هل تحتمل إسرائيل استمرار الحرب؟
كالدب الجريح الذي يتخبط نتيجة لآلام جرحه العميق، ما يزال هو حال الكيان الصهيوني وجيشه وحلفائه من الدول الغربية وعلى رأسهم: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، في خطواته وتحركاته في غزة والضفة الغربية وما حولها.
اشتدت وتيرة استهداف الاطفال والنساء، وزادت الهجمات على المساجد والمستشفيات وأماكن الإيواء، والمخيمات، هذا التخبط الذي يزداد يوما بعد يوم، وكان نتيجته زيادة في أعداد الشهداء في غزة والضفة الغربية. ومع هذه الجرائم الإنسانية وحرب الإبادة ترتفع وتيرة المعارضة الرسمية، والشعبية لاستمرار الحرب على غزة، والشاهد أنها اصبحت حربًا على كل فلسطين، فالمتابع لأحداث الأيام الماضية يجد أن الضفة الغربية قد صارت ساحة للقصف الممنهج والعشوائي الصهيوني كما غزة.
وكما تتخبط الآلة العسكرية لجيش الاحتلال، يتخبط ساسته وقادته أيضا في تصريحات عسكرية وسياسية تصل في أحيان لحد التناقض. فها هو رئيس الوزراء الصهيوني يتناقض في تصريحاته على مدار اليوم الواحد إذ يصرح أنه سيناقش السلطة الفلسطينية في مستقبل غزة بعد الحرب، ثم يصرح بأنه قد يشن حربا على الضفة الغربية متألما من ضربات المقاومة في عديد من الأحياء والمدن في الضفة مثل جنين، ونابلس.
عاد النتن ياهو إلى التصريح بأنه لن يسمح أن تكون غزة ” فتحستان” في إشارة إلى منظمة فتح الفلسطينية، بينما يهدد المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال باستمرار الحرب إلى أسابيع وقد تصل لشهور، وفي ظل ما يموج به الداخل الإسرائيلي من تناقضات حول الموقف من استمرار الحرب يصبح التساؤل عن قدرة احتمال الكيان الصهيوني استمرار الحرب مشروعا.
خسائر عسكرية وسياسية
لا تزال المقاومة الفلسطينية وكتائبها البطلة تذيق جنود الكيان المغتصب الكثير من الآلام في مناطق وجودهم في قطاع غزة وبعض الأماكن في الضفة الغربية، وقد انعكس ذلك على أعداد الجنود القتلى التي يعلنها الجيش الصهيوني، والذي يصبح مجبورا على إعلان أعداد تتناسب مع المادة الموثقة التي تبثها كتائب المقاومة.
كما أن بعض التحركات التي يقدم عليها الجيش الصهيوني بها تشير إلى مأزق القوات في غزة والضفة، إثر الازدياد في أعداد المركبات التي يتم تدميرها في ساحات القتال. وقد كانت محاولة إنزال مساعدات عن طريق الجو لوحدات عسكرية ذات دلالة على حصار تلك الوحدات وعزلها عن طرق التواصل مع القيادة العسكرية.
فرضت هذه التطورات على الحرب التي تدخل أسبوعها الثاني من شهرها الثالث زيادة حجم الغضب على أسلوب إدارة نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل، فالكيان الصهيوني لم يتعود على هذه الأعداد من الخسائر في (نحو 500 ضابط ومجند حسب تصريحاتهم الرسمية) أو أعداد تدمير الآليات التي تقترب من الـ700 آلية عسكرية، والعدد في ازدياد.
كل هذا رغم كم المساعدات التي لا تتوقف من الولايات المتحدة إذ أرسلت 15000 قنبلة، 20000 قذيفة، إضافة إلى ألفين من القوات الخاصة الأمريكية، ولكن هذه القوات تغوص الآن في وحل الخسائر والهزائم في شوارع وأحياء غزة. كل هذا يجعل الداخل الإسرائيلي يفقد ثقته في جيش الدفاع الصهيوني، بعد أن فقدوا الأمان المزعوم منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
لم يعد المستوطن الصهيوني يرى أن فلسطين أرض أمان لهم، كما قال أحد الخبراء الصهاينة أن كذبة المؤسسين عن الأرض التي بلا شعب قد انكشفت، فالأرض لها أصحابها وهم مستعدون للموت من أجلها، بينما هم لديهم جميعا -بحسب الخبير الصهيوني- دول آخري وأوطان يذهبون إليها. وقد انعكس ذلك على أعداد الهاربين من الكيان خلال الشهرين الماضيين. فهل يحتمل الكيان استمرار الحرب ومزيد من انهيار الجبهة الداخلية؟
الأيام الأخيرة بدأت تكشف عن الكثير من الأكاذيب التي صدّرها الكيان وقادته من خلال الإعلام الغربي الداعم له، إذ بدا الإعلام الصهيوني في الداخل الفلسطيني يكشف عن كم الأكاذيب في أعداد القتلى والمصابين الذين سقطوا في غزة والأرضي الفلسطينية وعلى الجبهة اللبنانية.
كما ازداد حجم الانقسام السياسي والإعلامي، وقد نقل ذلك عديد من وسائل الإعلام الغربية التي بدأت تتحدث صراحة عن هزيمة لإسرائيل، فقد قالت صحيفة ذا نيش الأمريكية في عددها الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول تحت عنوان (إسرائيل تخسر الحرب) إن أسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها السياسية، ونتنياهو يفتقر إلى الضمير الإنساني، وحماس ستنتصر بسبب أسلوبها الفيتنامي في المقاومة.
بالأمس دعا بايدن إلى تغيير في حكومة الكيان الصهيوني، وهو ما اعتبره البعض تغييرا أو خلافا أمريكيا صهيونيا بدأ يدب بين حليفي الحرب على غزة، هكذا بدأت الكثير من العلامات السياسية والتي من ملامحها أيضا هذا الإجماع على وقف الحرب في الأمم المتحدة الذي توقف قرارها بفعل الفيتو الأمريكي، ثم بدأ الأعداد لقرار جديد يجري التوافق عليه.
الدعم الشعبي للمقاومة
تتزايد الحملات الشعبية والتظاهرات الداعمة للمقاومة الفلسطينية التي يسطر أبطالها تاريخا جديدا للأمة العربية والإسلامية في الكثير من بلدان العالم، ولعل التظاهرة المليونية التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن أكبر دليل على تنامي الضغط الشعبي لوقف الحرب على غزة ودعما للحقوق الفلسطينية.
كما شهدت العديد من الدول الغربية وبعض الولايات الأمريكية مثل هذه التظاهرات، ومع استمرار الحرب ستزداد وتيرة التظاهر والدعوة لوقف الحرب الشاملة التي يشنها الكيان على الأراضي الفلسطينية، والشاهد أن هذا التظاهرات إضافة إلى اتساع دائرة النقد لهذه الحرب يزداد مع الأيام، كما أن الكثير من سياسيي العالم ومشاهيره بدؤوا في إعلان وقوفهم ضد الحرب، وقد رأينا المؤتمر الحاشد لدعم الحق الفلسطيني وإيقاف الحرب في غزة الذي أقيم في جنوب إفريقيا وحضره قادة من المقاومة الفلسطينية وحماس.
لعل أخطر ما يواجه المقاومة الفلسطينية وأبطالها في كل الأراضي الفلسطينية هو هذا التخاذل العربي الرسمي!
إن استسلام الدول العربية لمناقشة موضوع غزة بعد حماس لهو قمة التخاذل العربي الرسمي، وهذا الصمت العربي الرسمي عما يحدث في غزة يمثل الضربة الحقيقية للمقاومة الفلسطينية، فهذا النظام الرسمي العربي الذي عجز عن مجرد توصيل مساعدات إنسانية لأهلنا في غزة يعتبر الخنجر المغروس في ظهر المقاومة الفلسطينية والحق الفلسطيني.
ومع هذا الخزي العربي، فإن الحوثيين في اليمن وعلى باب المندب لا يزالون يمثلون نقطة الضوء في سماء الوطن العربي بدعمهم الكبير للمقاومة ومنع أي سفن بحرية عابرة للبحر الأحمر إلى الكيان الصهيوني، وهذه إضافة إلى المقاومة اللبنانية في الجنوب.
مع كل يوم تزداد أعداد الأكياس السوداء الذاهبة إلى الكيان الصهيوني لجنوده وضباطه، ومع تزايد استهداف الآليات الصهيونية المحترقة، وهذه الخسائر الكبيرة في أعداد القتلى سيُهزم الجمع الغربي، وسيُهزم التخاذل العربي الرسمي وستنتصر المقاومة، أو إن شئت الدقة سيتم الإعلان الرسمي عن هزيمة الكيان ويصبح مستقبل إسرائيل على كف عفريت!
وإن النصر صبر ساعة. وإنه لجهاد: نصر أو استشهاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق