السبت، 16 ديسمبر 2023

هل قلب بايدن الطاولة على نتنياهو؟

هل قلب بايدن الطاولة على نتنياهو؟

 


   الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر 


صبيحة يوم الثلاثاء 12/ 12/ 2023م قام الرئيس الأمريكي بجمع أقطاب اليهود الداعمين لإسرائيل في أمريكا، وهم أكبر القوى الضاغطة في أمريكا، وخطب فيهم خطاباً برقيًّا أي قصيراً ومختصراً ومكثفاً كانت خلاصته:

ـ يجب على إسرائيل أن تعلم أنها فقدت الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي للمدنيين لأننا لم نستطع السيطرة على نشر الفيديوهات التي تصور ذلك.
مثل العادة، أثار هذا التصريح زوبعة هائلة على الصعيد العالمي، الإعلامي على وجه الخصوص لأنه صاحب شأن التطبيل والتزمير، وكذلك على الصعيد السياسي وربما غير ذلك. وبدأت التكهنات والتوقعات والترقبات والتساؤلات:

ـ هل هذا بداية التغير في الموقف الأمريكي؟

ـ ألا يعني ذلك أن هذا تغير في الموقف الأمريكي؟

ـ ألا يعني ذلك أنه قد سئم من هذه الحرب الظالمة؟

ـ ألا يعني ذلك أنه سيضغط على نتن ياهو إيقاف هذه الحرب؟

ـ ألا يعني ذلك أنه سيفرض على نتن ياهو تغيير حكومته المتشددة؟

ـ هل يمكن أن يعني ذلك أن جو بايدن سيضحي بنتن ياهو ويأتي 

برئيس حكومة جديد يقوم بإيقاف الحرب على غزة؟

وغير ذلك مما يدور في إطار هذه التساؤلات والتوقعات. كانت التوقعات كوميدية من الجميع مع وضوح بالغ في الرؤية الأمريكية. في كل ما تابعته وسمعته من تحليلات في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لم أجد تحيليلاً صحيحاً، ولا أنفي وجوده. من المؤلم المضحك أن يرى الكثيرون من المحللين المختصين أنَّ هذا الخطاب أو البرقية هي إعلان تغير في الموقف الأمريكي، ولا أستبعد أن أجد بينهم من ينتظر أن تدخل الولايات المتحدة في حرب لتحرير فلسطين، وعلى أي حال هذا ما أراده وتوقعه أو جعلنا الإعلام العربي نتخيله منذ سبعين سنة.



لنعد إلى تصريح بايدن الذي يشبه البرقية، قال: «يجب على إسرائيل أن تعلم أنها فقدت الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي للمدنيين لأننا لم نستطع السيطرة على نشر الفيديوهات التي تصور ذلك». لننظر فيما فيه من حقائق. بقية البرقية من قبيل وجول تعزيز السلطة الفلسطينية والاعتراف بوجود السلطة الفلسطينية ومستقبل غزة بعد الحرب… وغير ذلك من قبيله لا يعدو كونه حشو كلام لا يخرج عن سياق ما سنكشفه. وعلى العموم فإن برقيته تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو أربعة.

ماذا يقول الرجل؟



في القسم الأول من البرقية يقول إن إسرائيل فقدت الدعم الدولي. 

فهل فقد إسرائيل الدعم الدولي فعلاً؟

هذا غير صحيح بحال من الأحوال فالدعم الدولي على أشده من 

معظم دول العالم وعلى رأسها الدول العربية؛ دعم نادي ومعنوي، 

إمداد بالمال والسلاح، قمع واعتقالات في أكثر دول العالم لكل من 

يعترض على إسرائيل أو يتعاطف مع غزة، هذا يحدث في كل 

العالم الغربي وأشد منه وأفظع هو الذي يحدث في العالم العربي.

 الخوف من قول الحق فقط لا من دعمه قد بلغ في بلاد العرب مداه،

 فتخيل أنَّ العالم الأوروبي والأمريكي في حالة غليان من

 الاحتجاحات والمظاهرات ضد الكيان الصهيوني وتضامنا مع أهل

 غزة بينما العالم العربي ساكن سكون أهل القبور. لا شك في أن

 القلوب تغلي غضباً على إسرائيل وتضامناً مع أهل غزة ولكن

 الخوف من السلاطين بلغ حداً لا يطاق ولا يصدق.

حتى هذه اللحظة بعد شهرين ونيف من العدوان على غزة لم يتغير شيء في هذه المعادلات، فماذا يقصد جو بايدن بفقدن إسرائيل الدعم الدولي إذن؟
إنه لا يقصد دعم الدول والأنظمة ولا بحال من الأحوال فهذا أمر لن يتغير ولن يتبدل إلا بقوة المقاومة الفلسطينية وفرضها إرادتها عليهم جميعاً. 
كيف ذلك؟ هذا أمر آخر.

الحقيقة إن بايدين يقصد أن إسرائيل فقدت المزاج الشعبي في العالم الغربي. مئات بل آلاف الأشحاص من مختلف المستويات والدول يوميًّا تتغير مواقفهم وتتحول إلى معاداة إسرائيل ومعاداة الصهيونية والوقوف إلى جانب غزة وفلسطين… بل العجيب أن تجد الكثيرين منهم يعلون وجوب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. هكذا بهذه العبارة. وفي هذا السياق فقد تغير نسبة دعم إسرائيل وتأييدها في الرأي العام العالمي وفي أقل الإحصاءات والتقديرات بات أكثر من 65 بالمئة من الشعوب في أي دولة أوروبية يقف ضد إسرائيل ويقف مع فلسطين. وهذه ظاهرة غير مسبوقة في العالم الغربي. وهذا يعني في الوقت ذاته أنه إلى جانب الآلاف الذين يصنعنون الفيديوهات الترويجية لدعم فلسطين ومجاربة إسرائيل هناك مئات الآلاف بل الملايين في كل دولة الذي يحملون الفكر ذاته والقناة ذاتها من دون أن يعبروا عن مواقفهم في الإنترنت. ومن هؤلاء الأشخاص مثقفون كبار ومسؤولون، أضرب مثالاً واحد في يوم برقية بادين وبعد ساعات منها قام برلماني بولندي بحملة تحطيم شرسة للرموز اليهودية في قاعة بالعاصمة وارسو… تجاوز القول والتعبير إلى الفعل العنيف.

هذا هو ما قصده بايدن وليس الدعم الدولي. هذا هو الرعب الذي باتت تعيشه أوروبا وأمريكا من استمرار الحرب. 
هم لا يريدون إنهاء الحرب من دون تصفية حماس، وإسرائيل تعدها المعركة الوجودية الأخيرة، وهي كذلك فعلاً. 

ولا أحد من ساسة الأنظمة في العالم الغربي يريد أن تتوقف هذه الحرب من دون القضاء على حماس وتصفيتها. 

حتى الخسائر الهائلة لإسرائيل والجيش الإسرائيلي؛ البشرية والاقتصادية، لا تعنيهم في شيء، ويبالون بها، لا حكومة إسرائيل تبالي بها ولا الحكومات الغربية تبالي بها. وأصلاً قتلى يوم الطوفان كلهم كانوا بالقصف الإسرائيلي، وكانت القيادة والجنود يعلمون أنهم يقصفون اليهود… 
فكيف يمكن تبالي الحكومة الإسرائيلي بعدد القتلى وحجم الخسائر الاقتصادية؟ وإذا كان هذا شأن الحكومة الإسرائيلية فكيف سيكون موقف الحكومات الغربية؟

من العبث والغباء توقع أن هذه الخسائر هي التي ستردعهم. ستكون 

عاملاً مهماً ولكنها لن تكون السَّبب. وخاصة في هذه المعركة التي 

هي معركة الوجود الأخيرة بالنسبة لهم. وهذه فرصتهم الأخير 

لتأمين وجودهم من دون منغصات بعدما سجد لهم علناً قواد العرب 

الخونة جميعاً. كان عملاءهم طيلة ما مضى من عقود ولكن بالسر، 

الآن أصبح الأمر بالعلن.

طيلة الحروب السابقة كانت هذه عقيدتهم ولم تتغير، ولكنهم لم يكونوا من قبل مضطرين. كانوا من قبل مضطرين لإظهار حرصهم على أرواح الإسرائيليين، من أجل قتيل إسرائيلي واحد كان يمكن أن يوقفوا الحرب، من أجل إظهار صورة القوة والحرص على مواطني إسرائيل… ولكن الأمر الآن مختلف لأسباب كثيرة.

إذن في القسم الأول من برقية بايدن الدعم الذي فقدته إسرائيل هو الأخطر عبر تاريخها، وهو الذي يهدد بقاءها، إنه دعم الشعوب المكذوب عليها التي بدأت تشاهد الحقيقة وتعرف الحقيقة وتعترف بالحقيقة وتعتزم الدفاع عن الحقيقة. أما ما خلا ذلك مما يسمى الدعم الدولي فلا يقدم ولا يؤخر، يكفي أن تكون معهم الولايات المتحدة، هذا على افتراض أن بقية الحكومات كانت أو ستكون ضدهم.

في القسم الثاني يبين بايدن السبب في فقدان الدعم الدولي وهو القصف العشوائي واستهداف المدنيين. السبب جميل لو كان من شحص جميل. قيام إسرائيل بقتل المدنيين والقصف العشوائي هو سبب تراجع الدعم الدولي لإسرائيل. بعد شهرين ونيف تقريباً اكتشف بايدن واكتشف المجتمع الدولي أن إسرائيل تقتل المدنيين وتقصف عشوائيًّا. حماقة لا نظير لها، و غباء لا نظير له، واستغباء منقطع النظير.

يفهم من كلام بايدن أنه وإدارته والإدارات الأوروبية لم تكن تعلم أن إسرائيل تقتل المدنيين، ولا تدمر البيوت على ساكنيها. إسرائيل بالمناسبة لا تقصف عشاوئيًّا، إنها تعرف أنها تقتل الأطفال والمدنيين والمشافي ومخيمات اللاجئين، تعرف ذلك تمام المعرفة. إن ضحاياها ليسوا ضحايا قصف عشوائي أو غير مقصود كما يريد أن يقنعنا بايدن… وهذا كله يعلمه بايدن شخصيَّا وتعلمه إدارته وتعلمه الإدارات الأوروبية كلها من دون استثناء.

إذن كون إسرائيل تقصف بعشوائية وتقتل المدنيين ليس السبب في تغير الموقف الدولي وتوقف الدعم الدولي لإسرائيل لأنه لم يتغير شيء في الدعم الدولي لإسرائيل وإنما الذي تغير وعلى وشك التصاعد الذي يخرج عن السيطرة هو الموقف الجماهير، الأعداد الهائلة من الناس التي بدأت تحارب إسرائيل على مختلف الجبهات الإعلامية وهذا أكبر خطر يهدد الوجود الإسرائيلي، بعد ضمان الجيوش العربية بطبيعة الحال، وهي مضمونة لهم منذ ما قبل النكبة. تستطيع الحكومات الغربية ممارسة القمع على شعوبها في شأن إسرائيل وهي تفعل ذلك من عشرات السنين بقوانين معاداة السامية، هذه القوانين التي بدأت الدعوات لإسقاطها. إذن تستطيع الكيانات الغربية ممارسة العنف والقمع ضد شعوبها وهي تفعل ذلك بهدوء الآن ولكنها لن تستطيع ضبط حركات الشعوب إذا تنامت أو استمرت في التنامي بهذه الطريقة ذاتها الآن من السرعة وطرائق التعبير وأهدافها… ستخرج الأمور عن السيطرة… وإذا خرجت السيطرة تخربط وانهدم كل النظام العالمي القائم على فرادة الغرب وتسيده على العالم… وكان إيجاد إسرائيل أساس لتعزيز هذا الحضور الغربي والهيمنة الغربية على العالم وخاصة العربي والإسلامي.

إذن المسألة مسألة فقد السيطرة. 
وهذا هو القسم الثالث من برقية بايدن في حقيقة الأمر. لقد تابع هو نفسه مفسراً سبب فقدان إسرائيل دعم المجتمع الدولي وهو نشر صور القتل عبر الإنترنت، وقال بالحرف: «هذا النشر الذي لم نستطع السيطرة عليه».

لم يستطع العالم الغربي السيطرة على نشر فيديوهات الوحشية الإسرائيلية. هذا الكلام وحده يكفي. هو يقول ويعلم أنه وأنهم كانوا يسيطيرون على الإعلام، وهذه حقيقة، ولا ينشرون إلا ما يريدون، ولا يقولون إلا ما يفترون… وبذلك فرضوا على الشعوب قناعات باطلة، زائفة، مفبركة… والآن فقدوا السيطرة على نشر المعلومات وعندما انتشرت الحقيقة انقلب الرأي العام في العام الغربي، ويتسارع ذلك تسارعاً أدخل العرب في قلوب الأنظمة الحاكمة في العالم الغربي على نحو الخصوص، ولا شك في شيئاً من البلل قد أصاب الملابس الداخلية للسلاطين العرب إن كانوا يلبسون ملابس داخلية.

إن قول بايدن هذا ينسف قوله السابق في الجملة ذاتها أو يقطع بأنه شريك تام في المجزرة أو كليهما معاً. 
فقوله بفقدان سيطرته وسييطرتهم على نشر فيدوهات الوحشية الإسرائيلية يعني أنه يعلم بها ويمنع نشرها، ويعني أنه لا يقصد أبداً أن فقدان الدعم الدولي كان بسبب القصف العشوائي وقتل المدنيين لأنه ولأنهم كأنظمة يعرفون ذلك تمام المعرفة، ناهيك عن كونهم شركاء بصريح بياناتهم. 

فكيف سيقل الدعم الدولي أو يتلقص إذن؟

حسناً، السؤال الذي طرحه الكثيرون ويشغل بالهم وهو مبني علىى هذا الكلام أو هذه البرقية التي أحللها: ألا يعني ذلك أنه يريد أن تتوقف هذه المجزرة الفظيعة الشَّنيعة ضدَّ أهل غزة؟

عندما نجد في التصريح ذاته أو البرقية ذاتها كلاماً عن ترتيبات ما بعد حماس وعن وجوب دعم إسرائيل لمحمود عباس وسلطة الغدر والخيانة المسماة السلطة الفلسطينية فهذا يعني أنَّ بايدن شخصيًّا والإدارة الأمريكية والإدارات الغربية لا تريد إيقاف المجزرة قبل القضاء على حماس قضاءً تاماً، لا أنالهم الله مرادهم، وأن الضوء الأخضر باستمرار المعركة منار والتصريح مفتوح. لا أحتاج إلى دليل يثبت ذلك أكثر من كلام بايدن ذاته. 
ولكني أعطي دليلاً ساخناً على ذلك، فبعد ساعات فقط من هذا الاجتماع، اجتماع بايدين بأقطاب اليهود في أمريكا والعالم، أعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية أنه لا توجد لدى واشنطن أي خطط أو نوايا لتغيير دعمها اللامشروط واللامحدود لإسرائيل وإمدادها بما تحتاج من السلاح… ولا نية لديها لثني إسرائيل عن حربها على غزة…

إذن لماذا هذا التصريح البرقي لأقطاب اليهود في أمريكا والعالم؟

لا هو يريد إيقاف الحرب، ولا هو يريد وقف الدعم، ولا تقليل الدعم، ولا هو معترض على قتل المدنيين والقصف العشوائي… فلماذا هذه الفتنة؟

الحقيقة إنها لأمرين أحدهما أو كليهما.

الأمر والأكثر أهمية وخطورة هو إطلاق يد أقطاب اليهودية في إيجاد الحلول لمسألة الثغرات التي يستغلها أصحاب الحق في الإنترنت ونشر المعلومات الحقيقية غير التضلية، غير الإفسادية… ومعالجة ما أصلحه طوفان الأقصى من ضمائر الغربيين والعمل على إعادتهم إلى حظيرة القطيع قبل فوات الأون. تلكم المهمة الأساسية للخطاب البرقي. 
وإلا لماذا جمع أقطاب اليهود حصراً ولم يكن بياناً عاماً للأمريكيين أو الغربيين أو العالم أو بياناً رئاسيًّا…؟؟!!

الأمر الثاني هو التمهيد لأي هدنة أو حتى إيقاف العدوان بطريقة تحفظ ماء الوجه مثل العادة. كبرهم وغرورهم وعنجهيتهم لا تقبل أن يقال إنهم انهزموا، أو حتى إنهم لم ينتصروا… يجب أن يكون المخرج إظهار أنهم انتصروا… بالمناسبة، 
ختاماً أقول: هذه العنجهية والكبر والغرور هي التي ستجعل هزيمتهم تمام نهايتهم. ما لم تكن نهايتهم التامة سيظلون يسببون التعب للجميع…


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق