القنبلة التي ألقاها غالانت!
من هم هؤلاء الحريديم؟ وما هو تأثيرهم ودورهم في اللعبة السياسية داخل دولة الكيان، وما الذي طالب به غالانت بشأنهم، وكيف ستصل الأمور في الائتلاف الحاكم الذي يرأسه نتنياهو؟
"تصريحات غالانت بمـثابة العبوة الناسفة الهائلة التي زرعت في غرفة مجلس الحرب"
هكذا وصف المحلل السياسي في صحيفة معاريف بن كسبيت تصريحات وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت، والذي دعا إلى سن قانون جديد يلغي إعفاءات التجنيد والخدمة العسكرية التي يحظى بها اليهود الأرثوذكس (الحريديم).
وأوضح غالانت خلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء الماضي، أنه لتحقيق أهداف الحرب، وللتعامل مع التهديدات القادمة من غزة، ومن لبنان، ومن الضفة الغربية.. نحتاج إلى الوحدة والشراكة في القرارات المتعلقة بمستقبلنا.
من جانبه، رحب عضو مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس بدعوة غالانت، قائلا: يجب على جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي أن تشارك في الخدمة (العسكرية)، فهذه حاجة أمنية ووطنية واجتماعية.
منذ عام 2017، فشلت الحكومات المتعاقبة بالتوصل إلى صيغة قانون توافقي يقضي بتجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا القانون الذي شُرّع عام 2015 والقاضي بإعفائهم من الخدمة العسكرية |
وبدا تصريح غالانت متوافقا مع خطة الوزيرين من تحالف المعسكر الوطني بيني غانتس وغادي آيزنكوت، التي تقضي بتجنيد الحريديم في الجيش، حيث اشترطا دعمهما لمساعي الحكومة لتمديد فترة الخدمة العسكرية والاحتياط، بالموافقة على زيادة عدد الإسرائيليين الذين يتم تجنيدهم تدريجيا في العقد المقبل.
ولكن وفي المقابل فقد قابلت التيارات الدينية الأرثوذكسية اليهودية هذه التصريحات بالهجوم عليها.
فقد ذكرت قناة كان الصهيونية، أن هناك شعورًا بالغضب لدى كل من حزبي شاس ويهدوت هتوراة (التوراة اليهودية الموحدة) المحسوبيْن على الحريديم من إعلان غالانت، ونقلت القناة عن مصدر من حزب يهدوت هتوراة للقناة: إذا أراد نتانياهو البقاء في السلطة بحلول الصيف، فسيحتاج إلى الموافقة على مشروع قانون الإعفاء (من الخدمة) للحريديم، وأكد موقع قناة الحرة الأمريكية أن تصريحات غالانت قد أدت الى تصاعد المشاكل بين الجناحين الديني واليميني في الائتلاف.
ومنذ عام 2017، فشلت الحكومات المتعاقبة بالتوصل إلى صيغة
قانون توافقي يقضي بتجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا
القانون الذي شُرّع عام 2015 والقاضي بإعفائهم من الخدمة
العسكرية، وسوغت ذلك بأن الإعفاء يمس بمبدأ المساواة.
ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست على تمديد الإعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية، والذي سعت إليه تلك الجماعات حتى تحظى بإعفاءات لأتباعها، ليتمكنوا من التفرغ للدراسة في المدارس والمعاهد الدينية، وهو الأمر الذي يثير جدلا متجددا في دولة الكيان الصهيوني، وقد اتسع هذا الجدال بعد حرب طوفان الأقصى، وما استتبعه من الخسائر التي لحقت بالحيش الصهيوني وسقوط أعداد كبيرة من جنوده وضباطه بين قتيل وجريح ومعاق، ومع استمرار المعارك واحتدامها بين الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، كان لابد من تعويض نقص الأفراد عن طريق تجنيد المزيد من اليهود.
وتمثل تصريحات غالانت بلا شك، وضعا صعبا لحكومة بنيامين نتانياهو، لأن أحزاب الحريديم تساند نتانياهو في الكنيست، وتعطي له أغلبية في البرلمان لتؤمن وتضمن عدم انهيار الائتلاف الحاكم ومن ثم الذهاب إلى انتخابات، والأخطر بالنسبة لنتانياهو محاسبته على ما حدث في طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.
ومن هنا تتصاعد الأسئلة، عن مدى تأثير تلك القضية على وضع الحكومة الصهيونية واحتمالات انهيارها؟
وهل ما قام به غالانت هو بمثابة خطوة مخططة لإسقاط الحكومة؟ كما تدعي قيادات الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة وفق موقع كيكار هاشبات الإخباري الحريدي؟
الحريديم والكفر بإسرائيل
هناك خلط شائع بين الناس بين اليهودية والصهيونية، فاليهودية هي الديانة المعروفة والتي تم تحريفها من قبل اليهود، وهناك الصهيونية وهي الايمان بأحقية اليهود بحكم فلسطين وإقامة هيكلهم المزعوم في جبل صهيون في فلسطين.
وفكرة الصهيونية قد يعترف بها النصارى خاصة البروستانت الذين يؤمنون بالإنجيل المحرف أو العهد الجديد، والذي يوجد في نصوصه أن شرط نزول مسيحهم، هو تواجد اليهود في فلسطين وتدشين هيكلهم، ولذلك تجد أن البروستانت قد تحمسوا لهجرة اليهود الى فلسطين، وأقنعوا بعض اليهود بتلك الفكرة بالرغم من أن معظم تفسيرات نصوص التوراة عكس ذلك، والتي تشترط نزول المسيح حتى يتجمع اليهود حوله، وهذا ما أوجد الانقسام في اليهود الآن.
يتواجد في دولة الكيان الصهيوني ثلاثة أنواع من اليهود: صهاينة علمانيين تمثل لهم الدولة كيانا يجمع شتات اليهود ويتحكموا من خلاله في العالم ومزيد من المال والنفوذ، وهناك صهاينة متدينون يؤمنون بفكرة إقامة الهيكل لكي ينزل المسيح المزعوم، بينما يتواجد اليهود الأرثوذكس المتدينين الحريديم والذين لا يؤمنون بقيام الدولة الآن قبل نزول مسيحهم، ويعتبرون أن الكيان الحالي خالف التوراة، ولكنهم مضطرين للعيش فيه ولكن بشروطهم، دون منحه الشرعية؛ وهم يعتبرون أنفسهم في منفى أيضاً؛ غير أنهم يتعاونون مع الدولة ومؤسساتها وكأنهم في بلد أجنبي، ويحددون موقفهم منها بمقدار اقترابها من التوراة وتعاليمها.
نتانياهو يواجه اليوم عدة تحديات، بل هو محاصر بها، ففضلا ًعن تحدي حركة حماس والتي لم يستطع كسر شوكتها بالرغم من تدميره لغزة وبيوتها وأهلها، هناك أيضا علاقته المتوترة بالإدارة الأمريكية والتي دعمته لأقصى الحدود |
وكلمة حريديم هي جمع لكلمة حريدي وتعني التقي، وربما يكون الاسم مشتق من الفعل حرد الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف. والحريديم يرتدون عادة أزياء يهود شرق أوروبا وهي معطف أسود طويل وقبعة أسودان وبالإضافة إلى الطاليت وهو شال خاص بصلاة اليهود غالبا ما يكون أبيض اللون في زواياه الأربع، ويرسل رجال الحيرديم ذقونهم ، وكذلك يرسلون شعورهم وتتدلى من خلف آذانهم خصلات شعر مجدولة. كما تتشابه نساء الحيريديم في ملابسهن إلى حد كبير جدا مع النساء المسلمات اللواتي يرتدين ما يعرف بالخمار، إذ ترتدي الكثير من نساء الحيرديم لباسا يكاد يطابق البرقع الذي ترتديه بعض النساء المسلمات.
خلاصة الحريديم، فكريا: يعتبرون الدولة الصهيونية أنها تسعى إلى إيجاد هوية وشعب يهوديين جديدين تأثرا بالفكر القومي الآتي من الغرب، ولذا فهي مرفوضة.
أما عمليا فيمكن التمييز بين ثلاث تيارات في الحريديم:
الأول، الحريدي المعتدل الذي يمارس تعاطفا فعليا مع الدولة ومصيرها، حتى وإن كان لا يوليها أهمية دينية بل يعتبرها مُجرّد أداة لا أكثر، ويشمل هذا التيار حركة حباد وحزب شاس.
والثاني، تيار راديكالي يتبنى مواقف متطرفة في معاداة الصهيونية، وينكر أي حق وجود لأي كيان سياسي يهودي قبل قدوم المسيح المنتظر ويعتبره تمردًا على ملكوت السماء. ويشمل هذا التيار الطائفة الحريدية، وحركة ناتوري كارتا، ومجموعات أخرى.
والثالث هو التيار المركزي، ويتبنّى مواقف براغماتية في القضايا السياسية من منطلق الحفاظ على التعايش المشترك مع أغلبية الشعب الإسرائيلي. ويعتبر هذا التيار نفسه غير صهيوني، ويركز جلّ اهتمامه في الجهد الثقافي التربوي من خلال تعزيز مؤسساته التعليمية والدينية وتحصينها. ويشمل هذا التيار بالأساس حركة وحزب أغودات إسرائيل، وهما حاليا جزء من تحالف حزب يهدوت هتوراه.
قضية الحريديم ومصير نتانياهو
تحظى الحكومة الصهيونية والتي جاءت في أعقاب انتخابات نوفمبر 2022، بتأييد 64 عضوا في الكنيست الصهيوني من أصل 128 أي أن هذه الحكومة يؤيدها غالبية داخل البرلمان الصهيوني.
والكتلة التي تؤيد نتانياهو عبارة عن 32 عضوا من حزبه الليكود وهو حزب يميني علماني، و14 عضوا من حزبي الصهيونية الدينية وهما حزب بن غفير وسميورتش، ثم 18 عضوا من حزبي الحريديم وهما شاس ويهدوت هتوراة.
وهذه الأرقام توضح أن الذي يحمي نتانياهو من السقوط في الكنيست، هما الحريديم والصهيونية الدينية، وأن انسحاب أحداهما يعني انهيار الحكومة والذهاب إلى انتخابات جديدة والتي سيسبقها بالطبع تشكيل لجنة لمحاسبة نتانياهو وحكومته عن هزيمتها في السابع من أكتوبر، إلا إذا استطاعت كتلة كبيرة في الكنيست دعم نتانياهو، ولكن الكتل الأخرى يغلب عليها أنها تريد الخلاص من نتانياهو والذي حكم الكيان الصهيوني كأطول مدة شغلها رئيس وزراء.
نتانياهو يواجه اليوم عدة تحديات، بل هو محاصر بها، ففضلا ًعن تحدي حركة حماس والتي لم يستطع كسر شوكتها بالرغم من تدميره لغزة وبيوتها وأهلها، هناك أيضا علاقته المتوترة بالإدارة الأمريكية والتي دعمته لأقصى الحدود، وأصبحت أمريكا تقف لوحدها في العالم بسبب هذا الدعم، مع تكاتف الأصوات بضرورة وقف الحرب، وبالرغم من هذا كله فإن نتانياهو يرفض نصائح بايدن بالبحث عن حل آخر لإنهاء حماس غير الإبادة الجماعية، بعد أن أدرك الأمريكان فشل الحل العسكري مع المقاومة الفلسطينية.
أما التحدي الداخلي الذي يقابله نتانياهو، فهو ضغط جزء من الشارع الصهيوني لوقف الحرب لحل مشكلة الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، ثم تهديدات قادة الجيش له بإعطاء أفق سياسي للحرب التي يشنونها على غزة وتعديل أهدافها، وضغط أحزاب المعارضة من يمين الوسط بقيادة لابيد وغانتس، حتى أن الأخير ذهب لأمريكا بدون موافقته في تحدٍ كبير لأعلى سلطة في دولة الكيان.
وأخيرا التحدي من داخل حزبه الليكود، حيث فوجئ نتانياهو بدعوة وزير دفاعه يؤاف غالانت بضرورة تجنيد الحريديم لتعويض النقص في أفراد الجيش الصهيوني، والتي ربما تسبب تراجع دعم أكبر كتلة متحالفة مع الليكود وهي كتلة الأحزاب الحريديمية، ولا يدري نتانياهو ماذا يريد غالانت بهذا التصريح: هل يريد تفجير الحكومة ليصعد غالانت إلى زعامة الليكود بعد تنحية نتانياهو وفشله في إدارة الحرب؟
هذا هو الاحتمال الأقرب، خاصة أن غالانت أبدى تذمره وخصومته العلنية مع نتانياهو في أكثر من موقف.
نتانياهو يعاني من تفكك حلفائه ومن ضغوط هائلة في الداخل والخارج، وهذه ربما تكون دعوات عشرات آلاف الضحايا والثكالى واليتامى من أهل غزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق