الاثنين، 8 أبريل 2013

لا توجد ثورة كاذبة



لا توجد ثورة كاذبة


لا توجد ثورة تقوم على كذبة.. الثورات تنطلق من حقائق ومن أجلها، ولذا فالثورة بمعنى من المعانى هى فعل أخلاقى يسعى لاستعادة قيم محترمة مطمورة تحت ركام من القبح والفساد والانحطاط.

والنخب للثورة مثل أعواد الثقاب للاشتعال، ولكى تندلع الثورة لابد أن يكون ثقابها صالحا وليس فاسدا، حقيقيا وليس مزيفا، ودون ذلك لن يحدث التفاعل اللازم لإنتاج شرارة الغضب الجمعى اللازم لإحداث التغيير المطلوب.

وهكذا كانت ثورة ٢٥ يناير قائمة على حقائق ناصعة وليس على أكاذيب مصنوعة بمهارة فائقة، ولذا نجحت فى إقناع ملايين من المصريين بالانضمام إليها والالتحاق بها وحمايتها بالأرواح والدماء.

ولم نسمع وقتها أن طلائع الثورة بددوا طاقتهم فى اختراع وتصنيع أكاذيب عن نظام مبارك، ولو فعلوا ذلك لما صدقهم أحد ولا تعاطف معهم أو أيدهم أو قرر المشاركة فى هذا الغضب النبيل.

ولذلك يبدو مدهشا هذا الإصرار من قادة خلطة الغضب الصناعى الجديد على استخدام الأكاذيب سلاحا أساسيا فى معركتهم ضد النظام، فكل يوم بكذبة جديدة سرعان ما تنكشف فيبدأ البحث عن كذبة أخرى لليوم التالى، وهكذا تمضى السفينة فى محيط هائج من الأكاذيب والاختراعات، المسبوكة ببراعة، لكنها لا تصمد لأكثر من يوم، لأنها تحمل فى بنيتها عناصر فنائها.

خذ عندك قصة بيع القناة والنيل والأهرامات لقطر وسيناء للفلسطينيين، إلى آخر هذه القائمة من منتجات مصانع الكذب الملون، على الرغم من النفى القاطع من السلطات المصرية والقطرية والفلسطينية إلا أن منتجى هذه الأكاذيب وموزعيها لا يملون من تكرارها والطنطنة بها كحقائق.

والآن نحن نعيش مع أحدث كذبة عن التنازل عن حلايب وشلاتين للسودان الشقيق، تلك الأكذوبة التى تعبر عن بلوغ صانعيها ومروجيها أبعد عمق فى قاع النصب والاحتيال، من خلال استدعاء تسجيل مصور للرئيس السودانى يرجع إلى عام ٢٠١٠ وطرحه فى سوق الإعلام السوداء باعتباره جديدا وطازجا وخارجا للتو من المصنع.. وبعدها يبدأ أوركسترا الثورة الكاذبة فى تأليف لحن الوطنية والسيادة والكرامة الوطنية التى يهدرها رئيس الجمهورية وجماعته.

وبالتوازى مع ذلك لا تعدم حاويا أو بلياتشو للثورة الجديدة يفترس أذنيك وعينيك بفقرات على جودة عالية من الحبكة والإبهار عن غضب الجيش واستعداده للانقلاب على السلطة الحاكمة، وتأهب الرئيس لالتهام وزير الدفاع، وفى الخلفية كلام كثير عن خراب الاقتصاد وموت السياحة، وصولا إلى نتيجة مبتسرة يحلم بها صانعو الحرائق وهى اندلاع ثورة الجياع.

وبمناسبة السياحة، هل يعلم بارونات إعلام الفزاعات والخرائب أن نسبة الإشغال فى فنادق شرم الشيخ الآن تتجاوز الثمانين بالمائة؟ والأمر نفسه فى فنادق الغردقة التى بلغت نسبة إشغال الفنادق بها فى الأسبوعين الماضيين 100% وحسب عاملين فى السياحة بالغردقة متوقع أن تصل نسبة الإشغال الإجمالية إلى 90% فى أوائل مايو مع أعياد القيامة للمصريين ولأوروبا الشرقية؟

لقد تحدثت مع كثيرين من أهل مهنة السياحة فى شرم الشيخ والغردقة الذين يؤكدون أن العاملين فى هذا القطاع لا يزعجهم سوى مظاهر العنف بالعاصمة والمحافظات فهى التى تصدر للخارج صورة مقلقة وتجعل السياح يحجمون عن القدوم إلى مصر.

وحسب هؤلاء فإن سوء الحالة ليس فى الأعداد بل فى إحجام الكثير من السياح عن الخروج من فنادقهم فلا يشعر الأهالى بوجودهم ولا يستفيدون من إنفاقهم.

وباختصار فالصورة ليست سوداء ولا معتمة على هذا النحو الذى يصوره الحالمون بثورة جديدة، لكنها أيضا ليست وردية تماما، فمازال الأداء الحكومى أقل كثيرا من المطلوب لإنجاز انطلاقة حقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق