الأذان..والكيان..والإخوان!
د.أحمد بن راشد بن سعيد
لا ينبغي النظر إلى مشروع القانون القاضي بمنع الأذان في القدس ومناطق فلسطين 1948 بمعزل عن سياسة التهويد التي ينتهجها الكيان الصهيوني، وبالطبع لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق الإقليمي الذي يطلق يد الكيان ويشجّع عدوانه.
والأذان ليس مجرد دعوة إلى الصلاة، بل هو شعيرة إسلامية ذات رمزية عظيمة، وهو جزء من هُويّة المسلم، إذ إن وجود مسجد في أرضٍ ما يرتفع فيه صوت الأذان خمس مرات في اليوم والليلة، يُشعر المسلم بانتمائه العميق إلى تلك الأرض.
وخلال مجازر البوسنة في التسعينيات، كانت العصابات الصربية تبدأ بهدم المساجد في كل بلدة تقتحمها، وقد صرّح أحد أفرادها: «نبدأ أولاً بتدمير المسجد، فالمسلم يبادر بالرحيل من قريته إذا دمّرنا مسجدها».
ينظر المسلم إلى المسجد بوصفه رمزاً لوجوده في مكان ما وعلاقته مع هذا المكان، حتى ولو كان لا يختلف إليه كثيراً، ولكنه يرى في منارته وقبّته ومحرابه وأذانه تجسيداً لذاته وهُويّته.
تقول إسرائيل إنها منزعجة ممّا تسمّيه «الضجيج» الذي يسبّبه الأذان. وتلخّص نائبة الكنيست، أنستاسيا ميخائيلي، هذا الانزعاج بقولها: «أستصعب فهم..(الوقاحة)..التي تسمح لرجل دين مسلم، أن يوقظ مدينة بأكملها يعيش فيها المسنّون والأطفال والنساء والرجال من أجل دعوة عشرة أشخاص، أو عشرين شخصاً إلى الصلاة، بصوت مزعج»، مضيفةً أنّ الحريّة الدينية يجب ألا تكون «على حساب جودة الحياة لمئات الآلاف من اليهود الذين يعانون يومياً من صوت الأذان في الفجر، فعلى رجال الدين المسلمين إيجاد طريقة أخرى لدعوة المصلين إلى الصلاة...(و) على العرب والمسلمين أن..يدركوا أنهم لا يعيشون في دولة عربية، بل في دولة متحضرة».
لا تريد إسرائيل إسكات الأذان، بقدر ما تريد إذابة الهُويّة الجمعيّة للشعب الفلسطيني، وأسرلة أرضه وهوائه. يمثّل الأذان تذكيراً مستمراً لهذا الكيان بأنّ الفلسطيني منزرع في هذه الأرض، وآلاف المآذن تدعوه إلى الفلاح.
النفخ في البوق اليهودي، وقرع الجرس المسيحي لا يمثّلان تحدّياً يُذكر، ولذا، فهما غير مزعجَيْن. وحده الأذان الذي يعلن وحدانية الله ويؤكد عظمته ويشهد لمحمد (صلّى الله عليه وسلّم) بالرسالة، ويحثّ المسلمين على العبادة، هو الذي يبعث الضجيج، ويحرم اليهود لذّة النوم، ولهذا، سُمّي القانون «قانون المؤذّن»، لا قانون الضجيج. إنه الأذان الذي يصيب الصهيوني بالدّوار، ويُشعره مرّة وثانية أنّه لص. اليهودي المتطرف، مائير كاهانا، قال، كما يذكر كتاب «آيات الله الإسرائيليون»: ينظر العرب إلى اليهود الصهاينة بوصفهم لصوصاً، وأنا أتفهّم ذلك، ولذا، لا بدّ من طرد البقية منهم عبر جسر الأردن. نتنياهو عبّر عن ضيقه بالأذان قائلاً إنّه لا بد من معالجة «الضجيج» المنبعث من المساجد، و «التحريض» الصادر منها، وهو تصريح يشي بما هو أبعد من قرار منع الأذان، وأنّه ليس سوى خطوة أخرى في سياسة الأسرلة التي تصاعدت وتيرتها مستفيدةً من الانهيار في الجوار العربي.
يعيش مليون ونصف عربي في فلسطين 1948، يحملون الجنسية الإسرائيلية، ومن المؤكّد أن يُسفر القرار عن احتجاجات في أوساطهم، الأمر الذي سيُلقي بظلال سلبيّة على علاقتهم مع الكيان المحتل. وغنيّ عن القول أنّ الكيان يستقوي في سعيه إلى منع الأذان، وبناء نحو 3000 مستوطنة جديدة، بفوز دونَلْد ترمب برئاسة الولايات المتحدة، وهو الذي وعد في حملته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووعد مستشاره، ديفيد فريدمن، بأنه سيدعم ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى الكيان.
اللافت أنّ المعلّقين السعوديين، ذوي «الضجيج» (والذين لا يهمّهم الأذان من قريب أو بعيد) ما برحوا يهلّلون بسذاجة لترمب.
وعود الرجل الإيجابية لإسرائيل، وإعلانه أن أولويّته هي محاربة داعش في سوريا وليس إسقاط الأسد (ما يعني الانضمام إلى الحلف الروسي الإيراني)- كلّ ذلك لم يثر إحباطهم، وطفقوا يصفّقون لسيّدهم الجديد الذي سيصنّف «الإخوان المسلمين» إرهابيين، وسيشنّ، بحسب خيالاتهم، حرباً عليهم تمزّقهم شذَرَ مذَر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق