أحفادُ أبي رُغال!
- أدهم شرقاوي
عندما جاءَ «أبرهة الحبشيِّ» ليهدمَ الكعبةَ عامَ الفيلِ الذي وُلدَ فيه النَّبيُّ ﷺ، لم يكُنْ يعرفُ الطّريق إلى مكّة، إذ ذاكَ انبرى «أبو رُغال» ليدلّه عليها! فلمّا وصلوا إلى مكانٍ يُقال له «المغمس» ماتَ «أبو رُغال»، فصار رمزاً للخيانة، وكانت العربُ في جاهليتها ترجمُ قبره!
ثم مضتِ الأيامُ واكتشفنا أنَّ الخائنَ أبا رُغالٍ ليس شخصاً بمقدارِ ما هو فكرة توجدُ منها آلافُ النُّسخِ في كل عصرٍ! وما أكثرهم في أيّامنا هذه! إذ لا يخلو منهم بلد، وهم أحقر من أن يُمثّلوا بلدانهم، كلّ ما في الأمر أنَّ البيت مهما كان جميلاً فلا بدَّ أن يكون فيه مرحاض! وهؤلاء هم مراحيض الأوطان!
منذُ أيَّامٍ خرجَ علينا أحفادُ أبي رُغالٍ بفتحٍ استخباراتيٍّ، وزعموا أنهم اكتشفوا هويّة «أبي عُبيدة» الحقيقيّة، ونشروا في هذا فيديوهاتٍ وتغريداتٍ ومنشوراتٍ ومقالات، وفَخروا وتفَاخروا وتشدّقوا!
وكما العادة لم تُعلّق المقاومةُ على كلامهم، كما لم تُعلّقْ من قبل على كلامِ كبيرهم الذي علّمهم النّذالة «أفيخاي أدرعي» حين أذاع اسماً غير الذي اذاعوه هم، وكما لن تُعلّق مستقبلاً! وهذا من ذكائها، فإن أخطأ الرّجمُ بالغيب فلن تقول لهم: حاولوا مرّة أخرى!
وإن أصابوا فلن تقول لهم: أحسنتم وشكرَ لكم إبليسُ جهودكم!
يا للبطولةِ يا أحفادَ أبي رُغالٍ، يا للبطولة!
ثم لنفترضَ جدلاً أنكم كشفتم هويته، جدلاً فقط!
هل كشفتم تاجر مخدّراتٍ يسلبُ الأموال ويقتلُ الأجساد؟!
هل كشفتم مقاولاً فاسداً سرقَ المال العام، ونفّذ مشاريع دون المواصفات؟!
هل كشفتم قاتلاً هارباً متخفياً؟!
هل كشفتم تاجر مواد غذائية منتهية الصلاحية تُؤذي النّاس؟!
لم تكشفوا سوى اسم بطلٍ ولصالح محتلٍ لا يرى فيكم أكثر مما يراه صيّادٌ في كلبه! مجرّد كلب أثر لا شريك صيد!
هذا من باب أنه سلّمنا جدلاً فقط، فتخيلوا موقفكم غداً حين يُماط اللثام وتكتشفون أنكم كلاب أثر فاشلة!
ثمّ ما القيمة العسكريّة العظيمة في كشف وجه «أبي عبيدة»، وما أثره على سير الحرب، أو على مستقبل المقاومة؟!
أسيادكم في تل أبيب يعلمون منذ سنوات أن اسم قائد كتائب العزّ هو محمد الضيf، ونائبه مروان عيسa، فماذا استفادوا من هذه المعلومة، ها هي دباباتهم تُحرق، وجنودهم تُداس رقابهم!
فإن كُشف وجه «أبي عبيدة» فهذا ليس له تأثير إلا على حياته الشّخصيّة، مزيد من الأمن الشّخصي، وقلة من الخُلطة بالنّاس، أما صوته فسيبقى كما هو يجعلُ تلّ أبيبٍ كلّها ترتجف!
ثم لنفترض أن يستشهد «أبو عبيد ة»، حفظه الله لنا وأبقاه شوكةً في حلوقكم وحلوق أسيادكم في تل أبيب! فسيأتي غيره، «أبو عبيدة» هو الناطق العسكريّ باسم كتائب العز، أي الرّجل الذي يخرج علينا ليخبرنا بما فعلته كتائب العزّ، ولا يخرج علينا ليخبرنا بما فعله هو! إنها فكرة وليست أشخاصاً وهذا ما لا يستطعُ العبيدُ من أمثالكم فهمه، ونحن نُحبُّ الأشخاص لإيمانهم بالفكرة، ولحُسنِ عرضها، بفصاحةٍ وجرأةٍ وثباتٍ، ولكننا لا نربطها بالأشخاص وإن أحببناهم!
أخيراً لمن يعقلُ منكم:
تخيّلوا أنه يوم القيامة، وقد قام النّاسُ لربِّ العالمين، ولحِقَ كلُّ قومٍ بأحبابهم، ففي أيِّ صفٍّ تريدون أن يكون محشركم:
في صفِّ «أبي عُبيدة» أم في صفِّ أفيخاي أدرعي؟!
هذه حرب لا منتصف فيها، أبيض أو أسود، حقٌّ أو باطل، وإنها أيام وتمضي، وعند الله تجتمعُ الخصوم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق