الثلاثاء، 5 مارس 2024

سيناريو الهنود الحمر الذي تنفذه أمريكا في غزة!ّ

 

سيناريو الهنود الحمر الذي تنفذه أمريكا في غزة!ّ
عامر عبد المنعم


لا يمكن ترك غزة تتصدى وحدها للاحتلال الصهيوني وتحالف جيوش أمريكا والدول الغربية إلى ما لا نهاية، فالشعب الفلسطيني يحتاج إلى دعم عربي وإسلامي لمواجهة المجاعة والبقاء على قيد الحياة، وتقوية صموده وقدرته على مواجهة مخططات اجتثاثه من أرضه، كما أن المقاومة التي حققت انتصارات كبرى منذ السابع من أكتوبر ماذا تفعل مع عدو جبان لا يجيد غير القصف الجوي والمدفعي الأعمى الذي يدمر كل أسباب الحياة.

مع دخول العدوان على غزة شهره الخامس ما زال موقف الإدارة الأمريكية كما هو لم يتغير، فالأمريكيون يرفضون الوقف النهائي للحرب، ويؤيدون بشكل صريح ومعلن استمرار العمليات العسكرية حتى استسلام الفلسطينيين، وإجبار حماس على إلقاء السلاح ورفع الراية البيضاء، ثم تسليم غزة خالية من السكان للإدارة الإسرائيلية، وهذا الموقف الأمريكي إنما هو تنفيذ عملي للقانون القديم الذي تم تطبيقه مع الهنود الحمر وهو ” الموت أو النفي” ولا حل وسط بينهما.

في العقود الماضية، ومع قوة الشعوب ودعم الأمة وارتباط شرعية الحكام بالموقف من فلسطين كنا نقول إن ما جرى للهنود الحمر في القارة الأمريكية لا يمكن تكراره مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكن بعد الخذلان العربي والعجز التام عن إدخال الطعام –وليس السلاح- لإغاثة الفلسطينيين في غزة فإن إدارة بايدن تجرأت على استمرار الإبادة، وبدأت تطبيق السيناريو الذي طبقه الرجل الأبيض مع سكان أمريكا الأصليين شبرا بشبر وذراعا بذراع.

الإبادة بالقصف والتجويع مستمرة

أصبحت الإبادة بالتجويع بعد القصف هي الطريق الوحيد الذي يعلنه الإسرائيليون، ومعهم الأمريكيون، فمن لا يموت بالقنابل يموت بالجوع، ولا مكان آمن، سواء في الوسط أو في الجنوب، ولا عودة للشمال الذي تم تدميره بشكل شبه كامل، بل بعد اجتياح خان يونس وما حولها يستعد الاحتلال لاجتياح رفح في الجنوب، ويقدم الرئيس الأمريكي بايدن الغطاء الدولي كما فعل في الاجتياحين السابقين؛ بإعلانه المتكرر أن العدوان على رفح مقبول وشرعي إذا وافقت أمريكا على الخطة الإسرائيلية!

لقد وضع الصمود الفلسطيني مجرمي الحرب في مأزق، فالفلسطينيون رفضوا المغادرة و قرروا الثبات والبقاء والتمسك بالأرض، والتفوا حول المقاومة بكل فصائلها، التي تتكون من نسيج الشعب، ففشلت خطط نشر الفوضى وتأليب الغزاويين على حماس والفصائل المقاتلة، ولم يجد الإسرائيليون والأمريكيون من بين الفلسطينيين في غزة عملاء وخونة يتعاونون لتخريب الجبهة الداخلية وتمرير المخطط الصهيوني الأمريكي.

لكن مع طول مدة الحرب ونشر صور الإبادة على مواقع التواصل تصاعدت الاحتجاجات في العواصم الغربية التي تتورط حكوماتها في الإبادة، فانكسرت الحملات الرسمية لشيطنة حماس وفلسطين، وزادت الضغوط على الحكومات المتصهينة فراحوا –مكرهين- يبحثون عن مبادرات تحسن صورتهم مثل الإنزال الجوي للمساعدات، ولكن دون الاقتراب من الوقف النهائي للحرب.

لم تكن تمثيليات إنزال المساعدات من الجو إلا دليلا على ضعف الحكومات الغربية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، فأمريكا وبريطانيا وحتى فرنسا –رغم حرصها على الرجوع خطوتين للخلف- أرسلوا طائراتهم لإلقاء المساعدات من الجو على غزة، بموافقة إسرائيلية، ورغم ما تردد عن نزول بعض المساعدات في البحر وفي المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة فإن معظمها سقط في الجنوب والوسط وليس في الشمال الذي تفتك به المجاعة.

حتى الإنزال الجوي كان وراءه العقل الشيطاني، فهو شهادة من الدول الكبرى التي أسقطت كميات رمزية محدودة من الطعام لتقدمها “إسرائيل” إلى محكمة العدل الدولية، للتأكيد على أن الإسرائيليين استجابوا لقرار المحكمة بإدخال المساعدات لامتصاص الانتقادات وإعطاء المحكمة مبررا لتطويل أمد نظر الدعوى.

يهدف إسقاط المساعدات من الجو إلى تجميل صورة الحكومات الغربية المتهمة بالمشاركة في تجويع الفلسطينيين وإبادتهم، والإقرار بشكل عملي بحق “إسرائيل” في إغلاق الطرق البرية، وإغلاق المعابر خاصة معبر رفح، لإحكام الحصار وعزل غزة عن محيطها العربي، وترك المجاعة حتى تفتك بالفلسطينيين.

مأساة الهنود الحمر وحل الدولتين

هناك كتابات أمريكية كثيرة تتحدث عن التشابه بين الأمريكيين والإسرائيليين في التعامل مع احتلال أرض الغير، فظهور البروتستانتية وضم التوراة مع الإنجيل في كتاب واحد جعل المستوطنين الأوروبيين البيض الذين نزلوا إلى الأرض الأمريكية يترجمون نصوص ” الكتاب المقدس” ويستبيحون الإبادة من واقع النصوص التوراتية التي تحض على احتلال أرض الآخرين وقتل أصحابها بلا رحمة، وحرق المدن والقرى الآمنة بمن فيها من بشر وكل ذي روح.

اعتبر الأمريكيون الأوائل أنفسهم شعب الله المختار الذي أمره الرب بإقامة مدينة مقدسة “فوق التل” وأن الهنود هم الكنعانيين والعماليق الذين يحق لهم إبادتهم والقضاء عليهم، ولم يرد المستوطنين البيض الأوائل الجميل للهنود الحمر الذين استقبلوهم بالود والترحاب، وسمحوا لهم بالعيش معهم على أرضهم، وقدموا لهم الحبوب والطعام، لكن مع تدفق المستوطنين  بدا الزحف للاستيلاء على الأرض، وبدأت عملية الإزاحة للسكان الأصليين وبدأت المذابح بالأسلحة النارية والجيوش المدربة.

لم يقض الأوروبيون البيض على الهنود مرة واحدة، ولكن على مراحل، وطوال أربعة قرون قام الهنود بثورات ومقاومة مسلحة، وحاربوا القوى الأوروبية التي احتلت بلادهم مثل الإنجليز والفرنسيين والإسبان، لكن جحافل المستوطنين الذين أسسوا أمريكا نجحت في النهاية في إبادة الملايين من القبائل الهندية حتى لم يبق منهم غير بضعة آلاف في محميات ليس لهم حقوق لمجرد الذكرى والعبرة.

كان الهنود مقاتلين أشداء، وتعاطف معهم الكثير من البيض الذين أمدوهم بالسلاح الذي حققوا به بعض الانتصارات في البداية، لكن مع استمرار هجرات المستوطنين مال الميزان الديموغرافي لصالح المحتلين، فتمت إزاحة الهنود من الشرق إلى الغرب بالمعاهدات ورسم الحدود، والوعود بتأمينهم وحمايتهم من المستوطنين، لكن الغدر وعدم احترام الاتفاقيات كان هو السلوك الدائم من الرؤساء الأمريكيين والكونغرس.

بعد الهزائم وقتل الملايين منهم والتخلص من زعمائهم  في مستوطنات الساحل الشرقي لأمريكا تمت إزاحة الهنود من أرضهم إلى ما بعد سلسلة جبال الأبالاش، وتعهد لهم الرؤساء والكونغرس بحل الدولتين وأن المستوطنين البيض لن يعبروا إلى أراضيهم إلى الأبد، ولكن استمر زحف الاستيطان، وطردوهم إلى ما وراء نهر الميسيسبي، ووقعوا المعاهدات مع القادة الهنود الموالين، ووعدوهم بأن يسمحوا لهم بإقامة دولة هندية لكن لم يحترموا أي معاهدة.

وفي الفصل الأخير من الإبادة تم الاستيلاء على منطقة السهول الوسطى حيث تم تجميعهم عبر السنين، وتم وضعهم في محميات تحت حراسة الجيش الأمريكي، وتشكيل إدارات من الموظفين تتكون من بعض الهنود الموالين، يقدمون لهم الطعام  والمساعدات، ثم تركوهم للجوع وأجهزوا على ما تبقى بالأمراض والأوبئة التي قضت على معظمهم (اقرأ كتب منير العكش عن إبادات الهنود الحمر).

ليس معنى المقارنة بين الفلسطينيين والهنود الحمر هو التخويف أو إثارة الإحباط، فالاحتلال مهزوم وحماس منتصرة، والمبشرات بصعود أمتنا واسترداد عافيتنا مرة أخرى كثيرة، وقد وصلت الهيمنة الأمريكية إلى نهايتها، وإنما المقصود هو تحذير العرب والمسلمين الساكتين والمتفرجين بإن إخوانهم في غزة قاموا بواجبهم وصمدوا وينتظرون وقفتهم، وأن يمدوا لهم يد العون اليوم قبل الغد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق