضمير النقي، والقلب الواسع والإيمان والإخلاص.
الدعاء للغير
وأشار إلى أن الدعاء لا يقل جودة وأهمية عما لو استطعت أن توفر لشخص طلب منك قيمة عملية جراحية، مشيرا إلى أن الدعاء للناس بحضورهم معنى رائع، وأروع منه{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا}، بأن يدعو الإنسان في سجوده وفي وقت حضور القلب للناس كلهم.
اسم الله الأعظم
وأشار إلى أن العلماء اختلفوا حول اسم الله الأعظم كثيراً حتى قيل إنه هو لفظ الله، وجاء في غير ما حديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ.  وإن أضاف إليها: « اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ »، لكن بعض العلماء قالوا إنه لا يختص باسم معين وإنما الاسم الأعظم هو حينما يجتمع قلب الإنسان على الدعاء، وهنا إذا دعا الإنسان بالدعاء وأضاف إليه حضور القلب، وصدق القصد، والابتهال إلى الله، والانقطاع إلى الله، والإيمان بأن كل شيء بيده، وأن مقاليد الأمور بيده، فهذا مظنة الإجابة، فكيف إذا كان الإنسان يدعو لنفسه ولوالديه.
الأثر النفسي
وأكد د. العودة الأثر النفسي الإيجابي الذي يشعر به الإنسان حال الدعاء أو العطاء والإحسان للغير، بحيث يشعر بمتعة إن كان مشغولاً، ومتعة إن كان فارغاً، ومتعة إذا مرض لأنه يرتاح من بعض الأشياء، ومتعة إذا شُفي لأنه ينشط ويتحرك، ومتعة إذا سافر لأنه يضرب في الأرض، ومتعة إذا أقام، ومتعة إذا ابتلي، ومتعة إذا عوفي؛ لأن الله ـ تعالى ـ يعوضك قدراً ضخماً وعظيماً من السعادة والراحة والرضا في الدنيا لا يُقدَّر بثمن ويزيدك أيضاً، ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى-   {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}، فضلاً عن الدعاء الذي يخصك به الآخرون في أوقات الإجابة، مع صدق قلوبهم.
الطموح والإنجاز
وقال: "الإنجاز ليس أن يفترض الإنسان صورة خيالية بعيدة عن الواقع ثم يسعى إلى ذلك سعياً منقطعاً وسرعان ما يتوقف لأنه يشعر أن التحديات أكبر من إمكانياته، وإنما الإنجاز الضخم هو أن يبدأ الخطوة الأولى مستحضراً الإمكانيات، والمقدرة والظروف ثم ينطلق فيها بخطوات ثابتة وقوية ومستمرة حتى يصل في نهاية المطاف".
وأضاف "الذين أبدعوا وحققوا ونجحوا ليسوا أذكياء أكثر من غيرهم، أو يمتلكون ميزات غير مألوفة، إلا أن أعظم ميزة عندهم هي الصبر، بحيث يستمر الإنسان دون توقف أو انقطاع، فضلا عن التواضع الذي يعني الاعتراف لله -سبحانه وتعالى- بالفضل والنعمة"، مشيرا إلى أن بعض الناس يفعل الأسباب ويعتمد عليها، والبعض الآخر قد يكفر بالأسباب، مشددا على أهمية القدرة على الوصول إلى مرحلة التوازن بين فعل السبب وبين التوكل على الله، سبحانه وتعالى، باعتبارها من أهم أسباب النجاح.


شاهد المحاضرة:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق