إعلام جمهوريات الموز!
آيات عرابي
على الرغم من موقفي الذي تبدل تماماً بعد أن توسعت في قراءة التاريخ بعد مجزرة رابعة من أسرة محمد علي، وإدراكي حالياً لدور محمد علي وأبنائه من بعده في بناء لبنات الخراب الأولى التي تعيشها أمتنا اليوم، وأثر أفعاله على مصر وعلى دولة الخلافة، ودوره في مساعدة القوات الفرنسية لاحتلال الجزائر، إلا أنني ما زلت أتذكر بكثير من التعجب كيف كنت أصدق مثلاً أن الخديوي سعيد باع حق امتياز حفر قناة السويس لدليسبس بأطباق من المكرونة!!
وهي بعض الدعايات التي روج لها إعلام العسكر في بداية حكم المقبور عبدالناصر لترسيخ حكمه ولنسف شرعية النظام الملكي السابق.
كان من الممكن حبك القصص والإشاعات بطرق أكثر عقلانية، ولكن العسكر فضلوا إخفاء جانب المصلحة التي ربطت فرنسا بنظام محمد علي وأبنائه.
ولكن هذا كان سينبه الجمهور المستهدف إلى ذلك العنصر الخفي في العلاقات الدولية والذي يحكم سياسة حكام مصر منذ محمد علي، وقد يدفعه إلى تطبيق نفس المعيار على سياسات عصابة الضباط؛ كما أن الدعاية نفسها كانت تمثل إسقاطاً لطبيعة البيئة الحاقدة على المجتمع التي جاء منها هؤلاء الضباط الذين كانوا يستشعرون نقصاً ودونية شديدة في مواجهة الطبقة الحاكمة السابقة عليهم.
وأذكر أنني قرأت شهادة اعتماد خورشيد التي نقلت حديثاً دار بينها وبين صلاح نصر مدير مخابرات المقبور عبدالناصر حين قال لها: «كنا ديدان الأرض»!!
تلك الطبيعة الحاقدة على المجتمع عبرت عن نفسها في نوعية الدعاية التي أطلقها العسكر لتدمير سمعة نظام الملك السابق، فتركزت الدعاية على إسراف الملك في الطعام وعلى اهتمامه واهتمام أجداده بالطعام الفاخر، وهي دعاية بالإضافة إلى هدفها التدميري كانت تمثل ولا شك إسقاطاً لأحقاد وطموحات الضباط قبل أن تساعدهم المخابرات المركزية الأميركية في الإطاحة بالملك فاروق.
تداعت إلى ذهني كل تلك المعاني وأنا أقرأ ملخصاً لما تداولته الصحافة الإسبانية حول زيارة شاويش الانقلاب، وتابعت الصور الكوميدية المخزية التي نشرتها الصحف الإسبانية لقزم الانقلاب في أوضاع مضحكة، وتبدو عليه علامات الفرح الجنوني لأن ملك إسبانيا يصافحه، وذلك الأخير ينظر إليه في استغراب ساخر.
دعك من أنه بدا قصيراً مسود الوجه مضحكاً لا يصلح لتمثيل كشك لبيع الملابس المستعملة لا بلد كمصر، ودعك من آثار عملية البوتوكس والسواد الواضح الذي تركته على وجهه ومنظره البائس المضحك، وقارن هذا بالتلميحات التي حاولت صحف الانقلاب بثها في تغطيتها لزيارته، والتي حاولت ترويج أن (ملكة إسبانيا كسرت البروتوكول واستقبلت شاويش الانقلاب)!! مع أنه بإمكان أي من هؤلاء المساكين أن يجدوا على الإنترنت صوراً لملك وملكة إسبانيا أثناء استقبالهما لرئيس غينيا الاستوائية وللعشاء الذي أقاماه للرئيس السنغالي!!
صفحة ما يسمى بالشرطة المصرية روجت تلميحات مضحكة حول نظرات ملكة إسبانيا لشاويش الانقلاب، وأتساءل حقاً: ماذا قالت الصحافة (الاستوائية) عن (نظرات) ملكة إسبانيا للرئيس مباسوجو! بل، وماذا قالت الصحافة السنغالية عن مأدبة العشاء التي أقامها ملك وملكة إسبانيا للرئيس السنغالي!
ما قالته الصحف الإسبانية والذي يظل محظوراً نقله في مصر، هو أن الديكتاتور الذي قتل الآلاف بعد الانقلاب على أول رئيس منتخب ديمقراطياً ذهب إلى إسبانيا للبحث عن شرعية، وألمحت إلى أن الزيارة تمت بضوء أخضر من أميركا، فقالت إن الزيارة جاءت بعد أن تم فك الحظر على السلاح الأميركي على الانقلاب.
التغطية الصبيانية الخارجة من مكتب عباس تحمل عوامل نقص لا شك فيها وتخاطب جمهوراً من المساكين، يمكنه أن يخرج من شرنقة إعلام العسكر الساقط ببحث بسيط على الإنترنت.
الحقيقة أن هذه الجرعات من التغطية الساقطة تضع الإعلام في مصر في سباق مع إعلام الأكشاك الديكتاتورية مثل غينيا الاستوائية وغيرها من جمهوريات الموز.
•  @ayaa00
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق