الأربعاء، 13 مارس 2024

«حوّل لي رابط»

 

«حوّل لي رابط»


سالم النخيلان


في ليلة ظلماء احتشدت القلوب القاسية والسيوف المسلولة من كل قبيلة يحملها شابٌ فتيٌ حسيبٌ نسيب من أوسطهم حول بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينتظرون خروجه ليضربوه ضربة رجلٍ واحد فيتفرق دمه بين القبائل.

خرج صلى الله عليه وسلم، من بين أيديهم فتوجه إلى منزلٍ فطرق بابه فخرج له صاحب المنزل ينظر بعين الفرح والتساؤل عن سبب قدوم رسول الله ولكن يمنعه الحياء من السؤال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُذِن لي بالهجرة، فعلم أنها الصحبة، فقال الصحبة يارسول الله؟ فأجاب رسول الله: الصحبة يا أبا بكر، فهلت دموع أبي بكر من شدة الفرح لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان صاحب رسول الله في رحلة كانت كفيلة بتغيير مجرى التاريخ.

أخذ أبو بكر راحلتين وكل مالِه ولم يترك شيئاً، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهاجرين إلى المدينة وقد تواعدا مع ابن أريقط -الدليل- بعد ليالٍ عدة قضياها في غار ثور، جنوب مكة إلى أن يقف عنهما الطلب.

وكان أبو قحافة، والد أبي بكر؛ شيخاً كبيراً أعمى يقول لأسماء ابنة أبي بكر:

هل ترك أبوك لكم مالاً أم أخذ كل ماله وخرج مع محمد؟ ولم يكن الشيخ قد أسلم بعد، فأتته أسماء بكيسٍ وضعت فيه الحصى فقالت له ترك لنا هذا، فيطمئن لوجود المال في البيت.

وفي أثناء اختباء النبي صلى الله عليه وسلم، في غار ثور مع أبي بكر، كانت أسماء ابنة أبي بكر، تأتيهم بالطعام وأخوها عبدالرحمن ابن أبي بكر، يجالس قريشاً نهاراً ويأتي بأخبارها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، وعامر ابن فهيرة، الذي كان مولاً لأبي بكر، يرعى الغنم على طريق الغار ليزيل أثر خطوات أسماء وعبدالرحمن فلا يستدِل أحد على وجود النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار، إلى أن خرجا بعد اليوم الثالث والتقيا بالدليل وقد توقف الطلب عنهما، وتوجها إلى المدينة التي استنارت بنور النبي صلى الله عليه وسلم، وأشرقت من ظلمة ودياجي.

وكان لأبي بكر وأسرته من ابنه عبدالرحمن وابنته أسماء وحتى خادمه، دورٌ ومهمة لما يسر الله عز وجل لكل فردٍ منهم في خدمة هذه الهجرة والدعوة المباركة التي نحن نجني ثمار غرسهم وجهدهم فيها.

كم وكم تأملت بما يتطلب منا تجاه ما جاهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه وأسرته لكي نولد نحن مسلمين دون تخفٍّ أو مخافة قتلٍ أو حصار، نسمع الأذان ونتكاسل حتى عن ترديده!

ناهيك عن إجابة النداء بالسير للمسجد!

نرى أحوال الأمة من شتات وفقرٍ و خراب، وجهل، وأقصى جهدنا «حوّل لي رابط»!

لا نألو جهداً ولا نملك علماً ولا معرفةً ولا نعمل بآية ولا نطبق حديثاً، ولا حتى نهاجر بأفكارنا عن فتن زماننا، ولم ندرك حقاً كم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيلنا نحنُ أمته، فهل يا تُرى نسعى لرد الجميل الذي لا يُرد؟ ونفكر ولو قليلاً كيف لنا أن نحمل الأمانة نخدم شريعة رسول الله؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق