الكفاح المشروع ضد اللوبي الصهيوني في مصر
ترامب مرشح "30 يونيو" المنتصر
في ما مضى، كانت المشاعر العربية تجاه المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية تتحدّد على ضوء المسافة بين كلا المرشحين والكيان الصهيوني.وعلى الرغم من الإدراك الكامل بأن الجمهوريين والديمقراطيين، على السواء، يضعون مصلحة إسرائيل قبل أي اعتبار آخر، إلا أن العرب كانوا يفضلون الداعم الناعم، لإسرائيل، عن الراعي الصريح الوقح.
الآن، في مصر، تتحدّد المواقف الرسمية والإعلامية من المتنافسين على قاعدة الأكثر عداءً للإسلام السياسي، وفي القلب منه الإخوان المسلمون، فيرقصون، بكل خلاعةٍ، ويبتهلون، بكل وضاعةٍ، من أجل فوز المرشح الذي يعلن عداءه الصريح للعرب والمسلمين، وانحيازه الأكثر صراحةً للكيان الصهيوني.
وفي واحدةٍ من أكثر لحظات الاصطفاف إثارةً، تشارك مصر الرسمية إسرائيل رقصةً ماجنةً، احتفالاً بفوز دونالد ترامب، الذي لم يترك مناسبةً إلا وأعلن فيها كراهيته المطلقة لكل ما يمت للعروبة والإسلام بصلة، فتأتي تصريحات مصطفى الفقي، سكرتير معلومات حسني مبارك، متطابقةً مع تصريحات وزراء إسرائيليين، من ناحية الابتهاج والترحيب بفوز ترامب، إذ يقول إن فوزه أفضل لمصر بكثير؛ لأنه كانت لدى هيلاري كلينتون أجندة معادية لـ"30 يونيو"، وما بعدها، عكس ترامب.
وهو المضمون ذاته الذي تسمعه على ألسنة مسؤولين حاليين ومتقاعدين، وإعلاميين وسياسيين، ويلخصه كلام سفير سابق، وعضو في المجلس المصري للشؤون الخارجية، مؤداه أن "فوز ترامب على هيلاري كلينتون يخدم مصلحة مصر، ويساعد على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للمنطقة، نظرا لمواقف كلينتون واتجاهاتها الداعمة للإخوان المسلمين".
ضع هذه التصريحات والمواقف أمام رد فعل وزير التعليم الإسرائيلي، نيفتالي بينيت، الذي يتزعم حزب البيت اليهودي المتشدّد، حين يبدي سعادته بفوز ترامب، معلنا "أن فوز ترامب يشكل فرصةً لإسرائيل للتخلي فوراً عن فكرة إقامة دولة فلسطينية"، مضيفا: "هذا هو موقف الرئيس المنتخب، انتهى عهد الدولة الفلسطينية".
الثابت، تاريخياً، أنه لم تحكم أميركا إدارة تتخلى عن انحيازها الصارخ للكيان الصهيوني، أوباما شخصياً، الذي احتفى بوصوله للحكم الإسلاميون واليساريون، لم يكن أقلَّ التزاماً بالعقيدة الأميركية الداعمة للاحتلال من عتاة اليمين الأميركي.
ومن دون مبالغة، فإن ما حققته إسرائيل في سنوات أوباما يفوق ما حققته في 25 عاماً سبقت وصوله إلى الحكم.. يكفي أنها كانت تلهث من أجل جلوس أطرافٍ عربيةٍ معها على موائد مفاوضات عبثية. والآن، لم تعد تعبأ بهذه المسألة، بل بات العرب يركضون للجلوس معها، وهي التي تتمنع.
كان الإسلاميون يعتبرونه "أوباما بن زيد" الذي سينصر الإسلام ويعزّ المسلمين.
وكان اليسار يرى فيه "جيفارا" الذي سينتصر للبروليتاريا، وأتذكّر أن زميلاً يسارياً بلغ به فرط الحماس لفوز أوباما أن صرخ "للعالم لا لأميركا"، لتكشف الأيام في ما بعد أنه "كان لإسرائيل"، قبل أن يكون للعالم.
من هنا، تأتي الدهشة من اعتبار فوز ترامب وخسارة هيلاري كلينتون هزيمة للإسلام والمسلمين والعرب والقضايا العربية، فالمؤكد أن إسرائيل مطمئنةٌ إلى أنها ستبقى طفلة البيت الأبيض المدللة، وسيدته الأولى أيضاً، سواء سكنه معتوه عنصري وقح، مثل ترامب، أو سيدةٌ أنيقةٌ، تبدو رزينةً وهادئةً وعاقلة، مثل كلينتون.
وأكرّر أنها اختلافاتٌ في الشكل، لكن المضمون واحد.
ومع ذلك، وحتى على مستوى التعاطف مع الشكل، فسدت الذائقة في مصر، وأعطبت الضمائر..
كانت هناك مسطرة قيمية، وأخلاقية، نقيس بها ضمائرنا وسلوكياتنا، كان القياس بسيطاً للغاية: نقف ضد كل ما يخدم إسرائيل، ونتضامن مع كل من تعاديه، غير أن هذه المسطرة تهشّمت واحترقت في صوامع إنتاج العار التي أتى بها عبد الفتاح السيسي، وصار القياس الجديد: الانحياز التام والولاء الكامل لكل من يعادي المقاومة الإسلامية (حماس)، والاصطفاف ضدها، باعتبارها "إخوانية".
أصبح لمصر لوبي صهيوني، يبايع ترامب، ويعادي ثوابت التاريخ، وحقائق الجغرافيا، ويسحق عظام معارضيه "الغلابة"، ويحتقرهم، ويطالب بمحوهم من الوجود، كما تفعل فريدة الشوباشي التي تعتبر"الغلابة" عالةً على الدولة، وترى في احتجاجهم وثورتهم ضد الظلم تجديفاً وكفراً بنصوص "تلمود 30 يونيو" المقدّسة..
أو يعتبرهم نجيب ساويرس شعباً منعدم الاحترام، عليه أن يحترم نفسه، أو يحرق في أفران السلطة، لأنه يتجرأ ويشكو من الخراب والفقر، بعد إجراءات تعويم نظام السيسي، بإغراق الجنيه.
وعلى هذا، يصبح نضالك ضد اللوبي الصهيوني في مصر كفاحاً مشروعاً ضد امتدادات العصابات الصهيونية التي ابتلعت الأرض، وسحقت البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق