المتفرجون العرب سيدفعون الثمن
ممدوح الولي
بعد مرور سبعين يوما على المذابح اليومية في غزة لم يعد هناك أدنى شك في أن الحكام العرب شركاء لأمريكا وإسرائيل والدول الغربية في الحصار على غزة، وإتاحة المجال الزمنى لتنفيذ مخططاتها، وأن مسألة إرسال بعض المساعدات التي يعلمون أن معظمها لن تصل لمستحقيها، هي مجرد لعبة لخداع الشعوب.
ونفس ما ينطبق على حكام الدول الإسلامية، بغض النظر عن البيانات الكلامية ذات النبرة العالية لبعضهم، والتي لا تأثير لها على ماجريات الأحداث وتحقيق الهدف الآني بوقف إطلاق النار، للحد من نزيف الدم الفلسطيني غير المسبوق في بشاعته.
ورغم أنهم يعرفون أن العدوان الإسرائيلي الغربي الحالي لا يستهدف فلسطين وحدها، وإنما يستهدف العالم العربي والإسلامي، من خلال الشواهد التاريخية وتهديدات القيادات الإسرائيلية لهم بشكل علني، إلا أنهم لا يهمهم سوى الحفاظ على كراسيهم، والتي يعتقدون أن السبيل لاستمرارهم عليها يرتبط بالرضا الأمريكي والإسرائيلي والغربي عنهم.
ولهذا فإنهم يطلبون من إسرائيل سرعة القضاء على المقاومة الفلسطينية، بعد أن طال الوقت والذي استنفدت خلاله ألاعيبهم بادعاء السعي لوقف إطلاق النار ومساندة الفلسطينيين، ومن ثم فلا أمل في هؤلاء مطلقا للسعي لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر أو توقف مساندتهم العملية له.
ونفس الأمر من شعوبهم التي اكتفت بمشاهدة لقطات ضحايا القصف المستمر وعمليات الإبادة الجماعية، ليكتفي بعضهم بالدعاء والبعض الآخر بمقاطعة منتجات بعض الشركات المساندة لإسرائيل، وبعضهم بالانخراط في مشاغلهم الحياتية بعد أن طال أمد الحرب، وبعضهم بالتقليل من شأن عمليات المقاومة بل والسخرية من رموزها، متماهين مع المواقف الحقيقية لحكام بلادهم.
الإضرار بالمصالح الأمريكية لتعيد حساباتها
لكن ما زالت الفرصة أمام الشعوب للإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة بمختلف الصور، حتى تسعى لوقف العدوان الإسرائيلي، حيث لم تتضرر مصالحها بعد رغم ما تقدمه من دعم سخي للآلة العسكرية وترويج لخطابها الدعائي وتبرير لمجازرها، وكذلك التواصل مع الرأي العام الغربي لدحض السردية الإسرائيلية للأحداث وإنشاء حركة تضامن دولية مع فلسطين، استنادا إلى الهمجية البربرية والمذابح غير المسبوقة.
وهكذا كان الهدف المشترك بين كافة الأطراف إسرائيليا وعربيا وغربيا هو سرعة القضاء على المقاومة الفلسطينية، والذي عجزوا عن تحقيقه طوال سبعين يوما، فالدول الغربية لا تريد أن يظهر نموذجا رافضا للهيمنة الغربية في المنطقة، حتى لا يشجع ذلك آخرين في مناطق أخرى على تقليده، ومن ثم وجوب القضاء على أي أمل لدى تلك الشعوب بالخروج عن الهيمنة الغربية، والنظم الحاكمة في الدول العربية والإسلامية تريد أيضا شعوبا خانعة ترضى بالفتات الذي تلقيه لها، ولو مجرد بعض السلع الغذائية بأسعار أقل، أو كيانات سياسية صورية غالبيتها بالتعيين.
ولهذا كان سعى هؤلاء لإفراغ المشهد السياسى بالبلدان العربية من مضمونه، حيث البرلمانات الصورية، واستغراق العمل النقابي في أمور هامشية كعلاج الأعضاء وصرف المساعدات، والإعلام السلطوي الذي يبرر قرارات الحكام ويبشر بجنى ثمار الإصلاح خلال السنوات المقبلة مع إعادة تكرار نفس الوعود دوريا، والقضاء المُسيس الذي يمثل أداة السلطة لقمع المعارضين ولو لمجرد تغريده على وسائل الاجتماعي، والجامعات المعزولة عن قضايا المجتمع والمحاصرة لأية صحوة طلابية، بحيث يتم إفراغ طاقة الطلاب في الرحلات والحفلات والمسابقات الرياضية.
صمت غربي عن الانتخابات الصورية
ولم تعد ظاهرة المتفرجين العرب على مذابح غزة قاصرة عليهم بل امتدت إلى شعوب العالم الإسلامي، وبينما يتحرك الآلاف في بعض العواصم والمدن الغربية للمطالبة بوقف إطلاق النار، تخلو العواصم العربية من مثل تلك المواقف الشعبية، فيما عدا العاصمة الأردنية ورام الله وصنعاء وطرابلس اللبنانية ونواكشوط. والأسباب معروفة للجميع، حيث الطبيعة الدكتاتورية لنظم الحكم التي تمنع التظاهر، بينما تسمح به فقط للتهليل للحكام وللقضايا التي يحددونها.
وبالطبع لن يسمع أحد عن أي موقف غربي تجاه تلك النظم السلطوية والتي تعج سجونها بعشرات الآلاف من المعتقلين، طالما أنها مُنصاعة للمواقف الغربية وتستورد المنتجات والأسلحة الغربية التي لا تُستخدم، كما تسكت القوى الغربية عن انتخابات هذه الأنظمة الصورية وما يحدث فيها من تجاوزات صارخة، بينما تتحرك سريعا لإبعاد من لا يسيرون في فلكها كما حدث مع رئيس وزراء باكستان الذي كان مصيره ليس الإبعاد فقط بل ودخول السجن وتشويه السمعة.
وهكذا تدفع الشعوب العربية والإسلامية ثمن تقاعسها منذ سنوات طويلة عندما انخدعت بشعارات الانقلابات العسكرية، وعندما رضيت بنظم الحكم الوراثية، وعندما سكتت عن نصرة ضحايا النظم القمعية في مصر وسوريا والخليج وكذلك في ميانمار والصين وروسيا، وعندما انخدعت بدعاوى الإصلاح الاقتصادي من قبل المؤسسات الاقتصادية الدولية، لتزيد معدلات الفقر والتضخم والبطالة فيها، والفجوات التنموية الجغرافية وسوء توزيع الدخل وغياب العدالة الاجتماعية.
ومن هنا فإن حالة الخذلان تجاه الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية تعود أسبابها لعقود مضت، حيث تحصد الشعوب ثمار تقاعسها على المستوى الصحي والتعليمي والثقافي والأخلاقي والاقتصادي، وها هي معدلات الأمية المرتفعة، ونسب الصادرات الصناعية المتدنية من مجمل الصادرات، ولا نقول نسب الصادرات التكنولوجية من الصادرات الصناعية كما تجرى المقارنات حاليا بين دول العالم لأن النسبة بالغة التدني.
موجات عنف متوقعة داخليا ودوليا
فنسب صادرات المواد الخام تتفوق من مجمل الصادرات، والتي يتم استيرادها كسلع صناعية بعد ذلك بأثمان مرتفعة، بما يضمن استمرار رفاهية المواطن الغربي، وحتى الفوائض المتبقية فلا بد من إيداعها أو استثمارها في تلك البلدان الغربية، كما يصعب استردادها عند الحاجة، ليكون البديل حينذاك هو الاقتراض الخارجي.
وكما تحققت تلك النتائج السلبية خلال عقود فإن علاجها أيضا سيحتاج إلى سنوات طويلة، خاصة وأن الغرب لن يسمح بوجود نظام ديمقراطي أو تجربة تنموية رائدة في المنطقة العربية، وسيستخدم صنائعه لاستمرار حالة الفرقة والتمزق الداخلي، والاعتماد على الغرب سلعيا وخدميا وعسكريا، كي تستمر الهيمنة للنظام الصهيوني.
وهكذا فإن الشعوب العربية والإسلامية تدفع ثمن تخاذلها منذ سنوات، فيما يخص قضايا الحريات والابتعاد عن أنماط التنمية المطلوبة والتقاعس عن مساندة أشقائها المستضعفين. ولا يقتصر الثمن على الإحساس بالإهانة وهي تشاهد على الشاشات مشاهد الإبادة الجماعية في فلسطين، وهي عاجزة عن مجرد إدخال بعض الطعام للجوعى في غزة، ولكنه يمتد إلى تدهور أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حين ينغمس شبابها في الملذات والشهوات والإدمان هروبا من مواجهة الواقع الأليم والإحساس بالعجز.
لكن هذا أيضا سينجم عنه حالة من عدم الانتماء والاغتراب وهجرة الكفاءات، وموجات من العنف تجاه المجتمع الذي أُهدرت كرامته وكُبتت حرياته، وتمت الحيلولة بينه وبين تحقيق أحلامه في المعيشة الكريمة؟ وستدفع بلداننا العربية والإسلامية ثمن تلك الموجات من العنف والغضب المكبوت حكاما ومحكومين، كما ستضرر مصالح الدول الغربية التي دعمت الحكام المتسلطين والمخلب الصهيوني في المنطقة وتسببت في المجازر الوحشية لسكان غزة.
twitter.com/mamdouh_alwaly
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق