د. عبد الرحمن السميط… دُرّة الزمان، وأسطورة الإسلام.
صاحب الدعوة بالإغاثة الذي أسلم على يديه 11 مليون شخص في العالم
تتوضّأُ الكلمات..
ويتوقّفُ القلمُ خجلًا..
ويقفُ المؤرّخون على أطرافِ أصابِع أقدامهم..
وتَشرئِبُّ أعناقُ الباحثين والشعراءِ والكُتّابِ والقراء..
وتصمتُ لَوحةُ المفاتيحِ حياءً؛ عندما يُذكَر اسم: (د. عبد الرحمن السميط)
لم يكن صحابيًّا، جاء به القَدَرُ إلى القرن الميلادي العشرين..
ولا تابعيًّا انفلتَ من زمانهِ لزمانِنا..
ولكنه صاحب الدعوة بالإغاثة، الطبيب الداعية ابن عصرِه، أيقونة الزمان المضيئة الخالدة.
رجلٌ بأُمّة..
بل يتفوّق على أُمَمّ
(الدكتور عبد الرحمن السميط من دُرر الجزء الثاني في موسوعة (شموسٌ خلفَ غيوم التأريخ) التي صدر الجزء الأول منها، العام الماضي)
لا أستطيع هنا أن أكتب كل ما أعرفه عن هذا العملاق النادر،
الأمر يحتاج لمجلدات..
ولكن في سطورٍ مختصرة نقول:
– عبد الرحمن حمود السميط (1947م – 2013م) الكويت
– طبيب أمراض الجهاز الهضمي والأمراض الباطنية
– داعية كويتي ومؤسس جمعية العون المباشر (لجنة مسلمي أفريقيا سابقًا)
– رئيس مجلس البحوث والدراسات الإسلامية.
– كان مواظبا على صلاة الجماعة وعمره (6) سنوات، ولذا أطلقوا عليه في الكويت: (المطوّع) وهي تعني المتديّن، وتعادل في مصر كلمة (السُّنّي)
– عندما كان طبيبا بمستشفيات الكويت، كان ينفق على المرضى الفقراء من العرب والهنود وغيرهم، ويشتري لهم الدواء، ويزورهم في مساكنهم المتواضعة..
– مؤسس ورئيس جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا 1976م
– عضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وعضو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة،
– رئيس تحرير مجلة الكوثر المتخصصة في الشأن الأفريقي
– عضو في جميع الجمعيات الخيرية الإسلامية بدول العالم
– أمين عام لجنة مسلمي أفريقيا التي أصبحت أكبر منظمة عربية إسلامية عاملة في أفريقيا.
– كان الدكتور السميط مسلما رقيقا، سريع البكاء، شديد التديّن.. يحفظ القرآن الكريم بإجادة، يعيش حياة الصحابة والزاهدين رغم ثرائه..
– بداية السميط رجل الخير؛ كانت منذ المرحلة الإعدادية والثانوية.. عندما كان يرى العمال الفقراء في الكويت يقفون في حَر الكويت الشديد ينتظرون المواصلات العامة، فجمعَ مع أصدقائه المال، واشترى سيارة قديمة لتوصيل هؤلاء العمال الفقراء يوميا مجانا.
– وعندما وصل للمرحلة الجامعية، كان يشتري بمصروفه كتيبات إسلامية ويوزعها، وعندما حصل على منحة دراسية قدرها 42 دينارًا، كان لا يأكل إلا وجبة واحدة، ويتصدّق بالباقي، وكان يستكثر على نفسه أن ينام على سرير، رغم أن ثمنه لا يتجاوز دينارين، معتبرًا ذلك من أنواع الرفاهية التي يرفضها كمسلم..
– أثناء دراساته العليا في ليفربول ثم كندا، كان يجمع من كل طالب مسلم دولارًا شهريًا، ثم يقوم بطباعة الكتيبات ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا، وغير ذلك من أعمال المساعدات والتنمية والتعليم.
– منذ أن كان في المرحلة الثانوية.. كان حلمه الكبير أن يعيش في أفريقيا بين الفقراء، فقد رآهم في الكويت، وخارج الكويت.. وزاد إصراره عندما عرف من بعض أصدقائه عن التبشير في أفريقيا.. وانطلق السميط إلى دولة مالاوي.. وكانت البداية.
– كان من أسباب اهتمام السميط بالقارة الأفريقية؛ دراسة ميدانية إسلامية أكدت أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير، وأن الأطفال في المدارس يتم تنصيرهم، وأن مئات الآلاف من السكان في تنزانيا وملاوي ومدغشقر وجنوب السودان وكينيا والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية اعتنقوا المسيحية، بينما بقيَ آباؤهم وأمهاتهم على الإسلام.
– بدأت رحلة السميط العظيمة في القارة الأفريقية، بعد أن رأى المبشّرين الأوروبيين وكيف يعملون وينزعون الناس من الإسلام بالمال وبناء المنازل..
– كانت صدمة السميط كبيرة عندما رأى الناس عراه.. والمساجد من القش.. والفقراء يأكلون حشائش الأرض.. فاستعان بزوجة الشيخ جابر الصباح أمير الكويت التي أرسلت له المال، ليبني مسجدا فخما هناك.. وبدأت التبرعات الإسلامية بعد أن ظل السميط يصرخ في العرب: اغيثوا مسلمي أفريقيا
– استمر هو وزوجته في جمهورية ملاوي، وقام ببناء المساجد والمستشفيات ودور الأيتام.. ثم رحل ليكمل الطريق الصعب في بلدان أفريقيا.. وظل يتنقل بين 40 دولة أفريقية؛ داعيةً وطبيبا ومنقذا للأفارقة من براثن الجهل بالعقيدة، والفقر والمرض.
– كانت أسرته أكبر داعم له، فقد تبرّعت زوجته بكل ما تملك للعمل الخيري في أفريقيا، وكانت تنافسه في أعمال الخير، ودعوة السيدات الأفريقيات للإسلام، واشترطت ابنته على عريسها أن يرافق والدها في أفريقيا لتوافق على الزواج.
– أسلم على يد الدكتور “عبد الرحمن السميط” أكثر من 11 مليون شخص في أفريقيا (أفراد، وقُرى ومُدن كاملة) بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام فيها..
حوالي 972 مسلمًا يوميًا
– بعض إنجازاته كما وردت في تقرير برنامج زوايا الذي يقدّمه الشيخ نبيل العوضي على قناة الوطن الكويتية، وتقرير الدكتور طارق السويدان على موقعه الإليكتروني:
1- بناء (5500 مسجد) في أفريقيا
2- وزّعَ (51 مليون) مصحف
3- كفالة أكثر من (50.000 يتيم)
4- بناء (840 منشأة تعليمية من رياض الأطفال إلى الجامعة) يدرس فيها أكثر من نصف مليون طالب وطالبة.
5- حفر (12000 بئر ماء)
6- بناء (90 مستشفى ومستوصف خيري)
7- إنشاء (10 محطات إذاعية وتليفزيونية)
8- تدشين عشرات المشروعات التي يعمل بها الآلاف من الأفارقة، وتدرّ أرباحا للجمعيات الخيرية التي تنفق على الفقراء
9- تخرّج مئات الأطباء ومئات المدرسين ومئات المهندسين من أبناء الجمعيات الخيرية التي أسسها الدكتور السميط..
(الأطباء الذين تخرّجوا في تلك الجامعات التي أسسها، هم الذين عالجوه، وأنقذوه من الموت،، وكانوا يعرفون قدره وقيمته وأفضاله عليهم)
11- توزيع 600 مليون كتاب عن الإسلام، بعدة لغات
12- إنشاء 200 مركز إسلامي
13- دفع مصروفات الطلاب الأفارقة النابهين الذين تم إرسالهم للتعليم في الخارج.
14- توزيع 160 ألف طن من الغذاء والدواء والملابس.
15- أسلم على يديه: 11 مليون إنسان.
– أصدر الدكتور السميط العديد من الكتب.. من أهمها:
1- لبيكِ أفريقيا.
2- دمعة أفريقيا
3- رحلة خير في أفريقيا
4- رسالة إلى ولدي.
5- قبائل الأنتيمور في مدغشقر.
6- ملامح من التنصير.. دراسة علمية.
7- إدارة الأزمات للعاملين في المنظمات الإسلامية.
8- السلامة والإخلاء في مناطق النزاعات.
9- قبائل البوران.
10- قبائل الدينكا.
11- دليل إدارة مراكز الإغاثة.
.. بالإضافة إلى العديد من البحوث وأوراق العمل ومئات المقالات التي نُشرت في صحف متنوعة.
– تعرّض الدكتور السميط لمحاولات قتل كثيرة من الوثنيين الأفارقة، والمُبشّرين، ولكنه نجا منها كلها بفضل الله.
– نام في العراء، وسار في الوَحل والمستنقعات، وتعرّض للسع البعوض القاتل، في أفريقيا، وحاصرته أفعى الكوبرا كثيرا، وتم إنقاذه بواسطه الأفارقة الذين أسلموا على يديه، وظل في طريقه لا يتراجع، وكان يقول: في سبيل الله نمضي..
– كان هدف الدكتور عبد الرحمن السميط محدّدا وواضحا، ولذا لم يستنزف وقته في أي صراعات فكرية، ومعارك أيديولوجية، ولم يسع لشهرة أو منصب، فالرجل الذي كان ينام على الأرض بلغ ذروة الزهد والحكمة والعطاء، وتصاغرت في عينيه دنيا البشر الزائلة.
– لكن لا ننسى تبرعات المسلمين من كل أرجاء الدنيا، وقبلهم العائلة الحاكمة في الكويت، للجمعيات التي أنفقت على مشروعات الخير التي أدارها الدكتور السميط، في البلدان الأفريقية، فتلك الأموال الطائلة تعادل ميزانيات دول،
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ» (رواه أحمد وأبو داود والبخاري، وصحّحه العلامة الألباني).
– في رده على سؤال في لقائه مع مجلة نون، العدد الرابع 1426هـ.. (2005م) ماذا جنيت بعد 26 سنة من العمل الدعوي؟ فقال: “جنيتُ راحة البال، وشعوري بأن حياتي التي قضيتها في مساعدة إخواني في أفريقيا كانت ذات معنى ولها هدف، قد لا أكون قد حققتُ كل ما أسعى إليه، خاصة وأنني كلما وصلت إلى هدف بدأت أسعى إلى هدف أبعد..”
– يقول الداعية السميط: (عندي عشرات الأمراض من جلطة بالقلب مرتين، وجلطة بالمخ مع شلل قد زال والحمد لله، وارتفاع في ضغط الدم، ومرض السكري، وجلطات في الساق، وتخشّن في الركبة يمنعني من الصلاة دون كرسي، وارتفاع في الكولسترول، ونزيف في العين وغيرها كثير، ولكن مَنْ ينقذني من الحساب يوم يشكوني الناس في إفريقيا بأنني لم أسعَ إلى هدايتهم)
بدأت تحذيرات الأطباء للدكتور عبد الرحمن السميط، بعد أن تكالبت عليه الأمراض، ودخل في غيبوبة طويلة، فقدَ فيها القدرة على الرؤية والحركة، إلا أنه كان يستفيق من غيبوبته أحيانًا ليسأل عن شيءٍ واحد: (ما هو حال الدعوة في أفريقيا؟) وكيف حال الأيتام الذين كانت جمعيات الشيخ ترعاهم في تلك القارة؟ وطالبوه بالراحة، وعدم السفر، ولكنه كان يقول لهم دائما: (سألقي عصا الترحال يوم تضمنون لي الجنة).
– نال العديد من الأوسمة والشهادات من دول العالم الإسلامي، وكان لا يهتم بذلك، ولا يترك أفريقيا، ويردد: (نحن لا ننتظر شهادات من أحد، نحن عملنا في الميدان، وننتظر من الله فقط أن يتقبّل عملنا)
– وبعد أن تقدّم به العُمر، وحاصرته أمراض الشيخوخة، وهَدّه مرض السكّري، وغسيل الفشل الكلوي، ولم يعد قادرا على المشي؛ رفض أن يستريح، رغم نصائح الأطباء، وقال كلمته التي نقشها التاريخُ على بوابة الزمن بحروفٍ من نور: (سألقي عصا الترحال يوم تضمنون لي الجنة، ودون ذلك فالعمل حتى يأتي اليقين، فالحساب عسير، كيف تريدون منِّي أن أتقاعد وأرتاح، والملايين بحاجةٍ لمن يهديهم)
– في يوم الخميس 8 شوال 1434هـ، الموافق 15 أغسطس 2013م، انطفأت شمسٌ كُبرَى من شموس الخير في هذا الزمان، وطُويَ كتابٌ عظيم، وسقطَ البَيْرَقُ، وترجّلَ الفارسُ، وارتفعَ بكاءُ ملايين الأفارقة الذين عرفوا الخير، ونور الإسلام على يديه..
وسالت دموعُ كاتبِ التاريخِ وهو يغلق صفحته؛
فقد آن لجسدِهِ أن يستريح
مات الدكتور عبد الرحمن السميط (رضي الله عنه وأرضاه)
اللهم اجزِهِ عن الإسلامِ والمسلمين خير الجزاء، واجعل له عندكَ زُلْفَى وحُسن مآب
————
المصدر:
موسوعة (شموسٌ خَلْفَ غيومِ التأريخ – الجزء الثاني – يسري الخطيب)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق