الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

وهكذا انتصرت ثورة الغلابة

وهكذا انتصرت ثورة الغلابة


حسام الغمري

كنت أتابع معركة الجمل عبر شاشات قناة الجزيرة بصحبة أخي الأصغر لظروف وجودنا خارج القاهرة، وهو الذي لا يعمل بالسياسة أو الإعلام، ورغم ذلك قال لي: "دي أول معركة بين إرادة المصريين الحقيقية وإرادة الصهاينة في القرن الجديد".
وجدته حينها بعفوية أصاب كبد الحقيقة، فموقعة الجمل لم تكن فقط بين أولئك الذين أرادوا استمرار نظام مبارك، الكنز الاستراتيجي، وبين مَن أرادوا لمصر الحرية، ولم تكُن بين أولئك الذين باتوا على استعداد لسحق بني جلدتهم من أجل بضعة جنيهات، ولكنها كانت بين من صمَّم لمصر هذا المصير، كي تهنأ إسرائيل بحدود جنوبية لا أقول هادئة؛ بل أقول متعاونة لأبعد مدى، وبين مَن أرادوا تحرير مصر من هذا المخطط الملعون.
كانت مشاعرنا بالطبع تدعم هؤلاء الشباب الذين ضحوا بدمائهم من أجل الكرامة، وتلعن أولئك المغيبين الذين شوَّهوا صورة ثورتنا الجميلة بالجِمال والجياد في صراع جعلوه أشبه بذلك الذي كان يحدث في العصور الوسطى.
ولكن يبقى السؤال الأهم: إن كان الفقر والجهل هما ما دفع هؤلاء للهجوم على الميدان بهذه الصورة المقززة، فما الذي يحمله المستقبل لهذا البلد وقد ارتفع حاجز الفقر ليشمل 28% من المصريين وفق إحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومرت الشهور واستطاع السيسي وحزبه بخبث ودهاء تحويل المعركة المصرية المصيرية من معركة الحرية والكرامة إلى معركة ضد قوى الشر الوهمية، متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين ومحبيها، وأيضاً كل المدافعين استحقاقات ثورة يناير/كانون الثاني، المدركين لبشاعة وفظاعات الحكم العسكري.
ثم حدث انقسام داخل الانقسام؛ حيث ظل جزء من الرافضين لانقلاب 3 يوليو/تموز متمسكين بعودة الرئيس محمد مرسي، وقسم آخر يرى حتمية توحيد الشعب خلف مبادئ وشعارات ثورة يناير حتى إسقاط النظام العسكري، ثم يُترك الأمر للشعب؛ ليقرر ما سيكون بعد ذلك.
وانتقل التلاوم والتلاسن بين أنصار كل رأي، وصولاً إلى التخوين والاتهام بالعمالة.
ثم حدثت المفاجأة وصدمنا جميعاً بانقسام آخر يضرب جماعة الإخوان ويشطرها إلى نصفين؛ نصف متهم بالراديكالية التعايشية مع الأنظمة، وآخر متهم بالإفراط في الثورة، وكأن السيسي ينتظر هدية من الفصيل الأشد تضرراً منه وتألماً من ممارساته بأن ينقسم ضعفاً على نفسه ويتصارع مكتبياً وإدارياً!
كما تم فصل أسماء كبيرة عرفنا بها ومنها ومن خلالها روعة ونقاء جماعة الإخوان.
وفي ظل هذا الأفق المنغلق، أُريد لدعوة ثورة الغلابة أن تنتشر ليسمع بها جميع أهل مصر المحروسة، بعض الشكوك صاحبت هذه الدعوة بسبب قيام إعلام النظام بالترويج المستمر لها، وكانت الفرضية الرائجة أن السيسي يحاول تضخيم هذه الدعوات حتى يمرر قراراته الاقتصادية التي ستسحق الغلابة، وهو ما حدث بالفعل، ولم يتداعَ الشعب تلقائياً كما حدث في يناير 77، وهو السيناريو الذي يخشى منه النظام؛ لأن الجميع بات ينتظر "11 - 11"، وهكذا يتم امتصاص الصدمة.
انتصرت ثورة الغلابة؛ لأنها رفعت الشعار الذي استطاع توحيد قوى الشعب الثائر، واستطاعت تخطّي الجدلية الأزلية حول عودة الدكتور مرسي.
نجحت لأن كل القوى والتيارات السياسية أصدرت بيانات بها تعاطف، إما صريحاً، أو ضمنياً مع السحق الذي يتعرض له الغلابة في ظل اختطاف السيسي وزمرته لمقعد القيادة في مصر.
انتصرت؛ لأنها طالبت بتخفيض الأسعار التي بات يكتوي من لهيبها معظم من يعيش في ربوع المحروسة.
انتصرت؛ لأنها تطالب بمضاعفة الحد الأدنى للأجور إنصافاً لملايين المصريين الذي صدقوا الحكومة وانتموا إليها فتركتهم، إما لفساد مهين أو فقر مدقع، كما طالبت بربط الزيادة السنوية للمرتبات بالتضخم وارتفاع الأسعار في إسقاط واضح للقانون المسيء الذي سمَّاه السيسي قانون الخدمة المدنية.
انتصرت ثورة الغلابة؛ لأنها تطالب بالمساواة بين أجور العسكريين والمدنيين الذين يعملون في الدولة.
انتصرت؛ لأنها تطالب برفع مخصصات الصحة والتعليم في الموازنة العامة وفقاً لما حدده الدستور كحد أدنى، بدلاً من إهدار أموال المصريين في صفقات مشبوهة مثل الرافال والمستيرال.
انتصرت؛ لأنها تطالب بتوفير إعانة بطالة لمدة عامين لا تقل عن نصف الحد الأدنى للأجور لكل مصري فشل النظام العسكري في خلق الوظائف المناسبة لاستيعابه وتمكينه من استكمال دورة حياته بصورة طبيعية مُرضية.
انتصرت؛ لأنها تطالب بفتح المصانع المغلقة، والخاسرة، والأهم أنها تطالب الجيش بالخروج من الأنشطة التجارية والاقتصادية والتفرغ لدوره الأسمى في حماية الحدود وتصنيع الأسلحة وتصديرها للأشقاء.
انتصرت؛ لأنها تطالب بتقديم كشف حساب للشعب عن المعونات الخليجية وأين ذهبت؟ ومحاسبة المسؤولين عن اختفائها!!
انتصرت؛ لأنها تطالب بوقف التنازل عن ثروات مصر وأراضيها ومحاسبة من فرطوا فيها.
انتصرت؛ لأنها تطالب بوقف الإنفاق على المشاريع الوهمية، المشاريع التي كان الهدف منها فقط منح شرعية الإنجاز الوهمية للسيسي، ومحاسبة المسؤولين عنها وإعادة ما أنفق عليها للشعب.
انتصرت؛ لأنها تطالب بتنفيذ الحد الأقصى للأجور في الدولة وإلزام جميع القطاعات به.
وقبل كل ذلك وبعده، القصاص لجميع شهداء الثورة منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى موعد إسقاطها لهذا النظام الخائن.
مَن في مصر كلها شرقها وغربها، مِن مطروحها أو سينائها، من صعيدها أو رشيدها يمكن أن يختلف مع هذه المطالب اللهم إلا المنتفعون مُكدسو الثروات زبانية هذا النظام مصّاصو دماء الغلابة الفقراء.
من يجرؤ أن يعترض ولو على مطلب واحد من هذه المطالب التي من شأنها حال تحقيقها إعادة توزيع الثروات والدخول مما يحتم إحداث انتعاشة فورية في الاقتصاد، وتحفيز أصحاب الصناعات البسيطة والمتوسطة لإشباع شرائح الدخول الجديدة المتولدة، مما يساهم بشكل جدي ومباشر في خلق وظائف جديدة.
من ينكر حجم معاناة الغلابة طوال ستة عقود ذاقوا فيها الويلات بسبب حكم عسكري ظالم أعاد إلى الأذهان ذكريات نهايات عهد المماليك، أما آن الأوان أن يشارك الغلابة مباشرة وعبر ممثلين حقيقيين في تقرير مصيرهم.
إن عدم النزول يوم 11 - 11 يعني منح السيسي تفويضاً جديداً لسحق المواطن المصري لصالح شريحة تمتص ثروات البلاد لترسو في النهاية أرصدة مخبأة في البنوك الأوروبية.
قد لا يحسم الأمر يوم الجمعة المقبل، ولكنه دون شك سيكون من الأيام الفارقة في طريق الحرية التي تنتزع ولا تمنح، ويبذل في سبيلها الدماء، ولا يقعد دونها سوى العبيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق