التعامل الأسطوري مع (مقاومة غزة)!
أ.د فؤاد البنا
أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
إن المدى الزمني الطويل لمعركة غزة قد دفع مسلمين كثيرين للتعامل في عالم الشعور مع العدد الكبير ممن يرتقون شهداء في غ.زة وكأنهم أرقام نقصت من الرقم الكلي في القطاع، مستبشرين بأن الله قد عوضهم بستين ألف مولود سجلتهم وزارة الصحة في غ.زة منذ بداية الطوفان!
والأخطر من ذلك أنه دفعهم للتعامل مع الأبطال الذين ما زالوا يصولون ويجولون في الميدان بل ويرغمون أنف العدو المدعوم من معظم بلدان العالم، وكأنهم كائنات خارقة للعادة المعروفة عند البشر، فلا منتهى لقوّتها وأقواتها ولا نفاد لأسلحتها وحاجاتها المختلفة، حتى أن بعضهم لم يعودوا يقلقون عليهم ولا يفكرون كيف يصنع إخوانهم أمام هذا التدمير المنقطع النظير للأخضر واليابس وهذا الحصار الذي منع وصول كسرة خبز للمدنيين شمال القطاع فضلا عن المقاتلين، ولا كيف وأين يتعالج جرحاهم ومن أين يأتون بالمياه والوقود والدواء، وخاصة أنهم كانوا محاصرين في الأصل منذ عام ٢٠٠٨م، ولم يتساءلوا كيف يعيش آلاف عديدة داخل خنادق تحت الأرض مهما كان حجمها وهي بحاجة ماسة للإضاءة والتهوية، وهذه لا تتم إلا بوقود؟! ومن أين يأتي الوقود وهو ممنوع حتى على المستشفيات؟!
إن هؤلاء ينسون أو يتناسون أن هؤلاء بشر من لحم ودم مثلنا، وأن تكوينهم الترابي البشري يجعلهم يجوعون ويعطشون ويبردون ويختنقون ويمرضون ويخافون مثل سائر البشر، وأن الإيمان يرتقي بالطبائع البشرية لكنه لا يقضي عليها ولا يحول معتنقيه إلى كائنات فولاذية أو أسطورية أو آلية!
ثم هل نسي هؤلاء أن الله تعالى ذكر في سورة الأحزاب أن الصحابة الكرام قد زلزلوا زلزالا شديدا في معركة الخندق؟ ألم يصف الله الرعب الذي نزل بهم حينما تمت محاصرتهم لأيام، مع الفارق الكبير بين ما حدث لهم وما يحدث لأبطال غ.زة، بقوله عز وجل: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}، فقد وصل بهم الحال إلى أن يظنوا بالله الظنون وهم خير جيل أنجبته البشرية، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم بل ورباهم على عينه، والوحي يتنزل عليه بين أيديهم؟ فكيف بمن دونهم؟
ألم يدفع الخذلان والإرجاف الذي مارسه المنافقون وضعيفو الإيمان مجاميع من الصحابة للانفضاض عن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ولولا صمود خمسة من الصناديد الأبطال حوله والذين استماتوا في القتال دونه لاستفرد المشركون به وقتلوه؟
ألم نفكر بانعكاس الخذلان بل والحصار الممارس ضدهم من قبل الأشقاء على نفسيات المقاتلين، في الوقت الذي تصل فيه شتى أنواع المساعدات إلى الكيان المجرم من مختلف بقاع العالم؟!
وبالطبع فإن بقاء هذه المشاعر الفردية مهمة ويجب أن تبقى متقدة، مستحضرةً هذه الهموم والأوجاع كلها، لكن المشاعر الجمعية أهم منها؛ لأن بالإمكان ترجمتها على الأرض إلى إجراءات تخفف الحصار وتدعم المحاصَرين مانحةً إياهم الشعور بأنهم ليسوا وحدهم.
وبالطبع فإن بقاء هذه المشاعر الفردية مهمة ويجب أن تبقى متقدة، مستحضرةً هذه الهموم والأوجاع كلها، لكن المشاعر الجمعية أهم منها؛ لأن بالإمكان ترجمتها على الأرض إلى إجراءات تخفف الحصار وتدعم المحاصَرين مانحةً إياهم الشعور بأنهم ليسوا وحدهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق