أحمد عمر
قبل أيام ظهرت بسمة البلعي وأدلت بشهادة تفجر الدموع وتشق في الحجر الصدوع، شهادتها كانت في إطار جلسات استماع علنية للضحايا نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالنظر في ملفات الاستبداد والفساد خلال عهد بورقيبة وبن علي، والجلسات أقيمت في نادي عليسة الذي كانت ليلى بن علي زوجة الرئيس الهارب تقيم فيه حفلاتها الوطنية الخاصة، الجلسات نقلت مباشرة على قنوات تونسية خاصة وكذلك على الجزيرة مباشر، أما المصالحات الوطنية في سوريا فهي "شكل تاني"، وهي أن يشكر أهل الضحية الذئب على حسن التهامه للضحية وعلى تأجيل التهامهم في قادمات الأيام، وادخارهم في بيت المؤونة.
بداية، أسفت لتحولات فضائية الجزيرة، يقول المثل "جرِّ دم ولا تجرِّ عادة". لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا، وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ تغيرت من الطعن في العدى، إلى البوس في العدى.
بداية، أسفت لتحولات فضائية الجزيرة، يقول المثل "جرِّ دم ولا تجرِّ عادة". لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا، وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ تغيرت من الطعن في العدى، إلى البوس في العدى.
اختفى برنامج حديث الثورة في ظروف غامضة، ويخشى متشائمون أن يتحول إلى حديث الثورة المضادة التي أينعت بوصول ترامب إلى رئاسة أقوى دولة في العالم، وهآرتس متخوفة من غلاة اليمين، ودعت إلى تأسيس الملاجئ، خوفا من يأجوج ومأجوج البيت الأبيض!
لم أعتقل، لكن الاستدعاءات الأمنية، التي كانت تطول ساعات لا زالت تقض مضجعي وتجعلني أفيق من نومي مذعورا حتى في المنفى السعيد، فكيف الحال بمن ذاق أطايب منتجعات النظام السوري، المكتوب في أعلاها بالحبر السري: الداخل مفقود والخارج مولود.
كان الظهور في التلفزيون الحكومي يوما، يشبه خلعة سلطانية، ثم شاء الله أن يضعها ويخزيها فكثرت الفضائيات، حتى بات الظهور فيها مثيرا للضجر.
ثمة فضائيات لكل شيء: للمزايين، للصيد، للتحف، للهررة..
الأمر الوحيد الذي بات عزيزا هو الوقت، ولا أعرف الاسم الأحسن لفضائية الحلم ومتخصصة في السجن العربي العظيم: أهو فضائية الزنزانة الكبيرة، أم فضائية القوقعة، أم فضائية "هذه ويلتي"، أم فضائية "أعدت لي هويتي"، أم فضائية بالروح بالدم، أم فضائية ضرب الحبيب، أم فضائية المقاومون والممانعون، أم فضائية الجحيم، أم فضائية خذوه فغلوه، أم فضائية أحسن مواطن في العالم، أم فضائية أبو كلبشة، أم فضائية "أنا العذب وهواك"؟ الهوى هو هوى السيد الرئيس والعذاب هو هواه وهوايته وهويته.
وما دعاني إلى إطلاق هذه الدعوة التي لن يلبيها أحد، هو اعتراف السيدة بسمة البلعي، التي روت مأساة اعتقالها وتعذيبها وإهانتها وأبيها وأمها وأختها، وهي تحت السن القانونية مثلها مثل طل الملوحي وروان قداح مثيلاتهما، وشهادتها على مقتل المناضلين؛ رشيد الشماخين، فيصل بركات تحت التعذيب، وإذا أطلقت الفضائية، ستداوي كثيرا من الجروح، فالحديث عن الألم ومشاركة العامة في الألم يطهره ويخفِّفه، ويجعله لقاحا لانتهاكات قادمة، لكن ما حدث في سوريا هو نقيض ما يحدث في تونس، فالسجينات المخطوفات الرهائن يظهرن على التلفزيون الرسمي، ويعترفن أن المعاملة حسنة، فهن هاربات من سفاح المحارم وجهاد النكاح! وما الميلشيات الغازية إلا قادمة من أجل نصرة السوريات تلبية لنداء: وانكحاه.
يقال إن لكل امرئ من اسمه نصيب، وكان هذا أيام الزمن الجميل، فالاسم نقيض المسمى هذه الأيام، والفضائيات تعمد مثل محلات الحلويات إلى نعت نفسها بأفضل الأسماء والشعارات: الواقع كما هو، الصورة الكاملة، أن تعرف أكثر، مش ح تقدر تغمض عينيك.. الفضائية التي ستطهر الناس من الحقبة الماضية، هي فضائية "مش ح تقدر تفتح بقك"، "مش ح تقدر تأخذ نفس"، فضائية "حتموت غرقان في الدموع"، وهو ما حدث لي وأنا أتابع شهادة بسمة البلعي، وهي بشهادة معتقلين سوريين نجوا بمبادلات أو بمعجزات مثل معجزة النبي موسى عليه السلام، شهادة لطيفة وأعتذر -لآلام القديسة بسمة التي أبكتني- إذا ما قورن الحال مع سوريا.
تدعو السيدة بسمة على بن علي بالهلاك، وتسخر من مقولة الأمن والأمان، وتعارض عودة بن علي، الأمن والأمان يعني القتل بالمفرق وإلا صار بالجملة.
أحلم بفضائية تسرد آلام ضحايا السجون من المناضلين والشهداء وليكن اسمها: "الجزيرة معتقلين"، أو "الجزيرة ضحايا" أو "الجزيرة شهداء أحياء" أو الجزيرة أصحاب الأخدود.. فطريق المصالحة الطويل يبدأ بخطوة احترام آلام الأبرياء والضحايا الذين احترقوا بالنار ذات الوقود من غير شهود.
أحلم وأتمنى..
وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
وما دعاني إلى إطلاق هذه الدعوة التي لن يلبيها أحد، هو اعتراف السيدة بسمة البلعي، التي روت مأساة اعتقالها وتعذيبها وإهانتها وأبيها وأمها وأختها، وهي تحت السن القانونية مثلها مثل طل الملوحي وروان قداح مثيلاتهما، وشهادتها على مقتل المناضلين؛ رشيد الشماخين، فيصل بركات تحت التعذيب، وإذا أطلقت الفضائية، ستداوي كثيرا من الجروح، فالحديث عن الألم ومشاركة العامة في الألم يطهره ويخفِّفه، ويجعله لقاحا لانتهاكات قادمة، لكن ما حدث في سوريا هو نقيض ما يحدث في تونس، فالسجينات المخطوفات الرهائن يظهرن على التلفزيون الرسمي، ويعترفن أن المعاملة حسنة، فهن هاربات من سفاح المحارم وجهاد النكاح! وما الميلشيات الغازية إلا قادمة من أجل نصرة السوريات تلبية لنداء: وانكحاه.
يقال إن لكل امرئ من اسمه نصيب، وكان هذا أيام الزمن الجميل، فالاسم نقيض المسمى هذه الأيام، والفضائيات تعمد مثل محلات الحلويات إلى نعت نفسها بأفضل الأسماء والشعارات: الواقع كما هو، الصورة الكاملة، أن تعرف أكثر، مش ح تقدر تغمض عينيك.. الفضائية التي ستطهر الناس من الحقبة الماضية، هي فضائية "مش ح تقدر تفتح بقك"، "مش ح تقدر تأخذ نفس"، فضائية "حتموت غرقان في الدموع"، وهو ما حدث لي وأنا أتابع شهادة بسمة البلعي، وهي بشهادة معتقلين سوريين نجوا بمبادلات أو بمعجزات مثل معجزة النبي موسى عليه السلام، شهادة لطيفة وأعتذر -لآلام القديسة بسمة التي أبكتني- إذا ما قورن الحال مع سوريا.
تدعو السيدة بسمة على بن علي بالهلاك، وتسخر من مقولة الأمن والأمان، وتعارض عودة بن علي، الأمن والأمان يعني القتل بالمفرق وإلا صار بالجملة.
أحلم بفضائية تسرد آلام ضحايا السجون من المناضلين والشهداء وليكن اسمها: "الجزيرة معتقلين"، أو "الجزيرة ضحايا" أو "الجزيرة شهداء أحياء" أو الجزيرة أصحاب الأخدود.. فطريق المصالحة الطويل يبدأ بخطوة احترام آلام الأبرياء والضحايا الذين احترقوا بالنار ذات الوقود من غير شهود.
أحلم وأتمنى..
وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
شهادة باسمة البلعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق