الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

وقفة لابد منها (3 / 3) فرية القديس مرقس!

وقفة لابد منها (3 / 3)
فرية القديس مرقس!
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

أقرأ

وقفة لا بد منها... (1 / 3) مع إخواننا المسيحيين

وقفة لا بد منها (2/3) استفزاز الأقباط للمسلمين


جدارية من الفسيفساء بكاتدرائية القديس مرقس في فينيسيا ـ إيطاليا






تؤكد الكنيسة المصرية، وفقا للتراث، أنها قائمة على جهود القديس مرقس التبشيرية والذي حضر إلى مصر سنة 43 م أو فيما بين 61 و68. وهذه الأقوال من أكبر الفريات التي فرضها القساوسة الأوائل على العالم. وإن كانت هذه المغالطة قد استمرت بفضل التحايل والأكاذيب، فما أن بدأت عمليات النقد الجادة للمؤسسة الكنسية في الغرب حتى تكشفت حقائق لم يعد من الممكن التعتيم عليها.


والقديس مرقس هو ابن أرستوبولس، من مواليد بنتابولس في ليبيا، وهو فرضا صاحب الإنجيل الثاني ترتيبا والمعروف باسمه. ونطالع اختصارا في موسوعة فيكيبيديا الفرنسية، ـ وتعد من الموسوعات العامة الجادة المرجعية: أن مرقس يهودي من القرن الأول تم ذكره في أعمال الرسل وفي عدة رسائل تحت اسم "يوحنا المدعو مرقس" أو "يوحناـ مرقس"، ويتم تقديمه على أنه قريب من الرسولين بطرس وبولس. وإن التراث المسيحي يسند إليه صياغة الإنجيل المتواتر الذي يحمل اسمه في العهد الجديد. وقد نُسجت حوله عدة قصص تتعلق بحياته ومغامراته التبشيرية. كما أصبح مرقس رمزا لمدينة فينسيا بعد قيام تاجران بسرقة رفاته، ولا تحدد الموسوعة من أين. وأهم ما يلفت النظر في هذا التقديم أنه مكتوب كما تنص الموسوعة: "وفقا للتراث". وعبارة وفقا للتراث تعني أنه لا سند تاريخي له، وإنما هو كلام بمعنى عبارة: "يُحكى أن..".


ومن أهم ما تقدمه الموسوعة أن الإنجيل المعروف باسم مرقس لم يُسند إليه إلا في أواخر القرن الثاني. وهذا الإسناد قام به بابياس، أسقف هيرابوليس وفقا لأقوال يوسبيوس القيصري، ويوسبيوس هذا مشهور تاريخيا بأكاذيبه التي فضحها العديد من العلماء. وتواصل الموسوعة سرد تكوين تاريخه قائلة: وقد امتد الشك فيه طويلا بين المفسرين نظرا لكل ما يتضمنه إنجيله من "عدم دقة" خاصة فيما يتعلق بالجغرافيا وبأماكن منطقة الجليل. كما ان العلماء المعاصرين يعارضون فكرة قيام الوثنيين باعتقاله وتعذيبه بسبب كل ما قام به من تنصير.. وهنا يقول أحد النقاد المؤيدين للقصة الكنسية هو "كاميي فوكانت": "لا توجد أسباب حاسمة تدفعنا لرفض إسناد هذا الإنجيل إلى مرقس الوارد ذكره في أعمال الرسل (12 :12ـ13 و15) حتى وإن لم نتمكن من إثبات ذلك"، وارد في كتاب: ("إنجيل مرقس، تعليق حول العهد الجديد" صفحة 154، سنة 2012).. وكأن مصداقية الحقائق التاريخية لا قيمة لها وأنه يمكن تمرير الأكاذيب طالما لا يوجد ما يمنع ذلك!
وتشير الموسوعة إلى أن بعض الترث المسيحية نسجت الكثير من الروايات حول مرقس ومنها الكنيسة القبطية في مصر. إلا ان العديد من الباحثين يفندونها على أنها مجرد "روايات" وليست حقائق تاريخية، ومنهم "ريتشارد بوكهام" في كتاب ("يشوع وشهود العيان" صفحة 206 سنة 2008). كما توجد بعض الكنائس الشرقية التي تقول إن بطرس ومرقس كانا في مدينة بابل (العراق حاليا)، أي أن مرقس لم يحضر إلى مصر.


أما الموسوعة الكاثوليكية، وهي من أكبر الموسوعات العلمية مكانة (باللغة الإنجليزية) فتشير إلى مرقس بالتفصيل وتبدأ بعبارة: "من المفترض في هذا المقال إن الشخص المشار إليه في أعمال الرسل أنه هو يوحنا مرقس (...)، وأنه لم يتم اختياره من قِبل الروح القدس، ولم تنتدبه كنيسة إنطاكيا مثل برنابا وبولس (اع 13: 2ـ 4)، وإنه اتجه مع برنابا إلى قبرص (اع 15: 37 ـ 40)، ثم انتهى ذكر مرقس في العهد الجديد إلى أن ظهر ثانية بعد عشر سنوات مع بولس في روما. وهو ما يتنافى مع فكرة أنه أتى إلى الإسكندرية ومات فيها وأن رفاته موجودة أو كانت موجودة وتمت سرقتها".. غير أن الملاحظ هو عدم التأكد حتى من شخصيته..


وبعد سرد وقائع متعددة تقول الموسوعة الكاثوليكية: "لقد انتشر مؤخرا، في التراث، أن مرقس هو مؤسس كنيسة الإسكندرية. وفي التراث كما رأينا أنه كلام لا سند له. ثم تواصل: "ومن الغريب أنه لا كليمنت السكندري ولا أوريچين وهما من مؤرخي المسيحية قد أشارا إلى أية علاقة لمرقس ببلدهم الإسكندرية، إلا أن يوسبيوس يؤكد ذلك وفقا للقديس جيروم". وهذا القديس جيروم، قد سبق وتناولتُ "اعترافاته " التي تنسف مصداقية الأناجيل نسفا، بما أنه يقول إنه عدّل وبدّل وغيّر فيها بأمر من البابا داماز (في القرن الرابع).. أي أنه شخص لا يُعتد بأقواله، إلا ان هذا الكلام يثبت إن عملية اختلاق مجيء مرقس إلى الإسكندرية كانت متناولة وتم تحديدها في القرن الرابع. في ذلك القرن الذي تم فيه نسج المسيحية بتأليه يسوع سنة 325 واختلاق الثالوث وفرضه سنة 381. أما كليمنت السكندري وأوريچين فهما من آباء الكنيسة الأوائل، وتاريخهما موجود وثائقيا، وكان لزاما عليهما ذكر مرقس "مؤسس كنيسة الإسكندرية"، كما يزعمون، إن كان فعلا قد حضر إلى مصر أصلا.. وتواصل الموسوعة الكاثوليكية موضحة: "إن التاريخ الذي وصل فيه مرقس إلى الإسكندرية غير مؤكد، إلا أن يوسبيوس [الكذوب] يقول في حولياته أنه حضر في أول سنة لكلاوديوس (41 ـ 44)، وإن أنيانوس هو من خلفه في كنيسة الإسكندرية أيام نيرون سنة 61 ـ 62. وهو ما قد يُفهم منه أن مرقس ظل في الإسكندرية حوالي عشرين عاما !.


غير ان الأناجيل المعتمدة تقول عكس ذلك، أي إن مرقس لم يحضر إلى الإسكندرية لأنه كان في أنطاقية مع بولس وبرنابا. إذ نطالع في أعمال الرسل: "ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا لنرجع ونفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة كيف هم. فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضا يوحنا الذي يُدعى مرقس. وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما. فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر. وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص" (اع 15: 36 ـ 39، في إنجيل طبعة 1966). ولا يوجد أي سند تاريخي عن إن مرقس أنشأ كنيسة الإسكندرية سوى يوسبيوس، وهو مشهور تاريخيا بأنه من الكذابين، غير ان أكاذيبه تفيد في تثبيت الروايات.. ومن الواضح أنها رواية تم إنشاؤها مؤخرا. بل يقول بابياس في كتابه: "يوسبيوس، تاريخ الكنيسة، م 3 صفحة 39: "إن مرقس لم يسمع الرب [أي لم يسمع يسوع] ولا إتّبعه". ونفس المعلومة واردة في "حوار آدمنتيوس" [القرن الرابع] (طبعة 1901 صفحة 8). أي أنه أصلا لم يكن من الحواريين ولا حتى من التلاميذ السبعين للسيد المسيح.


أما موسوعة أونيفرساليس" الفرنسية فنطالع فيها: "أن مرقس كتب إنجيله بفكرة إثبات أن المسيح ابن الله، وهو الوحيد الذي استخدم صفة الإنجيل بمعناه المطلق (1: 14 و15؛ 8: 35؛ 10: 29)، أي تبشير الجماعة المسيحية، ويقدم يسوع على أنه المسيح اليهودي المنتظر، وهو ما يرفضه اليهود قطعا حتى يومنا هذا، وأن أتباعه لا يفهمونه، ولا ذكر في هذا الإنجيل لظهور يسوع بعد يعثه لكنه ذهب إلى الجليل، أرض الآمال.. لذلك رأوا إضافة جزء يضم قائمة ظهوره في آخر الإنجيل، ويُطلق على هذا الجزء المضاف عبارة "كنسي" [أي إن الكنيسة هي التي أضافته] وانه غير موجود في النص الأصلي. وهو الجُمل من 9 ـ 20 في آخر إصحاح. وتضيف الموسوعة "إن كتابة مرقس تتسم وكأن لها أصلان: أحدهما شاهد عيان يقص ما رآه، والآخر جماعة تكتب ما تؤمن به"..


والجزء الذي تشير اليه الموسوعة وثابت أنه إضافة، يتضمن جملة مغرضة تقول: "اذهبوا الى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (16: 15) هي للتدليل على ضرورة تبشير العالم أجمع وتنصيره، وهي فكرة لم تدر بخلد يسوع بما أنه هو القائل إنه لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة" ليعيدها إلى رسالة التوحيد.. ومن ناحية أخرى تدل على الإضافات والتلاعب في النص. كما تشير إلى أن أول نص يوناني اعترفت به الكنيسة للأناجيل المتواترة يرجع إلى القرن الثاني. أما بالنسبة لإسناد هذا الإنجيل لمرقس فتقول: "بالنسبة لمرقس لا يوجد ما يعترض على أنه قد يكون "يوحنا مرقس" الذي تتحدث عنه أعمال الرسل (13: 12و25).

روايات أخرى :
ومن الروايات التي تحكيها موسوعة فيكيبيديا الفرنسية في المقال الخاص بمرقس، وهو مقال آخر: يقال إن مرقس ذهب للتبشير في روما، في القرن الأول، لكن الباخرة غرقت. وأن ملاك الرب قد ظهر سنة 452 وقال للربان "أنه سيرقد هنا في روما".. فقام جوتينيانو برتيشيباتسو، الحاكم الحادي عشر لمدينة فينسيا، ببناء كاتدرائية القديس مرقس ليضع فيها رفات القديس. وعندما تم إعادة بناء البازليكا سنة 1063 ضاعت الرفات إلا أن التراث يؤكد أنه تم العثور عليها سنة 1094، فبعد ثلاثة أيام من الصوم انهار أحد أعمدة العارضة واكتشفوا ذراع القديس بكاملها، وهو ما أكد لهم وجود الرفات التي استخرجوها ووضعوها في البازليكا الجديدة، ثم تم نقلها تحت مذبح البازليكا في القرن التاسع عشر. وقد تسببت سرقة رفات القديس مرقس الى تسميم العلاقات بين الكنيسة اللاتينية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية. 

وتقول رواية أخرى: وفقا للتراث أيضا، ولم تظهر هذه الرواية إلا في أواخر القرن الرابع، ذلك القرن الذي انتهوا فيه من الشكل العام للمسيحية إجمالا، يقال ان مرقس تم القبض عليه وقام الوثنيون بتعذيبه وربطه بحبل من عنقه وسحلوه لمدة يومين عبر المدينة ثم أحرقوه ومات شهيد المسيحية يوم 25 ابريل سنة 68 أو 75.. سحلوه في بلدة "بوكولس ـ هيروكليوتيك"، إحدى قرى الصيد الصغيرة القريبة من الإسكندرية. وتم دفنه بها.

ونطالع في رواية أخرى، في النص المرافق للجدارية المنشورة في بداية المقال، وهي بكاتدرائية القديس مرقس في فينسيا: "وفقا للأسطورة تم نقل رفات القديس مرقس من الإسكندرية إلى فينسيا. وأثناء الرحلة ظهر القديس مرقس وقال للربان "إن الأرض التي أود الدفن فيها قد اقتربت".. وتواصل الرواية: وفي يونيو 1968 قام البابا بولس السادس بإرسال "الرفات" إلى الأقباط لكنه في الواقع "أرسل لهم قطعة نسيج ملامسة للمقبرة"، كان بطريرك فينسيا جيوفاني أورباني قد أهداها للفاتيكان، وليست رفات مرقس التي ظلت بالفعل في بازليكا فينسيا. الأمر الذي أكده البابا بولس السادس في خطابه يوم 22/6/1968 موجها كلامه لممثلي الكنيسة القبطية الذين ذهبوا لتسلم رفات القديس مرقس:

من خطاب البابا بولس السادس :
"إن المناسبة الخاصة التي أتت بكم اليوم في مدينة روما هي الافتتاح القريب لكاتدرائية جديدة مهداه للقديس مرقس. ونعلم أن هذا العمل قد تم بفضل كرم أتباعكم وتعاون سلطات بلدكم. ومن هنا فهُم قد أصروا على الاعتراف بالمكانة وبالدور الهام الذي يقوم به المسيحيون وخاصة أعضاء الكنيسة القبطية في حياة مصر الحديثة.
"ولهذه المناسبة الجليلة نهدي للكاتدرائية الجديدة أثر من القديس مرقس، الذي تظل رفاته المقدسة محفوظة في فينيسيا، موضوعة تحت المذبح. وإننا نرى في هذا العطاء صلة جديدة بين كنيسة روما والكنيسة القبطية، بين عرش بطرس ومقعد مرقس. وهو أيضا مقدمة لتعاون متواصل أكثر كثافة بين مختلف الكنائس المصرية متحدين مع كل مواطنيهم لخدمة الصالح العام لوطن واحد، ملتزم بإصرار في طريق التقدم والتنمية. فهو فخور بحق أن يمتلك واحدا من أثرى ترث التاريخ والحضارة الإنسانية في كل زمان"..
أي أنه في 22 يونيو 1968 أعاد البابا بولس السادس، بابا الفاتيكان، للكنيسة القبطية أثرا من آثار القديس مرقس، أثر عبارة عن "قطعة نسيج كانت ملامسة للمقبرة التي من المفترض أن مرقس كان مدفونا فيها"، وكان بطريرك فينسيا جيوفاني أورباني قد أهداها للفاتيكان، أي إن ما تسلمته الكنيسة القبطية من الفاتيكان هو قطعة نسيج مجاورة لمقبرة مفترضة أصلا، وليس كل رفات مرقس "التي ظلت بالفعل في بازليكا فينسيا".. الأمر الذي أكده البابا بولس السادس في خطابه الذي طالعنا جزء منه. وهو ما يتنافى مع ما تؤكده الكنيسة القبطية من ان رفات القديس مرقس بكاملها أعيدت لها أو لعلها تظن كذلك! وفيما يلي رابط خطاب البابا بولس السادس في الفاتيكان:

خلاصة الروايات :
من مختلف ما تقدم من روايات ومتناقضات يمكن استنتاج ما يكون قد حدث على أرض الواقع من فريات. فالثابت تاريخيا أن الإسكندرية في العصر الروماني كانت مركزا تجاريا للبحر الأبيض المتوسط وكانت تضم تنوعا كبيرا من الأجناس والأعراق، وبالتالي عددا من الديانات هي: الفرعونية والبطلمية والرومانية واليهودية والوثنية. وهذا العدد المتداخل من الأجناس والديانات لا يمكن فصله أو استبعاده بين عشية وضحاها، وإنما هي تتداخل أو تنحسر وفقا للقيادات السياسية/الدينية. ومن الثابت تاريخيا أن هذا الخلط وهذا التداخل بين الديانات ظل في مصر حتى بعد إعلان تيودوز الأول المسيحية ديانة رسمية لكل الإمبراطورية في آخر القرن الرابع. بدليل إن العبادة في معبد إيزيس في فيلة وغيره كانت مستمرة حتى القرن السادس الذي تم فيه الفتح الإسلامي. وهو ما يؤكد إن مصر لم تكن في يوم من الأيام كلها مسيحية كما تزعم تلك الفئة المنفلتة.

من ناحية أخرى، هناك إجماع بين العلماء في الغرب: "أن أصول كنيسة الإسكندرية غارقة في ظلمات كاملة ولم تخرج من هذا الغموض إلا في أواخر القرن الثاني مع ديداسكالية الإسكندرية بقيادة بانتين أيام حكم كومود. وأنه في نفس هذه الفترة ظهرت شخصية ديمتريوس، أول أسقف فعلي في اسكندرية"، (جزافييه فييلس). وهو ما يؤكده الأسقف كريزستوم بعبارات أخرى قائلا بوضوح في أواخر القرن الخامس: "أي أثر للفلسفة القديمة وآداب العالم القديم قد تم محوه تماما من على وجه الأرض"..
أما لكي نفهم ما قد يكون قد حدث في حكايات القديس مرقس وتداخلها كروايات ألف ليلة وليلة، فهو إن نفس الشخصية افتراضية، بدليل محاولة العثور على سند تاريخي لها في العهد الجديد، ثم إسناد الإنجيل لاسمه في اواخر القرن الثاني، وبدأت القصص القبطية التبريرية لإضفاء مصداقية بأنه قد "تم القبض عليه لكثرة ما قام به من تبشير وتنصير، وربطه بالحبل من رقبته وسحله لمدة يومين في طرقات المدينة ثم حرقه ودفن رفاته في بوكولس". وهي قرية صيادين شديدة الصغر قرب مصب فرع النيل عند رشيد. ولا ندري لماذا يتم دفن عظامه في تلك المنطقة وليس في الإسكندرية إن لم يكن من باب التمويه وإمكانية العثور عليه وكشف حقيقة الكذبة. 

وفي القرن الثامن قام حاكم فينسيا ببناء كاتدرائية لمدينته، وأراد لها رسولا، أسوة بمدينة روما وغيرها. وكان مرقس هو المتبقي من الرسل، فتم تأليف قصة أنه كان ذاهبا الي إيطاليا للتبشير، لكن المركب غرت، وهذا اول دليل قد ضاع. وفي القرن الرابع ظهرت روح مرقس لتقول للربان "أنه سيدفن في هذه الأرض المتجه إليها"، أي في إيطاليا. وهو مشهد تمهيدي لجلبه الى فينسيا. لكن رفاته في قرية الصيادين الصغيرة كما تقول الكنيسة القبطية، فلكيلا يقوم حاكم فينسيا بتكذيب الكنيسة القبطية أمام الأتباع والعالم، تم تأليف أنه "أرسل اثنان من مواطنيه من فينسيا ليسرقا رفات القديس".. وتواصل القصة "أنهما وصلا الي تلك القرية واستوليا على الرفات ووضعاها في سلة سمك وأغطياها بلحم خنزير لأن المسلمين يشمئزون من لحمه، وهكذا أفلتا بالرفات سالمة".. وعادا إلى فينسيا حيث تم دفن العظام في الكاتدرائية. 

ثم احترقت هذه الكاتدرائية وتهدمت وفقدت الرفات ثانية، وبعد صيام وصلوات ثلاثة أيام تم اكتشاف ذراع القديس مرقس كاملا مرتفعا من تحت الأنقاض، فتأكدوا من وجوده تحتها فأنقذوها وتم وضعها في الكاتدرائية الجديدة. وإعلان هذا النبأ علنيةً أدى إلى التوتر بين الكنيستين، في فينسيا والإسكندرية. ولكي تنتهي مهزلة المسرحية بوقار كنسي طالبت الكنيسة القبطية بحقها في استرداد مرقس حفاظا على ماء الوجه، فكانت الاستجابة تلك الصفعة التي أعلن فيها بابا روما إن رفات القديس مرقس باقية في فينسيا وأرسل للكنيسة القبطية "قطعة نسيج كانت بجوار المقبرة".. ترى هل الكنيسة القبطية مدركة لهذا الموقف المهين ؟
لذلك لا يمكن الخروج من هذه الروايات والفريات إلا بما يؤكده العالم توم هاربر: "إن هذه الديانة الكبرى قائمة ببساطة على تل من الأكاذيب والخدع" ("المسيح الوثني" صفحة 85). أما العالم جيبونّ فيؤكد على المبالغة الشديدة في أرقام الذين استشهدوا من المسيحيين، بينما يثبت ألكسندر وايدر: "إن كل آباء المسيحية الأوائل تركوا للأجيال التالية كمّا من الأكاذيب والممارسات غير الشريفة حتى أن القلب يشعر بالغثيان أمام قصص جرائم تلك الفترة، فالتدليس من أكثر الصفات التي ترتكز عليها المسيحية (...). إن قصة المسيحية كما يحكها العهد الجديد عملية احتيال كبرى.. لقد أخرصوا القرون الأربعة الأولى وطمسوا كل ما يمكن أن يفضح أكاذيبهم" (صفحات 86 ـ 87 من "المسيح الوثني"). 

فإلى تلك الفئة المنفلتة من القساوسة والأتباع لا يسعني إلا أن أقول: استحوا، واتقوا الله.. اسعوا الى عمارة مصر بدلا من خرابها، فالغرب الذي تهرولون إليه لم يعركم أي اهتمام إلا حين احتاج إلى أياد مخربة..


زينب عبد العزيز
30 أكتوبر 2016 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق