الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

فصل البيان في إطفاء حرائق الكيان

فصل البيان في إطفاء حرائق الكيان

أحمد بن راشد بن سعيّد


حدّث سهم بن كنانة، قال:
في مطلع سنة 1438 للهجرة، نشبت حرائق في فلسطين التي يحتلها اليهود، عجَزَتْ عن إطفائها العامّة والجنود، إذ كانت نيراناً غير مسبوقة، التهمت تلك الأرض المسروقة، وشعر زعماء يهود حينها بالرعب، حتى أنّهم فشلوا في طمأنة الشعب، وكما هي عادتهم إذا أصابتهم فاجعة، أو ألمّت بهم قارعة، فقد شعروا أنّ كيانَهم اضطرب، وأنّ أجَلَه اقترب، وربما يفعل الحريق به ما لم تفعله جيوش العرب، وبعضهم لم يبالوا بالخطر على دولتهم، لما يعتقدون من فساد ملّتهم، وأنهم مُستحقّون للعقاب، وجديرون بغضب ربّ الأرباب.

قال سهم بن كنانة: وابتهج المسلمون بصور الحرائق، ونظروا إليها نظر المشوق إلى الشائق، وشذّ منهم فريق، ضلّ في هذه الدنيا الطريق، فزعموا أن الشماتة لا تليق، بعدوٍّ كانت أم بصديق، غير أنّ هؤلاء لم يحظوا بالقبول، ولقوا من العَنَت ما يهول، إذ أشعرهم الناس بالعزلة، وفاءً للأرض المحتلّة، واستغاث زعماء يهود استغاثة الغريق، وطلبوا من الدول مساعدتهم على الحريق، فلبّى نداءهم أعراب وأعجام، ظانّين أن ذلك سببٌ للسلام، وما علموا أن اليهود كانوا شرّاً مستطيرا، «أم لهم نصيبٌ من الملك، فإذاً لا يُؤتون النّاسَ نقيرا».

قال سهم بن كنانة: وشارك في إطفاء الحريق والي التّرك أردوغان، وكان معروفاً بالعدل والإحسان، كما شارك السيسي حاكم مصر، وكان من أظلم الحكام في ذلك العصر، فهاج أقوام على أردوغان، وسكتوا عن الآخر نكايةً بالإخوان، والإخوان جماعة حاربها الجميع، ورموها بكلّ شنيع، حتى زعموا أنها جفّفت الينابيع، واجتثّت ورق الربيع، فكان القوم يجلّون السيسي إجلال العابد، ويشعرون أنّهم معه في قارب واحد.

قال سهم بن كنانة: ولا ريب أنّ مساعدة العدو في إطفاء ناره، تعاون معه على استقراره، فليس ينجو مشارك في ذلك من إثمه، حتى لو سمّاه بغير اسمه، غير أنّ جمع السيسي بأردوغان، كالجمع بين (إنّ) و (كان)، فلا يستوي نصبٌ ورفع، كما لا يستوي ضرٌّ ونفع، والعدلُ في الأرض أساس، وبغيره لا يصلُحُ الناس، والوغد ليس كالأمين، وقد قال تعالى: «أفنجعل المسلمين كالمجرمين»، ومن المعلوم أن السيسي جاء بانقلاب، بينما أصبح أردوغان والياً بالانتخاب، وكان السيسي يخنق أهل غزة بجدار، وربما أطلق عليهم النار، بينما استقبل أردوغان ملايين السوريين، الذين أخرجتهم عصابات الباطنيين، فأكرمهم إكرام الجار، واحتضنهم كما احتضن المهاجرين الأنصار.

قال سهم بن كنانة: وقد احتجّ أقوام بأن الاثنين فعلا ذلك من باب السياسة، فهما سواءُ في الخساسة، غير أن الأمر بالعكس، فالمساواة بينهما من الّلبْس، فالسيسي لا يغيث فلسطين، ويحاصرها محاصرة المعتدين، ولا يسمح لأردوغان بإغاثتهم، ويستنكر ما يقوم به من إعانتهم، ولذا، فإنّ أردوغان يرسل المساعدات إلى غزة عن طريق يهود، الذين يسمحون بدخولها عبر الحدود، وهو لا يكتفي بإدخال الطعام والدواء، بل يرسل إليهم الأطبّاء، ويزوّدهم بالكهرباء، ويُهدي أطفالهم اللّعَب، ويوزّع على طلّابهم الكتُب، ويمدّهم بدرّاجات، ويُجري لهم إعانات، ويرسل المهندسين لإعادة بناء جوامعهم، التي هدمها اليهود بالتعاون مع جارهم وبائعهم، وقد استشهد من قوم أردوغان رجال هبّوا لفكّ حصار غزة، فقتلهم اليهود في عُرض البحر وهم أعزّة.

قال سهم بن كنانة: وربما أراد التّرك من المشاركة في إطفاء النار، الضغط على يهود لرفع الحصار، وثنيهم عن منع الأذان، الذي تجرؤوا عليه في ذلك الزمان، وبهذا، فإن عمله من السياسة، وليس عمل السيسي عقلاً ولا كياسة، إذ هو شريك في الفجور، وإنْ صَمَت عليه أنصاره صمتَ القبور، «وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلماتُ ولا النّور، ولا الظلّ ولا الحَرُور»، وثمّة أمر تجاهله السيسيّون، تلبيساً على من يستغفلون، فالسيسي يستمدّ شرعيّته من مهادنة يهود، وقد ارتقى الكرسيّ على جُثث الرّكّع السّجود، بينما يستمدّ أردوغان شرعيّته من الشعب، الذي وهبه كلّ الحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق