النفخ الإعلامي!
- النفخ الإعلامي "المجاني" في قرب العواطف "الفارغة".. جريمة في زمن عوز موجع للقيادات كما للمشروعات الفكرية الثورية الشاملة!
هذا النفخ الإعلامي البشع "المجاني" في قرب العواطف "الفارغة"، الذي نعيشه ونعانيه، على هامش الزلزال العظيم الذي تشهده فلسطين اليوم، لم ولا ولن يأتي بالخير..
فلقد عشناه -في زماننا المعاصر الأخير هذا- أيام البوسنة، ثم عشناه أيام العراق الدامية، ثم عشناه أيام الانتفاضتين الفلسطينيتين الأخيرتين، ثم عشناه في ليبيا ومصر واليمن.. ثم عشناه في سوريا.. واليوم نعيشه مع الفلسطينيين من جديد.
قلنا وسنقول ونكرر: إن النفخ الإعلامي في قرب العواطف، هو "جريمة" بحق الشعوب أيام محنها المزلزلة.
النفخ الإعلامي الذي يزلزل الناس ويفجر عواطفهم، دون أن يكون في الأفق "قناة صحية سليمة" تصب فيها هذه العواطف المتفجرة ألما وقهرا.. لم ولا ولن يأتي إلا بمزيد من الإحباط
لأنه "مجاني" و "فارغ" و"ممرض":
- لا توجد معه خطة توجيه عام.
- ولا نية في إعادة تربية جيل قادر على الفعل.
- ولا يمتلك أصحابه مشروعا بديلا للقيامة.
هذا النفخ الإعلامي الذي يزلزل الناس ويفجر عواطفهم، دون أن يكون في الأفق "قناة صحية سليمة" تصب فيها هذه العواطف المتفجرة ألما وقهرا.. لم ولا ولن يأتي إلا بمزيد من الإحباط، ومزيد من اليأس، ومزيد من الشعور المدمر بالعجز، ومزيد من الكفر بكل أبعاد الكفر، بالخالق وبالإنسان وبالأوطان وبالقدرة على النهوض وبالحياة!
فالتهييج الإعلامي لا يعني مصداقية، ولا يعني مهنية، ولا يعني مشاركة وجدانية لأصحاب القضية الممتحنين اليوم، ولا يعني جهادا ولا نضالا ولا كفاحا، إن لم يكن وراءه منهج واضح للاستثمار الأخلاقي والإنساني والعقائدي، يبني ولا يهدم، يوجه ولا ينشر الفوضى الفكرية والتبعثر النفسي والتلاشي في فضاء ضبابية الأهداف وضياع البوصلة!
خاصة في غياب تام.. لشخصيات قيادية على مستوى الأقطار والأمة، قادرة على الأخذ بأيدي الناس إلى بر أمان اليقين: بأن الباطل لن يتمكن من الحق أبدا مهما بدا غير ذلك..
وبأن هذا الذي يجري في منطقتنا على التوالي منذ ثمانين عاما ليس إلا معارك على الطريق، وليست هي المعركة الفاصلة التي يترتب عليها انتصارات انقلابية إعجازية تغير مجرى الأمور..
وأن هذه المعارك الفاصلة لا تأتي من فراغ وإنما من قيامة شاملة تنهض بالإنسان والأمة من حضيض هذا الانهيار العام الأخلاقي والإنساني الذي نعيشه، والذي طالما استوجب في تاريخ أمم العالم كلها مثل هذه المعاناة.
وإننا نعيش حرفيا ما عاشته أمم أخرى من قبلنا، عانت ما نعانيه وأكثر مما نعانيه، وقامت ونهضت وجاءت من الموت وغيرت وأصلحت فازدهرت وتقدمت -إلى حين-.
"مفكرونا" قد عجزوا اليوم عن استنباط مشروع قيامة فكري ثوري جديد من الإسلام نفسه، ينهض بالمنطقة مما هي فيه.
من جهة أخرى إننا اليوم.. وعلى مستوى العالم كله، وليس المنطقة العربية منه بشكل خاص… نفتقد مشروعات فكرية إنسانية ثورية كبرى قادرة على تحريك الكتل البشرية والنهوض بها ودفعها في طريق التغييرات المدوية.
لا يكفي أن نعتقد ونقول ونكرر دون تعب ولا ملل: بأننا "نمتلك الإسلام"، فهو "كلام" حق لا ينهض وحده -الكلام- بالشعوب في هذه المرحلة!
لأننا بالإسلام يمكننا النهوض والنجاة على المستوى الفردي والأسري دون قيادات فكرية ولا مشروعات عابرة للواقع الحالي، وهما مادتان -تربية الإنسان والأسرة- قد رسبت فيهما الأمة في هذه المرحلة التاريخية بالغة التعقيد التي نعيشها.. ولولا هذا الرسوب ما وصلنا إلى الحال التي نعانيها اليوم، لأن الإنسان والأسرة هما أس نهوض الشعوب.
ولكن "مفكرينا" قد عجزوا اليوم عن استنباط مشروع قيامة فكري ثوري جديد من الإسلام نفسه، ينهض بالمنطقة مما هي فيه.
مشروع تحرر ثوري إنساني أخلاقي اجتماعي سياسي يتطلع أصحابه إلى الخلاص من "ثالوث تفسخ الأمم وانهيارها": الاستعمار والاستبداد والفساد..
وهذا العجز لا يعانيه المفكرون المسلمون اليوم فحسب، بل يعانيه كل المفكرين على مستوى العالم الذي أصيب بعوز مدقع في القيادات التاريخية، كما في المشروعات الفكرية الإنسانية الكبرى.
يبرز دور الإعلام العربي الفاشل العاجز الضامر، الذي يكرس -من حيث يدري ولا يدري- ثقافتنا المعاصرة المهترئة البعيدة كل البعد عن أسس قيام حضارتنا الأخلاقية والإنسانية
لقد احتجنا إلى ثورة استشهد في أتونها الملايين من أحياء وأموات، لكنها لم تتمكن -وقد تداعت علينا بسببها الأمم لذبحنا- من تغيير الأوضاع السياسية المفجعة التي نعيشها، وإن استطاعت كشف حقائق أساسية لازمة لنهضة شعوبنا اليوم، وعلى رأسها:
- كشف "الحقيقة الاستعمارية" التي ما زلنا نعيشها رغم هلوسات "الاستقلال"، في طول المنطقة العربية وعرضها.. والتي نحتاج إلى مشروع فكري سياسي اجتماعي إنساني أخلاقي جديد للخلاص منها.
- اكتشاف عجز "الحركة الإسلامية" المعاصرة بشقيها الدعوي والجهادي، عن الخلاص من الاستعمار والاستبداد، وإن تمكنت من زلزلة قواعد اللعبة على مستوى المنطقة.. وهي التي -الحركة الإسلامية المعاصرة- تحتاج إلى إحداث ثورة حقيقية في فكرها وأساليبها التربوية وآليات عملها المعاصرة.
- اكتشاف أنفسنا.. عللنا الأخلاقية والإنسانية.. والتي تحتاج إلى وضع نظريات تربوية انقلابية تعيد بناء الإنسان والمجتمع من جديد على أسس فلسفة الأخلاق والإنسانية في الإسلام.
وما كانت هذه الاكتشافات لتتم لولا أن قامت ثورة 2010-2011 في منطقة "اقرأ" التي لا تحب شعوبها ولا يعرف معظمهم القراءة!
وهنا يبرز دور الإعلام العربي الفاشل العاجز الضامر، الذي يكرس -من حيث يدري ولا يدري- ثقافتنا المعاصرة المهترئة البعيدة كل البعد عن أسس قيام حضارتنا الأخلاقية والإنسانية، والحقيقة الاستعمارية المهيمنة علينا آخذة بتلابيبنا تخنقنا بعنف وإرهاب.
وقد أصبح تهييج العواطف مهمة "إعلامنا" الرئيسية، حتى أننا أصبحنا نخون ونصهين ونتهم كل من يشذ "منه" عن مهمة تهييج العواطف هذه!
مع أنهم كلهم في الخيانة والتصهين والتهمة" سواء!
كل ما نعيشه في هذه الأيام الداميات الموجعات، ليس إلا "بعض" الخطوات الضرورية على درب الخلاص التي لا تعبد إلا بالدماء والأشلاء والتضحيات التي "يبدو" للناس أنها فوق قدرتهم على الاحتمال..
إننا اليوم، بحاجة ماسة إلى إعلام ثوري حقيقي.. يأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط لدى توجهه إلى الجماهير المتعطشة إلى من يأخذ بيدها ليدلها على طريق النجاة..
إعلام مهني ذو مصداقية ووعي مهمته بث الوعي، لأن الوعي هو السلاح الأمضى في طريق تحررنا.
إعلام غير حزبي وغير منحاز وغير مؤطر.. ينطلق فقط من مصلحة الإنسان لإصلاح حال شعوبنا وأمتنا.
كل ما نعيشه في هذه الأيام الداميات الموجعات، ليس إلا "بعض" الخطوات الضرورية على درب الخلاص التي لا تعبد إلا بالدماء والأشلاء والتضحيات التي "يبدو" للناس أنها فوق قدرتهم على الاحتمال..
لكننا لا نلبث أن نكتشف في كل مرة، بعد كل مرة… أن قدرة الإنسان على الاحتمال، والثبات والصمود، أكبر من قدرة التاريخ على تسجيل الفظائع والأهوال التي يعيشها.
ودليل ذلك.. أنه -الإنسان- في كل مرة، بعد كل مرة، بعد كل مرة.. نهض، وقام من الموت، وسار على جرحه، واستأنف سيره في الطريق، رغم أنف الهول والجرح والألم والموت وكل محاولات الأعداء لإفنائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق