الثلاثاء، 5 مايو 2015

نحو تيار شيعي عربي ضد جنون إيران

نحو تيار شيعي عربي ضد جنون إيران
ياسر الزعاترة


في أزمنة الحشد الطائفي يغيب العقل، وتحضر الغرائز، ولا ينجو من ذلك سوى القلة من الناس، لاسيما أن مخالفة القبيلة الطائفية أو العرقية ليست بالأمر الهين، بل تكون مكلفة في كثير من الأحيان، إذ تحضر الاتهامات بالعمالة والانتفاع، مع أن شيئا من ذلك قد يكون صحيحا في بعض الأحيان، وفي كل الجبهات بكل تأكيد.
في العراق تقل الأصوات العاقلة، وبالكاد نعثر على القليل منها، مع أن المراجع غالبا ما يتحدثون بنفس وحدوي، من دون أن يكون لهم موقف خارج سياق المناشدات التقليدية التي لم تعد مقنعة، لكن صوت المرجع محمود الحسني الصرخي يبدو متميزا، ليس فقط برفضه لاستعادة ثارات التاريخ، بل أيضا برفضه لانتهاكات الحاضر باسم المذهب وأهله، وموقفه من الانتهاكات التي حدثت في تكريت نموذج طيب على هذا الصعيد.
في الإطار الخليجي يبدو تعاطف بعض الشيعة واضحا مع المحور الإيراني، لكن مخاوف الاتهامات الداخلية لا تسمح بالجهر بذلك غالبا (يحضر ذلك جليا في مواقع التواصل)، في حين لا نعثر على صوت مهم يواجه إيران بحقيقة أنها تدمر التعايش بين الشيعة وجيرانهم من الغالبية السنية في المنطقة، مع أنهم من أكثر المتضررين عمليا من هذا الحشد الطائفي السائد.
ليس الوضع نموذجيا فيما خص الأقليات في المنطقة، لكنه أسوأ بالنسبة للغالبية أيضا، قبل عدوان إيران وبعده، ما يعني أن المظالم الطائفية إن وجدت إنما تعود لغياب الحرية والتعددية أكثر من أي شيء آخر، وكان ربيع العرب مبشرا بزمن مواطنة يتساوى فيه الجميع، فالتقت على حربه إيران وأنظمة الثورة المضادة العربية في آن.
في لبنان، وفيما نفتقد في هذه الأيام صوتا عاقلا مثل صوت العلامة السيد محمد حسين فضل الله، فإننا نعثر في المقابل على عدد من الأصوات الشيعية (مشايخ ونخب وأناس عاديون وليبراليون) يقفون بصلابة أمام سطوة حزب الله الجماهيرية، ويعلنون رفضهم لمساره السياسي، إن كان في سوريا أو العراق، وبشكل أكثر وضوحا في اليمن، بخاصة بعد أن نصب حسن نصرالله نفسه ناطقا باسم الحوثيين، أو نصبه الولي الفقيه بتعبير أدق.
يوميا نسمع بعض تلك الأصوات في عدد من المقالات والمواقع، وهي تحذر من مغبة ما يفعله حزب الله على التعايش في لبنان، وعلى مصير الطائفة، وصولا إلى مصالح أبنائها في الخليج، ممن بات بعضهم يغير مذهبه (على الورق طبعا) من أجل أن يجري ترحيله من مكان عمله وعيشه. بل وصل الحال بأحدهم أن يكتب محذرا زيدي اليمن بعنوان: «حذار من انتصار كانتصاراتنا».
لقد كان اليمن هو قاصمة الظهر لخطاب إيران ومن يتبعونها في لبنان وكل المنطقة، فهنا لا مجال لتبرير الموقف، فلا مقاومة تحتاج الحماية، ولا مراقد للأئمة يهددها أحد، بل هناك ثورة نجحت جزئيا، وجاء الحوثيون لكي ينقضوا عليها بالتعاون مع المخلوع الذي ثار الشعب ضده.
ما جرى في اليمن منح المتمردين الشيعة -إن جاز التعبير- فرصة الجهر بأصواتهم أكثر بكثير، ومن تابع تلك الأصوات بعد خطابات نصرالله الأخيرة التي خصصت لليمن فسيلاحظ ذلك، في حين فقد الرجل كل هيبة له داخل البلد خارج سياق الأتباع والمريدين، هو الذي يقدم خطابا على هذا الصعيد لا يمر على عقول الأطفال.
لا خيار في هذه المنطقة سوى التعايش، فلا إيران ستختفي، ولا أحد من الفريقين سيقضي على الفريق الآخر، فكلاهما باق هنا، لكن التعايش له استحقاقاته، ومن يدعم قاتلا في سوريا وأقلية معتدية في اليمن وسلوكا طائفيا في العراق، لا يمكن أن يكون مؤهلا لتسوية مقبولة ما لم يوقف عدوانه.
على عقلاء الشيعة والحالة هذه أن يقولوا لإيران: «كفى عبثا»، وكفى استخداما للأقليات الشيعية في المنطقة في سياق مشروع توسعي بلا أفق، ومن فعل منهم ذلك إلى الآن، وهم قلة يستحقون التحية دون شك.


•  @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق