بيني وبينك …. أخلاقُ الحرب
إنّ الصّراع بين البشر يبدو -إذا فَكّر فيه الإنسان- هو الأصل، وأنّ السّلام هو العارِض، وإنّ تاريخ الحروب ليسَ له زمنُ استِراحة، فهو لا يهدأ ألبتّة، وإنّ قومًا بعينهم فُطِروا على أنْ يُؤشِّبوا الحرب، ويُسعّروا نارَها، ويُوقِدوا ضِرامَها كلّما خبا، وإنّهم لا يرتاحون حتّى يروها تأكل البشر أكلًا وتسحقهم سَحْقًا. وإنّه إذا أوشكتْ أنْ تهدأ أو تنتهي، ألقَوا في جمرها جذعةً جديدةً ثُمّ نفخوا فيه فاشتعلَ ثانِية، أولئك هم بنو إسرائيل ومَنْ خلفهم من صهاينة هذا الزّمان، الّذين قال فيهم اللهُ تعالى: «كلّما أوقدوا نارًا للحربِ أطفأها الله، ويسعَون في الأرضِ فسادًا» .
إنّ هذا التّاريخ بدأ منذُ أوّل خطيئة قتلٍ ارتُكِبتْ في ابنَيْ آدم، يومَ قتلَ الأخُ أخاه، فأهلك بذلك سُدسَ البشريّة. وإنّنا نرى اليوم أنّ صهاينة الكيان الغاصب يسعَون في ذلك سعيًا حثيثًا، فما زالوا بأهل غَزّة يقتلون كلّ مَنْ يدبّ على وجهها من أهلها حتّى ظُنّ أنّه ليسَ لهذا اللّيل من صَباح. غير أنّ الحروب منذُ فجر التّاريخ قد نَشأت، ونشأتْ معها أخلاقُها.
فمن أخلاقِها ما قالَه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقطعوا شجرةً، ولا تقتلوا امرأة ولا صبيًّا ولا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا ولا مريضًا» .
ومنها قولُ أبي بكر الصّدّيق ليزيد بن أبي سفيان الّذي عَيّنه على الجيوش الذّاهبة إلى الشّام فيما يُعرَف بالوصايا العشر: «لا تقتلِ امرأةً ولا صبيًّا ولا كبيرًا هَرِمًا، ولا تقطعْ شجرًا مُثمِرًا، ولا تُخرِّبْ عامِرًا، ولا تعقرْ شاةً ولا بعيرًا إلا لأَكْلٍ، ولا تحرِقْ نخلاً، ولا تُغرِقْ، ولا تَغْلُلْ، ولا تَجْبُن» .
وإنّ الآلة العسكريّة الصّهيونيّة اليوم لتفعل في أهل غَزّة ما ليسَ من أخلاق الحربِ في شيء، بل إنّها أبانتْ عن جيشٍ فاشيٍّ نازِيّ لا يرقُبُ في ضعيفٍ إلًّا ولا ذِمّة، فها هم يقتلون الأطفال، ويهُلِكون الزّرع والشّجر، ويُدمّرون البيوت والمنازل فوق رؤوس ساكِنِيها فيُدفَنون تحتها أحياء، وإنّهم ليفعلون ذلك مستترين وراء دبّاباتهم ومُدرّعاتهم لأنّهم أجبنُ مِن أنْ يُواجهوا أصغرَ حاملٍ للسّلاح يُقاوم به عن نفسِه وأهله، ويذود به عن حِياضِه.
إنّهم لا أخلاقَ ولا خلاقَ لهم. وليتَ أنّهم قد خالفوا أخلاق الحرب مِمّا نَصّتْ به حتّى أعراف الأمم المُتّحدة الّتي يلوكونها بألسنتهم، بل إنّهم إذا قتلوا فَعَلوا بصُورةٍ فظيعةٍ لا يُمكن أنْ يقبلَها حتّى مَنْ تجرّدَ من إنسانيّته، إنّهم يدوسون بمجنزات دَبّاباتهم على لُحُوم الأطفال فيسحقونها حتّى يختلطَ لحمُ هؤلاء الأطفال بفرزات الجنازير فلا يبقَى لهم أثرٌ من عَظمٍ أو شِلوٌ من جارحة. إنّ هذا الجيش ليسَ بلا أخلاقٍ فحسب، بل إنّه تجرّد من معنى أنْ يكونوا بشرًا، أو أنّ لهم أرواحٌ إنسيّة تسكنُ أجسادهم، إنّهم وحوشٌ تدمدم فوق الأرض تفغر أفواهها فتبتلع في طريقها كلَّ حيّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق