هل جنة آدم التي أُخرج منها هي جنة الخلد، جنة الآخرة؟ أم جنة على ربوة في الأرض؟
من الوجهة الوجدانية البحتة يميل غالب الناس إلى اعتبارها جنة السماء، جنة الآخرة.
لغويًّا فالجنة تُطلق على البستان: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾، والنصوص محتملة ليست قطعية، والمسألة نظرية وليست من معاقد الإجماع، ولا يترتب عليها عمل، والأولى في مثل هذه المسائل عدم الإغلاق وترك الباب مفتوحًا أمام الاجتهادات المتعدِّدة دون تثريب، ودون اعتبار قولٍ منها محل اتفاق، أو قولًا معتمدًا لأهل السنة، أو وصف قول آخر بأنه بدعة أو ضلال أو مصادم للنص القرآني.
نقل النووي والقرطبي إجماع أهل السنة على أن جنة آدم كانت في السماء، ونسب بعضهم القول الآخر للمعتزلة.
ونسب ابن تيمية القول بأنها جنة الآخرة لسلف الأمة وأهل السنة والجماعة، ثم قال: «مَن قال إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جُدَّة أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلِّمين المبتدعين، فإن هذا يقوله مَن يقوله من المتفلسفة والمعتزلة، والكتاب والسنة يرد هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول!» «مجموع الفتاوى» (4/347).
غفر الله لابن تيمية فهو إمام متبحِّر، ولكن لا أحد يُؤخذ قوله كله ويرجع إليه فيما شجر بين الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعض قراء ابن تيمية يقتصرون في بحث مسألة كهذه على هذا النص، ويُحكِمون إغلاق النظر فيها.
على أن ابن تيمية ذاته قال بخلاف هذا في «كتاب النبوات»: «ولهذا كان أصح القولين أن جنة آدم جنة التكليف لم تكن في السماء، فإن إبليس دخل إلى جنة التكليف جنة آدم بعد إهباطه من السماء، وكانت في مكان عال من الأرض، من ناحية المشرق، ثم لما أكل من الشجرة أُهبط منها، ولفظ الجنة في غير موضع من القرآن يراد به بستان في الأرض» «النبوات» (2/704- 705).
والإمام ابن القيم عرض المسألة في «مفتاح دار السعادة»، و«حادي الأرواح» وسرد أدلة الفريقين بتفصيل وإسهاب، ونقل نصًّا طويلًا عن المنذر بن سعيد البلوطي، وهو من القائلين بأنها جنة في الأرض.
وذكرا قولًا ثالثًا أنها جنة في السماء غير جنة الخلد، وهذا ذكره الماوردي في «التفسير»، وقولًا رابعًا هو التوقف وعدم الجزم، وهو ما اختاره الرازي في «مفاتيح الغيب».
القول بأنها في الأرض مشهور النسبة لأبي حنيفة وأصحابه، وعزاه بعضهم لسفيان بن عُيينة، ويُروى عن ابن عباس، والله أعلم. «النكت الدالة على البيان» (2/297، 302)، و«الهداية إلى بلوغ النهاية» (7/4708)، و«تفسير القرطبي» (20/177)، و«مفتاح دار السعادة»، و«حادي الأرواح».
آدم خُلق في الأرض، ولم يرد أن الله تعالى رفعه إلى السماء.
جنة الآخرة لا يخرج منها أهلها.
جنة الآخرة لا تكليف فيها ولا تحريم، ولا لغو ولا تأثيم.
جنة الآخرة لا يصل إبليس إلى الوسوسة لأهلها.
جنة الآخرة لا نوم فيها، وقد خُلقت حواء حين نعس آدم.
هذا بعض برهانهم، وهذا كله لا يعني الجزم بأنها جنة في الأرض؛ لأن الأمر له جانب غيبي، وقد تكون أوصاف الجنة المذكورة في القرآن إنما تتحقَّق يوم الدين.
الهبوط يوحي بالانتقال من الأعلى إلى الأسفل، ولكنه جاء في القرآن ليدل على النزول في مكان آخر من الأرض ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾.
والمقصود ليس ترجيح قول على آخر، بل:
1- تعزيز ما قاله ابن نافع المالكي: «السكوت عن الكلام في هذا أفضل». «حادي الأرواح» (ص23).
فهي مسائل نظرية لا بأس من المرور بها والاطلاع عليها، دون تطويل أو تهويل، ودون إلحاح مفرط على قولٍ ما.
2- عدم التثريب على مَن اختار قولًا سبقه إليه بعض علماء الأمة، ولو كان مرجوحًا أو ضعيفًا، ما دام يتَّكئ على بعض الأدلة ولا يصادم إجماعًا قطعيًّا ولا نصًّا صحيحًا صريحًا لا احتمال فيه، فإن هذا مما يحسن تربية طالب العلم عليه منذ بداياته الأولى، ولا سبيل إلى تجنب الصراعات القاتلة والخلافات الهائلة بين المنتسبين إلى علم الشريعة إلا بهذا.
الجنة سكن للأبوين، والسكن ضرورة حياتية، ومن السعادة أن يكون السكن واسعًا جميلًا يجري فيه الماء وتنبت فيه الحدائق والأشجار.
يعاني البشر اليوم من مشكلة الإسكان، وعدم التملك، وقضاء العمر والجهد في سبيل الحصول على شقة ضيقة يقضي فيها الكادح شيخوخته!
ومن السكن، ومع السكن، فالمطلوب ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾، و﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾.
منذ الإنسان الأول، حتى وهو في الجنة كان الله يلهمه أن يتعرف على حقوقه المضمونة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلِّم معاذ بن جبل رضي الله عنه حق الله على العباد، وحق العباد على الله؛ كما في «صحيح البخاري» (2856، 6500)، و«صحيح مسلم» (30). فأي سمو بالإنسان ورفع لمنزلته وتقرير لحقوقه أعظم من هذا؟!
رغد العيش وعد منجز في تلك الجنة، وثروة مخزونة في الأرض والكون ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، التنمية العادلة الدائمة يفترض أن تتسع للبشر جميعًا، لولا أطماع الأقوياء واستئثارهم بخيرات الحاضر والمستقبل.
لم يكن وعد آدم أن يشبع، لأنه قد يشبع فيتخم، أو ينسى الجائع، والشبع ليس مطلبًا دائمًا في كل لحظة، قيمة الأكل عند الإحساس بالحاجة إليه.
ولذا عبَّر بنفي الجوع، ونفي العري، ونفي الظمأ، ونفي الحر وأذى الشمس.
هل جرَّب آدم الجوع والظمأ والعري والحر قبل دخوله الجنة؟
الله أعلم.
علينا الاحتفاظ بحلم الوصول إلى الجنة عبر السلوك الطيب والإحسان للآخرين، وفي الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها القرب من الله والأنس بذكره.
نزل آدم من الجنة ومعه شيء منها؛ الطيب، طيب الرائحة في الأشجار، وجمال الروح والفطرة التي لم تتغير، والستر الذي تعلَّموه هناك عند الشجرة، والحب الذي خفق به قلباهما لأول مرة ومن أول نظرة!
من الوجهة الوجدانية البحتة يميل غالب الناس إلى اعتبارها جنة السماء، جنة الآخرة.
لغويًّا فالجنة تُطلق على البستان: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾، والنصوص محتملة ليست قطعية، والمسألة نظرية وليست من معاقد الإجماع، ولا يترتب عليها عمل، والأولى في مثل هذه المسائل عدم الإغلاق وترك الباب مفتوحًا أمام الاجتهادات المتعدِّدة دون تثريب، ودون اعتبار قولٍ منها محل اتفاق، أو قولًا معتمدًا لأهل السنة، أو وصف قول آخر بأنه بدعة أو ضلال أو مصادم للنص القرآني.
نقل النووي والقرطبي إجماع أهل السنة على أن جنة آدم كانت في السماء، ونسب بعضهم القول الآخر للمعتزلة.
ونسب ابن تيمية القول بأنها جنة الآخرة لسلف الأمة وأهل السنة والجماعة، ثم قال: «مَن قال إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جُدَّة أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلِّمين المبتدعين، فإن هذا يقوله مَن يقوله من المتفلسفة والمعتزلة، والكتاب والسنة يرد هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول!» «مجموع الفتاوى» (4/347).
غفر الله لابن تيمية فهو إمام متبحِّر، ولكن لا أحد يُؤخذ قوله كله ويرجع إليه فيما شجر بين الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعض قراء ابن تيمية يقتصرون في بحث مسألة كهذه على هذا النص، ويُحكِمون إغلاق النظر فيها.
على أن ابن تيمية ذاته قال بخلاف هذا في «كتاب النبوات»: «ولهذا كان أصح القولين أن جنة آدم جنة التكليف لم تكن في السماء، فإن إبليس دخل إلى جنة التكليف جنة آدم بعد إهباطه من السماء، وكانت في مكان عال من الأرض، من ناحية المشرق، ثم لما أكل من الشجرة أُهبط منها، ولفظ الجنة في غير موضع من القرآن يراد به بستان في الأرض» «النبوات» (2/704- 705).
والإمام ابن القيم عرض المسألة في «مفتاح دار السعادة»، و«حادي الأرواح» وسرد أدلة الفريقين بتفصيل وإسهاب، ونقل نصًّا طويلًا عن المنذر بن سعيد البلوطي، وهو من القائلين بأنها جنة في الأرض.
وذكرا قولًا ثالثًا أنها جنة في السماء غير جنة الخلد، وهذا ذكره الماوردي في «التفسير»، وقولًا رابعًا هو التوقف وعدم الجزم، وهو ما اختاره الرازي في «مفاتيح الغيب».
القول بأنها في الأرض مشهور النسبة لأبي حنيفة وأصحابه، وعزاه بعضهم لسفيان بن عُيينة، ويُروى عن ابن عباس، والله أعلم. «النكت الدالة على البيان» (2/297، 302)، و«الهداية إلى بلوغ النهاية» (7/4708)، و«تفسير القرطبي» (20/177)، و«مفتاح دار السعادة»، و«حادي الأرواح».
آدم خُلق في الأرض، ولم يرد أن الله تعالى رفعه إلى السماء.
جنة الآخرة لا يخرج منها أهلها.
جنة الآخرة لا تكليف فيها ولا تحريم، ولا لغو ولا تأثيم.
جنة الآخرة لا يصل إبليس إلى الوسوسة لأهلها.
جنة الآخرة لا نوم فيها، وقد خُلقت حواء حين نعس آدم.
هذا بعض برهانهم، وهذا كله لا يعني الجزم بأنها جنة في الأرض؛ لأن الأمر له جانب غيبي، وقد تكون أوصاف الجنة المذكورة في القرآن إنما تتحقَّق يوم الدين.
الهبوط يوحي بالانتقال من الأعلى إلى الأسفل، ولكنه جاء في القرآن ليدل على النزول في مكان آخر من الأرض ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾.
والمقصود ليس ترجيح قول على آخر، بل:
1- تعزيز ما قاله ابن نافع المالكي: «السكوت عن الكلام في هذا أفضل». «حادي الأرواح» (ص23).
فهي مسائل نظرية لا بأس من المرور بها والاطلاع عليها، دون تطويل أو تهويل، ودون إلحاح مفرط على قولٍ ما.
2- عدم التثريب على مَن اختار قولًا سبقه إليه بعض علماء الأمة، ولو كان مرجوحًا أو ضعيفًا، ما دام يتَّكئ على بعض الأدلة ولا يصادم إجماعًا قطعيًّا ولا نصًّا صحيحًا صريحًا لا احتمال فيه، فإن هذا مما يحسن تربية طالب العلم عليه منذ بداياته الأولى، ولا سبيل إلى تجنب الصراعات القاتلة والخلافات الهائلة بين المنتسبين إلى علم الشريعة إلا بهذا.
الجنة سكن للأبوين، والسكن ضرورة حياتية، ومن السعادة أن يكون السكن واسعًا جميلًا يجري فيه الماء وتنبت فيه الحدائق والأشجار.
يعاني البشر اليوم من مشكلة الإسكان، وعدم التملك، وقضاء العمر والجهد في سبيل الحصول على شقة ضيقة يقضي فيها الكادح شيخوخته!
ومن السكن، ومع السكن، فالمطلوب ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾، و﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾.
منذ الإنسان الأول، حتى وهو في الجنة كان الله يلهمه أن يتعرف على حقوقه المضمونة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلِّم معاذ بن جبل رضي الله عنه حق الله على العباد، وحق العباد على الله؛ كما في «صحيح البخاري» (2856، 6500)، و«صحيح مسلم» (30). فأي سمو بالإنسان ورفع لمنزلته وتقرير لحقوقه أعظم من هذا؟!
رغد العيش وعد منجز في تلك الجنة، وثروة مخزونة في الأرض والكون ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، التنمية العادلة الدائمة يفترض أن تتسع للبشر جميعًا، لولا أطماع الأقوياء واستئثارهم بخيرات الحاضر والمستقبل.
لم يكن وعد آدم أن يشبع، لأنه قد يشبع فيتخم، أو ينسى الجائع، والشبع ليس مطلبًا دائمًا في كل لحظة، قيمة الأكل عند الإحساس بالحاجة إليه.
ولذا عبَّر بنفي الجوع، ونفي العري، ونفي الظمأ، ونفي الحر وأذى الشمس.
هل جرَّب آدم الجوع والظمأ والعري والحر قبل دخوله الجنة؟
الله أعلم.
علينا الاحتفاظ بحلم الوصول إلى الجنة عبر السلوك الطيب والإحسان للآخرين، وفي الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها القرب من الله والأنس بذكره.
نزل آدم من الجنة ومعه شيء منها؛ الطيب، طيب الرائحة في الأشجار، وجمال الروح والفطرة التي لم تتغير، والستر الذي تعلَّموه هناك عند الشجرة، والحب الذي خفق به قلباهما لأول مرة ومن أول نظرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق